ظروف اعتقال الوالد ومحاكمات محكمة أمن الدولة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:11:30:01
نحن هنا بدأت مدرستنا، وعندما كنا نزوره على الشبك العام، وأمي كانت تأتي كل أسبوعين، وتأخذنا من المدرسة، وهم يعرفون بأن والدي في السجن، وهنا كانت الصعوبة؛ يعني رفاقنا يسألوننا: لماذا والدكم في السجن؟ ونحن لم يكن لدينا إلا كلمتان نقولهما لا نعرف غيرهم، نقول: والدي ليس في السجن، وإنما في المعتقل، ولكن لماذا؟ لأن لديه قضية، لا نعرف ماذا يعني هذا.
في سورية اصطلاحًا يقولون عن الشخص الذي اعتُقل لسبب سياسي أو رأي، يقولون: معتقل ولا يقولون سجين، مع أنهما بنفس المعنى، ولكن هذا هو الاصطلاح، وقانونًا ليس كذلك، ولكن هذا هو الاصطلاح، ونحن نقول معتقلين، ولا نقول سجناء، علمًا قانونيًّا هذا خطأ.
أبي وأصدقاؤه جميعهم اسمهم معتقلون، وليس سجناء، وهذا اسمه معتقل، ربما للتفريق بين المجرمين وبين سجناء الرأي.
نحن [كنا] بعمر لا نعرف تفسيرها، ولا نعرف ماذا تعني قضية؟ وما هي القضية والكرامة؟ وما هي الكرامة؟ ومن الصعب التعبير عن الكرامة، أنا في الصف السابع، ولا أعرف ماذا تعني الكرامة، وأنا أعرف أننا كنا نتعذب عندما نذهب للزيارة، وكنا نحمل له الطعام، ونغسل له ثيابه، وأخي على يدنا، وطناجر (قدور من معدن) الطعام، وبدأ يصنع لوحات خشب، يعني تعذبنا كثيرًا بهذه الكرامة، ولكنها كانت أكثر شيء ممتع في هذه الحياة، وكنا نرتدي أجمل الثياب.
والدي [عندما يكون في] قسم الزيارة، فالساعة الأولى يقضيها معي ومع لمى، ووالدتي في هذا الوقت تلتقي مع أصدقائه، والساعة الثانية مع والدتي، وهي تحمل حسن، وأنا في ساعة والدتي كنت أذهب وأتعرف على أصدقائه، وخاصةً الذين كانوا صغارًا بالعمر -شبابًا صغارًا-، وأغلبهم دخلوا بتهم شيوعية، فنشأت علاقة صداقة بيني وبينهم، لا زالت مستمرةً، وأذكر عمار رزق ومازن شمسين، وهما أكثر اسمين حاضرين في رأسي، كنت ألتقيهم في الزيارات، ويوجد أسماء أخرى كانت أكبر بالعمر، لكنني كنت أحب التعرف عليهم.
والحقيقة أن والدي ليس فنانًا، ولكن الأشياء التي صنعها في السجن كانت رائعةً، يعني صنع لوحات خط عربي، وصنع لوحةً لأخي فيها حديقة حيوانات، ويوجد لوحة -وهي في منزلي في بيروت- لشخص يعزف على الجيتار (آلة موسيقية) وأنا قبل ذلك كان عندي أيضًا هدايا حنظلة على لوحة من سجن صيدنايا، واللوحة هي حرق على الخشب، وأيضا لوحة قطة، وأنا منذ صغري أحب القطط كثيرًا.
الشق الثاني من لقاءاتي مع والدي في ذلك الوقت هو محكمة أمن الدولة، ومحكمة أمن الدولة كانت في شارع 29 أيار في مدخل صغير قريب على عين الكرش على زاوية، وطبعًا عندما تحصل محاكمات كانوا يغلقون الشارع، ولا أحد يعرف -من الأشخاص العاديين- أنه يوجد محكمة أمن دولة في سورية، لأنه كل هؤلاء الأشخاص… يوجد شيء في قانون العقوبات العام اسمه الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي، فمعظم هؤلاء الأشخاص كانوا يتحولون بهذه الجرائم، وكان يأتي باص عدرا وباص صيدنايا أشكالهم مختلفة، وباص عدرا كان لونه أبيض، وأصغر ونوافذه عليها شبك، وأنا أذكر أنني ركبت في هذا الباص حيث أنني ركبت مع موقوف حولوه من المدينة إلى الريف وركبت في باص الموقوفين، وباص صيدنايا كبير جدًّا والنوافذ مرتفعة، ولا يظهر الأشخاص منه، والشبك جدًّا ناعم، فيكون يوجد فقط الأهالي والمحامون والناس المهتمون من الأصدقاء، وينزل المعتقلون، فنحن كنا نذهب باكرًا حتى نرى والدي، وهو ينزل من الباص، والمحكمة كانت في الطابق الثالث.
