بدايات الثورة السورية ومشاهد من واقع مدرسة الاستطلاع
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:16:21:08
أثناء تواجدي في مدرسة الاستطلاع بعد نقلي من الكتيبة 48، ولا أخفي أنه كان نقلي من الكتيبة 48 مهام خاصة إلى مدرسة الاستطلاع، كان بقرار علوي بحت، وكانت هذه الكتيبة اسمها: الكتيبة الفدائية، وعملها في منطقة فيق ومنطقة الجولان، وكانت كلها عبارةً عن ضباط سنة وفدائيين من الجولان أنفسهم، ولكن عندما تم توقيع عملية السلام بين حافظ الأسد وإسرائيل وتسليم الجولان، لم تعد هذه الكتيبة سوى مركزًا للسرقة الكاملة، فبدأوا باستقدام ضباط علويين، والتغيير في آلية هذه الكتيبة، وهي الكتيبة الفدائية الوحيدة الموجودة في سورية، وتم نقلي فيما بعد إلى مدرسة الاستطلاع؛ بحكم أنني سني موجود في الكتيبة، وبعدها تم نقل بقية الضباط، ولم يبقَ إلا ضابط واحد، حتى إنني اتصلت بقائد الكتيبة، وقلت له: هل انتهيت؟ هل تمت الأمور؟ هل نقلت جميع السنة من الكتيبة، وأصبحت كتيبةً علويةً كاملةً؟ وهو تفاجأ من الكلام، والحقيقة هذه.
وصلت أنا إلى مدرسة الاستطلاع، وفي يوم الاثنين كنت مناوبًا، وفي يوم الثلاثاء كان 15 آذار/ مارس 2011 كنت أتابع الشريط الإخباري على قناة الجزيرة وعلى قناة أورينت، [وكانوا يقولون] اليوم يومكم، اليوم همتكم، وأنا أفكر: بدأ الحلم يتحقق، الحلم الذي رسمه لي والدي، والذي كنت أخطط له، وأفكر به منذ أن تطوعت في الجيش، كيف سيتم قلب نظام الحكم على بشار الأسد؟ وكيف سيتم محاكمة المجرمين الذين مازالوا موجودين حتى بعد موت حافظ الأسد، والذين قاموا بالجرائم بحق الشعب السوري في حماة وجسر الشغور وحلب وغيرها؟
في بداية الثورة، وقبل تاريخ 15 آذار/ مارس، [كان هناك] دعوة عبر المواقع الإلكترونية وناشطين في الخارج للثورة في سورية، كما حصلت في تونس ومصر وليبيا، وأنا كنت أتابع عبر الشريط الإخباري هناك قناة الجزيرة البث المباشر، وهناك عدة قنوات، كنت أتابع ما يتم التشجيع له للقيام بالثورة في سورية، [وكانوا يقولون:] اليوم يومكم يا أبطال، وعلينا تغيير النظام، وهذه الفقرات التي كانت تُرسل بشكل مباشر، وبقيت حتى الساعة 12:00 ليلًا في مكتبي، وأنا أتابع وأفكر كيف ستقوم الثورة، ومن سيقوم بها، وأين ستقوم الثورة، وما هو موقف النظام والمخابرات من هذا الموضوع؟
في اليوم التالي يوم الثلاثاء 15 آذار/مارس صباحًا، فتحت قناة الجزيرة والعربية وأورينت، أبحث في كل القنوات عن خبر لم أجد شيئًا، حتى أصبحت الساعة 2:00 ظهرًا ولا يوجد شيء، وذهبت إلى المنزل محبطًا، فلماذا لا تقوم الثورة في سورية مثل ثورة تونس -ثورة شعبية-، مثل مصر؟ وصلت المنزل، وفي الساعة 4:00 أو 5:00 يوم الثلاثاء فتحت قناة أورينت وإذ الناشطة مروة الغميان، وكان قد تمّ نقل الفيديو وهي تحمل العلم في باب الجابية، وتنادي: "حرية حرية"، وهنا قلت: الآن انكسر حاجز الخوف، -بغض النظر- سواءً كان في باب الجابية أو في مكان آخر. وفي هذه الأثناء تحدثت إلى الشهيد عارف النبهان -رحمه الله-، طبعًا الشهيد عارف النبهان هو شقيق زوجتي، وهو مدير مكتب رئيس فرع الأمن السياسي في حلب، ومسؤول المهام الخاصة، وقال بالحرف الواحد إنه عندما تم تحديد تاريخ 15 آذار/ مارس عام 2011، كان خوف النظام المرعب من حلب، وبالتالي صدر أمر إلى جميع أجهزة الأمن في حلب؛ المخابرات الجوية وأمن الدولة والأمن العسكري والأمن السياسي والأمن الجنائي، إلى محاصرة ساحة سعد الله الجابري من 16 طريقًا، وكل الطرقات التي يمكن أن تؤدي باتجاه ساحة سعد الله الجابري يجب حصارها بشكل كامل في هذا اليوم، ومن الساعة 4:00 صباحًا توزعت جميع عناصر أفرع الأمن حول هذه الساحة، وكان القرار كالتالي: كل شخصين يكون معهم ثالث يتم اعتقالهم، في أي مكان في هذه المنطقة، كل شخصين ومعهم ثالث يُعتقلون، سواءً كانوا ذاهبين إلى الجامعة أو لـ [شراء] الخبز أو للعمل أو أي شيء، وهذا يتم حله فيما بعد، ولكن أي شخصين ومعهم شخص ثالث يتم اعتقالهم فورًا في ساحة سعد الله الجابري، وكانت المفاجأة أنه لا يوجد حراك أبدًا في حلب -مع الأسف الشديد-، ولم يحدث ما كان يفكر به النظام، ويخاف من حلب؛ حلب سعد الله الجابري وحلب إبراهيم هنانو، وحلب التي كانت أيضًا فيها الثوار المناهضين للاحتلال الفرنسي.
رأيت الفيديو على قناة أورينت، وبدأ يُذاع أيضًا على بقية القنوات، وهنا بدأنا نفكر كيف يتم العمل على إنشاء هذه البذرة التي حدثت، وكيف أن المخابرات اعتقلت مروى الغميان، وماذا يمكن أن يحدث. وطبعًا عدنا إلى الدوام، وكان الوضع صمت الخائف، فلم يتحدث الضباط بما حدث قبل يوم، وهذا الموضوع أصلًا لا يحتاج إلى حديث، يعني موقف صغير جدًّا جدًّا.
في تاريخ 18 آذار/ مارس، وعندما كتب الأولاد على جدار درعا، وحدث وقام بالإجرام عاطف نجيب، وقررت الفرقة الرابعة الدخول إلى درعا (اقتحامها) في تاريخ 21 آذار/ مارس (الصحيح تاريخ 23 آذار/ مارس – المحرر)، العقيد محسن صافي رئيس قسم التوجيه السياسي، ونحن في باص المبيت، طبعًا الجميع يعلم أن تركيبة الجيش هي 10% سنة و90% للنظام، وهناك في مدرسة الاستطلاع 40 ضابطًا علويًّا ونحن 4 سنّة، ووقف العقيد محسن الصافي -رئيس قسم التوجيه السياسي-، وأدار رأسه خلفًا باتجاهنا واتجاه الجميع، قائلا باللهجة العلوية: "ما يقولوا أهل درعا بدن بشار الأسد يطلع لعندن (يقولون أهل درعا أنهم يريدون أن يذهب بشار الأسد إليهم)، وبلا درعا (سنمحو درعا من الخارطة)". هذا الموضوع خطير جدًّا، وهذه إشارة إلى أن النظام والجيش مستعد أن يبيد درعا بشكل كامل، فقط كي لا يذهب بشار الأسد إلى درعا، وذهاب بشار الأسد إلى درعا، بشار الأسد أبوه ذهب إلى أعدائه وصالح إسرائيل، فهل يمكن أن يكون ذهاب بشار الأسد إلى شعبه في درعا هو خلاف للمعتقدات وخلاف للأخلاق؟ فإذن هم يعتقدون ويظنون ويفعلون أن الشعب البقية هم عبيد، والنظام العلوي بما فيهم بشار وحاشيته هم الأسياد، لذلك لا يمكن أن يذهب السيد إلى العبد، بل يجب إبادة درعا. وهذا الموقف الذي يصدر من رئيس قسم التوجيه السياسي في مدرسة الاستطلاع، وهي تتبع لإدارة الاستطلاع، وهو مركز كبير جدًّا وليس سهلًا، والضابط أيضًا مكانه ليس بالسهل، وبالتالي لو أنه لم يعلم أو أنه لم يأخذ من قادته ما قاله، لما قال أن عليهم إبادة درعا كاملةً لأجل موقف من مواقف أطفال صغار كتبوا على الجدار!
في اليوم التالي، عندما بدأ الهجوم على درعا من قبل الفرقة الرابعة، بدأت أشاهد على التلفاز قناة الجزيرة، وبجانب غرفتي العقيد محسن صافي -رئيس قسم التوجيه السياسي-، ولديه توليف على التلفاز الخاص به بحيث كل قناة أو محطة أضعها تصل إلى محسن صافي، ودخل وبدأ يزبد ويرعد، [ويقول]: تضع على قناة التشويه، وهذه القناة مأجورة، عليك أن تضع على قناة الدنيا، فأطفأت التلفاز، وذهبت إلى ضابط الأمن النقيب محمد سلامة، ورئيس فرع العمليات العقيد صلاح، وإذ الجميع يضعون على قناة الجزيرة ويشاهدون كيف أن الفرقة الرابعة تقوم باقتحام المسجد العمري وباقتحام درعا، و[قالوا لي]: أهلًا أبا ياسر، تفضل، أحضروا القهوة للنقيب عمار، وبدأت أشاهد مع الضباط العلوية اقتحام درعا.
ضابط التوجيه السياسي محسن صافي، يعلم أن مشاهدتي أنا لقناة الجزيرة تختلف عن مشاهدتهم هم لقناة الجزيرة، لذلك كان خطيرًا، وبعد أيام صدر قرار من وزارة الدفاع بإلغاء وسحب جميع [أجهزة] الدشات (جهاز استقبال القنوات) من الجيش والفرق والكتائب، عدا قادة الفرق العسكرية ونائب قادة الفرق، وقادة الألوية المستقلين وإدارة الاستطلاع بكل ما تحويه؛ الفوج 87 والفوج 81 والكتيبة 48، ومدرسة الاستطلاع ومركز تل الحارة وتل الجموع وتل أحمر، كل إدارة الاستطلاع مسموح لها أن يكون هناك دش. وذهبت إلى المكتب فوجدت أن الدش (جهاز استقبال القنوات) مقطوع، وراجعت ضابط الأمن [سائلًا] لماذا الدش مقطوع؟ قال: يا عمار، أنت تشاهد [عدنان] العرعور، قلت له: أولًا: العرعور لا يظهر في النهار، ونحن دوامنا بشكل يومي للساعة 2:00 ظهرًا ثم نذهب إلى المنزل، وفي النهار من 8:00 إلى 2:00 ظهرًا، لا يظهر العرعور على أية قناة، وثانيًا: أنا لا أشاهد العرعور، وثالثًا: إذا كان الشخص الذي قال لك هذا الكلام، لديه شيء من النخوة والشهامة والأصالة والشرف، يأتي ويقول: أنا رأيت النقيب عمار، أو أنا أريد أن يكون هناك تحقيق وإحالة إلى المحكمة الميدانية، سواءً كان هو أو أنا، فأصدر أمرًا بإعادة الدش (جهاز الاستقبال).
في بداية 21 و22 آذار/ مارس بدأ مدير المدرسة بتسليح الضباط العلويين، حتى الرقباء قدم لهم السلاح، وبدأ بتسيير دوريات حماية للمبيت، أمام وخلف سيارات المبيت، وطالبنا بالتسليح نحن السنّة 4 أشخاص أول مرة وثاني مرة وثالث مرة لكنه كان يرفض، وعدا عن ذلك حوصرت دوما، وبدأت المظاهرات تخرج في حرستا، وأصدر [مدير المدرسة] أمرًا - ونحن كنا ضباطًا شخصين نسكن في حرستا- أنه يجب أن يكون لباسنا العسكري ذهابًا وإيابًا إلى حرستا باللباس العسكري، وهو يعلم والجميع يعلمون أن الجيش اقتحم درعا وقتل المتظاهرين في درعا، والجيش يحاصر دوما، وبالتالي سوف يكون [بالنسبة] للشعب هذا الضابط الذي يدخل إلى حرستا أيضًا هو عدو، وغدًا سوف يأتي الجيش وأيضًا يقتل الشعب، ولكن كان مقصودًا بالنسبة للمدرسة وبالنسبة للقيادة قتل الضباط السنة، يعني قتلهم ببعضهم، وهو لا يريد قتلك، ولكن يريد من المتظاهرين قتل [الضابط] السني، لأنه هو لا يجرؤ على الدخول باللباس العسكري.
وأنا كنت أقف على الأوتوستراد، وجاء الملازم ابن اللواء جايز الموسى، قال لي: يا سيدي لماذا تلبس الثياب العسكرية؟ سوف يقتلونك، قلت له: فليطلقوا النار، هذا حقهم، لأن الجيش يقتلهم، وأنا أحد عناصر الجيش، وقال لي: يا سيدي، نحن منذ أن دخلنا درعا في تاريخ 21 آذار/ مارس (الصحيح تاريخ 23 آذار/ مارس – المحرر) حتى الآن - وهذا الحديث كان في شهر أيار/ مايو أو حزيران/ يونيو - ولم يعد أحد من الفرقة الرابعة يلبس الثياب العسكرية بعد الدوام، لأنهم كانوا يتباهون باللباس العسكري والأوسمة وهذه الأمور.
الذي حصل بعد التهديدات وبعد الكلام الذي قاله محسن صافي - رئيس قسم التوجيه السياسي - بدأ ينشر مقالات أن قناة الجزيرة هي قناة مغرضة، وقناة العربية مغرضة، [ويقول] لماذا لا يشاهدون على قناة الدنيا، وصدر أمر يوميًّا من الساعة 8:00 إلى 8:30 على كل ضابط أن يتحدث عن القيادة الحكيمة، وعن الإنجازات التي قدمها بشار الأسد، وعن الأوضاع الجيدة في سورية إلى العناصر كي لا يكون هناك خلافات، وأصدروا قرارًا أنه ممنوع نزول العناصر إلى المدينة حتى لا يكون هناك تواصل بين الداخل والخارج.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/12/26
الموضوع الرئیس
البدايات الأولى للثورة السوريةالمؤسسات العسكرية في نظام الأسدكود الشهادة
SMI/OH/48-06/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
عسكري
المجال الزمني
3-6/2011
updatedAt
2024/03/22
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة حرستامحافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة درعا-مدينة درعامحافظة حلب-ساحة سعد الله الجابريمحافظة حلب-مدينة حلبمحافظة دمشق-الحميديةمحافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة القنيطرة-الجولان السوري المحتلمحافظة القنيطرة-منطقة فيقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
قناة الجزيرة
قناة أورينت / المشرق
قناة الدنيا الفضائية
قناة العربية
وزارة الدفاع - النظام
إدارة الاستطلاع
مدرسة الاستطلاع
الفوج 48 قوات خاصة - نظام