التأثر بالوضع السياسي وتوريث الحكم وربيع دمشق
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:24:31:05
عندما تخرجت من جامعة اليرموك كان أمامي خياران إما العمل أو الدراسات العليا وقبلها بسنتين عائلتي (الوالد والوالدة) انتقلا إلى بريطانيا وأنا التحقت بهما في عام 1989 ودرست الماجستير في جامعة نيوكاسل، كان الماجستير في العلوم والجيوفيزياء وكان عبارة عن دراسة مكثفة لمدة عام يحصل الشخص على درجة الماجستير في نهايتها، ولكن المهم خلال هذه الفترة أمران الأمر الأول: أنها كانت فرصة للتعرف على ثقافة جديدة مختلفة بشكل كامل عن الثقافة التي رُبيت عليها من بداية عمري حتى ذلك الوقت والتي هي الثقافة الغربية والمجتمع الغربي. وثانيًا: كان يوجد طلاب تقريبًا من جميع أنحاء العالم في ذلك الوقت، وأنا أذكر أنني كنت أعيش في سكن طلاب وكان يوجد منزل [مؤلف] من 6 غرف، كل شخص منا كان من دولة جاؤوا حتى يدرسوا الدراسات العليا وحتى الآن أنا على تواصل معهم، وبالتالي هذا أيضًا كان يعطينا نوعًا من الانفتاح على الثقافات الأخرى وليست الثقافة البريطانية أو الأوروبية فقط وهذا أيضًا لعب دور جيدًا.
وفي تلك السنة حصل أمر مهم وهو موضوع اجتياح الكويت من قبل العراق، وهذا كان له أيضًا تأثير [على] الجالية العربية في جامعة نيوكاسل في ذلك الوقت، وأيضًا هذا كان جزءًا من العمل العام يعني رأينا أنفسنا جزءًا منه يعني كانت توجد نقاشات في ذلك الوقت بين أطراف من الجالية العربية أو بين الطلبة العرب والمسلمين الذين كانوا في نيوكاسل حول هذا الموضوع، وكانت توجد هناك آراء مختلفة في ذلك الوقت، وكان هناك ناس وقفوا في طرف العراق وناس وقفوا في طرف الكويت، وكان هناك الكثير من النقاشات الحامية ما بين الأطراف المختلفة ويوجد أطراف أخذت موقف وسط في هذا الموضوع، ونحن لم نكن قد دخلنا بشكل كبير في الموضوع السياسي وكنا نسمع من جميع الآراء الموجودة هناك، ولكنني أقصد أنه كان لها تأثير بمعنى أنه أحيانًا الشخص حتى أثناء قيامه بشيء ليس له علاقه بالعمل العام وليس له علاقة بالسياسة مثل: الدراسة الأكاديمية البحتة أحيانًا يأتي الشأن العام ويفرض نفسه عليه (على الشخص) وفي ذلك الوقت هذا الشيء فعلًا سبب تأثيرًا كبيرًا ليس فقط على المنطقة وإنما على جميع العالم، ووصلت آثاره إلى الجامعة التي كنت أدرس بها.
في عام 2000 تفاجأنا جميعًا بوفاة الطاغية والمجرم حافظ الأسد الذي كان مسؤولًا أساسيًا عن تهجيرنا القسري في حزيران عام 1980، وكان مسؤولًا أساسيًا عن عدم رؤيتنا لأقاربنا وأهلنا ولا نرى أرضنا ولا نعود إلى المنطقة التي ولدنا ورُبينا بها، ويمكنكم أن تتوقعوا ماذا يعني هذا الشيء بالنسبة لأي شخص عانى هذه المعاناة سواء على المستوى الإنساني أو على مستوى العمل العام، وفعلًا كانت حسرة في قلبنا أنه كان يوجد لنا أقارب توفوا خلال فترة الـ20 عامًا لم نستطع حضور عزائهم وجنازتهم بسبب هذا النظام، وهذا الشيء كان فعلًا يترك لدينا أثرًا أليمًا جدًا؛ لذلك كانت وفاة هذا الدكتاتور [قد] أعطتنا نوعًا من الأمل لأنه ربما تأتي فترة تكون أفضل من فترة الثلاثين سنة التي قبلها التي كان مسؤولًا فيها الدكتاتور عن خنق سورية شعبًا ودولة وكل شيء، يعني حول سورية إلى سجن كبير ونحن صحيح [أننا] كنا مهجرين قسريًا، ولكن كنا أيضًا نتعاطف مع الناس في داخل سورية لأنهم كانوا في وضع لا يقل مأساوية عن الوضع الذي كنا به وبالنسبة لنا كانت وفاة هذا الدكتاتور وهذا الطاغية ربما تفتح ثغرة في هذا الجدار الأصم الذي له علاقة بهذا النظام الدكتاتوري الذي أجرم بحق الشعب السوري.
