واقع داريا بعد المجزرة وتشكيل المجلس المحلي للمدينة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:21:15:02
بعد المجزرة بقينا لمدة عشرين يومًا نلملم جراحنا ونحاول توثيق الحالات التي حدثت وبعدها شعبية "الجيش الحر" خفت في المدينة وبدأ يرضخ لشروط التنسيقية، وفي هذا الوقت وبسبب كل الكوارث التي حدثت في داريا قبلًا جعلت التنسيقيتين التي كانت في داريا تنسيقية إسقاط النظام وتنسيقية لجان التنسيق المحلية اضطرّوا وتحت وطأة الأمر الواقع وبعد كل الفواتير التي دفعتها المدينة أن يتفقوا ويُشكلوا جسمًا وهو المجلس المحلي، وهذا ما حدث.
بعد المجزرة اتفقت التنسيقيتان وتنازلوا عن كثير من الأمور بينهم وتوحدوا تحت جسم واحد اسمه المجلس المحلي وله عدة مكاتب وفيه مكتب عسكري "للجيش الحر" ومكتب حراك سلمي ومكتب طبي وإعلامي ومكتب مالي، وأصبحت الأمور متنظمةً في المدينة بحيث أن لا تحدث أخطاء التي تؤذي المدنيين في المدينة، وهذا كان لصالح المدينة وكثير من الخلافات اختفت وكانت إحدى الخلافات بين التنسيقيتين وجود النساء في المجلس المحلي، ونحن كنساء حرائر داريا تنازلنا أن لا نكون في المجلس المحلي مقابل أن تتوحد التنسيقيتان وبقينا نحن نساعد بالمواضيع التي يمكن أن نُساعد بها ونبقى على تواصل مع شبابنا في التنسيقية.
وتشكل المجلس المحلي في داريا وأصبح "الجيش الحر" حصراً يعني عمله تابع للمجلس والمال الذي يصل إلى "الجيش الحر" عبر المجلس، وأصبحت القوى المدنية هي التي تُدير "الجيش الحر" وثم عاد الحراك في داريا يعود يومًا بعد يوم والنظام انسحب من وقت المجزرة إلى وقت الاجتياح الثاني في شهر 11 قرابة شهرين ونصف النظام ولم يقترب من داريا، وكانت داريا محررةً بكل معنى الكلمة.
نحن نخرج في المظاهرات بدون أن نضع على وجوهنا أي شيء ونُوزع جرائد "عنب بلدي" عادي كل يوم في الساحات وعلى الناس في الطرقات بشكل كامل والمدينة نهضت بكل شيء، والعمل العسكري كان منظمًا ومخفر النظام انسحب وأصبح هناك شرطة تابعة "للجيش الحر" وعملها ضبط كل شيء في المدينة وحتى أعمال "الجيش الحر" وأي شخص من "الجيش الحر" ينتهك يتم الاتصال عبر رقم معين.
والمجلس المحلي نظم الأمور ولم نشعر بعدم وجود النظام مع العلم أننا نتكلم عن مدينة فيها 250 ألفًا ولكن المجلس المحلي كان قادرًا لأن يُنظم الكثير من الأمور بغياب الدولة الذي هو المخفر وغيره، وبدأت الكثير من الأعمال الثقافية والندوات والمحاضرات، وكانت أجمل مرحلة رغم الكوارث التي حصلت بعد المجزرة، ولكن بسبب وجود التنظيم والعمل المدني والعسكري المنظم، و"الجيش الحر" وجوده في داريا في هذا الوقت لم يكن مزعجًا وأصبح وجوده مثل الشرطة وأنَّهم ليسوا خطرين الآن وأنا شخصياً أحببت "الجيش الحر" في تلك الفترة وشعرت أنَّ هذا "الجيش الحر" غدًا إذا أصبح الوضع هكذا ممكن أن يكون بديلًا حقيقيًا ويكون الجيش الوطني، وهو حل لسورية باعتبار أنَّ الثورة أخذت منحى السلاح والأمور كانت بذروتها على جميع الأصعدة. ونحن تنشطنا وكان لدي تواصل مع رزان زيتونة والتجمع التابع للجان التنسيق المحلية في داريا وعن طريق هذه التنسيقية قمنا بأنشطة كثيرة للأيتام والأرامل وللنساء والدعم النفسي للأطفال وورشات عن المصالحة الوطنية وعن العدالة الانتقالية عن اللاعنف والسلمية كل يوم، وأعلام الثورة منتشرة وأنَّنا تحررنا ولا ننتظر سوى أن يسقط بشار (بشار الأسد)، وكنا نريد هكذا فقط نعيش بحرية وليس لدينا رعب من أي شيء، والنظام لم يقصفنا في تلك الفترة فقد تركنا وكانت أحلى فترة في حياتنا وعشنا كل شيء من غير خوف رغم الوجع الذي كنا به من المجزرة وشعرنا أنَّ سورية تحررت ونحن الآن نبني كنا في مرحلة أننا نبني البلد والناس ارتاحت وخاصة في هذه الفترة الناس رغم كل الألم والموت الذي عاشوه في المجزرة ولكن الحياة تستمر، الناس ارتاحت لدرجة أنَّ المخالفين في البناء كانوا يبنون فاستغلوا الفرصة بغياب الدولة وكثر البناء في هذه الفترة وشعروا أنَّ الأمور قادرة على أن تسير، والناس تنشطت حتى اقتصاديًا تنشطت المدينة على كل الأصعدة، وبقينا كذلك شهرين ونيف، وبعد ذلك خرج النظام وبدأ يقصف بالطيران وبالميغ (طائرة الميغ) وهذه أول مرة يستخدم فيها النظام الطيران على داريا وبدأ يقصف، وهنا الناس خافت من مجزرة جديدة كالتي عايشوها سابقًا وخرجوا بشكل كامل من المدينة، وأصبحت المدينة فارغةً خلال ثلاثة أو أربعة أيام من 10تشرين الثاني / نوفمبر2012 من 250 الى 300 ألف نسمة لم يبقى منهم في المدينة.
الناس خرجت إلى الأطراف الى صحنايا جديدة الكسوة ودمشق وكفرسوسة وكل شيء من ضواحي داريا الناس خرجت وتمركزت فيها باعتبار أنَّ النظام يقصف ويضرب وربما قرابة أسبوع من الزمن تهدأ الأمور ويعودون إلى المدينة.
حين خرجنا من داريا أنا وزوجي وأولادي كان طابور (نسق) من السيارات الخارجة من داريا على طريق المعضمية طوابير، كانت الناس تخرج بالآلاف، وتوقعوا أنَّ النظام سيقوم بمجزرةٍ كبيرة ولكن هم لا يعرفون أنَّ هذا الخروج هو الخروج الأخير، ولم يحملوا شيئًا معهم، ونحن عانينا من عدم حمل الهويات وجوازات السفر، الناس تركت كل شيء في الداخل، وأنا أول أمر فعلته حين خرجت من منزلي في داريا، كل أوراقي أخذتها معي من جواز سفر وغيره وكل صور تذكارية وليس المهم أن تحمل أغراضًا وفرشات - وهذا أينما ذهبت ستجده - ولكن صورك وفيديوهاتك وأوراقك، كنت أحمل حقيبة ذكرياتنا وأوراقنا الشخصية وحقيبة أخرى فيها الملابس للعائلة كلها.
الناس لم تكن تُخرج شيئًا - وكما تعلم لا يضعون الأموال في البنوك - والناس كانت تُخبئ ذهبها تحت الأرض والناس لم تُخرج أي شيء، وأرض داريا مليئة بالذهب أو بالجدران فالناس لم تأخذ معها أي شيء وهذا سبب أزمة حقيقية للناس، ونحن في داريا لا يُوجد لدينا فقر كبير، ولكن حين خرجت الناس ولم تُخرج معها لا أموال ولا ذهب كان الناس في نكبة في الخارج والناس في الخارج لم يبقَ معهم شيء ولا حتى طعام لأسبوع، وهذا سبب أزمةً كبيرة للناس والمدنيين في الخارج، وبقي في المدينة "الجيش الحر" والمجلس المحلي بكل أعضائه وبعض المدنيين الذين هم أهالي "الجيش الحر والمجلس المحلي من المدنيين فقط والطبيين، كل من له علاقة في المجلس المحلي، هؤلاء بقوا في داريا والناس خرجت ولم تعد الى المدينة.
وأنا حين خرجت أخذت بيتًا في جديدة عرطوز وجلسنا أنا وأولادي وزوجي فيه، وزوجي كان مديرًا ماليًا في مول في الجديدة على أوتوستراد المزة، كان عمله قريبًا من بيتنا الجديد وبقينا في جديدة عرطوز.
كنا في اضطراب كبير وأنا لم أعرف أين سأضع أولادي في المدارس فهم تركوا المدرسة في الشهر 11 وكان الوضع كارثيًا وبقوا لفترة بلا مدارس، ولا أعلم مدارس الجديدة ما هي، وتشعر أنّك لا تُريد أن تسجلهم في المدارس على أمل أنك ستعود بعد أسبوع فلماذا تُسجلهم، وبالفعل لم أسجلهم وهم لم يكونوا كبارًا وإن مضى أسبوع فبعد شهر سنعود، وكان دائماً هناك أمل أن نذهب إلى داريا
وأنا كنت أنزل إلى داريا وأخي كان في المشفى الميداني وكل أسبوع أنزل مرة، أحيانا أعود في نفس الوقت أو أكون من أول يوم لثاني يوم وداريا كان مقطوعًا فيها الإنترنت والاتصالات مقطوعة والاتصالات العادية مقطوعة والكهرباء توفرت بعضها، وكان وضع المدينة بشكل عام كارثيًا، وذات مرة كنت أُريد أن أُغطي تقاريرًا لـ"عنب بلدي" مع "الجيش الحر" وكان هناك تقرير "هل سيسود حكم العسكر"، وكنت أسأل قيادات "الجيش الحر" بعد الثورة هل ستبقى تحمل السلاح؟ وأنا ذكرت أن "الجيش الحر" بعد المجزرة كان أغلبه من المثقفين والجامعيين وكنت أسأل هذه الفئة، هل إذا سقط النظام ستُكمل تعليمك أم ستبقى في السلك العسكري؟ وقمت بتقرير على هذا الموضوع وعملت تقريرًا عن المشفى الميداني في داريا، وكان المشفى بحاجة لدعم مادي وكانوا يدعمون هذا التقرير بشكل واسع من أجل تأمين دعم للمشفى، وكنت أشعر بالسرور وأدخل رغم كل الوضع المدمر، ولم يكن في ذلك الوقت البراميل كان قصف طيران وراجمات، وكنت أُسر حين أذهب إلى داريا وحين أخرج من داريا إلى جديدة كان خروجًا صعبًا للغاية وتشعر بفقد كل شيء حين تخرج من مدينتك وحارتك وبيتك ويشعر الإنسان بعدم الأمان وبدون غطاء وخصوصاً في تلك الفترة التي كنا مرتاحين فيها وتشعر أنَّ هنا يُوجد نظام وحواجز وهناك لا يوجد حواجز وكذا.. فرق الصراع اليومي كنت أعيش في الجديدة وعقلي في داريا وزوجي يقول لي: لا تنزلي من أجل الأطفال لأني كنت أترك الأولاد في الجديدة، وكنت أحلم بهذا اليوم الذي أذهب إلى داريا مع الدمار والقصف لكن من دون النظام وتشعر بالأريحية، فعشت صراعًا في تلك الفترة وقد خرجت من داريا ولم أتقبل فكرة الخروج الى مكان يتواجد فيه النظام في المدينة ولم أكن أتقبل فكرة الخروج من داريا ولكن كنا مضطرين، وأحد أسباب اعتقالي هو خروجي من داريا ولو بقيت داخل داريا ولا يوجد نظام وحين خرجنا من داريا اعتُقلت وتم اعتقالي في أحد الأيام حين كنت أخرج من داريا على حاجز الأربعين عبر إحدى الطرق وهو حاجز الفرقة الرابعة وأثناء دخول داريا كنت أُحاول أن أُساعد الشباب وأدخلت دمًا وطبعًا كنت أدخل الى داريا من الطرق الفرعية الزراعية وبقيت أعمل حتى شهر نيسان /أبريل 2013 ثم أصبحت هذه الطرق الفرعية غير موجودة، وأُغلقت المدينة.
الذين نزحوا (هاجروا) من داريا نزحوا إلى الجديدة وصحنايا والكسوة ودمشق وتوزع أهل المدينة وامتلأت بهم الأماكن ولكن أنا حين سكنت في الجديدة قبل اعتقالي تقريبًا لشهر ونصف في الجديدة عملت مع الصليب الأحمر الدولي في أحد المدارس التي فُتحت واستوعبت اللاجئين من أهالي داريا، وساعدت اللاجئين وكانت صديقتي ماجدة خوري وهي مسيحية من دمشق وعملنا أنشطة مع بعض و كانت في عيد الميلاد تملأ السيارة لي هدايا وزعناها على الأطفال في المدارس وعملنا شجرة عيد الميلاد ووضعنا أسماء الشباب والمعتقلين أنا وهي، واعتُقلت هي بعدي والتقينا مع بعض في السجن في الداخل وكانت تساعد ماجدة في موضوع الإغاثة، كانت تساعد أهالي داريا وكانت عن طريقنا وتصل إلينا عبرها سيارات أغذية وفرشات وهكذا أمور.
وفي مناطق النظام كنا نعمل في الإغاثة فقط لم نعد نعمل في السياسة أو دورات ولا شيء وحالياً يوجد شعب منكوب بسبب خروجه من المدينة أصبحنا نغيثه هذا الذي نعمله في تلك الفترة.
مشكلتنا نحن ليست جوعًا ونحن لم يكن لدينا أزمة أكل وجوع حتى في الشعوب العربية لم نسمع أحدًا مات من الجوع وربما ينقصنا بعض الغذاء نحن مشكلتنا في التوعية ولهذا لم أرغب أن أعمل في الإغاثة، ولكن في هذا الوقت غير قادرة على فعل شيء فعملت في الإغاثة وعملت أكثر في موضوع الدعم النفسي للأطفال، وأكثر من هذا لا أستطيع أنا أعمل، وتحت ظل الصليب الأحمر ورغم هذا لم ننفد (نهرب) من الاعتقال.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/10/18
الموضوع الرئیس
الحراك في داريامجزرة داريا الكبرىكود الشهادة
SMI/OH/118-09/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2012-2013
updatedAt
2024/04/17
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة داريامحافظة ريف دمشق-جديدة عرطوزشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش السوري الحر
عنب بلدي
الفرقة الرابعة دبابات (مدرعات) - نظام
المجلس المحلي لمدينة داريا
تنسيقية داريا - لجان التنسيق المحلية
تجمع حرائر داريا
الصليب الأحمر الدولي
مخفر داريا