قبل الثورة.. فساد وتضييق على المواطنين وقمع للحريات الدينية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:11:08:05
عماد حرفوش من مدينة قارة من مواليد آذار/ مارس 1975 ، درست دراستي كلها في مدينة قارة حتى المرحلة الثانوية، بعدها انتقلت لكلية الشريعة في جامعة دمشق، وتخرجت منها في عام 1997، عملت بالتدريس بعدها في عدة محافظات سورية، في محافظة السويداء ومحافظة دمشق ومحافظة ريف دمشق، وإلى جانب التدريس كنت خطيبًا في مسجد في مدينة قارة مسجد الإيمان القريب من بيتي لسنوات، وكنت أُدرس في المسجد أيضًا لسنوات طويلة، ومارست التدريس الشرعي أيضًا في مدرسة الشيخ عبد القادر القصاب الموجودة قربنا في دير عطية إلى جانب التدريس في الدورات الشرعية ودورات القرآن في المدينة على مدى سنوات طويلة إلى أن تم إيقافي عن ممارسة أي نشاط ديني بعد بداية الثورة في شهر رمضان في 2011، هذه باختصار شديد نبذة بسيطة عن حياتي.
وإذا أردنا أن نتكلم عن المدينة فالمدينة معروفة هي على المنطقة الحدودية بين لبنان وسورية، وتُحاذي تمامًا مدينة عرسال اللبنانية التي لها مواقف واضحة مع الثورة السورية.
هي منطقة جبلية [قارة] أهلها معظمهم يعملون في الزراعة، وقسم قليل يعمل في ميدان تهريب الأشياء، وربما نتكلم بوقت لاحق عن سبب لجوء الأهالي للعمل في هذا الميدان الخطير جدًا.
في فترة الثمانينات كنت قد بدأت أعي الأمور، وكان عمري خمس سنوات، ففترة الثمانينات كانت فترة نشاط كبيرة جدًا للدعاة بشكل عام في سورية، وعندنا في قارة بشكل خاص كنت أُلاحظ هذا الشيء، وأنا طفل صغير نشاط على مستوى الرجال والنساء، ومعروف أن معظم هؤلاء الدعاة كانوا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، كان لها وجود قوي جدًا في مدينة قارة، وكان لهم أثر اجتماعي واضح جدًا في تغيير عادات الناس وتصرفاتهم، وفي تغيير أحوال الناس وتبديل الأنماط السيئة التي كان يعيش عليها كثير من الناس.
خلال هذه الفترة في الثمانينات معروف أنه صارت عملية الإقصاء لهذه الفئة بالذات تهجيرًا وسجنًا وقتلًا وما إلى هنالك، أعقبها فترة بعد ما أُبعد كل شيء معارض للنظام (لنظام حافظ الأسد) في ذلك الوقت، ولو نظرت الآن الناس المعارضون كلهم مضوا ولم يبقَ أحد في سورية نهائيًا، فالنظام (نظام حافظ الأسد) اتّبع سياسة كالسياسة المتبعة الآن في سورية، سياسة تجويع سياسة قهر بكل ما للكلمة من معنى، الآن كل مؤيد وموال للنظام ومعارض يُدرك هذا الأمر سواءً اعترف به أم لا.
فترة الثمانينات في سورية ما بين 1980 حتى 1987 و 1988 كانت فترة سيئة جدًا جدًا على الشعب، كل شيء عبارة عن حلم، كان الحصول على كيلو السكر أمرًا ليس ميسرًا والحصول على علبة المحارم(المناديل الورقية)، وكل جيلنا يعرف هذا الأمر كم كان صعبًا جدًا والحصول على الشاي على كل هذه الأشياء، والزيت وكل هذه الأشياء، كان كله على المؤسسة وعلى البون (بطاقات توزيع)، فكان هناك ضغط كبير جدًا على المواطن فيما بعد إقصاء المعارضين للنظام قتلًا وتهجيرًا وسجنًا بحجة أن هناك محاصرة اقتصادية على سورية بالإضافة للوضع الاقتصادي، ولن أستطرد كثيرًا لأن كل العالم تعرف الوضع الاقتصادي كيف كان في سورية.
