الربيع العربي وبدايات الحراك السلمي في دوما والضمير
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:23:31:19
[في عام] 2011 الربيع العربي بدأ، وكلنا تابعنا أحداث بوعزيزي كيف حرق نفسه بتونس نتيجة إهمال الحكومة حكومة [زين العابدين] بن علي أو دولة بن علي للشعب التونسي، فالشعب التونسي كله تفاعل مع بوعزيزي وصارت الثورة وتغيّر بن علي في 18 يومًا.
أعود وأسأل نفسي وأستذكر: الناس مثلما قالت حصلت ثورة وإلى ما هنالك، لم أفكّر أن بوعزيزي كيف وصل لمرحلة أن يُحرق نفسه، لماذا أحرق نفسه؟ ما هذا الانتحار يعني؟ من الممكن أنني عندما أريد أن أنتحر أن هناك ألف أسلوب لأنتحر فيه، أما أن يحرق نفسه بهذه الطريقة وأمام الناس؟ لأي درجة من القهر لأي درجة من الظلم لأي درجة من التراكمات التي ترتّبت فوق نفسية هذا الإنسان ليصبّ على نفسه مادة محترقة ويُحرق نفسه أمام الناس، فكثيرًا وقفت عند طريقة قتله لنفسه أو طريقة انتحاره أو الطريقة التي عبّر فيها عن نفسه وعبّر عن قهره، وبنفس الوقت ردّ فعل الشعب التونسي ردّ فعل طبيعي ويعني أتوقع أي شعب في العالم أي شعب أو أي إنسان تونسي عنده نفس القهر الذي عنده بوتفليقة (بوعزيزي) من أجل هذا كان الجميع جاهزًا أن يخرج في تظاهرات عظيمة ويغيّر نظام الحكم في تونس، طبعًا نحن راقبنا وفرحنا وأحببنا كثيرًا الثورة وأحببنا كثيرًا التغيير؛ لأن الشعب العربي بشكل عام شعب مقهور، كلنا عندنا نفس الهموم مثلما عندنا نفس المصالح المشتركة كشعب.
انتقلت الأحداث من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سورية، هذا التسلسل الزمني الذي مرّت فيه الأحداث راقبنا الأحداث نحن بسورية أنا ومجموعة من أصدقائي وأقاربي بحبّ لرياح التغيير، بأمل أن يحدث تغيير عندنا، طبعًا كل الناس كانت متأمّلة أن بشار الأسد دكتور متعلّم لن يسمح بأن يحصل بسورية مثلما صار في تونس وإلى ما هنالك، طبعًا نحن إلى حين قيام الثورات والربيع العربي رغم القهر الذي نعيشه بسورية ورغم الفساد الموجود في سورية لم نكن نرغب أن نُسقط الدولة أو نرغب أن تخرج مظاهرات ونخرّب الدولة لأنه يوجد عندنا قضية كانت أعظم هي القضية الفلسطينية هذه مزروعة بقلب كل سوري أنه يوجد عندنا عدوّ هو إسرائيل ولسنا مستعدّين أن نتخلّى عن محور المقاومة -الذي كنّا نسمّيه محور مقاومة، وكنا يعني متمسّكين به- من أجل بعض الحريات، إنما نطالب ببعض التغيير. استوقفتني.. أنا طبعًا طبيعة عملي كل يوم عندي ذهاب إلى دمشق، ففي شارع خالد بن الوليد ويُعتبر شارع التجارة في دمشق، التجار بدؤوا يتسابقون ليرفعوا لافتات تأييد لبشار الأسد قبل الثورة بثلاثة شهور، فاستوقفتني إحدى اللافتات التي تقول "إن الشعوب تحرق نفسها للتخلص من حكامها ونحن نحرق أنفسنا لتبقى يا سيدي الرئيس، تقدمة التاجر فلان الفلاني"، يعني ما الخدمات وما الميزات التي يحصل عليها الإنسان السوري حتى يُحرق نفسه ليبقى بشار الأسد؟ بنفس الوقت أتذكر أنه صارت هناك أوامر ملكية في المملكة العربية السعودية في بداية الـ 2011، يعني الملك قدّم تسهيلات وقدّم قروضًا وقدّم كذا، فأثناء سماعي للأمر الملكي: أمر ملكي كذا وكذا.. يعني لهذه الدرجة توجد تسهيلات؟! لهذه الدرجة يوجد تهاون؟! يعني لهذه الدرجة توجد حكمة بالحياة؟! لأن ملكًا يريد أن يحافظ على مملكته أو يحافظ على شعبه يعني بالمنطق أنا أكون رئيسًا لأي شيء أي دولة أي بلدة حتى أحافظ على مكانتي وعلى بلدي وعلى أمانة فيجب أن أقدّم تنازلات، فكان سماعي لهذا الخبر يعني أول مرة بحياتي أبكي بكاءَ الأمل، يعني يوجد بكاء الحزن ويوجد بكاء الفرح، أما بكاء الأمل أنا لما سمعت الأوامر الملكية التي صدرت من الملك عبد الله في ذلك الوقت للشعب السعودي صار عندي بكاء الأمل أن بلدنا سيصبح فيها تغيير، يعني غير معقول [أن] الدكتور بشار الأسد يكون أقل حكمة من الملك [السعودي] الذي -مع احترامي له- إذا أراد أن يقرأ خطابًا لا يقرؤه بشكل مُتقن، نحن عندنا دكتور مُفلسَف يحلّل الأمور بكل تفاصيلها، فأنا توقّعت كثيرًا منه أن يصدر بعض التسهيلات وبعض التنازلات يعني، وكنا متأمّلين خيرًا أن يحصل التغيير من دون أن يحصل خراب، لأننا نعرف أننا في منطقة [يوجد] فيها نزاع إقليمي أو نزاع دولي على حدود مع فلسطين، وعندنا أجزاء محتلّة، فسيكون من الصعوبة بمكان أن يحصل معنا مثلما حصل بتونس أو أو إلى ما هنالك نتيجة تعقيد موقفنا، ففي هذه المرحلة كنت أنا دائمًا أنظر بأمل وبنفس الوقت كان الشعب السوري أو محيطي ومعارفي يعني المقربون فقط الذين تستطيع أن تتكلم [معهم] وتعبّر عن مكنون نفسك، أيضًا نعرف ماذا يعني مخابرات وماذا يعني أنك تتكلم كلمة خارج الطريق وماذا يعني أن "الحيطان لها أذان"، هذه العبارة كبِرنا عليها، الأب يقولها لابنه والابن يقولها لابنه، حتى يوجد بعض النكات تقول: إن أحد الأشخاص كان مع ابنه يركبان الباص فرأى [الابن] صورة الرئيس فقال [لأبيه]: بابا، هذا الحمار الذي تشتمه دائمًا. فقال [الأب]: هذا الولد لمن؟ هل من أحد يأخذه؟ فيعني كنا نصل لدرجة أن الشعب بسبب خوفه من المخابرات يتبرأ من ابنه أو يتبرأ من معارفه؛ لأنه سيتمنى الموت ولن يلاقيه في أقبية المخابرات المظلمة.
