والحقيقة كان نظرنا أنه لن ينجح حصولنا على ساحة [للاعتصام]، والاستمرار بمجرد الاستمرار هو نجاح، والاستمرار يكون بطرق مختلفة، وكان يوجد حالة مرونة عالية وإبداع لدى شباب الثورة أنه دائمًا [أنه مثلًا] حصل تركيز على "مسجد الرفاعي"؛ انتقل إلى مسجد "الحسن" وحصل تركيز على منطقة مثل جوبر أو برزة؛ فنحن ننتقل إلى مكان آخر، فكان حي الميدان الذي هو حي دمشقي ولكن بنفس الوقت كان يوجد اعتبارات أنا لا أؤمن بها كثيرًا ولكنها موجودة في الحقيقة لدى الناس، وهي فكرة أن دمشق "داخل السور وخارج السور"، يعني في الحقيقة اليوم لا يمكن أن تنظر لها لأن حالة الثورة كسرت كل الأسوار ولم يعد هناك أناس يفكرون بريف أو مدينة من أبناء دمشق، يعني أنا أسكن في حي أمني عال وأنا أبحث عن مكان ثانٍ حتى لو لم أكن ابن هذا الحي حتى أتظاهر فيه، واليوم عندما تقول أنه حصلت مظاهرة في [حي] الميدان فهي لا تخص فقط أهالي الميدان أو أبناء المنطقة وأبناء الحي الذين تظاهروا فيه، وكان العكس يأتي دائمًا مظاهرة أو دعم أحيانًا من دوما وأحيانًا من المهاجرين والمزة ومن أبي رمانة والمالكي أيضًا وكان يوجد شباب في الحقيقة هم من أبناء هذه الأحياء الراقية، الأحياء التي تعد مرتاحة نسبيًا ويوجد الكثير من الشباب من الأقارب والأصدقاء وفي الاعتقال كان يوجد أحد الأسئلة أنه أنت ابن هذا الحي من طبقة راقية ما الذي ينقصك يعني، كان السؤال دائمًا ماذا ينقصك حتى تخرج وتشارك في هذه الثورة وأنت موجود لديك كل شيء، والحقيقة كان حي الميدان هو مقصد لبقية المناطق كما كان يكون هناك مظاهرة أو تشييع في منطقة كفرسوسة، فكنت تجد هناك أهالي اغلب المناطق يأتون من مناطق مختلفة حتى يساهموا في هذه المظاهرة، وحي الميدان كان له رمزية جدًا مهمة، وهنا أيضًا بدأ الطابع أو الرمزية الدينية للمشايخ الذين يخطبون في هذه الجمع، فالشيخ [محمد] كريم راجح الحقيقة له رمزية عند الدمشقيين تعدى حي الميدان حتى وصل إلى كل دمشق والحقيقة إلى كل سورية، كما الشيخ أسامه الرفاعي، والشيخ البوطي (محمد سعيد رمضان البوطي) له هذه الرمزية ولكن مع الأسف هو أخذ الموقف الثاني ، لذلك الناس لم تكن تذهب حتى تقصد مثلًا مسجدًا في ركن الدين أو مسجد "الإيمان" حتى تتظاهر فيه بالرغم من محاولات بسيطة حصلت في مسجد الإيمان، أو المحاولات التي كانت تكون في الصالحية وفي منطقة ركن الدين وأيضًا المهاجرين، التي كانت دائمًا تكون مظاهرات طيارة أو سريعة ولكن لها أثر.

بطبيعة الحال مجزرة ساحة العباسيين التي هي في "الجمعة العظيمة"، وفي هذا اليوم أنا بالنسبة لي شاهدت المشاهد بعد صلاة الجمعة بعد الظهر، عندما عدت إلى المنزل وفتحت الإنترنت وبنفس الوقت كانت النهاية في مظاهرة مسجد "الحسن" في الميدان تحت الجسر المتحلق، وأنا قبل قليل ذكرت موضوع السجال بين الثوار وبين إعلام النظام بين رواية النظام وسردية النظام وسردية الثورة، والنظام مصمم وبطريقة حقيقة هي تغازل عواطف الموالين وأعتقد حتى هم أنفسهم لا يصدقونها، ولكن كانت مجالًا حتى الناس يتندرون فيه أنه مُصِرٌّ على إنكار الموجود، يعني إنكار الحقائق بطريقة أحيانًا تكون ساذجة، يعني بنفس يوم الجمعة مظاهرة مسجد "الحسن" أو جوار مسجد الحسن لأنه كان يوجد أشخاص أساسًا انتهوا من صلاتهم في مناطق، وذهبوا إلى منطقة الميدان حتى يراقبوا، وحتى إذا حصلت مظاهرة هناك يشاركوا فيها، ويوجد أيضًا أشخاص لم يكونوا من المصلين ويوجد أشخاص أيضًا من طوائف أخرى، وأنا أعرف تمامًا شبابًا وصبايا مسيحيين، يعني صلاة الجمعة هي بطبيعة الحال للرجال فكنت تجد أن أعداد النساء في مظاهرة ما بعد صلاة الجمعة كبيرة، ومشاركتها لها فعالية ولها روح ميزت الثورة بمشاركة كل شرائح الشعب وكل أجناسه.

ففي هذه المظاهرة التي حصلت كان أثرها النفسي والمعنوي كبيرًا جدًا، لأنها كانت في قلب حي دمشقي، وحالة الوجود تحت الجسر والصدى الموجود بسبب الحالة كانت تعطي شيئًا مرعبًا للشبيحة وله هيبة ورهبة جدًا كبيرة لدى الثوار، والحقيقة في يومها كانت المظاهرة وفي وقتها الناس لم يكن لديهم أخبار ولا يستطيعون أن يعرفوا ماذا حصل؛ ولكن في الحقيقة يوجد شيء روحي يكون بين ثوار بقية المناطق، وعندما ترى أنه في أحد أيام الجمعة يوجد فيها شعلة الثورة تنتقل عبر أثير الثورة وعبر الحالة الروحية الموجودة والتآزر الطبيعي الموجود بين الناس أو يوجد حالة تنسيقية، أنا بالنسبة لي لم أكن أعرف عنها ولكنها موجودة بين شباب التنسيقيات، فهذه المظاهرة في الحقيقة كان في يومها؛ أو بالعادة بعد المغرب ونحن نتحدث عن شهر نيسان/ أبريل ووقت الغروب كان تقريبًا الساعة السادسة وهنا تبدأ الفيديوهات بالوصول ويتم رفعها على صفحات الفيسبوك أو صفحات الإنترنت، فأنت تقارن بين الشيء الذي يحصل في المناطق المختلفة، فكان يوجد شيء مؤلم يأتي من ساحة العباسيين وبنفس الوقت كان إعلام النظام يمارس طقوسه المعتادة بالنسبة لنا من الكذب المفضوح، وفي وقتها ظهر على الصفحات ومن ثم على الإعلام المختلف وبشكل ضخم بالإضافة إلى المظاهرة الجد ضخمة والعظيمة في الغوطة الشرقية باتجاه العباسيين وأيضًا مظاهرة حي الميدان؛ وبالعادة النظام إما يتجاهل إذا كان حدثًا صغيرًا أو فعليًا يركز عليه ولكن يركز عليه بطريقة النفي، فكانت الحادثة المشهورة التي أثبتت كذب النظام حيث خرج على إعلام النظام على تلفزيون الدنيا أو الإخبارية السورية وفي هذا اليوم كانت فضيحة والناس يعرفونها وهي كذب النظام السوري بأنه في هذا اليوم كانت الكذبة الكبرى أو إحد الأكاذيب الكبرى للنظام السوري على الإخبارية السورية، حيث خرجت المذيعة وقالت إنهم يكذبون ويقولون يوجد مظاهرات وهذا الشيء كذب والناس خرجت وعلى خلفية الشاشة يوجد صورة المظاهرة ويوجد صورة لأشخاص موجودين محتشدين تحت الجسر وقالت إن الناس لم يخرجوا بمظاهرة ضد النظام وهم خرجوا حتى يشكرون ربهم على نعمة المطر، لأنه في يومها نزل المطر، والحقيقة هذه بالنسبة لنا كانت طرفة ولكن أحد المعالم التي أظهرت تخبط النظام سواءً إعلاميًا أو رسميًا بالتعامل مع الأحداث، وكم يمكن أن يركز النظام على ما يحدث داخل مدينة دمشق، يعني هو لم يعلق على مجزرة أو المظاهرة العظيمة في وقت نقلها الإعلام العربي والغربي ولكن كان يهمه أن ينفي أي حدث يحصل داخل مدينة دمشق، لأن هذا في الحقيقة يمكن أن ينكر كل سردية النظام، بالعادة ينفي النظام بقوله إنهم ثلة صغيرة موجودة مرتزقة مأجورين سلفيين ولكن [أن] ينفيها بقصة خيالية؟! 

التعامل الأمني كان في الأحياء الدمشقية في ذلك الوقت غالبًا إما بالقمع بالهراوات والتخويف أو بإطلاق الرصاص في الهواء، وأنا لا أذكر في هذه المظاهرة بأنه حصل إطلاق نار على المتظاهرين بشكل مباشر وأحيانًا حتى تكون نهاية أو فض هذا الاعتصام حيث تدخل السيارات أو باصات الشبيحة والأمن بين المتظاهرين من أجل فض المظاهرة أو إطلاق الرصاص بالهواء لتحذيرهم، وفعلًا الناس يشعرون بالخوف ويتذكرون المشاهد التي تأتي من بقية المناطق فتكون هكذا نهايتها.