سنتكلم عن وضع الحريات في سورية، كان هناك خوف شديد جدًا أيام حافظ الأسد بعد الإبعاد الذي حصل، صدق من صدق أو لم يُصدق، هذا أمر لا يُهم، ولا يوجد إنسان عاش في تلك الفترة إلا ويُدركها تمامًا، أناس لم يكونوا يجرؤون أن أن يصلوا في المسجد أيام الثمانينات، يقول لك أحدهم: معقول؟ نعم معقول هذا الكلام، لا نتكلم عن التسعينات بل على الثمانينات، وإذا موظف أو ضابط في الجيش تجرأ أن يذهب لصلاة الجمعة علمًا بأن صلاة الجمعة بأعرافنا الاجتماعية لها ميزة اجتماعية أكثر منها دينية، يذهب الشخص وربما يكون لا يُصلي أساسًا، فيحرص على حضور صلاة الجمعة وعلى حضور صلاة العيد حتى يلتقي بالناس، وإذا كان ضابطًا في الجيش يتجرأ يذهب لصلاة الجمعة يوم الجمعة بالثمانينات لا يمكن هذا أمر مستحيل، له منصب بمكان معين يتجرأ أن يذهب إلى الصلاة وإلى المسجد هذا أمر، حتى إن الشباب عندما كان عناصر المخابرات يُوقفونهم أنت ماذا تعمل في حياتك؟ كذا، تذهب تأتي إلى هناك تُصلي، يقول لك: أحيانًا، أنا لست ملتزمًا بالصلاة كثيرًا، هل كان هنالك من يتجرأ شاب متدين يُطلق لحيته مثلًا، كان في عصر إرهاب فكري بكل ما للكلمة من معنى وعصر حريات ممحوقة تمامًا، ونحن في ذلك الوقت انتشرت العبارة المشهورة جدًا بين السوريين: "إن الحيطان لها آذان"، وكان أمرًا شائعًا جدًا ألا يتجرأ أحد ليحكي شيئًا حتى أمام أولاده، ولا تتكلم أي حديث، وهذا الكلام استمر واستمر لفترات طويلة مع كثير من الناس، ولو تجاوزت بالحديث حتى أُوضح لكم تمامًا أن هذا الأمر كان مستمرًا، أنا تأخرت قليلًا عن الخدمة العسكرية في 2002 وخلال الخدمة العسكرية في منطقة الكسوة صارت حادثة معينة – وكم كان الضباط في الجيش استمر هذا الخوف معهم من كل الطوائف - صارت حادثة معينة أن عسكريًا من شدة الإرهاب أو الضغط الذي يُمارس عليه في كتيبته انتحر، وأذكر تمامًا أنه من درعا، وكان قائد كتيبته من المقربين من بشار الأسد، فطلع قائد اللواء الذي صار فيما بعد أحد قادة الحرس الجمهوري في سورية وكان مدعومًا جدًا من النظام ونبه بشكل صارخ ووقح جدًا الجميع[قائلًا]: لا يتكلم أي إنسان في هذا الموضوع والموضوع انتهى إنسان مات وانتهى الموضوع و لا تتكلموا فيه.