فكنا نراقب بهذا الموضوع وبنفس الوقت كلنا أمل أن تحصل رياح تغيير، كلنا أمل بالقيادة الحكيمة وبهذا الاسم الذي رافق الحكومة التي حكمت سورية بالحديد والنار كل هذه الفترة والشعب السوري صبر عليها، كانت القيادة الحكيمة يجب أن تفكّر بطريقة أفضل، فخرجت دعوات للتظاهر بعد أحداث [سوق] الحريقة [بدمشق] التي كانت عفوية جدًا، طبعًا هي أيضًا تعبّر عن مكنون وعن قهر عند الشعب، الشعب جاهز والشعب عنده احتقان يريد أن يُنفّس عنه، فكانت تونس ومصر ودول الربيع العربي بشكل عام التي بدأت قبل سورية كانت تُشعل الفتيل عند الشعب السوري، فالقهر الذي تولّد الذي كان ضغط سنين عند الشعب السوري تفجّر بالحريقة نتيجة أن شرطيًا طلب رشوة أو طلب إتاوة أو عامل أحد المواطنين بأذى، اجتمع الناس وقالوا: "الشعب السوري ما بينذل، الشعب السوري ما بينذل". ونزلت أعلى شخصية (وزير الداخلية) وقابل الشعب وكلّم الشعب وقال لهم: عودوا إلى بيوتكم وهذه اسمها مظاهرة، أليس عيبًا عليكم؟ كيف يعني عيب علينا؟ كيف يعني؟ أليس لنا حق التظاهر؟ ما دام حق التظاهر مكفولًا بالدستور السوري الذي الحكومة السورية والدولة السورية واجبها تحميه!
فأحداث الحريقة كانت بداية الغليان، طبعًا كلنا رأينا الكتابة على الجدران والتعبير عن مكنون النفس وكيف بدأت عندنا بعض الدعوات التي انتشرت بشكل ضيّق.
فحتى ربّ العالمين أضلّه، ولم يستطع أن يستوعب الموقف بحكمة، اعتقل الأطفال (أطفال درعا)، وكلنا نعرف قصة عاطف نجيب كيف عامل وجوه درعا وشيوخ درعا وعشائر درعا وكيف كانت النتيجة، وكيف كان العنف مفرطًا بعمليات القنص والقتل التي حصلت منذ أول يوم بالثورة، يعني 18 آذار/ مارس اليوم الذي صار فيه هذا القتل لو لم يكن هناك إنترنت ووصلتنا هذه الصور بوسائل التواصل الاجتماعي فلا أحد سيعلم، وكان درعا "صارت في خبر كان" مثلما صار في 1982 قي حرب حماة، لكن الزمن تغيّر وعقليّة الظالم متحجّرة لا تتغيّر، عقلية الطاغوت لا تتغير، لم يستطع أن يستوعب، لم يستطع أن يراهن على ذكاء الشعب وبقي يراهن على غبائه، لم يستطع أن يراهن على حرية الإنسان وبقي يراهن على العبودية، حسنًا لو أنك أعطيتني قسمًا من حريتي ربما كنت سأقبل بك رئيسًا 10 سنين و20 سنة أيضًا؛ لأنني من الأساس لا يهمّني من يحكمني، يهمني كيف يحكمني، فأضلّه -سبحانه رب العالمين- أضلّ بشار وكان تصرفه أرعن جدًا، يعني هذه الأوامر.. إن كنت تعلم فتلك مصيبة وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم، كيف يحصل هذا القتل أو يحصل إطلاق النار هذا والقيادات العليا ليس عندها فكرة أو ليس عندها خبر عن هذا الموضوع؟ فالصور التي وصلت جعلت الصاعق يوصّلنا لمرحلة الانفجار، يكفي لم يعد يوجد صبر على القتل، صار الناس يبكون وهم يمشون في الشوارع، كل إنسان الذي مات -رحمه الله- هو شهيد عند ربه الله أعلم به، أما [نحن] فصرنا نبكي على حالنا، أنه هذه قيمتي أنا، أنا عندما أقول: لا، تأتيني رصاصة، أنا عندما أقول: لا. قوّصناه [أطلقنا عليه الرصاص] ومات، يعني لا أريد أن أقول المسمى الكامل يعني الإنسان بدون قيمة في دولة بشار الأسد في دولة بيت الأسد، فلهذا السبب وقفنا عند نقطة اسمها نقطة اللاعودة، إما أن نصنع لأنفسنا قيمة ونعيش أو لا نريد العيش، كلنا سنموت مثلما ماتت هذه الناس، ومن هنا بدأت الفزعة مثلما صاح شيخ العشائر وقال: "الفزعة يا أهل حوران" ردّت عليه الضمير (مدينة الضمير) وردّت عليه دوما وردّت عليه كل المدن والمحافظات السورية التي فيها نخوة التي فيها ناموس وقالت: "لبيناك بالفزعة" وبدأ الحراك، ماذا كان مطلبنا؟ كان مطلبنا: "يا درعا نحن معك للموت" بهذه الأثناء كان الناس بين 18 و25 آذار/ مارس أول مظاهرة بمنطقتنا التي هي دوما، كانت دوما منطقة فيها تقريبًا مليون نسمة كتعداد سكان، والمظاهرات فيها مؤثرة بالقياس مع الضمير، فارتأى شباب المدينة الذين أنا طبعًا لم أكن ضمن فريقهم، والذين ذهبوا وبدؤوا تظاهرات في دوما هؤلاء مجموعة من الأشخاص تجمعهم صداقة وعمر واحد أو أقرباء، اتفقوا ونسّقوا مع بعضهم ونزلوا إلى دوما ومنهم كان المرحوم -رحمه الله- الشهيد إبراهيم هدال، منهم الشهيد -رحمه الله- حسين العباس، منهم الشهيد -رحمه الله - أسامة خليفة، عدد لا بأس به من الشباب، طبعًا هؤلاء استُشهدوا كل الذين ذكرت أسماءهم، يوم 25 آذار/ مارس ذهبوا إلى دوما وكانوا بعد صلاة الجمعة من الناس الذين وقفوا في الجامع وصاحوا: "الله أكبر حرية"، و"يا درعا نحن معك للموت"، ذهبوا وهم حرّكوا الناس بالمساجد، يعني لا أقول: إنهم أخرجوا المظاهرات [وحدهم]، دوما بلد فيها خير وبلد قوية وأهلها أكفَاء، لكن هم – حسب شهادة الناس- هم الذين صاحوا: "الله أكبر" في الجوامع، و"الله أكبر حرية" في الجامع الكبير بدوما، وبدأت من بعد صلاة الجمعة أول مظاهرة في دوما، وكانت شعاراتها: "يا درعا نحن معك للموت"، ولمّا رأوا إطلاق النار في درعا بكل فترة يقولون: "سلمية سلمية نحن جماعات سلمية"، و"يا درعا نحن معك للموت"، وطبعًا الأمن استنفر وحاصر وتم تصوير المظاهرة ونشرها، أيضًا هذا خلق رد فعل كبير بمحافظة دمشق وريفها، وعدد الذين خرجوا [بالمظاهرة] ليس سهلًا وعدد كبير والأصوات كانت تقشعرّ لها الأبدان، والغاية لم تكن إسقاط النظام ولا الغاية إسقاط الحكومة ولا الغاية إسقاط بشار الأسد، الغاية أن الدولة تأخذ حق الناس الذين قُتلوا، ممّن؟ من ابن خالة الرئيس، يعني أنت رئيس 27 مليون مواطن سوري ولست رئيسًا لعاطف نجيب أو لست رئيسًا لـ 100 ألف إنسان، هم حاشيتك، فللأسف كانت ردود الفعل سيئة للنظام، تدخل فرع الأمن الدولي فورًا في هذه المظاهرة وقمعها، لكن لم يسقط قتلى في أول مظاهرة.
