النشأة والتمرد أثناء المرحلة الدراسية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:21:05:23
أنا قلت: إنني من مواليد دير الزور 1965 لأبوين مدرسين والدي -رحمه الله- كان مدرس تربية إسلامية ووالدتي كانت مدرسة تاريخ، وبالتالي كنا في جو في البيت كله جو علمي وثقافي ومن الصغر كان والدي -رحمه الله- يحب أن يغذينا بمجموعة من الأفكار ثم يحاول أن يسترجع معنا مثل هذه الأفكار وأيضًا لأن والدتي مدرسة تاريخ وأنا طبعًا شخص من الطفولة لا يدرك أهمية ما عرفته فيما بعد أن من وعى التاريخ في صدره وهذا بيت شعر لأحد الشعراء الأقدمين من وعى التاريخ في صدره فكأنما أضاف أعمارًا إلى عمره، يعني معرفة التاريخ والتاريخ الحقيقي الذي يستنتج من خلال السُنن، وليس التاريخ الذي يمكن أن يكون مزورًا ويكتبه المنتصرون، فيه الكثير من الفوائد؛ لذلك كان أحد أشياخنا فيما بعد يقول: إن التاريخ هو واحد من أهم مصادر المعرفة إن لم يكن أهم مصدر من مصادر المعرفة. وهذا الجو جعلنا ملتصقين بالكتاب منذ الطفولة صحيح أننا بنتيجته حرمنا من مسألة أننا لم نعش طفولتنا بمعنى دخلنا مرحلة من ازداد عمره وكبر يعني ما يسمى نضج دون أن يعيش مرحلة الطفولة، وأحيانًا الشخص يتذكر أنه يا ليت كان يوجد فترة من الفترات مرحلة طفولة أو مرحلة شقاوة وأنا أظن أن هذه المرحلة (المرحلة الثقافية) كان لها تأثير حتى على طريقة حياتنا وتفكيرنا فيما بعد، وفي العموم كان لها نتائج جدًا إيجابية، وفي عام 1974 والدي -رحمه الله- مع والدتي ذهبا إلى المملكة العربية السعودية كمدرسَين مُعارين وكانت الإعارة في مدينة بيشة جنوب المملكة تقع جنوب الطائف حوالي 300 كيلومتر وشمال أبها 170 كيلو متر، كانت منطقة جميلة جدًا تشبه دير الزور من حيث درجة الحرارة وفيها زروع وفيها مزارع نخيل تسمى الزرب وفيها عيون (عيون ماء) والحقيقة هي مدينة هادئة، ولكنها كانت في عام 1974 تعيش حياة بساطة شديدة وشديدة جدًا و وصلنا إلى هناك في رمضان بعد رحلة شاقة، ولم يكن يوجد هناك طرق مزفتة بين الرياض وبين الطائف ومدينة بيشة ولا أزال أذكر أننا وصلنا إلى هناك من خلال الشاحنات الثقيلة، وعندما رجعنا عام 1979 بعد خمس سنوات من الإعارة كانت الأوضاع في سورية شديدة التوتر وكما ذكرت أن والدي -رحمه الله- كان قياديًا في الإخوان المسلمين وبالتالي كان لابد أن يتعرض لضغوطات شديدة واستدعاءات أمنية باستمرار وإن كان هو أفادته مسألتان المسالة الأولى أن عمره كان كبيرًا، والنقطة الثانية أنه كان معروفًا عنه منذ وقت طويل أنه من جماعة عصام العطار وبالتالي كان في ذلك الوقت محسوبًا على التيار السلمي ولم يكن محسوبًا على التيار الحلبي التيار العنيف.
والحقيقة عشنا في سورية في تلك الفترة أيام صعبة جدًا يعني كانوا يأخذون الوالد أحيانًا في الصباح ولا نعرف هل سوف يعود أم لا فتخيل بشاعة هذه الظروف على شاب في عمري، كان عمري 14 أو 15 سنة وخصوصًا أنه ترافقت أن اعتقل ابن خالتي وهو من جيلي نفس المواليد 1965، اعتقل في عام 1980 وكان عمره 15 سنة عن طريق استدعاء ثم ذهب ولم يعد إلا بعد 12 أو 13 سنة يعني تخيل طفلًا عمره 15 سنة يرى ابن خالته أخذوه بنفس العمر ونفس الظروف وخصوصًا أنني في القضايا السياسية منذ الطفولة بما أنني كنت أقرأ كتبًا أكثر بكثير من الشباب الآخرين وأعرف التفاصيل السياسية من خلال تلك الكتب، وكنت مطلعًا على معظم الأفكار من الناحية الأولية وكنت مشاكسًا ولا أحسبها كما يحسبها الكبار بالعمر بالتزام الصمت يعني لدرجة أن والدي- رحمه الله- وعمي كانا يضطران لأكثر من مرة في المدرسة لأجل لفلفة الموضوع مع أمين السر والمدير ويأخذونها من وجهه (يتكرم عليهم وينهي الموضوع) وإلا كان ممكن أن تحصل مشاكل ويمكن إلحاقي بسجن تدمر منذ ذلك الوقت وفعلًا حصلت عدة حوادث على مدى سنتين ربما لم أقتنع بعدم السكوت إلا حتى أصبحت في الجامعة عام 1984.
يعني التعليقات الدائمة والسخرية اللاذعة كنا مثلًا أغاني حزب البعث دائمًا نحورها أنا كنت مشهور جدًا في تحوير القصائد الشعرية وتحوير أبيات الشعر بشكل تهكمي إلى معاني ديرية (من دير الزور) فكانت سخرية كبيرة، وفي إحدى المرات جاءنا مدرب الفتوة ومعه ديوان يمجد حزب البعث ويوجد مجموعة قصائد ووضع أول قصيدة بعنوان "قهوة وشاي خسر كلاي" وفي يومها محمد علي كلاي خسر نهائي بطولة العالم أمام جونز بنكس وطلبني وقال لي: أنت تقرأ خذ واشتر، قلت له: أنا لا اشتري هكذا نماذج ولا أقرأ لهكذا أشكال. وقال: لا يمكن ذهبنا قبل قليل إلى أخيك، وأخي علي أصغر مني في صف آخر وقال لنا: لا أقرأ اذهبوا إلى أخي الذي يقرأ. يعني جاء إلي وقال: أنت أو أخوك أحدكما يجب أن يشتري الكتاب وهذه كانت الطريقة البعثية في إلزام الناس فقلت له: أنا لا أشتري وليس عندي استعداد أن أقرأ هكذا كتاب، قال: لا يجوز. وأنا هنا بدرت مني جملة استفزت مدرس الفتوة قلت له: إذا صاحب الكتاب محترم والكتاب له قيمة دعه يعرضه في السوق حتى أرى من سوف يشتريه بفرنكين. وهنا جن جنون هذا الأستاذ وذهب إلى أمين السر وكتب بي تقريرًا بأن هذا الشخص ضد توجهات البعث وضد توجهات الثورة ويسخر على رفيق مناضل لنا وكان صاحب الديوان الشعري لا يوجد جملتان تركبان على بعضهما يعني من العنوان "قهوة وشاي خسر كلاي". وكبر الموضوع ووصلنا إلى مدير المدرسة، والمدير كان بعثيًا استفز من أجل زميله وكان يوجد مدرسون حضروا الحادثة وركضوا إلى والدي -رحمه الله- وعمي وقالوا: الحقوا به لأن المدير سوف يرفع التقرير إلى الأمن العسكري ويأخذون ابنكم من المدرسة. وفورًا جاء والدي وتوسط المدير وقال له: إنه لم يقصد. وقال له المدير: نحن صابرون عليه منذ سنتين والموضوع ليس حديث اليوم أو البارحة ولأجلك يا أبا أحمد ولأجل عم الولد ولأنكم مدرسون وأبناؤكم في المدرسة، ولكن هذا الولد يعني هذا النوع من الشغب والمشاكسة والمناكفة والتعليقات الساخرة من الحزب. طبعًا خصوصًا عندما كانوا يأخذوننا في المسيرات المسيرة وكان في تلك الفترة نادي الفتوة له دور وكنا نحن نحول أغاني حزب البعث نحورها باتجاه الفتوة، وأنا لا أزال أتذكر توجد قصيدة: واهتفوا يا رفاق هذا الحزب العملاق صناع العجائب، وهذه بالسخرية منا يعني هم مثلًا واهتفوا يا رفاق هذا الحزب العملاق ونحن نضيف لها ونصنع العجائب. طبعًا الطلاب كانت تعجبهم مثل هذه الإضافات بشكل رائع والأساتذة كانوا سعداء ولكن إلا ويوجد أشخاص يكتبون تقارير وما أكثرهم.
وفي تلك الفترة هذه الإرهاصات التي عشناها والحقيقة الذي لم يعش فترة الثمانينات في ظل حكم حافظ الأسد لم يعرف حجم الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب السوري منذ الانقلاب المشؤوم في 8 آذار/ مارس 1963، يعني الشعب السوري بهذه القدرات والحيوية الهائلة التي عنده تسلط عليه نظام إجرامي بمثل هذا الإجرام وخصوصًا أنه تسلط بشكل أساسي على الطبقة المتوسطة التي يمكن أن تنتج الفكر والمعرفة يعني النظام بالنسبة له لم يكن عنده أي مشكلة يعني [لسان حاله يقول]: اسرق كما تشاء وحاول بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة أن تشكل ثروة وتتقاسم مع أصحاب هذه الثروات هذه الثروات ولكن أن تفكر هذا دون ذلك خرطُ القتاد.
ذهبنا إلى الجامعة ونفس هذه الممارسات يعني ربما أنا أفادني في الجامعة أنني دخلت كلية طب الأسنان وهي تحتاج إلى جهود عملية أكثر من أن تحتاج إلى جهود دراسية نظرية وهذا أيضًا أتاح لي الفرصة أن أبقى على هوايتي السابقة في القراءة والاطلاع ومتابعة الوضع السياسي والشأن...
وفي ذلك الوقت كانت صحيفتا النهار اللبنانية والأنوار وبدرجة تالية السفير والشرق اللبنانيتان يعني كان يوجد فيها شيء من المتنفس تفهم فيها ما الذي يجري، ولكن حجم القمع لا يمكن أن يصدق وبقيت حتى تخرجت من كلية طب الأسنان من جامعة دمشق عام 1989 وبعدها ذهبت إلى الخدمة الإلزامية لمدة سنتين وظروفي في الخدمة الإلزامية كانت معقولة خصوصًا أن الأطباء بشكل عام يتم نقلهم في السنة الثانية من الخدمة العسكرية إلى محافظاتهم، وخدمت في القسم الثاني في المستشفى العسكري في دير الزور وهنا وفق ما يسمح القانون يحق لك فتح عيادة في نفس المدينة حتى قبل خدمة الريف طالما أنت عسكري وفعلًا هذا ما فعلناه ثم بعد ذلك توجهت إلى خدمة ريف مدينة العشارة أيضًا كانت أيامًا جميلة.
وفي تلك الفترة بدأ النظام السوري يفرج عن سجناء الرأي وأنا فيما بعد حتى عرفت أنه هذه الإفراجات كانت ضمن توجه دولي بالضغط على الأنظمة المجرمة والبدء بإجراء عملية الإفراجات شيئًا فشيئًا، وقد يكون جزءًا منها كان أحد الأهداف من أجل إشراك الإسلام السياسي في شيء من العمل السياسي والحقيقة هذه الفترة بالذات نتمنى على المحللين والمفكرين الكبار أن يدرسوها بعمق حتى يجدوا الروابط فيما بينها يعني أنا لدي انطباع عن عملية الإفراج عن سجناء الرأي التي بدأت عام 1992 ثم إشراك الإسلاميين في تركيا في حكومة ائتلافية برئاسة نجم الدين أربكان وتانسو تشيلر هذه لم تكن عبثًا ولم تكن فقط نتيجة أن حزب الرفاه في ذلك الوقت قد فاز في المركز الأول في الانتخابات إذ أن له 20% من الأصوات بينما حزب تانسو تشيلر وحزب مسعود يلماز والأحزاب الأخرى يعني كانت تستطيع أن تشكل فيما بينها ائتلافًا وتشكل حكومة ائتلافية وبتجاوز الحزب الأول الفائز في الانتخابات وليس بالضرورة دائمًا الحزب الأول في الانتخابات هو من يشكل حكومة كما هو النموذج في بريطانيا بدليل أنه عندما قرر العسكر في تركيا الانقلاب في اليوم المشهور في 28 شباط/ فبراير 1997 على هذه الحكومة