الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

قصص من داخل معتقلات نظام الأسد

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:19:15:16

وقتها أخذت أذنها للفتاة، وقلت لها: حين أخرج سأكتب قصتك وهم وضعوها في المنفردة، وحين بقيت في المنفردة، كان يحن عليها السجان الذي يسمّى "حيدر" وهو علوي من حمص وهي سنية من الميدان، والمضحك أنه يتم الحديث عن موضوع الطائفية، وهي قصتها ليست صغيرةً كانت قصتها كبيرةً، ولم يكن يجمعهم غير المعتقل، وقد رأف لحالها كثيرًا.

في فترة المنفردة، وطبعاً ممنوع هو يتكلم مع السجينات هناك عقوبة عليها، ولكن حين يدخل لها الأكل كان يحاول أن يُواسيها ويُخفف عنها، وكان يقول لها: لا تزعلي ستخرجين، وكان هناك ورديات وهم ورديات منهم من يُداوم سبت اثنين وأربعاء ومنهم أحد ثلاثاء وخميس، وهو حين كان يأتينا بالأكل، أول شيء يقوم به هو السؤال عنها مباشرةً، وكان واضحً أنَّ الاثنان مهتمان ببعضهما، والمضحك أنَّه في هذا المكان المأساوي والمظلم من الممكن أن يحدث حب بين ثائرة ضد النظام السوري وآخر مع النظام يُشبح، ولكن سبحان الله كان الشخص هذا بالذات كان رايق (جيدًا) ولطيفًا يختلف عن غيره من السجانين. 

وفي مرة من المرات حكت لي أنَّها كانت تخرج إلى الحمام، فكان هو يضرب أحد السجناء، فقالت لي أول مرة أراه في وجهه الثاني، ولما رآها تخرج إلى الحمام أوقف ضرب السجين، وقصتهم بسيطة للغاية، وبعد ذلك نقلوه إلى غير مكان، وحين نقلوه ودعها، وهي بكيت كثيراً، وشعرت أنَّ هناك من يرأف بها من الطرف الثاني، وقد تعودت عليه وبقيت في الجوية (المخابرات الجوية) سنة ونصف، فتعودت عليه والقصة ملفتة في ظل كل هذا وأحب أن أنقلها، وأنا أشعر أنَّ السجن مهما كان مظلمًا تخرج منه قصص ربما تبعث بعض الأمل، ولوحدها هذه القصة تُظهر أنَّ النظام يعمل على الموضوع الطائفي، والفطرة البشرية لا أحد يخلق ويكون ضد الآخر، ولكن من كثر غسيل الدماغ للشبيحة، أصبحت أشعر أننا نحن كمعتقلين وثائرين ضد النظام يمكنه غسل أدمغتنا ونخرج مؤيدين، فلا عتب على جماعته أن يغسل دماغهم بهذا الشكل وخصوصاً أنَّه تم استخدام السلاح في الثورة، وبالنسبة لهم نحن نقتلهم. 

أنا كنت المتعلمة الوحيدة ومعي شهادة جامعية من بين الموجودين، وكانوا يتكلمون معي بطريقة أكثر احتراماً، وهذا في فرع التحقيق، كنت أواجههم في بعض القصص، ومرة تكلمت مع أحدهم وقلت له: لماذا أنت موجود هنا؟ وقلت له: ألا ترى بأننا جميعنا نساء وكلنا لدينا أطفال في الخارج، وأنت تغلق علينا الباب، فقال لي: القصة ليس لها علاقة، وأنا أحزن لأجلكم والقصة ليس لها علاقة ببشار الأسد لكن في اليوم الذي سنترك به سلاحنا، سنُقتل في اليوم التالي من قبل الطرف الآخر.

والقصة بالنسبة لهم قصة وجود، بالنسبة لهم فإنهم يحمون أنفسهم ويحمون عائلاتهم ويمكنك أن تفهم وجهة نظرهم حين تتكلم معهم بشكل طبيعي وبشكل بشري، وهم بالنسبة لهم نحن حملنا السلاح ونحن نقتلهم.

نحن في النهاية لسنا في مكان متساوي، وفي مرة اعتقلوا امرأةً وطول الطريق وهم يسحلوها (يسحبوها) تقول لهم "الله سورية بشار وبس"، وتقول هذا من باب أنه سيتركونها، ففتح السجان الباب، وقال لها: روحي عليكي (شتمها) وعلى بشار الأسد، الفكرة أنه لم أشعر بأنَّهم مألهين بشار الأسد، ولكن هم دخلوا في المعركة والمعمعة وفي الجو وغير قادرين على الانسحاب، وقال مرة السجان: نحن ضيعة (قرية) في حمص إذا لم ندافع عن أنفسنا سيقتلنا أهل حمص السنة.

ربما في داريا لم يكن عندنا طائفية، ولكن المناطق التي فيها طوائف علوية وسنية، ربما هناك أمور قديمة متراكمة بينهم يمكن أن تسبب اندلاعًا طائفيًا ما بين الطرفين، وبصراحة نحن شعب جميعنا مساكين، وكرهت النظام أكثر في تلك الفترة وشعرت أنَّ النظام يلعب بنا كلنا، والنظام السوري غير مهم بالنسبة له طائفته، وأنا أعرف في داريا حين يتم اعتقال ضباط علوية أو عناصر كان النظام لا يُبادلهم، ويقول لهم اقتلوهم، وكانت تحدث المبادلات مع ناس إيرانيين أو من "حزب الله" أما العلوية السوريون ولا مرة بادل بهم لم يُبادل عليهم، وأحيانًا أُُلقي باللوم علينا أنَّنا لو توجهنا إلى الفئة هذه من بداية الثورة، لو كسبناها لما وصلنا إلى هنا، أو ربما بصراحة يصعب الخطاب معهم، وهم فوراً أخذوا صف النظام واستوحشوا علينا، ولم يكن هناك فرصة للدخول في مرحلة خطاب وحوار، ولكن حتماً أنا مازلت أقول ومتأكدة من ذلك مجرد ذهاب بشار الأسد ولو جاء شخص أسوأ منه، 50 في المئة من المشاكل في سورية ستُحل.

لأن مشكلتنا نحن والمؤيد هي بشار الأسد، هم ليست مشكلتهم الحرية الخاصة بك، مشكلتهم فقط بأن يبقى بشار الأسد، ويرون أنَّ بشار الأسد يحميهم، ولكن حين يذهب بشار من الممكن أن نتكلم مع الطرف الآخر ونحن كشعب نستطيع أن نجد الأشياء المشتركة، وبشار الأسد وآل الأسد كلهم لديهم خصوصية بالنسبة لسورية، وكل الدول تعرفها ولذلك تتمسك به، هناك رمزية وخصوصية لآل الأسد موجودة في سورية غير موجودة في أي نظام عربي آخر، نحن من صغرنا طلائع البعث، وكأن آل الأسد يعيشون في عروقنا، وحتى المعارض منا تشعر أنَّه يرى سورية مرتبطة بالأسد، وبدونه ربما تنهار، والنظام هذا عمل لمدار خمسين عام على هذا الشعب بكل طوائفه حتى استطاع أن يتمكَّن ويتجذَّر ومن غير السهل اقتلاعه.

أنا في المعتقل كرهت النظام أكثر بكثير، ونقمت عليه، وهو ظالم للجميع حتى الناس الذين يُحبوه يظلمهم، ولا أحد يُحصل حقوقه لا نحن ولا هم، وفئة صغيرة الذين يُديرون البلد هم الذين يفعلون كل شيء والباقي كله مهمش، ويقتل نفسه من أجل المناصب لفئة محددة أو لنقل أيضاً من أجل باقي الدول أن تُحافظ على عملائها داخل سورية. 

ولكن داخل المعتقل وأنا أكره الشبيحة وكل الذين يُعذبون الناس ويعتقلوهم هم ليسوا بشرًا، وحتى لو هذا الشخص يحمل السلاح ضدك، تستطيع قتله دون أن تتلذذ بتعذيبه، وأنا كنت أُحاول أن أُعطيهم أعذارًا من أجل أن لا أمتلئ بحقد داخلي، وهذا الأثر يُؤثر علي في وجودي داخل الزنزانة، وكنت أعذرهم أنَّهم فعلاً قد غُسلت عقولهم وأنَّهم فعلاً يُدافعون عن أنفسهم لأننا نحمل سلاحًا وسنقتلهم حتى ولو لم أكن مقتنعةً بهذه التبريرات، كنت أُحاول أن أُعطي هذه التبريرات لكي لا يتغلب علي هذا الحقد وأدخل في وضع آخر لأنَّني رأيت هذا عند النساء الباقيات، منهم من أصبح مُؤيدًا ومنهم من حقدوا وذهبوا إلى "داعش" فأصبح لديهم اختلال وتطرف. 

وأنا كنت أُحاول الحفاظ على التوازن الداخلي، والشخص إذا أراد أن يحقد كثيراً في ظل الظلم الذي يجري عليه، من الممكن في لحظة يذهب إلى الطرف الآخر، وهذا الشيء ساعدني لتقبل وجودي معهم في نفس المكان طوال هذه الفترة وساعدني لأتكلم معهم وأفهم بما يفكرون؟ وساعدني أنَّ لا يؤذيني حقدي، واستطعت أن أنجح بهذا الشيء، أكيد أكرههم لكن لا أكرههم لدرجة أن أتطرَّف بشكل سيء.

في فرع التحقيق أسوأ ما يمكن غير ظروف الاعتقال السيئة هي: أصوات التعذيب وحالة العجز التي تشعر بها وأنت جالس في مكان صغير وغير قادر أن تساعد أحدًا، كانت جدًا صعبةً. 

هناك قصتان أُريد أن أستذكرهما بسرعة عن فرع التحقيق: حين دخلت إلى فرع التحقيق كان هناك الفتاة والصبي اللذان كنت أُريد أن أُعالجهما في أمريكا، واللذان فقدا أبويهما وكانا ينزفان.

وأنا مضيت في قصتهما وتكلمت مع منظمة أمريكية لتعالجهما خارج سورية على حسابها، وتواصلت مع المنظمة واستطعت الحصول على منحة لمعالجتهما في الخارج في أمريكا وأخذت موعدًا من السفارة الأمريكية في بيروت حتى يخرجا، وكنت أنا وزوجي قد عملنا على هذا الموضوع، وكنت الوحيدة التي أعرف القصة وكانت ملفاتهم معنا في السيارة حين تم اعتقالي واعتقاله، وحين اعتُقلنا لم أفكر بأولادي وأعرف أنَّ أهلي سيعتنون بهم ولكن فكرت بهؤلاء، لأنه بسبب اعتقالنا لن يتمكنوا من تلقي العلاج، ولم يكن أحد يعمل على هذا الشيء غير أنا وزوجي، كنت قلقة بشأنهما، وكان الطفلان وضعهما الصحي متدهور، وكنت سعيدةً بأنني قادرة على فعل هذه الفرصة. 

وكان زوجي نفس الموضوع كان فكره بنفس الموضوع، وكان أحد هناك شخص خرج من المعتقل فزوجي أعطى خبرًا لهذا الشخص أنَّ ملفات الأطفال للسفارة موجودة في السيارة، وأعطى خبرًا للخارج من أجل الطفلين، وأنا طول هذه الفترة في السجن أفكر- سبحان الله - تأتي واحدة من أقربائهما ويعتقلوها وتجلس معي في المعتقل ومن حديث لحديث تقول لي: الأطفال سافروا مع خالهم إلى أمريكا وسبحان الله شعرت كيف حصل أن تأتي واحدة من أقربائهم -هذين الطفلين - وأنا أتكلم عن داريا وهي مدينة كبيرة، وتجلس بجانب زنزانتي، وتقول لي: الأطفال أمورهم قد سارت، وهذا الخبر أسعدني جدًا وشعرت أنَّ كل الأمور التي مررت بها والمآسي شعرت أنَّ رب العالمين يُريد أن يُفرحني وفرحت طول فترة الاعتقال و -الحمد لله- خرجوا الى أمريكا وتعالجوا.

والقصة الأخرى واحدة معتقلة اسمها سمر استُشهد ابنها في المجزرة وأولادها الثلاثة استُشهدوا في قصف للميغ قبل اعتقالها بعشرين يومًا في داريا أعمارهم 10 سنوات 7 سنوات 5 سنين، وقد دُفنوا معًا في داريا، واعتقلوها هي وزوجها وابنها الذي بقي، يعني كل عائلتها ذهبت، والنظام من حقارته حين اعتقلها جمعوها مع زوجها، وكانوا يُريدون منها أن تقول: أنَّ سيارة مفخخة قتلت أبناءها الثلاثة، وليس طائرة ميغ للنظام، وهي من كثر ما محروق قلبها على مصيبتها أربع أطفال يموتون خلال شهرين لم تقبل، وتقول: أنتم الذين قتلتموهم، ويأتوا بزوجها ويعذبوه أمامها ويضربوه، وهو يقول لها: يا امرأة تذكري سيارة مفخخة، وهي مصرة من قهرها أنَّ تقول: لا أنتم من قتلهم. 

وحين عادت إلى الزنزانة من التحقيق بعد تعذيب زوجها لم تقبل الاعتراف، عادت نوعاً ما إلى وعيها وبدأت تبكي، وتقول: كيف عملت هذا؟ وتذكرت زوجها الذي يتلقى التعذيب، وتقول لي: كيف عملت هكذا؟ وأكيد أنَّهم قتلوا زوجها لأنَّها بقيت مصرة على أقوالها، فقلت لها: لا تُحملي نفسك فوق طاقتك إذا كانوا قتلوه فلن ينتظروا جوابك.

يا ابن الحرام قتلت أولادها وفوق ذلك تُريد أن تعترف أنَّ النظام والميغ لم يقتل الأطفال، فكانت تذهب وتأتي لمدة أسبوع فقط لتقول أن طيارة الميغ ليست من قتلتهم، وهذا من الأمور التي تقهر وتشعر بظلم النظام وكيف هناك ظلم في التعاطي مع المعتقلين؟

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/11/05

الموضوع الرئیس

التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدالحراك في داريا

كود الشهادة

SMI/OH/118-13/

أجرى المقابلة

إبراهيم الفوال

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2012

updatedAt

2024/04/17

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة داريامحافظة ريف دمشق-سجن دمشق المركزي (سجن عدرا)

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حزب الله اللبناني

حزب الله اللبناني

إدارة المخابرات الجوية

إدارة المخابرات الجوية

سجن عدرا / دمشق المركزي

سجن عدرا / دمشق المركزي

منظمة طلائع البعث

منظمة طلائع البعث

الشهادات المرتبطة