ومرة من المرات وأنا - كنت ضابطًا مجندًا - أسير مع ضابط متطوع ملازم أول مسلم سني ويكره كل هذه الأشياء التي يراها من النظام في الجيش، ونسير بمكان بعيد في البرية كنا في دورة وكل اثنين أو ثلاثة مع بعضهم وأقرب شخص علينا مسافة 50 م ولا أحد يسمعنا فسألته: ماذا حدث عندكم أنتم في الكتيبة؟ وهو من الكتيبة التي انتحر فيها الشاب، فغضب وانزعج، وقال: يا أخي ما لنا ولهذا الموضوع؟ وتركني وذهب، ومن شدة الخوف خاف أن يسمعه الحجر وينقل الكلام، فهذا الخوف هو الذي تربى عليه الناس في الثمانينات واستمر معها سنوات طويلة، لذلك فعلًا كانت أعجوبة أن تصير ثورة في سورية من الجيل الذي تربى على هذا الخوف والفزع، وسبب هذا الخوف هل هو أن الشعب السوري شعب خانع شعب ضعيف؟! طبعًا لا، لكن هناك مثل عامي في سورية يقول: "الذي لم يذق المغراية لا يعرف ما الحكاية"، والذي لم يمت رأى من مات، كان يرون الناس كيف يتعاملون معها، وأنت إنسان بمجرد ما تكلمت بكلمة تكون في غياهب السجون، وليس لك علاقة بشيء وربما تمكث في السجن عشر سنين، وكلكم قرأتم رواية القوقعة وهذا الشخص كيف سُجن؟ ولماذا سُجن؟ كثير من الأشخاص سُجنوا وبعد سنوات قالوا لهم: أنتم ليس لكم علاقة تفضلوا الله معكم بعد سنوات، خطأ وتشابه أسماء، فما بالك وأنت تحكي شيئًا ومهما كان هذا الأمر بسيطًا سيُسجل عليك وستُحاسب عليه أشد الحساب.
كانت في الحقيقة فترة الثمانينات فترة خوف شديد من التعاطي في أي مسألة تخص النظام حتى لو كانت هذه المسألة تخص موظفًا أو شخصًا بسيطًا جدًا في النظام، وهنا سأستطرد في الحديث وستقول لي أنت: نحن في الثمانينات شاهدنا مسرحية "كأسك يا وطن" وفي الثمانينات شاهدنا مسرحية "غربة" وفي الثمانينات تحدث ياسر العظمة وتحدث فلان وتحدث فلان، وكانت أمور ونُكات على النظام تبدأ ولا تنتهي، التنكيت (قول النكات) على النظام كان بشكل دائم وحافظ الأسد عمل كذا وكذا..
هذا النظام المخابراتي الموجود في سورية لديه أسلوب خبيث جدًا في التنفيس عن الناس، أنت مضغوط في بيتك وشاهدت هذه المسرحية ستقول: كم هذا البطل عظيم وتجرأ بأن يتكلم وكذا؟! و لا تعرف أن هذا الشخص الذي هو دريد لحام يتكلم بأمر من النظام، ولو أنه ليس معه تصريح لا يتكلم بهذا الكلام، وكيف لممثل يتكلم على الملأ هذا الكلام وينتقد النظام بهذا النقد اللاذع؟! وأنت ربما من أجل ربطة(كيس) الخبز لا تتكلم بكلمة ربما إذا تكلمت كلمة تكون في غياهب السجون، فهذا نوع من التنفيس عن المواطنين حتى فيه خبث، المؤكد أن النظام ليس فقط القبضة الأمنية المؤكد أن هناك أشخاصًا يخططون له، وحافظ الأسد كان يتكلم بكلام موزون جدًا وحتمًا هذا الكلام لم يتعلمه بالكلية العسكرية أو تعلمه في المراتع التي كان يذهب إليها، كان لديه مستشارون هم يُخططون له ويكتبون له هذه الكلمات، ويقولون له: هكذا تتكلم، وهذا يصح وهذا لا يصح حتى يستمر نظام حكم حافظ الأسد، فكانت فترة الثمانينات فترة خوف شديد وكل من عاش هذه الفترة يُدرك الخوف والرعب الموجود في قلب المواطن السوري حتى وهو بعيد عن بلاده ما كان يتجرأ أن يتكلم ولو بكلمة واحدة يُدين بها النظام أو ينتقد بها النظام، بالإضافة للوضع الاقتصادي الذي تحدثنا عنه وأنه وضع متدهور جدًا، وهذا الوضع له أسبابه.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/01/27
الموضوع الرئیس
أوضاع ما قبل الثورةالنشاط السياسي قبل الثورة السوريةكود الشهادة
SMI/OH/113-01/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
فترة الثمانينات- ما قبل الثورة
updatedAt
2024/09/25
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-قارةعموم سورية-عموم سوريةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)