يعني سحبوا عددًا من النواب من حزب تانسو تشيلر وأصبحت حصة الحزبين أقل من 51% في البرلمان وبالتالي سقطت الحكومة ثم ضغطوا على الأحزاب الأخرى فتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة محمود مسعود يلماز بعدها وهكذا إذا هذا الحدث أنا اعتقد أنه ينبغي أن يدرس بعناية. والحدث الثالث وربما قد يكون هو أكبر حدث ذو أهمية كبرى ساهم في نشر الأفكار الديمقراطية في تلك الفترة هو ظهور قناة الجزيرة بشعارها "الرأي والرأي الآخر" في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1996 أنا تقديري لم يكن حدثا عابرًا، ولا تتخيل كم أثرت في نفوسنا هذه القناة وأنا أحد الأشخاص كنت أسجل كل برامج الاتجاه المعاكس وبرنامج أكثر من رأي الذي كان يقدمه سامي حداد والبرامج السياسية الأخرى حتى برنامج الشريعة والحياة كنا نسجلها على أشرطة الكاسيت لقناعتنا أن هذه التجربة لن تستمر، ولكنها استمرت وتطورت وأصبح لها دور في غرس الوعي في العالم العربي وشجعت قنوات أخرى حتى تظهر، ثم أن تظهر أيضًا بعد فترة قناة صحيح أنه تتبناها دولة في مواجهة قطر التي تبنت الجزيرة وهي قناة العربية وأنا كنت دائمًا أتساءل ما هو السر في تسمية الأولى بالجزيرة والثانية بالعربية؟ وهل الجمع بينهما الجزيرة العربية أيضاَ التسمية ليست ولابد أن هناك شيء ما وأنا كنت دائمًا احكي للإخوة أن تفسيري لتسمية قناة الجزيرة في ذلك الوقت، وأنا كتبت هذا في مقال بمناسبة ذكرى افتتاح الجزيرة قبل عدة سنوات قليلة بدأنا نفكر: لماذا سميت بالجزيرة؟ إنها واحة من الديمقراطية وجزيرة ديمقراطية في بحر الظلمات وبحر الدكتاتوريات أيضًا، وهذا ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هذا الحدث هو من الأهمية بحيث أنه كان له أثر بالغ في عقلية الكثيرين في العالم العربي وخصوصًا الإسلاميين وأنا أعتقد أن هذا الحدث مع حدث الحكومة الائتلافية في تركيا مع الإفراج عن سجناء الرأي وطرحهم ما الذي جرى من أهوال في السجن والأخطاء لدى الإسلاميين التي أدت إلى الكارثة أعتقد أنها كلها ساهمت في كسر حدة الخصومة ما بين الإسلاميين والعلمانيين. وأنا أظن أنه في تلك الفترة الزمنية خمس سنوات هي التي أسست فعليًا لبدء إيجاد علاقات ما بين الإسلاميين والعلمانيين ومرحلة من التعايش وهذه نقطة مهمة.
إذًا أنا سقت هذا كشاهد على ما أريد أن أصل إليه أنه في عام 1992 وبعد الإفراج عن السجناء، وأنا كنت شخصًا فضوليًا أحب أن أستزيد من المعرفة وكانت أسئلتي تتركز على الأسئلة الفلسفية الكبرى كيف حصل ما حصل؟ ولماذا حصل ما حصل؟ ومتى حصل؟ وأين حصل؟
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/01/24
الموضوع الرئیس
سيرة ذاتيةكود الشهادة
SMI/OH/6-02/
أجرى المقابلة
سامر الأحمد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
قبل الثورة
updatedAt
2024/04/17
المنطقة الجغرافية
محافظة دير الزور-محافظة دير الزورشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
صحيفة النهار
قناة الجزيرة
حزب البعث العربي الاشتراكي
قناة العربية
صحيفة السفير