عاد هؤلاء الشباب إلى الضمير واجتمعوا ووسّعوا الحلقة بين بعضهم، 25 آذار/ مارس يوم الجمعة كانت [المظاهرة] في دوما 25 آذار/ مارس/ 2011، [وفي] 26 آذار/ مارس يوم السبت في الضمير اجتمعوا بعد صلاة المغرب، طبعًا أنا لبّيت دعوتهم وأنا قلت لك لو [كنت] أعرف أنهم سيذهبون كانوا خبّروني وذهبت معهم إلى دوما، فأنا سمعت الدعوة من الظهر وانتشرت مثل النار في الهشيم أنه بعد صلاة المغرب توجد مظاهرة سوف تبدأ من جامع خديجة بالحي الشرقي، فكل مجموعة يصلّون بالجامع القريب عليهم لأن كل الجوامع ستخرج منها [مظاهرات]، لم تكن المظاهرات يوم جمعة كي نراهن على حشود أنها تريد أن تخرج [بمظاهرات] من صلاة الجمعة ونستغل هذه الحشود الموجودة، فأغلب الناس توجّهوا إلى المساجد، صلّينا صلاة المغرب، نحن في مسجدنا -رحمه الله - خالد غزال هو الذي صاح: الله أكبر يا أهل النخوة يوجد مظاهرة ستخرج من جامع خديجة، فالجميع بعد الصلاة إذا كانت عندهم نخوة من أجل درعا يتوجّهون إلى الطريق العام باتجاه الجامع كي نلتقي جميعنا في وسط البلد.
خرجنا من الجامع واجتمعنا ولم أرَ إلا أن الناس ذاهبة، لا أحد يجرؤ أن يسأل الآخر: إلى أين أنت ذاهب؟ نعرف ماذا يعني مظاهرة، يعني رأينا بدرعا منذ أول يوم أرانا [النظام] نتيجة أنك تتظاهر، قتل وقنص بالرأس فورًا، ونحنا مُحاطون بمنطقة عسكرية يعني نحن نُعتبر ندوة بدقيقة إذا ما لم يفعل شيئًا يغلق المنافذ علينا فنموت من الجوع يعني، فنحن ذاهبون وننظر إلى اليمين وإلى اليسار فهناك أقاربي وجاري لكن لا أقول له: أنا ذاهب إلى المظاهرة، أنا ذاهب، [لكن] إلى أين؟ [لا أحد يعرف]، ولا هو يتكلم معي نفس الشيء، كلنا ذهبنا صامتين حتى وصلنا إلى المظاهرة، عندما وصلت عند جسر القطار قريبًا من الجامع، أنا هناك وجدت ما يقارب الـ 50 شخصًا مجتمعين، ويتناوبون على الأكتاف إبراهيم هدال -رحمه الله- وخالد غزال ويهتفون الهتافات: "يا درعا نحن معك للموت"، و"سِلميّة سِلميّة"، إلى ما هنالك، صرنا متل كرة الثلج، الناس يقفون أمام بيوتهم، الطريق العام عندنا طوله نحو 4 كيلومتر كلما وصلت المظاهرة [إلى منطقة] بشكل تلقائي يقول [الناس]: هو يصيح بالنخوة ونحن أهل النخوة! ولا ترى غير أن المظاهرة تكبر تكبر تكبر، وصل [العدد] إلى ما يقارب الـ 2000 شخص، مع العلم أنه ليس يوم جمعة، يعني يوم الجمعة من جامع واحد يخرج 2000 شخص.
وصلنا إلى منطقة نسمّيها "السيفون" أو منتصف المدينة، وهنا كانت قوات أمن الدولة التابعة للمفرزة ومخفر المدينة مُستنفرين وطلبوا دعمًا من دوما، نحن منطقتنا تابعة لدوما أو فرع المنطقة تابع لدوما، وجاءت سيارات أول مرة نراها، كلها دفع رباعي ومن الأشياء التي تدبّ الرعب في القلب، وأحاطوا بالمظاهرة صاروا هم.. ونحن في منتصف المدينة يوجد مجرى وادي نهر، فصار من طرف يوجد النظام ومن طرف آخر [يوجد] المتظاهرون، المتظاهرون تكتّلوا حول بعضهم مثل -أريد أن أصِفهم- كأنهم قطيع من النعاج، والذئاب من الطرف الثاني هم المسلحون ومعهم الهراوات ومعهم مباشرة [بنادق] "كلاشنكوف"، وانفلتوا يريدون أن يهجموا علينا لكن تدخلت قيادتهم التي كانت عندنا مدير الناحية المقدّم عمر صابرين أبو خالد -الله يفرج عنه- هو معتقل حاليًا عند النظام، ويوجد شاب آخر [برتبة] مقدّم في الأمن الدولة اسمه إبراهيم الحريري، الطرف الآخر كان يريد أن يهجم علينا عناصر الأمن، لكن حال دون ذلك -الله يجزيه الخير ويفرّج عنه- حاليًا عمر صابرين أبو خالد وهو كان برتبة رائد مدير الناحية عندنا والمقدّم إبراهيم الحريري هو رئيس شعبة أمن الدولة في منطقتنا، حالوا [دون] أن يهجم العناصر علينا، وقال: اهدؤؤا وافرطوها (ألغوا المظاهرة) وعودوا إلى بيوتكم ولا يوجد داعٍ، إلى ما هنالك. فأنا كانت تربطني علاقة شخصية مع مدير الناحية هو من سكان ومواليد مدينة دمشق، عمر صابرين إنسان مثقف وواعٍ وخرّيج [كلية] الحقوق وكنا أصدقاء قبل أن تقوم الثورة، فصرخ لي قال لي: إذا لم ترجعوا فسيحصل دم [نحن] بغنى عن أن يحصل دم. أنا رجعت إلى بعض الأصدقاء وأفهمتهم هذا الموضوع أنه بإمكاننا [إنهاء المظاهرة] يكفي [أننا] عبّرنا عن رأينا اليوم من غير أن يحصل أذى وقتل، هم مسيطرون حاليًا على العناصر، لا نريد أن يحصل مثلما حصل في درعا، نحن ننادي بالنخوة ولا نريد أن يُقتل أحد من البلد. فالشباب سمعوا منا وتدخّلوا -طبعًا ليس فقط أنا- تدخل كثير من الأشخاص وتمّ فضّ المظاهرة بعد تقريبًا ساعة أو ساعة ونصف منذ بدايتها، لكن هنا تجرّأنا يعني وصار عندنا كسر لحاجز الصرخة في وجه النظام، من هنا نستطيع أن نقول إنه بدأ مُنعطف في مدينة الضمير، طبعًا هذه أول مظاهرة، كتلة الثلج التي كنت أتكلم عنها وتكبر، وأنا أراقبها صرت أراقب.. يوجد في الضمير عندنا فرقة حزبية فيها أربع شُعب، فصرت أراقب من ينشط أو من يتحرّك كثيرًا في المظاهرة، فما شاء الله عليهم يعني الفرق الحزبية مثلما يقولون: مثل معزّب العرس (الداعي إلى العرس) يركض من اليمين لليسار و[يسأل:] من هذا؟ ومن هذا الذي فوق؟ وينظر بهذه القوة وبهذه الجرأة، بالإضافة للمخاتير، يعرفون أنهم سيُسألون، مختار مُعيّن مُوظّف لدى الأمن، أمناء الفرق الحزبية هم المُخبرون عمليًا في المدينة، يتجولون حولنا [ويسألون:] من هذا؟ وما قصة هذا؟ وكذا، وكانت نظرتهم أو أسلوبهم أسلوب قوة، يتكلم من منطق قوة أنه: فلان يعني أنتم فلان بن فلان، يعني أنه: هذا أنت يا بن فلان؟، أنا سمعت بأذني أكثر من شخص -لا أريد أن أذكر اسمه- أنه يهدّده باسم أبيه أو أنه أنت يا.. كيف تخرج [بمظاهرة]؟ أنت وأنت وأنت.. لم يكن يوجد ملثّمون في أول مظاهرة، لم يكن يوجد أحد ملثم، يكون هناك شخص أمام شخص فلا يعرف [من أمامه] فيزيح رأسه ليعرف من هذا، يريد أن يَعُدّ الجميع يعني أمين الفرقة الحزبية الذي أنا رأيته يعني وقح لدرجة أنه يريد أن يَعُدّ الكل، يقول لك: إنه يريد أن يكتب اسمك علنًا. فالناس يعرفون أنه ستُكتب أسماؤهم، فكانت ليلة رعب بعد ما رأى الناس هذا الكمّ الكبير من السيارات، ويبدو أن هؤلاء العناصر لن تعود إلى مراكزها إلا أن يأخذونا الليلة (يعتقلونا) يعني لم يضربوا بالرصاص نعم لكن سيأخذوننا، ففي هذه الليلة لم ينم أحد في بيته، يعني الجميع صاروا يبحثون عن مزرعة مهجورة يذهب إليها أو مكان قريب يذهب إليه أو أخت متزوجة خارج البلد يركب السيارة ويذهب إليها ينام عند صهره، يعني لهذه الدرجة، الناس -خلال الساعة والنصف [بالمظاهرة] التي مشيناها ونحن نصرخ بهتافات- أقوياء جدًا ظننا أنفسنا، وعندما جاء قطيع الذئاب المسلّح، أحسسنا أننا بدون مخالب، من نحن؟ يعني نحن في النهاية.. بدون مخالب، ولما ذهب القطيع فالآن يريدون أن يتربّصوا بنا، لما جاءنا الذئاب وفي الظاهر تركونا من دون أن يسفكوا دمنا، صرنا نخاف من موضوع [أنهم] سيتربّصون بنا، سنصل البيت وسيسحبوننا شخصًا شخصًا لأن هذا هو أسلوب النظام الذي نحن نعرفه سابقًا، يقولون: إن حق الدولة لا يموت والمخابرات لا تنسى عملها. فيتركونك يومًا [أو] 2 [أو] 3 [أو] شهرًا، إلى أين ستذهب؟ لا بد أن يُمسكوك، فكانت ليلة رعب وكانت ليلة لا عودة، يعني هذا الشخص الذي خرج بالمظاهرة والذي ركب على الأكتاف والذي صاح، قرأ الفاتحة على روحه (حكم بموته) وبالفعل -رحمهم الله- أغلبهم استُشهدوا، ظلّ النظام يلاحقهم إلى أن قضى عليهم، لا أستطيع القول غير أنه... وأعود وأكرّر: الرمادي دائمًا أكثر من الأبيض والأسود، فالرماديون.. المظاهرة وهي تمشي يرشّون عليها الرز والسكاكر، وأصوات النساء وزغاريدهم من فوق، [ويقولون:] الله يحميكم، الله يقويكم، من مبدأ أنهم.. هم طبعًا قلبهم معنا، الرمادي هو مستعد أن يصير أبيض في أي لحظة، دعنا نسمّي الأبيض أنه نحن، هو الطرف المسالم الذي يريد حريته، لكن عندما يرى البطش من الأسود يقول لك: أنا أصبح أسود، لست مضطرًا أن بياضي يصبح أحمر، لأنه سيُسفك دمي، فهذا هو الإنسان الرمادي هو الذي يحاول أن يَسلَم بروحه، هم قلبًا وقالبًا مع حريتهم هذه الناس كلها قلبًا وقالبًا مع أن يتحرروا، مع أن يتحسّن مستوى معيشتهم، مع أن يحصلوا [على] حقوقهم، لكن بنفس الوقت لا يريدون أن يُسجنوا، ولا يريدون أن يُقتلوا، لا يريدون أن تُدمّر حياتهم، لا يريدون أن تُسرق أو تُنهب أرزاقهم، وهذا حقهم، يعني بالنهاية أنا هكذا أعرف، لكن لا بد كي تحصل على حريتك أن تدفع ضريبة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/03/21
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدالحراك في مدينة الضميركود الشهادة
SMI/OH/38-03/
أجرى المقابلة
سامر الأحمد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2010 - 2011
updatedAt
2024/10/11
المنطقة الجغرافية
محافظة درعا-مدينة درعامحافظة دمشق-شارع خالد بن الوليدمحافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-مدينة الضميرشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
فرع أمن الدولة في مدينة دوما