الاقتصاد السوري كاقتصاد يعتمد على النظام الاشتراكي كان يوجد محاولات لفتح السوق أو الانضمام للأسواق العالمية أو نظام السوق المفتوح، وأيضًا كانت تُجابَه بصراع بين التيارات المختلفة ضمن الدولة السورية، وبعد عام 2000 كان واضحًا بأن هناك توجه إلى انفتاح معين ولخصخصة بعض القطاعات ولكن بشكل غير مباشر كان واضحًا ارتباطها بمنظومة السلطة ولو بشكل مخفي، واليوم عندما نتحدث عن أكبر ملف الذي كان له تداعيات سياسية أيضًا وهو ملف الاتصالات؛ فكان واضحًا أن شركتي تشغيل الخلوي في سورية كانتا مرتبطتين بالعائلة الحاكمة بشكل مباشر مع رامي مخلوف، سواء شركة "سيرياتيل" بشكل رسمي كرئيس مجلس إدارتها، ورامي مخلوف الذي هو ابن خال بشار الأسد، أو شركة "إم تي إن" ولو كانت نظريًا هي مملوكة من قبل نجيب ميقاتي ولكن في النهاية بطريقة أو بأخرى تتبع عوائدها أو ريعها أيضًا إلى المنظومة الحاكمة، وهذا الكلام ينطبق أيضًا على بداية البنوك الخاصة التي في الحقيقة كانت بالنسبة لنا أمرًا جديدًا على سورية، وأن تفتح في بنك غير البنك المركزي أو التجاري أو العقاري أو الزراعي والمصارف التي كانت موجودة في سورية، وأن تتحدث أكثر على موضوع التعامل بالدولار والذي كان محرمًا في التسعينات، وأنا أذكر تمامًا قبل أيام حافظ الأسد جريمة ذكر كلمة "الدولار"، وكنا نستخدم كلمة الأخضر وكم سعر الأخضر، وكنا دائمًا نلتف على ذكر كلمة دولار، وبعد عام 2000 كان يوجد وضوح وطبعًا هذا الكلام بعد تجربة خجولة لقانون الاستثمار رقم 10 في التسعينات، وجاء استحقاق فتح السوق؛ وكان المستفيد الأول هو السلطة، ولكنه أعطى مجالًا لرؤوس الأموال أو التجار أنه إذا أردت أن تكبر وتدخل في هذا المجال فأنت بطريقة غير مباشرة وحتى حد معين وإذا تجاوزته فأنت بحاجة أن تتشارك مع السلطة.

الذي ذكرناه سابقا عن موضوع التحالف أو مثلث السلطة الذي بناه حافظ الأسد والعلاقة بين المؤسسة العسكرية والأمنية أو السلطة والاقتصاد والدين، بدأت ملامح تغييره بعد عام 2000 تظهر أكثر وكان هنا الخاسر فيه هم تجار دمشق وحلب أيضًا لأسباب واضحة أن الجيل الثاني من السلطة الذين هم أبناء المسؤولين القدامى خرجوا أو جزء منهم خرجوا (ظهروا)، وقالوا نحن نريد أن نبدأ عملنا التجاري والاقتصادي فكان إما بالشراكة أو عبر سحب الإمكانيات أو الوكالات.

أنا كان معي في المدرسة خلدون مخلوف الذي هو ابن عم رامي مخلوف، وهو بالتالي مقرّب من العائلة الحاكمة، وهو فعليًا شاب في ذلك الوقت كان عمره بالثلاثينات، ولا يوجد لديه أي إمكانيات كشخص لأن يبرز كرجل أعمال وفجأة خلق شركة "جوليا دمنا" التي أصبح لديها حوالي 15 إلى 20 شركة طيران، وبالنتيجة هذه وكالات الطيران "لوفت هانز"، و"الوسترن ايرلاينز" و"آير فرانس"، وطيران الخليج وغيره، انسحبت من الوكلاء الأصليين الذين كانوا تجارًا من دمشق وحلب، وهذا الكلام أيضًا ينطبق على شركات صناعية أو معدات أو مواد بناء، وانطلق مع انفتاح موضوع المعارض في وقت كان معرض دمشق الدولي الذي هو يمثل ثقافة النظام الاشتراكي أو السوق القديمة، حتى خلقت معارض مثل بلدكس؛ وشام؛ ومعارض سنوية كانت تستقطب شركات دولية، ودائمًا ما يكون خلف الكواليس رجالات السلطة أو أبناؤهم وهم موجودون. 