كان الباص يقف على باب المبنى، في محكمة أمن الدولة يوجد شرطة عسكرية أيضًا، عدا الشرطة المدنية من سجن عدرا، والشرطة العسكرية من سجن صيدنايا بالإضافة إلى الشرطة العسكرية الموجودة في محكمة أمن الدولة، وخاصة يستنفرون أكثر عندما يوجد جلسات، يخافون أن يحصل شيء.
نحن نأتي قبل وقت المحاكمة حتى ننتظر، وبالعادة الساعة 11:00 يصل الموقفون في كل المحاكم حتى نراهم، وهم كانوا ينزلون مقيدين، وقد ربطوا بسلاسل مع بعضهم من أيديهم وأقدامهم، واسمه جنزير، ويوجد مصطلح يقول ابن جنزيري؛ يعني الذين ينزلون مع بعضهم إلى المحكمة ،يقول له ابن دعوتي أو إبن جنزيري.
وعندما ينزل والدي والذين معه -كلهم أصدقاؤه-، يعني نحن نقبل الجميع، وعندما ينزل والدي نذهب ونقبله، وأمي تمسكه من يده وتمشي معه، وفي إحدى المرات جئت حتى أقبله، فأبعدتني الشرطة العسكرية فصرخت، والضابط الموجود كان اسمه نعيم التقي -كان نقيبًا- استفزني، وقال لي: هل يعجبك كثيرًا منظر والدك؟ وأنا كنت في الصف السابع، وعمري 13 سنةً، فقلت له: نعم جدًّا يعجبني، ومظهرك هو الذي لا يعجبني، فقال لي كلمةً أخرى، وسوف أضعك معه، فضحكت، فسحبوا والدي والبقية معه، وأنا بدأت أصرخ من الخارج، ووالدي في الداخل، وأنا ألاحقه حتى أدخل إلى المحكمة، وأنا في ذلك الوقت لا أستوعب أنه يوجد محامون، ولا أستوعب أنهم يقومون بأي دور، وأنا قلت لو أنه يوجد محامون يعملون لهؤلاء الناس، دورهم شكلي حقيقة.
الجلسة هي جلسة محكمة استماع ودفاع ونطق بالحكم، والقفص لم يكن مثل محكمة الجنايات، ونصفه من الخشب وليس الشبك، وهم يقفون والأهالي يجلسون، والمحامون يقفون؛ يعني فوضى، وأذكر شيئًا اسمه كان جلسة توجيه التهم، يوجد نيابة عامة هي تقدم الادعاء، وفايز النوري كان هو رئيس المحكمة يوجه التهم، فكانت التهم الموجهة لوالدي جدًّا كثيرةً، وإحدى التهم هي مناهضة النظام الاشتراكي، واسم حزب والدي الاتحاد العربي الاشتراكي! وتهمة أخرى هو مناهضة أهداف الثورة، وطبعًا الانتماء إلى جمعية سرية تهدف إلى قلب النظام السياسي والاقتصادي في الدولة، ولكن عندما قال له: مناهضة أهداف الثورة، قال والدي لفايز النوري: الثورة نحن من قمنا بها، وجماعتك البعثيون سرقوها منا، وحتى البعثيون الذين شاركوا فيها في النهاية حافظ الأسد تخلص منهم كلهم وسيطر على الحكم، فكان يوجد هذه المجادلة، وطبعًا أنا كنت أسمع، ولا أفهم شيئًا من كل هذا الكلام، ولكن علقت القصة في رأسي كثيرًا، وأنا رأيت أن والدي كان جدًّا قويًّا، وطبعًا في داخل القفص يوجد الشيوعيون والإسلاميون والبعثيون، والبعث الديمقراطي أو بعث العراق، وكانت تحصل اللقاءات بينهم. أنا كنت أرى أن والدي، وهو في قفص، ويوجد سلاح موجه نحوه، ويوجد الكثير من الشرطة، وهو يستطيع الصراخ على القاضي، يعني والدي جدًّا قويًّا، وأنا قررت أن أصبح مثل والدي، وأتزوج شخصًا مثل والدي.
نحن عندما كنا نزور والدي في السجن أنا ولمى؛ يعني والدي تركنا ونحن صغار، وهو لم يعش معنا كثيرًا بين الملاحقة والاعتقال، فأصبحنا في عمر مراهقة، ووالدي كان يتعامل معنا كصديق، وأنا حتى هذه اللحظة، منذ أن كان عمري 12 سنةً بدأت أتعرف على والدي في السجن، والآن أنا عمري 40 سنةً أنا لا أشعر والدي بأنه والد، يعني هو صديق، يعني يوجد ندية بالعلاقة غريبة جدًّا.
المشهد الثالث هو أنه كان يوجد جلسة نطق بالأحكام لبعض الناس، ويوجد شخصان أحدهم 10 والآخر 15 لم يفهموا عليه، فسألوا فايز النوري فهو عاد وألقى الأحكام جزافًا، وقال: أنت 10 وأنت 15 سنةً.
الأحكام تتراوح حسب الأحزاب من 3 سنوات إلى الإعدام.
قبل جلسة النطق بالحكم لوالدي، هو كان يحضرنا نفسيًّا أنه أنا قد أحكم 3 سنوات أو 6 سنوات أو 9 سنوات أو 12 سنةً، وغالبًا 9 سنوات، ونحن خفنا كثيرًا، وذهبنا إلى جلسة الحكم، وفي يومها التناقض العجيب في المشاعر، في وقت جلسة حكم والدي كان له سنتين في السجن تقريبًا، وإذ والدي يحكم عليه 3 سنوات، -يعني المدة الأقل- ولكن جنائية، يعني 3 سنوات هي عقوبة الحد الأدنى للعقوبة الجنحية، والحد الأدنى للعقوبة الجنائية، والفرق بينهما أن العقوبة الجنحية هي تتعلق بالجرائم الأقل خطورةً، وهي مثلًا فيما بعد عندما يتم رد الاعتبار، هي تأخذ 3 سنوات، بينما العقوبة الجنائية يجب أن يكون مضى على انتهاء الحكم 7 سنوات، يعني هي أشد، حتى لو كانت نفس مدة السجن، وهو حكم عليه 3 سنوات جنائية، ونحن فرحنا لأن والدي سوف يخرج هو وأحمد معتوق -صديقه-، وهنا فدوى خرجت، وهي خرجت براءةً بعد سنتين، ولكن كان شعورنا أنا وأمي وأختي أمام الناس الذين تم الحكم عليهم لفترات أكبر، حتى والدي نفسه جدًّا محرجًا، يعني لماذا سيخرج والدي قبل آبائهم -للموجودين من أصدقائنا-، ويوجد أشخاص تم الحكم عليهم 15 سنةً، وكان الشعور جدًّا بشعًا، وهذا الشعور يسخر السجناء على بعضهم به، وفي وقتها كان يوجد شخص من أحد الأحزاب الكردية اسمه أحمد حسو، وقال له: ما هذه المسخرة 3 سنوات! وهذا عيب، وفي الجلسة التي بعدها نزل أحمد حسو، وحكم عليه بسنتين؛ يعني هم يعيرون بعضهم.
[هذا الجناح مفصول لوحده اسمه] الجناح الثاني، وجميعهم سياسيون، وحتى لو كانوا من تيارات مختلفة، ولكنهم دخلوا في قضية يوجد أشياء مشتركة، فكان يوجد انسجام جدًّا كبير بينهم، يعني مثلًا جزء كبير كان من القرى، والذين يأتي أهلهم من القرى، كانوا يحضرون معهم صناديق التفاح، ولا يحضرون فقط لابنهم، وإنما لجميع المهجع، وأمي عندما تطبخ فهي لا تطبخ لوالدي فقط وإنما كانت تطبخ للجميع، وكان يوجد هذه الطريقة بالتعامل، وعندما يعتقل شخص، أو يلاحق شخص، وطبعًا هذا سوف يؤثر على الظرف المالي، فإما أن يكون هناك جمع مال من باقي الزملاء في الحزب حتى يصرفوا على عائلته، أو الأغنياء فهناك أشخاص لديها أملاك هم الذين يصرفون.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/08/09
الموضوع الرئیس
الاعتقال قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/123-02/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
ماقبل الثورة
updatedAt
2024/04/25
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-سجن دمشق المركزي (سجن عدرا)شخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية
محكمة أمن الدولة العليا
سجن عدرا / دمشق المركزي