طبعًا عملية التوريث كانت مسرحية كوميديا سوداء بكل معنى الكلمة وجعلتنا نشعر في ذلك الوقت أنه ربما الآمال التي كانت لدينا لا تكون آمالًا كبيرة، وفي ذلك الوقت كان والدي متحمسًا لاحتمال أن يحصل تغيير وأنا بناء على هذا الشيء أيضًا كان عندي شعور بالأمل والتفاؤل، وبعدما جاء المجرم بشار الأسد إلى الحكومة بالطريقة التي رأيناها جميعًا التي كانت في الحقيقة مثار سخرية في العالم أجمعه، يعني بالنسبة للنظام كان هذا شيئًا طبيعيًا، ولكن بالنسبة للعالم كانت مهزلة بكل معنى الكلمة وهذا أثر حتى على طبيعة رؤية الناس لسورية كدولة ولسورية كشعب، وأنه كيف يحصل هكذا أمر يعني هذه الأمور كانت تحصل في كوريا الشمالية، ولكن هذا التوريث في جمهورية ربما كان يجب أن يكون أول إنذار لجميع الناس الذين كانوا متأملين شيئًا، ولكن بطبيعة الإنسان هو ينحو نحو التفاؤل وخاصة إذا حصلت أحداث مهمة ويتوقع ربما الأمور تذهب باتجاه إيجابي.
بسبب أن الناس في سورية والسوريين بشكل عام سواء في داخل أو خارج سورية شعروا بوجود إمكانية أن يحصل تحسن في الوضع للسوريين بدؤوا يفكرون جديًا بالاستفادة من هذه المرحلة وبدأت مرحلة ربيع دمشق، وهذه كان لها أثر على كل من يعمل في الشأن العام، وأعتقد على معظم السوريين لأنه أولًا- أعطى رسالة واضحة تمامًا أن الشعب السوري مازال حيًا بما يتعلق بالخيارات الأساسية وبما يتعلق في قدرته على التغيير. وثانيًا- أعطى انطباعًا أن 30 سنة من القهر المنظم والممنهج لهذا الشعب وهذه القيادات والناس الذين يعملون بالعمل العام لم يستطع أن يقضي على هذه البذرة وعندما ظهر القليل من الاحتمالية ليكون هناك مساحة، حتى لو كانت ضئيلة جدًا للحرية رأينا كيف توسعت وكيف كان لها انتشار في جميع أنحاء سورية سواء من خلال المنتديات أو من خلال الكتابات أو من خلال المشاركات الإعلامية، وهذا كان شيئًا لا شك بأنه يدعو للتفاؤل ويجعلنا نشعر أيضًا بالثقة بالنفس فصحيح [أن] هذا الشعب تعرض لشيء ممنهج ربما لم يتعرض له شعب آخر تحديدًا شعب عربي خلال الـ 30 سنة الماضية إلا أنه لازالت هناك قوة كامنة داخل هذا الشعب قادرة على أن تستنهض نفسها مرة ثانية وتقدم نفسها من جديد.
طبعًا الجميع رأى ما حصل في ربيع دمشق وكيف كانت طبيعة رد فعل النظام وموقفه من الأمور التي تحدث في ذلك الوقت، وهذه أعطت انطباعًا للجميع والعالم أن هذا النظام يستعصي على الإصلاح، وهذه كانت مرحلة مهمة لأنه مع بداية ربيع دمشق كان يوجد هناك تصور لدى البعض أن الإصلاح ممكن، وكان يوجد قلة قليلة يعرفون تمامًا تركيبة النظام ومنهجية النظام وكانوا إلى حد كبير يشككون في هذا الشيء.
الوالد (محمد العبدة) كان يميل أكثر للتفاؤل بحذر وخاصة عندما بدأ ربيع دمشق وأعطى نوعًا ما دفعة للناس حتى يتفاءلوا أكثر يعني يأخذون راحتهم أكثر في موضوع التفاؤل ويتخلى قليلًا عن الحذر، حتى جاء رد فعل النظام على هذا الموضوع وتبين لمعظم العارفين الحقيقيين بطبيعة هذا النظام أنه فعلًا لا يوجد شيء تغير وأن حافظ الأسد كان يحكم من قبره، من خلال هذا النظام الذي أسسه وصنعه، وابنه كان يقوم عمليًا بإدارة أعمال لهذا النظام، ولكن أساسياته ومنهجياته بقيت كما هي.
