الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

فترة بداية المليونيات في حماة والإدارة الشعبية للمدينة

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:17:14:23

بعد جمعة "العشائر" كانت انطلاقة وبداية المليونيات في مدينة حماة، وكنا نشعر بأنَّ على عاتقنا أن نُظهر تلك المظاهرات في أحلى صورة ونُوصل رسالة إلى العالم والناس كيف تكون المظاهرات السلمية، وكيف تتم إدارتها، وبعد المظاهرة مباشرة وأنت تعرف أي تجمهر للناس يخلفون بعض القمامة، كان هناك شباب متطوعون دائمًا بعد كل مظاهرة انطلاقًا من جمعة "العشائر" حتى آخر مظاهرة، كانت مهمتهم تنظيف المرافق والساحات العامة القريبة من ساحة العاصي، حتى إنك تشعر أن ساحة العاصي لم يكن فيها ولا شخص، كانت الناس تأتي بمكانس تُنظف الأوساخ وترميها بعيدًا. 

المدينة دخلت في حالة "إدارة ذاتية" بعيدًا عن السلطة الحاكمة، إدارة شؤون البلد بأفضل صورة، سبق وذكرت أن معدَّل الجريمة في البلاد قد انخفض لمستويات كبيرة ولم نعد نرى حالات سرقة أو حالات جنائية أو حالات قتل، وكأنَّ المدينة دخلت في مرحلة أمانٍ بعيدًا عن هذا النظام المجرم. 

وهذا الأمر كان باجتهاد كبير من الشباب، هناك شباب كانت تجلس على مداخل الأحياء لمنع أي حالة سرقة وهناك شباب تجلس نواطير (حرس) أمام المديريات الحكومية وأمام المحاكم الموجودة وأمام البنوك، كان في حماة أكثر من عشر بنوك سواءً خاصة أو حكومية لم يتعرض لها أحد بأي شيء وهذا الأمر كان جيدًا بتطوع من الشباب الثائر. 

وفي الجانب الآخر لدينا عمليات تنظيم للمظاهرات وسبق وذكرت أن جمعة "العشائر" كانت انطلاقة للمليونيات فنحن كنا بحاجة لإيجاد شيء جديد، اليوم لديك مظاهرة مليونية لديك مظاهرات صباحية مسائية على مدار أسبوع ثم مظاهرة رئيسية يوم الجمعة فكنا نجتهد لئلا تمل الناس وكنا نحاول أن نُوجد هتافاتٍ جديدة وهتافات بطرق مختلفة وبأنغام مختلفة وتجعل تلك الهتافات ومعها رد من المتظاهرين ليحصل ردٌ وتفاعل أكبر، وكمجموعتنا كنا مستلمين السيارة أو المنصة كنا نحاول أن نُوصل رسائل للنظام للمطالبة بالمعتقلين وتسليط الضوء على قضايا مهمة بالنسبة لنا ومطالبنا من رفع حالة الطوارئ وإعطاءنا الحرية الكاملة سواءً في الانتخابات أو بتشكيل الأحزاب، وبتلك المواضيع كلها وبالإضافة إلى هتافات وكلمات يصل صداها إلى جميع الناس سواءً كانوا في سورية أو خارج سورية من المعنيين في الشأن السوري. 

وكان هناك الكثير من الناس تتطوع [وكنا نتشاور أنه]ما رأيكم بهذه الكلمات جيدةً أم لا، وكانت المظاهرة تظهر بأحسن صورة، وكنا نجلس معًا ونقوم بتجربة الهتاف، يقف عبد الرحمن الفرهود (القاشوش) وكان هناك هتاف الزجل على الطريقة اللبنانية، وعبد الرحمن لا يكفي وحده نُريد شخصًا آخر يقابله، وكنا في المقر الذي نعمل فيه كنا نعمل بروفات وهل هذه جيدة توافق اللحن والقافية، وهل الناس ستعرف ترديدها أم ستنصدم بها، كنا دائمًا نعمل عليها نحن كمجموعة السيارة. 

في المقابل كان هناك مجموعاتٌ أخرى نشيطة جدًا في جمعة "إرحل" رأينا كيف شكّل المتظاهرون علم سورية على أجسادهم، وهذه فكرة ناشطٍ اسمه أبو خليل -على ما أذكر- لا أعرفه شخصيًا ولكن ذكر لي فكرته لإنشاء العلم والغاية من تشكيله أنَّ النظام يقول أنَّها فبركات سينمائية ليُظهر الناس بصورة أكبر، فكانت فكرة العلم أنَّهم ناس ويحملون أعلامًا ويمشون بها كيف يكون فبركة؟! وكان هذا الهدف من العلم، وفي تلك الجمعة كان الأمر كبيرًا حتى يوجد جهات تكلمت عنها ومؤسسات عملت عليها برامج، وخاصة هذه الجمعة. 

ومجموعات أخرى تعمل لافتات وكتابة العبارات المُنددة بجرائم النظام، وكانت ترفع لافتات لمؤازرة أهلنا في درعا أو حمص أو باقي المحافظات المنتفضة على النظام، وكنا نحن عبارة عن خلية نحل والكل يعرف كيف سيعمل وما هي مهمته، وإلى أين نصل وأنا دائمًا أقول: توحد الهدف، فنجح العمل وحين يكون كل شخصٍ لديه هدفه المعني به ويعمل لأجله سنفشل، لذلك حين كنا في حماة أصحاب هدف واحد كانت مظاهرات أهل حماة هم الرافعون لشعلة الثورة لأكثر من ثلاثة أشهر على التوالي، لأنه كان الهدف واحدًا أما حين اختلفت الأهداف وصلنا بعد عشر سنوات للثورة للأسف [إلى وضع سيء]، فكان هناك بين كل جهة معرفة بسيطة وجهل لبعضنا ولكن كنا مكملين لبعضنا في المظاهرة وكان هناك أشخاص معنيون في البث المباشر من هذه الزاوية مثلًا، وكان هناك من عمله توجيه الناس للساحة بشكلٍ منظَّم، وناس كانت مهمتها أن تجلب زجاجات مياه باردة تضعها في البراد قبل يوم ليأتوا بها للمتظاهرين، تخيل إلى أي حد كان الناس يشعرون بالمسؤولية للقضية التي خرجوا من أجلها ..

الأهالي بشكل عام في المليونيات… وهناك رواية قال بها النظام بعد اعتقال مجموعة من الشباب في حماة أنَّ المتظاهرين كانوا يتعاطون حبوب هلوسة وسندويشات فيها مبلغ 500 ليرة، الرواية تلك جاءت حينما كانت الحشود الكبيرة في حماة في ساحة العاصي وكانت الناس تهتف من قلبها وتشعر بالأبنية تهتز حول الساحة، مرة من المرات كنت أقف على أحد الأسطحة حينما يهتف الناس "الشعب يريد إسقاط النظام" تشعر بالبناء يهتز تحتي، وهذا الأمر كان طاقة والشخص يبذل طاقةً كبيرة 

وكان هناك ناس متطوعة وكانت توزع مياه وتوزع سندويش، فأحد الأخوة قال بأنه لا يلحق أن يأتي بالسندويش فجلب الغاز والمقلاة وبدأ يقلي الفلافل في ساحة العاصي ويلف ويوزع فتأكل الفلافل طازجة وكله بالمجان، فالنظام روج بأنَّ المتظاهرين كانوا يتعاطون حبوب وسندويش فيه 500 ليرة، صدقًا نحن كوننا كنا الجهة التي عليها التركيز لأننا كنا نقوم بالهتاف كانت الناس متجهةً نحونا باتجاه السيارة، فتأتي إلينا -والموقف حصل معي- قال لي أحد كبار السن: يا عمو أنا راتبي التقاعدي 7000 مشان الله خذه، خذه من أجل أن يشعر نفسه بأنه مُشارك، فقلت له: نحن لسنا بحاجة نحن لا ندفع شيئًا، وهو يقول: مشان الله خذه وأعطه لمن تريد فقط خذه مني، وهذا الموقف لم يحصل معي بل مع أكثر من أخ من الشباب الذين معنا، فإعلام النظام كان يُروج بأننا كنا نوزع أموال لكن الناس كانت هي تدفع وسعيدة بالذي حصل. أنا كنت إعلاميًا والناس كلها متجهة باتجاهي، كنت ألتقط بعض اللقطات والناس تبكي فرحةً غير مصدقة اللحظة التي تعيشها فهي تقف في ساحة العاصي وتهتف بإسقاط النظام دموعٌ تسيل على الخدود من العيون والموقف غير طبيعي في المليونيات، فالأهالي كانوا كجسدٍ واحد مع أولادهم لا نقول ناشطين لأننا كنا أولاد هؤلاء الأهالي. 

والأهالي في بداية التظاهر في حماة كانوا يُخيفوننا ولكن حين رأوا الشيء الذي عملناه نحن هم قالوا لنا: أنتم فعلتم الشيء الذي عجزنا عنه، هم فعلوا الكثير ولكن الآلة القمعية ضدهم كانت أكبر بكثيرٍ مما نحن عليه في 2011، فقالوا لقد عملتم ما لم نقدر نحن عليه، فنظروا لنا نظرة فخر أننا ربينا أولادنا تربوا أحرارًا ليُكملوا المسيرة التي بدأناها. 

وهذا الأمر دفع المجتمع الدولي أن يُرسل سفراء، وهذا الشيء رأيناه فيما بعد وصول السفير الأمريكي (روبرت فورد) والفرنسي (إريك شوفالييه) إلى مدينة حماة قبل التظاهرة المليونية بساعة ليعاينوا الشيء الذي حصل، ونحن كناشطين لم نكن نعلم بزيارة السفيرين ونحن تفاجأنا بهم وفجأة رأينا سيارات وسفراء قد جاؤوا ليتأكدوا إذا كانت مظاهرات مليونية في ساحة العاصي أم لا، لأن الإعلام الموالي كان دائمًا [يقول] أنَّها ليست مليونيات وأنها بعض آلاف في ساحة العاصي، فمجرد اعترافه هذا الإعلام الغبي؛ مجرد اعترافه بوجود بعض آلاف في ساحة العاصي هذا اعترافٌ صريح أنَّ الناس قد خرجت ضد النظام، فكان دائما يُصرحون بأنه لا يوجد أعداد كبيرة، وهذا ما جعل السفراء تأتي إلى ساحة العاصي وتشاهد المظاهرات المليونية بعينها.

مظاهرات مليونية والنظام عاجز أن يفضها حاول أكثر من مرة أن يقتحم المدينة ويعود ويُمسك المدينة بقبضةٍ حديدية مثلما كان يمسكها في البداية وعجز عن هذا الأمر وحاول بشتى الوسائل، حتى انها حصلت عدة محاولات في جهة طريق حلب المدخل الشمالي لمدينة حماة وحاول الأمن السياسي أن يقتحم وسقط جرحى وشهداء في صفوف الثوار بأثر صدهم لقوات النظام، والنظام كان هدفه من اقتحام المدينة وقف المليونيات التي تحصل فهو حاول أن ينكرها. ونزل السفراء ورأوا والإعلام البديل كان يُغطي بشكل واسع وحاول أن يُوقف المليونيات ولم يستطع، فبدأنا نرى حشد للدبابات ومع محاولات النظام لاقتحام المدينة بدأت الأهالي تخاف من اقتحام النظام للمدينة على حين غرة، وهذا ما دفع الناس لإقامة حواجز على مداخل مدينة حماة، وكانت عبارة بلوكتين (قطعتين من الطوب) وخشبة ليُغلق بها الشارع لا أكثر من أجل إذا جاءت أي دورية نحن نراها قبل أن تدخل المدينة ونُحذر أهل حماة. وهذا الأمر سار بطريقةٍ ممتازة ولم تحصل أخطاء ولا مشاكل ولا أي شيء يُزعج الداخل أو الخارج من حماة لأنه كان ممنوعًا الدخول أو الخروج منها وكان هناك محاولة لقطع "الإنترنت" عنها وقطع التيارات الكهربائية وخاصة في المظاهرات المسائية لفض تلك المظاهرات وكل محاولات النظام باءت بالفشل. 

وفي هذه الفترة كان الشيخ عدنان العرعور لديه برنامجه الأسبوعي وبرنامجه كل ثلاثاء وخميس لا أذكر، فكان يتكلم وكانت الناس تُنشد له كونه شيخ ورجل علم وكان يتكلم ويُناصر أهله السوريين المظلومين، فكانت الناس تسمع له وأنه ماذا سيتحدث اليوم؟ ونحن في حماة صغنا هتافات للشيخ عدنان فهو ابن بلدنا والرجل يخرج على الإعلام ويتكلم نصرة لأهله المظلومين، فالناس كانت تنصاع له سواء في حماة أو غيرها يقول اعملوا هكذا فيجيبون. 

وفي حماة أثناء وضع الحواجز المدنية على مداخل المدينة أذكر مرة في إحدى حلقاته قال: يا شباب أزيلوا الحواجز ودعوا الحركة طبيعية، وهذا الأمر عمل شرخًا بين الناس، ناس مع كلام الشيخ عدنان وناس ضده، والشيخ عدنان لا يعرف الشيء الذي نحن واقعين فيه، فإذا أزلنا حواجز المدنية النظام سيكون في اليوم التالي في بيوتنا، وسيعتقل أولادنا، فحصل انقسام في الشارع الحموي وعلى أثرها حصل خلافٌ كبير قد حل بوقته وأنَّ الحواجز تلك لن تُزال ولا يهم من تكلم عنها وعلى الأقل تحمينا فإذا اقتحم النظام يكون لدينا مدة زمنية لنؤمن أنفسنا. وبقيت الحواجز وهذا ما اضطر النظام ليستخدم القوة العسكرية المدعومة بالدبابات الثقيلة وبالمدرعات في اقتحام حماة (اقتُحمت حماة في 31 تموز/ يوليو 2011 - المحرر)، وحصل على أثرها اجتياح مدينة حماة في الكامل.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/05/09

الموضوع الرئیس

الحراك السلمي في حماة

كود الشهادة

SMI/OH/83-08/

أجرى المقابلة

بدر طالب

مكان المقابلة

الباب

التصنيف

مدني

المجال الزمني

6-7/2011

updatedAt

2024/08/09

المنطقة الجغرافية

محافظة حماة-ساحة العاصيمحافظة حماة-مدينة حماة

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

السفارة الأمريكية في دمشق

السفارة الأمريكية في دمشق

فرع الأمن السياسي في حماة

فرع الأمن السياسي في حماة

السفارة الفرنسية في دمشق

السفارة الفرنسية في دمشق

الشهادات المرتبطة