وأريد أن أقول بأن هذا التغيير في المثلث نوعًا ما أشعر تجار دمشق بطعنة في وقت كان جزء منهم أبدى ولاءً للسلطة، ومن القصص التي نسمعها أثناء الدعوات لإضرابات في الثمانينات تضامنًا مع أهالي حماة، وأيضًا المناطق التي كان يوجد فيها مجازر في الثمانينات كانت غرفة تجارة دمشق ممثلة ببدر الدين الشلاح ورجالات المال في دمشق أنهم نزلوا بأرجلهم حتى يفتحوا المحلات التي كانت تحاول الإضراب للتضامن ويقولون لهم أنتم ماذا تفعلون وهذا التحالف أساسي لاستمرار أعمالنا ونشاطنا.

ولذلك الذي أريد أن أقوله؛ وهذا هو انطباعي؛ أنه في ثورة عام 2011 الثورة السورية رأس المال أو تجار دمشق وحلب لم يصطفوا بالكامل مع السلطة، وجزء منهم كان داعمًا للثورة، وجزء كان في المنتصف، يعني لا يدعم الثورة أو يدعم السلطة لإبقاء مصالحه، ولكن على الأقل جزء منهم شعر أن الذي حصل بعد عام 2000 هو انقلاب على هذا الاتفاق غير المعلن ولكنه ضمني، على أن مجال الاقتصاد هو حصري لهذه الفئة، فدخول السلطة واستحواذها على الفعاليات الأكبر الاقتصادية التي ذكرناها ومنها البنوك الخاصة والشركات الكبيرة والوكالات الأجنبية ووكالات الألبسة ووكالات السيارات، وكلنا نذكر الصراع بين سنقر ومخلوف على وكالة "مرسيدس" في ألمانيا، وحتى بداية الثورة لم يكن قد تم حل الموضوع وعلى أثرها رأينا أن عائله سنقر أو جزء منهم وقفوا بشكل معلن موقف مع الثورة.

أيضا الجامعات الخاصة والمدارس الخاصة مثل شويفات والمدارس الدولية أو المدرسة الأمريكية في دمشق التي كانت موجودة سابقًا ولكنها بدأت تأخذ دورًا أكبر، والمدرسة الباكستانية والمدرسة الفرنسية، وفي هذا الوقت بدأت تأخذ أيضا أدوارًا أكبر ليس فقط في مجال التعليم وإنما في المجال المجتمعي. وافتتاح الجامعات الخاصة أيضًا كان له أثر جدًا كبير في استقطاب أبناء النخب التجارية الذين عادة ما كانوا يسافرون لاستكمال دراستهم الجامعية إما في جامعات بيروت أو جامعات الأردن أو حتى في الجامعات الأوروبية، وفعليًا كان هذا الجيل من أبناء التجار غالبًا ما يكون الاغتراب هو المجال ولكن بوجود الجامعات الخاصة فإن شريحة كبيرة منهم كانت موجودة واستمرت بالعيش في دمشق وبدأوا يخرجون بمشاريع أو محاولات مشاريع سواء مجتمعية أو اقتصادية، وأنا ذكرت سابقًا بأن المنصات التي كانت متاحة منها "رواد الأعمال الشباب" وأيضًا "الغرفة الفتية الدولية".

فعليًا الأمن داخل في كل القطاعات يعني لا يمكنك الإغفال أنه لو أراد أو لو أنا أردت مثلًا أخذ وكالة أجنبية فيمكن دائمًا أن يكون هناك عوائق لها علاقة بالرُخَص ولها علاقة بالموافقات، وهذه كلها تصبح حياتك أسهل بكثير لو كان لديك شريك من السلطة أو ابن فلان أو لديه علاقات معينة وبالتالي هم شركاؤك وهذا إذا تحدثت عن وكالة أجنبية، ولكن أنا اليوم إذا أردت فتح فقط سوبر ماركت أو ميني ماركت فأنت لست بحاجة مشاركتهم، ولكن إذا أردت أن تفتح سوبر ماركت على مجال أكبر فأنت حتى لو بشكل غير معلن فانت بحاجة أن تشارك السلطة، وإذا أردت أن تفتح مكتب سيارات في حرستا فيمكنك أن تفتح ومعروف رأسمال هذا الأمر، وإذا أردت أن تأخذ وكالة سيارات فأنت حتى لو بشكل غير معلن أنت بحاجة بشكل رسمي أن يكون لديك شريك يسهل لك أمورك، واليوم أصعب موافقات أمنية يمكنك أن تحصل عليها هي الترخيص لمدرسة أو تفتح حزب سياسي، وهذان الأمران كانا أشبه بالمستحيلات، فأنت بحاجة إلى 12 موافقة أمنية، وأنت من المستحيل أن تحصل عليهم، يعني اليوم الذي أخذ وكالة مدرسة شويفات وكالة القرية الصغيرة هم أبناء هذه السلطة وفعليًا نوعًا ما لديك مجال ولكن من خلال السلطة.