واقع المستشفى الميداني يوم "مجزرة داريا الكبرى" ودور محمد بلاقسي
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:20:15:13
رحم الله عماد حبيب المدير الطبي ويمكننا أن نقول المدير اللوجستي، وذكرت أكثر من مرة الدكتور حسام خشينة الذي كان يُسير كل الأمور الطبية كطبيب وكان كل شيء يسأل عنه، وكان يوجد أطباء كثيرون شاركوا، ولكن الأطباء المشهود لهم أنهم أطباء كانوا في المجزرة هم: الدكتور حسام حفظه الله والدكتور أبو عمر والدكتور كمال والدكتور أبو محمود، ولكنهم معدودون، وأنت لديك حالات جرحى بالآلاف وتحتاج أطباء بالمئات أو العشرات ولكن لا يوجد هذا العدد.
بالإضافة إلى ذلك أيضًا الحالة العسكرية لم تكن واضحة وأنت كمستشفى لا يوجد شيء واضح حتى تبني عليه إلى أين وإلى متى وماذا تحتاج من الدواء وغرف العمليات لا نعرف، يعني نحن فعليًا يوجد مقاطع فيديو تُظهر كم كان الوضع مزريًا لأنه يوجد عندنا طبيب في أرضه بدون غرفة عمليات، يعني لإنقاذ شخص فتح بطن قام بعملية فتح بطن هو وشخص آخر وبدون أي إجراءات، يعني في عقل هذا الطبيب كيف يمكن إنقاذ هذا الشخص والفيديو موجود وأنا أريد إنقاذ هذا الشخص وهو لم يكترث للتعقيم أو غرفة العمليات، وكان يجب التدخل بشكل مباشر لإجراء عملية، وكانت صفوف المدرسة ممتلئة بالتراب واشتغلوا على المنصة التي تقف عليها المعلمة، وحتى الآن أذكر المشهد أمامي والطبيب كان يرتدي القفازات المعقمة والشاب الذي بجانبه، يعني قاموا بتخدير المريض، ويوجد حالة من الذهول أمامك وأنا أقول: إن الطبية كانت منظمة يعني يوجد فريق واضح، ولكن الجيش الحر ورحم الله من استشهد منهم، ولكنهم فعليًا لم يستطيعوا المقاومة، فالعين لا تقاوم المخرز ، وهم في النهاية مجموعات، وفي المجزرة النظام قصف أول مرة بالطائرات المروحية قصف صواريخ صغيرة.
الآن بدأنا، بعد [اقتحام] المعضمية بدأ الاقتحام الرسمي لداريا وبدأت المواجهات تشتد وبدأت الأمور تفلت من يد الجيش الحر، انتهى [الأمر].
القوات التي أحضرها النظام نحن كما نعلم عن الأعداد كان عددها 10 آلاف عسكري، عشرة آلاف عسكري بسلاحهم وعتادهم ودباباتهم الكاملة وكان لديهم دبابات T 82 في تلك الفترة، وطبعًا حسب الخبراء العسكريين أن هذا السلاح كان موجودًا في تلك الفترة T72 وعليها مكعبات "تي ان تي" التي تمتص الصدمة ولا يوجد أي إمكانية للردع، وأنا أذكر في وقتها قائدًا عسكريًا جاء إلى المستشفى وقال: لا يوجد إمكانية للردع نهائيًا. وفي اليوم الـ 4 للعيد واليوم الـ 5 بدأ القصف الحيواني يعني فعليًا القصف الذي شهدته داريا في وقتها هو الأعنف لأنه بدأت تظهر الخسائر، وأثناء الحصار حصل قصف أعنف بكثير ولكن لا يوجد عندك مدنيين، وبالتالي لا يسقط الكثير من الشهداء، ولكن في المجزرة فعليًا مع كل قذيفة هاون تسقط كان يسقط أقل شيء جريحان أو 3 و أقل شيء تدمر منزلًا وأقل شيء يتم تدمير سيارة، وهي مناظر أشبه بيوم القيامة، وأنا كنت شاهدًا على يوم القيامة في أحد حلله السيئة وأنا أتكلم عن المستشفى الميداني هنا، وعندما كانت تأتي سيارة فان قلبنا يكاد يقع، وأنا إلى الآن أذكر أنني دخلت إلى صف فارغ وبدأت أبكي لأنني عاجز عن أي حركة وعن أي فعل تجاه أي مصاب، وأذكر جاء 10 مصابين في سيارة واحدة فوق بعضهم من عائلة واحدة ولم نعرف الشهيد منهم أو الجريح لمدة أكثر من ساعتين وقالوا كلهم شهداء، وبعدها قالوا يوجد جرحى لأنه يوجد أشخاص يتنفسون، وبعدها قالوا إنهم استُشهدوا، حتى فرزناهم وكان يوجد شخصين أو 3 على قيد الحياة وفي هذه الحالة أنت عاجز تمامًا، وأنا كنت أقوم بتسجيل الأسماء وأنا فعليًا أقوم بالتمريض ولكن عندما تأتي دفعة من الجرحى كنت أقوم بتسجيل الأسماء وأقوم بتصوير المقاطع ثم أعود إلى الجرحى لأنه يوجد عندنا نقص، وفي هذه اللحظات طلبنا ممرضين وممرضات من الذين يعرفون بالعمل الطبي و فعليًا جاء أشخاص لمساعدتنا.
أنا كتبت أن الحالة سيئة ومن عنده القدرة على التمريض يتوجه إلى المستشفى الميداني هذه فقط، ونحن وضعنا شبابًا حراسًا على باب المدرسة لعدم دخول الناس حتى لا يصبح علينا ضغط أكثر من ضغط الجرحى، يعني أهالي الجرحى كانوا يشكلون ضغطًا علينا ونحن لسنا في مستشفًى نظامي ولا يوجد غرف وكان يأتي الجريح ومعه أمه وأبوه وإخوته ويترجوننا و يبكون ونحن بالأساس لا نحتمل، ولا يعود لدينا حالة الرجولة أو الخشونة وأنا أتحدى أي شخص خشن يقف أمام هذه المواقف هذا مستحيل، وأنا كنت أقوم بخياطة الجروح وأنا أبكي، وأنا رأيت صديقي وهو كان طبعه جدًا قاسيًا ورأيته وهو يبكي فأنت في هذا الموقف وقتها تلجأ وتؤمن بالله.
منظر السيارات وهي قادمة وتحمل الجرحى كان فظيعًا، وكنت أخاف بشكل غير طبيعي لأنه جاءت حالات جديدة ونحن لدينا 20 أو 30 جريحًا، ولا أعلم كيف جرحى المجزرة تيسرت أمورهم، وكان لديك جروح يجب خياطتها وأنت مجبر على الخياطة بشكل سريع وبدون خياطة تجميلية، وحتى الخياطة العادية غير متوفرة [أدواتها]، فنقوم بالتخييط بشكل سريع ونمرر، والكثير من الأشخاص أصبح لديهم ندب بسبب هذه المجزرة، لأنه أنت أولًا: ممرض متدرب، وثانيًا: عندك ضغط غير طبيعي وحالة الفزع عند الناس لا تسمح لك بالتركيز نهائيًا وأنت لا تتقصد أن تقوم بأي شيء خاطئ، ولو أنك في الحالة الطبيعية فإنك لا ترتكب الأخطاء وخاصة أنك تتعامل مع جسم إنسان، ولكن بشار الأسد لم يعطك هذه الحالة من الترف الصحي حتى تتعامل مع جسم الإنسان بإنسانية وأنت مضطر أن تتعامل معه بشكل مؤقت وسريع لأنه يوجد بعده جرحى آخرين، وفي هذه الأيام قمنا بنقل جرحى كانت إصاباتهم خطرة لأنه جاء جرحى إصاباتهم أخطر منهم.
وأنا أكثر من مرة أدخل [للبكاء]، وأحد المرات صديقي دخل خلفي حتى يرى ماذا أفعل وأنا كنت أدخل وأبكي.
أنا أذكر الرقم تمامًا الذي سجلته وبعده لم أسجل أرقامًا، في وقتها سجلت 2,156 جريح هذا حتى اليوم الـ 4 والـ 5 وبعدها توقفت عن التسجيل لأنني لم أعد أحتمل أبدًا وفقدت الدفتر بعدها، يعني هل تتخيل أنه لديك 4 أيام ولديك 2,000 جريح ولا يوجد لديك كوادر ولا طواقم ولا يوجد مستشفيات وأنت محاصر وحتى لو لم تكن محاصرًا فلا يوجد أي مستشفى يتسع إلى هذا العدد من الجرحى.
المجزرة كانت عجزًا، وأيام المجزرة [هي] أيام عجز، ولكن أنت مضطر أن تعذر نفسك أمام الله وأمام العباد أنك تعمل، ولولا ذلك لكنت ذهبت إلى منزلي وجلست، والتشوهات النفسية التي أصابتني من أثر المجزرة أنا وأصدقائي كافية فلا أحد يتحمل هذه المناظر أبدًا مهما كان الشخص قاسيًا.
يعني كان يوجد مريض حالته خطيرة، ولكن أنت تحمله وتؤجله لأنه جاءت حالة أخطر، هذا [المشهد] لا تراه لو لم نكن محاصرين، أي مستشفى كان سيكفي لهم!
يعني خلال المجزرة يوجد لديك لا يقل من 2500 إلى 3000 جريح من بينهم 500 حالة خطرة ومن بينهم أيضًا عشرات حالات بتر للأطراف، وأنا إلى الآن أذكر شابًا تم بتر قدميه الاثنتين وعندما قاموا بإنزاله من السيارة بدأ يمشي على فخذيه يعني جاء بدون قدمين لأنها كانت مبتورة وأنا كنت مذهولًا وهو كان يمشي على عظم الفخذ المتبقي، في وقتها وضعناه على السرير وهو كان يذكر الله ويحمد الله وهو أكيد كان مصدومًا وغير واع على نفسه بما حصل له.
في هذا اليوم جاءت سيارة شهداء، وجاء أبو صياح [محمد بلاقسي] وأخذ الشهداء من المستشفى وهو ذهب لإيصال الشهداء، يعني الفكرة أن أبا صياح ذهب لحفر القبور لأجل دفن الشهداء وجاء فورًا بعد دفن الشهداء إلى المستشفى تلقائيًا ليأخذ شهداء آخرين بدون أن يتصل عليه أحد، ولكنه يعرف من تلقاء نفسه أنه أكيد يوجد شهداء حتى يأخذهم ويدفنهم، وأنا ذهبت مع أبي صياح لأخذ مجموعة شهداء إلى المقبرة، وقال لي: أنا لم أدفن الشهداء، وأنا حتى الآن لا أنسى هذا المنظر، وقال لي: أنا لم أدفن الشهداء. وكان يوجد قصف غير طبيعي بالهاون والمشكلة أنه لم يتركز القصف على مكان واحد، ولكنني كنت أريد الخروج من المستشفى معه لتغيير الجو في المقبرة، وقلت له: أريد الذهاب معك، وقال لي حسام أبو محي الدين صديقي: لا تذهب الآن سوف يأتي الكثير من الجرحى، وقلت له: أريد الذهاب لا أستطيع أن أتحمل أكثر وأعطيته الدفتر لأجل التسجيل، وذهبت مع أبي صياح في سيارته وكان معنا 6 أو 7 شهداء وعندما وصلنا أصبح يوجد قصف على المقبرة، وهو تذكر أن عنده شهداء ممددهم لم يدفنهم بعد، موجودون في المقبرة، وهو كان ينتظر حتى يحضر الدفعة الثانية يجمعهم حتى يدفنهم جميعهم، وبسبب القصف كان يوجد غمامة سوداء من الحريق وفي هذه المنطقة المحترقة كان قد وضع فيها الشهداء وبدأ يركض مثل شخص ابنه يُقتل أمامه وبدأ يركض ويضرب على رأسه [ويصيح]: "حرقوا لي الشهداء". يعني هو عنده إحساس أنهم ملكه وشهداؤه، وأنا كنت أركض خلفه وقمت بتصوير هذا المقطع، ونحن نركض سوية في المقبرة وكان يوجد على الطرف اليمين واليسار [أشجار من] السرو وممر في المنتصف، ونحن نركض، وعندما وصلنا ورأينا هذا المنظر كان منظرًا مرعبًا وفعليًا الشهداء الذين كانوا موجودين جميعهم متفحمين ولم يتوقف القصف أبدًا وكان يتم قصف المقبرة.
سقطت قذيفة هاون وأحرقت أجساد الشهداء -رحمهم الله- وبنفس الوقت كان يتم قصف المقبرة يعني نحن تحت القصف ومعنا شهداء نريد إنزالهم.
وأنا أحزن على المجزرة كثيرًا خاصة بعد عام 2016 عندما تهجرنا إلى إدلب، وأحيانًا أذكر اسم المجزرة في داريا ويوجد أشخاص يقولون: هل حصلت عندكم مجزرة؟ وأنا لماذا أتخيل أن كل ما رأيته يجب على الناس أن يعرفوه ويوجد أشخاص ثوريون ومطلعون على الثورة بشكل كبير لا يعرفون بمجزرة داريا التي هي فعليًا من أكبر المجازر من نوعها، عدا مجزرة الكيماوي، ولكنها كاقتحام وقتل وإعدامات ميدانية لا أعرف مجزرة في الثورة السورية يوجد فيها 917 شهيدًا 200 شخص منهم قُتلوا بسبب القصف، والباقي إعدامات ميدانية 700 شخص إعدام ميداني.