في تلك المرحلة حصلت حادثة بالنسبة لي كانت مفصلية وأنا أعتبر هذه الحادثة جعلتني أتحول تمامًا إلى شخص يرى أنه من واجبه الأساسي كإنسان وسوري حر أنه يجب أن تكون أولويته الأولى والثانية والثالثة تغيير هذا النظام، لأن الشعور الذي وصلني بسبب الحادثة التي سوف أتكلم عنها بعد قليل هو شعور لا يمكن وصفه إلا بأنه شعور يُحدث عملية تغيير داخلية كبيرة في نفس الإنسان، وقد تبدو أنها قصة عادية جدًا وخاصة أنه مر بها الكثير من السوريين، ولكن بالنسبة لي كان الوضع مختلفًا.
القصة كالتالي أنه في تلك الفترة وكنوع من إعطاء الانطباع أنه يوجد تغيير في سورية أو تسهيل للمواطنين السوريين وخاصة بالنسبة للناس الذين لا يستطيعون الدخول إلى سورية بسبب موضوع الجيش يعني خدمة العلم، أو الناس الذين كانوا خلال الفترة الماضية مهجرين قسريًا وخاصة أبناؤهم وأحفادهم الذين ليس لهم علاقة بالذي حصل إطلاقا في فترة الثمانينات استحدثوا شيئًا أن الشخص يقدم من خلال السفارة على طلب لزيارة سورية ويقومون بالتشييك على الاسم طبعًا ضمن الأفرع الأمنية، وإذا لم يكن عليه شيء في الأفرع الأمنية يعطونه سماحًا لزيارة سورية لمدة شهر، وخلال هذا الشهر مسموح له أن يدخل ويخرج بدون أن يُطلب للجيش أو خدمة العلم أو أي شيء آخر، وطبعًا هذا كان بالنسبة للكثير من الناس أمر إيجابي أعطاهم فرصة للنزول ورؤيه أهلهم وأقاربهم بعد فترة طويلة من الانقطاع.
زميل من زملائي الأعزاء في لندن كان على تواصل مع هذه الأمور والقوانين التي تصدر وخاصة المستحدثة في موضوع العودة إلى سورية وطرح علي فكرة أنه لماذا لا تقدم على هذا الموضوع؟ على اعتبار أنني كنت طفلًا عندما تهجرنا ومنذ خروجي ليس لي أي مشاركة مباشرة أو علنية بما يتعلق بالعمل العام أو المعارضة، وأنا عندما خرجت كان عمري 13 سنة يعني [كنت] طفلًا، وعشت فترة ما بين الدراسة والجامعة والعمل لا يوجد شيء له علاقة بشكل مباشر بالعمل العام أو المعارض للنظام، وفي البداية لم آخذ الأمر بأهمية وفي المرة الثانية طرح عليّ الموضوع حتى أقنعني وأنا فعلًا لقيت في نفسي الهوى؛ لأنني كنت أحب العودة إلى سورية وأذكر الفترة التي كنت بها وأزور أقاربنا و فعلًا أحببت هذه الفكرة واتصلت وقدمت على هذا الشيء، وطبعًا يطلبون منك بعض المعلومات الأساسية مثل: دفتر العائلة والاسم واسم الأب والخانة، وأعطيتهم المعلومات وأنه من المفروض خلال شهر أو شهرين [أن] يأتي الجواب، وأنا نسيت الموضوع وعاد وذكرني صديقي وقال لي: أنت قدمت هل وصلك شيء؟! قلت له: كلا. وقال لي: اتصل بهم ماذا حصل بالطلب؟ وأنا اتصلت بالسفارة السورية في لندن وسألتهم[قائلًا]: إنني قدمت طلبًا هل وصلكم الرد على هذا الموضوع حتى أستطيع تحضير نفسي وأرتب أمور السفر؟ وقالت لي: انتظر. كانت سيدة على الهاتف ثم قالت بعد قليل: جاءنا الرد، ولكن مع الأسف بالرفض. وأنا للحظات لم أستطع الرد لأنني تفاجأت لأن هذا الشيء كان آخر شيء محتمل في ذهني، أنني كنت أريد التقديم وحتى لو جاء القبول كنت سوف أفكر: هل سأقدم على المخاطرة أم لا؟ ولكن عندما قالت لي: مع الرفض يعني بغض النظر عن المفاجأة قلت لها: ما هو السبب؟ قالت لي: يوجد فرعين على الأقل جاء منهما الرفض. وانتهت المكالمة هنا، وسألني صديقي: ماذا حصل؟ وقلت له ما حصل، وهو أيضًا ذهب وقدم طلبًا، وقال لي: أحيانًا يحصل خطأ إما بالاسم ويوجد أشخاص حصل معهم هذا الأمر لماذا لا تقدم مرة ثانية؟ وهنا أنا لم أكن متحمسًا، ولكنه أقنعني مرة ثانية أنه عليك التقديم مرة ثانية لأنه احتمال يكون هناك تشابه أسماء، وفعلًا قدمت مرة ثانية وجاء بالرفض يعني تأكد هذا الشيء الذي جاء في المكالمة الأولى، وعندما كنت أتكلم معهم حتى أعرف نتيجة الطلب أنا هنا كنت معهم واضحًا وصارمًا قلت لهم: ما هي عقليتكم؟ وما هو نظامكم؟ أنا خرجت وعمري 13 سنة والآن تريدون حرماني من زيارة بلدي على أساس أنا لا أعرفه، وأنت التي تتكلمين معي أنت لا تعرفين، لماذا؟ فقط جاءك كلام، وقالت لي: أنا أعرف أن هذا الأمر مزعج، ولكن أنت يجب أن تكون مرتاحًا وممتنًا أنهم لم يقولوا لك: انزل. لأنك إذا نزلت سوف تحصل لك مشكلة. وللحظات، هي بالنسبة لها الذي قالته هو أمر عادي جدًا وليس له أي معنى إلا المعنى الظاهري الذي قالته، ولكن بالنسبة لي كان أمرًا في غاية الألم والدقة؛ لأن هذه المسكينة التي تكلمت معي كانت تريدني أن أشعر يعني ليس أن أغضب فقط وأرفض قرارهم، وإنما تريدني بالعكس أن أشعر بالامتنان لأنهم قالوا لي: لا تنزل إلى سورية.
بمعنى [أن] الشخص لا يكفي أنه لا يجب أن يتضايق ويغضب، كلا، ولكن يجب أن يشعر بالامتنان لأنهم يقولون له: لا تنزل إلى بلدك وترى أقاربك. وهذه خلقت عندي انطباعًا لأول مرة رغم أنه كان موجودًا ببذوره الأساسية، ولكن خلقت عندي انطباعًا أن هذا النظام يتعامل مع الشعب السوري بطريقة المالك، يعني هذا النظام يعتقد أنه يملك هذا الشعب، وبالتالي من وحي هذا الملك يستطيع أن يفعل ما يريده بما يتعلق في هذا الشعب بدون أي شعور بالمسؤولية أو المحاسبة وهذا فيما بعد رأيناه، يعني خلال 10 سنوات من الثورة رأينا هذه المنهجية بشكل واضح، أن هذا النظام يحس أنه غير محاسب عما يقوم به ضد هذا الشعب، وهو لديه وكالة عامة حصرية ومطلقة بما يتعلق بالتعامل مع الشعب السوري، و يشعر أن العالم سواء بقواه الإقليمية أو الدولية أعطاه هذه الرخصة، وهو عندما كان يتكلم معي يعني عندما كانت تتكلم معي موظفة السفارة بالنسبة لها أمر طبيعي جدًا أنه أنت قدمت طلبًا وجاء بالرفض ويجب عليك أن تكون ممتنًا لأنهم لو قالوا لك: انزل، كان يوجد احتمال أن يتم اعتقالك. ولكن بالنسبة لي كان المعنى مختلفًا تمامًا وهذا يعني أن هذا النظام لا يمكن في حال من الأحوال الوصول معه إلى حل ولا يمكن في حال من الأحوال إصلاحه، وهنا أنا اتخذت قرارًا واضحًا جدًا أن أشرف شيء يمكنني فعله في حياتي أن أكرس كل دقيقة وكل ساعة مما تبقى من هذا العمر بمواجهة هذا النظام، لأن الطريقة التي يتعامل فيها النظام معنا يتعامل معي كشخص وعائلة وبلد مضايا وشعب سوري بطريقة لا يمكن لأي شخص شريف فيه الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية والكرامة أن يقبل بهذا الشيء، وبالنسبة لي أصبح الموضوع ليس له علاقة بالقضية السياسية وليس له علاقة بقضية الأقارب والبلد، وأصبح الموضوع أكثر جذرية وأكثر أساسًا من هذه القضية، وأصبح الموضوع له علاقة بكرامتي كإنسان لا يمكن في حال من الأحوال أن أقبل على نفسي أنا كإنسان أن يبقى هذا النظام موجودًا ومتحكمًا في 22 مليون سوري يدفعون كل يوم ثمنًا غاليًا لاستمراره.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/01/25
الموضوع الرئیس
سيرة ذاتيةالنشاط قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/129-10/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
قبل الثورة
updatedAt
2024/04/17
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مضاياشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية