بعد يوم 18 آذار/ مارس وبعد "جمعة الكرامة" في الساعات الأخيرة وشعورنا بأن الموضوع صار أكبر من نشاط إعلامي على صفحة، وأن تأخذ خبرًا من هنا، وتنشر خبرًا من هنا، فأصبحنا بحاجة بصراحة إلى إدارة تتحمل المسؤولية، فنحن كمجموعة وحسب كل شخص وما عنده من إمكانيات قررنا أن نقوم بإدارة للصفحة، وقررنا أن فلانًا يأخذ رأس الإدارة وهناك شخص وفلان مساعده وفلان مساعد مساعده، وبدأنا أخبارنا ندققها بشكل أكبر، ونقول: هذا الخبر لا يصلح بحيث لا تحدث عندنا فوضى، ولا نتحمل مسؤولية أكبر، ونحمل الناس أعباء أكبر، وصرت أنت اليوم بحاجة لخطة، ولم تعد اليوم بحاجة لتشعل الثورة، فالثورة اشتعلت، أنت اليوم بحاجة لخطة تعمل عليها، وهذه الخطة يجب أن يكون فيها خطة إعلامية وخطة إدارة وفريق تواصل مع الداخل وفريق تواصل مع الجهات الإعلامية وفريق تواصل مع الناس المعرضة للاعتقال، وأصبحت بحاجة لمكتب حقوقي وصرت بحاجة لأن تتواصل وتعرف حقائق كثيرة، والنظام بدأ ينشر أخبارًا أنَّ لديه ضباطًا أصيبوا وشرطة تم إطلاق النار عليها، وأصبح لدينا حوادث فردية لا يمكن أن تحصرها في بعض المناطق، فصرنا بحاجة لفريق إداري يكون كبيرًا، ويجمع كل شخص فيه الأخبار، ويكون متخصصًا، وكل شخص من منطقة ومن هنا نشأت التنسيقيات، وأصبحت عندنا تنسيقيات، وأصبحنا بحاجة إلى أن كل منطقة تدير نفسها إعلاميًا وهي توصل لك الخلاصة وتصل إليك أنت كصفحة ثورة سورية تدير المشهد من فوق، وهذا الذي حصل.

لا ليس في أولها بل بعد فترة طويلة، الإخوان (المسلمون) في يومها الذين قاموا بهذا المقلب، حيث وضعوا اسمًا (اسم الجمعة) ونحن قلنا: لا، نريد أن نأخذه ديمقراطيًا فالذي يصوت عليه الناس نحن نأخذه. الجمعة التالية كانت "جمعة العزة"، وفي تلك الجمعة انتفضت حمص نصرةً لدرعا، وفي نفس الوقت ريف دمشق الذي هو دوما (في مدينة دوما) اجتمع المتظاهرون في ساحة دوما بكمية قليلة، وعند صلاة المغرب أذكر أنه تكلم معي ناشط من دوما وقال لي: نحن اليوم لن نغادر الساحة وسنسحب شريط كهرباء للساحة ونقوم باعتصام، نحن في ساحة دوما. وحمص كانت قد انتشرت بها المظاهرات بشكل طولي وعرضي وصارت هناك كمية مظاهرات خرجت نصرة لدرعا بشكل لم يكن متوقعًا. 

طبعًا نحن قلنا: إن كل شخص بدأ بحسب إمكاناته وخبرته وإمكانية الحركة التي يمكن أن يتحركها، فالموجود في مكان وهو قادر على تقديم يد المساعدة فصرت أنت اليوم مرتبط، وصارت عندك علاقات، وصرت مسؤولًا عن مكان محدد، فأنا ومثلي كل الشباب هناك من قرر أن يعمل مع محافظته وحيه أو مع مدينته، أنا قررت أن أعمل مع كل سورية، لا أريد أن أوصل نفسي لمكان، فالإعلاميون الذين كنت مرتبطًا بهم.. أصبحنا نحن اليوم بحاجة لكاميرا تصوير ليلية، وأنت اليوم تريد أن تصور مظاهرة والموبايل (الهاتف المحمول) في 2011 لم تكن فيه تقنيات لتصور مظاهرة ليلية أو تصور حادث إطلاق نار أو انتشارًا أمنيًا بجهاز الموبايل الذي كانت كاميرته في تلك الأيام ذات دقة بسيطة، أصبح يطلب منك اليوم أنني أريد كاميرا وعدسة وأريد جهاز اتصال لا أستطيع تحميل (المقاطع) ولا أجد وسيلة للتواصل، فكل شخص بحسب إمكانياته وعلاقاته بدأت الحاجة لأن تتواصل مع أصدقاء يشبهونك؛ لتأمن بعض المستلزمات التي هي ضرورة لاستمرار العمل: كاميرا وجهاز اتصال و"سيم كارت" (شريحة اتصال) لدولة مجاورة وتأمين علاج وخصوصًا بعد ما [حدث في] حمص، حيث بدأ يومها أن تكون أنت [مثلًا] مصابًا وتذهب إلى المستشفى فتختفي، وأنت ليست لك علاقة، أنت فقط كنت واقفًا على النافذة، فتصاب وعندما تذهب إلى المستشفى يقوم الأمن بتصفيتك، فأصبحنا اليوم بحاجة أولًا: لمواد طبية. وثانيًا: مواد علاجية وأدوية ومكان. وفي النهاية أصبحنا بحاجة لنقل بعض الجرحى لمناطق أخرى، ففي هذا المكان لا يوجد طبيب والنظام بدأ يقطع البلد بحواجز، ولم تعد تستطيع أن تدخل إليك جراح عظمية إذا كنت بحاجة، ولم يعد بإمكانك أن تخرج جريحك، وأصبحنا بحاجة لنقل بعض الناس إلى الدول المجاورة أو لمناطق أكبر بحيث يتم علاجها. 

أنا كشخص أقول: حق كل حزب سياسي أن يفكر بنفسه كما أنا اليوم أفكر بهذه الطريقة، أنا قلت لك في بداية المظاهرات عندما خرج الناس في المظاهرات كان كل شخص في داخله حرية تختلف عما هي عليه عند الشخص الآخر، فالحرية التي في داخلي وأفكر بها تختلف عن شخص آخر يبحث عن حرية أخرى، كنا لا تزال أفكارنا لم تُجمع مع بعضها حتى نعرف كل شخص ماهي الحرية المطلوبة [بالنسبة له].

 بعض الناس أو التكتلات أو الأحزاب سواء كانت في أوروبا فهناك توجه معين أوفي بعض الدول العربية لها توجه معين، مثلًا: تكتل "الإخوان المسلمين" كان مؤسسًا، وعمره 70 أو80 سنة وهو موجود ومطرود من سورية، وكان من حقه أن يفكر في تلك الأيام بأن يبدأ بالتحرك؛ لأنَّ الثورات التي سبقت ثورة تونس وثورة مصر الطريقة التي خرجت بها كانت ملهمة للجميع، ولم يكن أحد يفكر في يوم من الأيام: هل هذا الطريق يمكننا أن نأخذه لنقوم بثورة؟ ومثل ما تفاجأت بها الأنظمة والشعوب كذلك الأحزاب التي كانت "مفرطعة" (متفرقة) بدؤوا هم أيضًا يفكرون ويتجمعون، وبدؤوا يجمعون كوادرهم، وهناك أشخاص يحملون فكر هذا الحزب وغير منتمين له، فأنا مثلًا: أحمل فكرًا يساريًا أو شيوعيًا أو يمينيًا أو من الإخوان أو أي شيء آخر، ولكنني لست منتميًا لهذا الحزب، وكل العالم والناس يعلمون أنَّ الحياة السياسية في سوريا متصحرة ومنتهية وتعيش في الفناء، وبدأ الناس اليوم يشعرون أنَّ انتمائي لهذا الاتجاه، وبدأ الإخوان من ضمن التيارات التي كانت تشاهد المشهد، بدؤوا يجمعون أنفسهم كقيادات قديمة كانت معروفة بالأسماء لتجمع قياداتها أو كوادرها من الناس المنتسبين وغير المنتسبين؛ لأنَّها ليس لها مكاتب، وأحزابنا السورية التي هي منتمية للشيوعية أو للإخوان أو لأي اتجاه لم يكن لديها مكاتب؛ لذلك الثورة بدأت تؤسس لها مثل كيان لتجمع كوادرها، وهنا نتكلم عن تيار الإخوان حيث بدأ يجمع كوادره وينظم نفسه، وإذا الأحزاب الثانية لم تنظم نفسها يكون الحق عليها، والإخوان كانوا سريعين؛ لأنهم كانوا منظمين أكثر من الكل ولديهم كوادر وشخصيات وأسماء محددة منتشرة في كل العالم ولديهم إمكانات مادية أيضًا، وبدؤوا يظهرون للعلن قليلًا قليلًا، ويعرضون أنفسهم على أنهم جهة معارضة، فبدأت تعقد اجتماعات تجميع للكوادر وجمع مواد أولية لمساعدة الناس حيث بدأ يتكوم (يتجمعون بأعداد كبيرة) عندنا الجرحى، وأصبحنا بحاجة لمستشفيات ميدانية بسبب كمية الجرحى الذين كانوا يصابون.