أعود للمجزرة: هنا أبو صياح يضرب نفسه، وأبو صياح هو شخص يدفن الموتى من قبل الثورة، وأنا منذ أن وعيت على الدنيا أعرف اسم هذا الشخص -أبو صياح بلاقسي- وكل أهل داريا يعرفون من هو أبو صياح الذي يدفن الموتى، ولا يوجد ميت في داريا يموت إلا وينتظره أبو صياح في المقبرة حتى يحفر له القبر على الرغم أنه كان يعمل، ولكنه كان مشهورًا بحفر القبور، وسبحان الله في يوم من الأيام قبل الثورة حفر قبور جميع الناس إلا قبر والده لأن أبا صياح كان في العمرة، وتوفي والده أثناء تواجده في العمرة.
أبو صياح بلاقسي هو من الأشخاص الملتزمين دينيًا وشخص روحاني جدًا وهو غير متعلم [ويعمل] ميكانيكيًا، وهو إنسان خيّر وهو شاب وليس كبيرًا بالعمر وكان يدفن الموتى، وفي أول الثورة كان موقفه تمامًا ليس مع الثورة ولكن شيئًا فشيئًا أصبح مع الثورة، وهو أصبح يدفن الشهداء وهو الذي اعتنى بتربة الشهداء أثناء الحصار، وأصبح منظرها جميلًا جدًا وهو كان يهتم بها إلى درجة لا توصف، وكان يهتم بكل قبر وكل يوم يسقي كل القبور، وكان يُحضِر صهاريج الماء وفي أشد أيام الحصار كان يحضر صهاريج المياه رغم ندرة الوقود وكان يسقيها جميعها، ويقوم بترتيب شواهد القبور وسبحان الله في عام 2014 وعام 2015 أصابه مرض يُقال أنه بسبب كثرة دفن الجثث، أصابه مرض يبدو أنه سرطان وحاولوا إخراجه خارج داريا عن طريق المعضمية وعلى الطريق تم الإمساك به، وطبعًا أبو صياح أكيد استُشهد لأنه عندما خرج كانت حالته الصحية مزرية جدًا وهو رجل جدًا مشهور ويُعتبر الرجل الأشهر في داريا، وهو أشهر من أي قائد عسكري وحتى أبو صياح وجوده أيام الحصار كان لطيفًا جدًا، وكان يأتي إلينا إلى منزل مجموعة الشباب لأجل أن يتعشى عندنا ونحن نرحب به ونجلس ونضحك، وهو شخص لطيف إلى أبعد الحدود وهو من أهل داريا القدماء الذين لهجتهم ثقيلة ويمزح كثيرًا ويسأل هذا ويمازح هذا.
أبو صياح -رحمه الله- كان يعتبر فعليًا قبور الشهداء ملكه ولا أحد ينازعهم عليه أبدًا، وعندما احترق شهداء المقبرة كان في حالة [سيئة]، وحتى في أيام مرضه الأخير لم أره في حالة مزرية كما رأيته في هذه الحالة [يومها] وهو كان يضرب على رأسه، وكان يلبس شماخًا على رأسه وجاكيتًا عسكريًا، وهو شخص بسيط إلى أبعد الحدود وهو صوفي متصوف ويحب كلمة "لا إله إلا الله" وحتى في أيام الحصار عندما تحصل عراضات الزفاف كان يقول: قولوا معي "لا إله إلا الله"، ويوجد له الكثير من المقاطع أثناء الحصار وله تصوير عراضات وهو الذي كان يجعل العرس جميلًا أثناء الحصار قبل أن يُتوفى -رحمه الله- وهو كان يجعل من الأعراس جميلًا أثناء الحصار، صحيح يكون عنده دفن ولكنه بالأخير هو الذي يُجمّل الأعراس والعراضات، وأذكر قبل الثورة في عرس إخوتي أحضرنا أبا صياح وهو كان صديق العائلة بشكل عام وهو الذي استلم العراضة وبدأ يصب القهوة وهو شخص خدوم إلى أبعد الحدود، وأنا أعتقد أن أبا صياح يستحق كتابًا كاملًا لأنه أكبر من أن يُتلكم عنه بسطور.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/12/17
الموضوع الرئیس
مجزرة داريا الكبرىكود الشهادة
SMI/OH/103-18/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
20 - 25 آب/ أغسطس 2012
updatedAt
2024/08/22
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة دارياشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش السوري الحر
الجيش العربي السوري - نظام