المشاركة في اعتصام ساحة الأندلس وإبراز أخلاقيات الثورة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00;11;18;24
بعد انتهاء الجنازة، أصبح هناك إعداد للتعزية والتأبين، والثوار أخذوا أكبر ساحة في قطنا، اسمها: ساحة الأندلس، ويمرّ منها شريان المواصلات الأساسي في المدينة، وأغلقوه من الشرق والغرب، وأنزلوا مئات الكراسي، وأُغلقت المحلات، وبدأ الإعداد لأمسيات العزاء، وكانت ثلاث أمسيات، وأنا مشترك في الثلاثة. كان شباب الثورة ينتظرونني في أحد مداخل الساحة باتجاه بيتي وهم يعرفون أنني سآتي منها، كنت آتي أنا ومجموعة من الشباب من حارتي ورفاقي وأصدقائي، وندخل، وهم حاضرون، ويحملونني، وبدأت الهتافات، وندخل إلى الساحة كفريق جديد يحمل هتافاته وشعاراته إلى إن ندخل إلى أمام المنصة، وما إن يشاهدنا عريف الحفل وراء "الميكرفون"، حتى يصرخ في الساحة: جاءنا الرجل الحر. وأول مرة سمعت فيها هذا الكلام لم أعد أجد الكلمات بعدها لأتكلم، وأصابني الصمت، وأتمنَّى أن أقول هذا الكلام المكتوب هنا عن العملية: "ندخل الساحة في احتفالية غير مألوفة من قبل، وليس لها اسم، وليس لها اسم معروف أبدًا، هي مزيج من الأفراح والأتراح -تخلو من الحزن-، من الغضب والاستبشار، أغانٍ وأهازيج وهتافات، وأحيانًا شتائم تنفلت من الأفواه كفراخ طير طال احتباسها. أحاول ضبط إيقاع التظاهرة من الأعلى، فيحالفني التوفيق حينًا، ولا يحالفني حينًا آخر، إنه إبداع الثورة العفوي المتعدد والمنفلت من كل قيد باستثناء قيد الأخلاق. نقترب من المنصة، ويلمحنا عريف الحفل، ثمَّ تدوَّي في أنحاء الساحة ثلاث كلمات: جاءنا الرجل الحر. يا إلهي، أيُّ شهادة مشرّفة يمنحني إياها هذا الحشد من هذا المكان وفي هذا الوقت، فلا تعلو عليها شهادة، ولا يسمو إليها وسام، أرجو أن أكون مستحقًا لها، فأن تكون حرًا لا تحتاج بعدها لشي، وليس بوسعك أن تطلب أكثر، فبالحرية وحدها يصبح الإنسان أعظم مخلوقات الله، يربح نفسه وما عساه أن يخسر بعد ذلك ولو خسر العالم. ثورة في القلب، شهداء في الذاكرة، وعلى مرمى البصر، جموع تستقبلك بحفاوة، وعليك أن تردّ، ومحفلٌ مهيب يستحثك أن تحشد طاقاتك، وتسمو إلى سويَّته، وتصبح قرينًا له. أيَّتها الشجاعة المقدسة، امنحيني بعضًا من قبسك، وأيتها الكلمات الجميلة، تعالي إلى لساني، فهذا زمن القول، أيتها الحكمة لا تتخلي عني فهذا وقت الاحتكام إلى الحكمة. يا الله، ما أصعب النجاح! وما أطيبه! هل يكون لي منه نصيب في هذا الامتحان الصعب؟ ولكن من يجد نفسه في البحر لا بدّ أن يسبح، وبحر الجموع ليس أقل هولًا ومهابة وروعًة من بحر المياه، أشمِّر عن زنود الفكر، وأقدح زناده مفتتحًا القول: الله أكبر. وتدوّي الساحة بتصفيق لا يشبه التصفيق، بل هتاف الأكفّ لذكر الرحمن واستنصاره، وأبدأ. لم أتوهَّم لحظة أنَّ هذه الحفاوة شأن شخصي يخصني، وليس لأحد أن يعتقد ذلك، إنّها حفاوة بالحضور الوطني السوري في لحظة انبعاث الوطنية الحقة والحاجة إليها، والمرسل والمتلقي كلاهما متفاهمان على جوهر هذه الرسالة، ومن أحقّ من دم الأبرياء وأرواحهم الزكية في تفتيح براعم الوطنية وإحياء جذورها العميقة في بنية المجتمع؟ ".
هذا المشهد تكرر في الأيام الثلاثة، ولكن الحضور كان متنوعًا ومختلفًا؛ لأنه كان من جميع القرى والمدن المجاورة في ريف دمشق، فمثلما كنا نذهب ونشارك في تأبين الشهداء في المدن الأخرى بدأت تلك المدن تأتي، وتشاركنا. ويوميًا هناك وفود: من المعضمية، من جديدة عرطوز، من داريا، من بيت تيما، ومن الكسوة، ومن خان الشيح، ومن كل محيط منطقة قطنا؛ وبالتالي هذا المهرجان الثوري كان يعمّ باتجاه كل هذه المدن التي هي الريف الغربي والجنوبي لمدينة دمشق.
كانت الشعارات دائمًا عن الشهيد، واتجهنا بعد ذلك إلى الحرية، مثل: "حرية حرية". وبعد ذلك آخر شيء وصلنا إليه هو: "الشعب يريد إسقاط النظام". هذا [التدرّج] الذي كان حاصلًا، وخلال هذه الأيام الثلاثة كان كل يوم لدي كلمة؛ وكلمة ينتظرها الشباب، وهي باسمهم، فيستقبلونني من أول الساحة، وينزلونني أمام "الميكرفون"، ولا أحد يمسك بالميكرفون عندها، ويجب أن تتقدم، وتقول. وكان منحى هتافاتنا في الأساس هو منحى الكلمات التي كنت أقولها كسياسي، والنقطة الأولى التي بدأنا بها هي أخلاقيات الثورة؛ أخلاقيات الثورة في موضوع السلمية، وخاصًة أننا كنا نلمس أن النظام كان يريد أن يجرّنا نحو العنف، ويرسل لنا مسلحين لنشتبك معهم، وكنا نواجه ذلك، أخلاقيات الثورة... وأكثر من مرة قلت لهم: نريد أن نعلّمهم كيف يكون الحكم، بمعنى أن الثورة تطمح للتغيير الكامل وليس الجزئي، نريد أن نعلمهم كيف هي أصول الحكم، ونريد الحريات والمساواة بين الناس، وأن ينتهي التمييز بشكل كامل، فإرادة الشعب يجب أن تُحترم. ومجمل أخلاق الثورة تحدثنا عنها، وخاصًة أنه في تلك الأيام برز العطاء من الداخل بشكل لا يصدق، فالمحل الذي فيه طعام بدأ يُخرج الطعام ويحضره للغرباء والمتظاهرين، فحجم العطاء أصبح بسيطًا ورخيصًا أمام الناس الذين قدّموا أرواحهم. النقطة الثانية [في خطابي]: الوحدة الوطنية، وفي أحد الخطب، يبدو أنني تحدثت عن المصالحة، وأنه يجب ألا نسمح للنظام أن يضع حواجز وخنادق بين مكونات المجتمع، ويجب أن نسعى للمصالحة الوطنية، والثورة هي ثورة السوريين كلهم، ويبدو أنني قد بالغت كثيرًا في الكلام عن المصالحة، فاستفزّ ذلك بعض الشباب. والنقطة الثالثة التي تحدثنا عنها وكانت محور الحديث: قصة استمرارية الثورة، فالثورة ليست انقلابًا سيحصل غدًا، وبدأنا نؤسّس لأرضية بأنَّ الصراع طويل، وقد يكون معقدًا، ولكن المطلوب أن نستمر به، لأن الثورات تغييرية وليست تزيينية للأشياء، والاستمرار يقتضي أن نتعامل بسياسة فائقة من أجل ألا نعطي عدونا أي مبرر للقمع وأي مبرر يقوم بأعمال ويسبب جراحات داخل المجتمع، وثانيًا- لسنا نحن من سيحرر سورية، ولكن نحن معنيون بأن نقوم بنصيبنا في الثورة في محيطنا، لكننا معنيون كيف نرى السوريين الآخرين وما هي مواقفهم في الثورة، ونكون أيضًا على صلة مع مواقف الثورة الأخرى؛ لأن الانتصار الحقيقي هو في انتصار مرتكزات الثورة في كل مكان.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/07/23
الموضوع الرئیس
البدايات الأولى للثورة السوريةالحراك السياسي في بداية الثورةكود الشهادة
SMI/OH/56-27/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
5/2011
updatedAt
2024/11/15
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-منطقة قطنامحافظة ريف دمشق-مدينة قطناشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية