مدينة جسر الشغور وبدايات الحراك السلمي
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:19:14:05
أنا رائد الصالح من مدينة جسر الشغور من مواليد 1 آذار/ مارس 1984، متزوج ولدي طفلان وأنا فعليًا بدأت حياتي في مدينة جسر الشغور في شمال غرب سورية، وتعداد سكانها تقريبًا حوالي 80,000 نسمة، وهي من المدن التي كانت مضطهدة ولا يشملها أي نوع من التنمية، ومعظم أهالي المدينة هم فعليًا كانوا يعملون في مناطق خارج المدينة، إما في اللاذقية أو حلب أو الشام (دمشق) أو حتى في لبنان والغالبية العظمى كانوا يعملون في جبال الساحل، ونحن كنا أقرب مدينة إلى الساحة السورية، والمدينة تعرضت لمجزرة جدًا كبيرة في عام 1980 في 28 شباط/ فبراير، وفعليًا في ذلك الوقت أُعدم عددٌ كبير من أهالي المدينة، ومنذ ذلك الوقت المدينة لم تخضع لأية عملية تنمية أو عملية قرب مشروع بناء المشفى الوطني في عام 1981، ولكن تم إنهاء بنائه في عام 2009، وهذه الخدمات الأساسية للمدينة كانت غائبة عنا، وحتى المدينة وحتى المشفى نفسه عندما افتُتِح في عام 2009 كان 70% من الذين يعملون فيه كانوا من أبناء القرى القريبة أو القرى العلوية، وفعليًا كل الفترة الماضية حتى قيام الثورة لا يوجد أي مسؤول من المدينة استلم، وكان المدير موجودًا في المدينة، ودائمًا كان المسؤولون هم من مناطق أخرى، فالمدينة تعرضت لتهميش جدًا كبير، لذلك يمكنني أن أقول إنه من أوائل المدن التي تحركت ثوريًا وبدأ فيها الحراك السلمي.
فعليًا أول حراك سلمي كان لـ 17 شخصًا وأنا لم أكن منهم، والذي كان منهم أخي الكبير، وشارك فيها وفعليًا في وقتها نزل عضو البرلمان عضو مجلس الشعب عن جسر الشغور واسمه سامر هبل وقال لهم - والفيديو موجود على ما أعتقد على اليوتيوب- أنه إذا درعا تم ضربها بالسلاح والدبابات -وأنا حتى الآن أتذكر الكلمة- نحن سيضربوننا بالطيران، وهذه أول مظاهرة تخرج في جسر الشغور، وهذه في بداية الشهر الرابع وكان الكلام جدًا واضحًا وصريحًا بالنسبة لنا في جسر الشغور وبعد يومين وصل خبر أو عدة أيام وصل خبر لأهالي المدينة أنه يوجد شخصان من أبناء جسر الشغور قُتلوا تحت التعذيب أثناء عودتهم من لبنان وهم الشهيد محمد الكيس والشهيد جمعة هلال، وهذان الشخصان كانا عائدين وأحدهما يعمل في لبنان، ومحمد الكيس كان سائق تكسي على خط لبنان وكل الناس تعرفه، والناس يذهبون ويعودون معه، واعتُقلا في قرية العنازة في ريف طرطوس من قبل ميليشيات الشبيحة، وفعليًا عندما أحضروهما في اليوم الثاني كان جسداهما لونهما أزرق، وفي هذا اليوم وبنفس اليوم الذي وصل فيه الخبر كان يوجد تجمع جدًا كبير للمدنيين في المنطقة، وكان يوجد احتقان جدًا كبير، وكان التجمع الأول هو أمام منزل محمد الكيّس وكان تجمعًا جدًا كبيرًا، وبدأت الناس تصيح، وكان يوجد مظاهرة في الليل يعني ذهبنا باتجاه دوار المشفى الوطني أو دوار اللاذقية الذي يؤدي إلى المشفى الوطني، وهنا وصلت الجثث وكشفوا على الجثث فكان على الجثث آثار تعذيب جدًا كبيرة، والحقيقة بعدها سارت المسيرة والمظاهرة باتجاه منزل أهل جمعة هلال الذين هم فعليًا خارج مدينة جسر الشغور في قرية اسمها عين الباردة، يعني تبعد تقريبًا ثلاثة أو أربعة كيلومترات عن المكان الذي كنا موجودين فيه، والعدد كان يقدر بين 20 و30 ألف شخص موجودين وكانت حوالي الساعة 10:00 ليلًا تقريبًا، وذهبنا بذلك الاتجاه، وفعليًا نحن لأول مرة في هذا الوقت نسمع "الشعب يريد إسقاط النظام" بعد أن خرجنا من المدينة وقبل أن نصل إلى قرية عين الباردة.
بعد يومين كان يوجد دعوات لمظاهرات في مدينة جسر الشغور في المدينة وطبعًا أنا شاركت وكنت مشاركًا في هذه المظاهرات التي خرجت في المدينة وأنشأنا مثل تنسيق آلية تنسيق مع الأصدقاء من رفاقنا على تطبيق "نمبوز" وهو تطبيق معروف في ذلك الوقت وكنا نتواصل وننسق ونتابع المواضيع، وفعليًا بعدها خرجنا بمظاهرة وجاء خبر اغتيال 11 شخص من ريف جسر الشغور في باص أثناء عودتهم من لبنان إلى جسر الرستن وهم كانوا من ريف جسر الشغور ولم يكونوا من المدينة فأصبح يوجد حالة احتقان جدًا كبيرة في المدينة والريف وبدأت الناس تتوافد من الريف إلى المدينة يوم الجمعة التي بعدها وهذا الشيء زاد من عدد الناس الذين توافدوا وكان يوجد احتقان جدًا كبير في المدينة وأنا مع بعض الشباب كنا نشعر بأنه يمكن أن يحصل شيء خطأ في هذه المظاهرة وحاولنا إيقاف الناس وكان يوجد هجوم على الحزب (حزب البعث) يعني تعرضنا لبعض الإصابات يعني كنا نقول أنه نحن هذه مؤسسات دولة ويجب حمايتها وهي مؤسساتنا في النهاية وهي ليست ملكًا لبيت الأسد، وتعرضنا لبعض الإصابات والكدمات وبعدها خرجت النار من داخل فرع الحزب وهذا دليل أن الموجودين داخل فرع الحزب هم الذين حرقوا الحزب ولم يتم حرقه من الخارج، ولكن عندما خرجت النار من الداخل بصراحة أصبح يوجد حالة من الفوضى أو التدافع، وبدأ ضرب الحجارة على الحزب وهنا أُطلِق الرصاص لأول مرة على المظاهرات في مدينة جسر الشغور وجاءت قوات حفظ النظام وطبعًا من لا يعرف مدينة جسر الشغور فإن معظم مباني الدولة ومفارز الأمن هي في القسم الشرقي لمدينة جسر الشغور، وتقطع الجسر والمدينة هي في القسم الغربي ومبنى الحزب والبريد في القسم الغربي داخل المدينة.
حصل إطلاق النار وتفرقت المظاهرات والجموع وفي الليل نمنا، وطبعًا الساعة 3:00 في ليلة الجمعة لم يحصل شيء، وليلة السبت كان يوجد حوالي 50 باصًا داهموا المدينة من قوات الأمن جاؤوا من خارج المدينة وداهموا المدينة ومن حسن حظي أنني انتقلت إلى بناية جديدة، وكانت قوات الأمن تحتها منزلي، فاتصلت والدتي وقالت لقد أخذوا أخاك الكبير وحاول أن تهرب، وأنا فتحت النافذة، وأنا كنت أسكن في الطابق الثالث أو الرابع ولكنني سمعت أن قوات الأمن على باب البناء ويقولون إنه يسكن في هذا البناء ولكن لا نعرف في أي طابق وأي شقة، وأنا لا أعرف إذا كانوا يتحدثون عني أو عن شخص آخر، ولكنني كنت موجودًا في هذا البناء وسكنت حديثًا ولا أعرف أحدًا يعني في الحي لا أحد يعرفني، فذهبوا وبعد أن ذهبوا من أمام البناء، وأنا عندما أقطع الطريق فإنني سوف أصبح في الحارات المغلقة، ووصلت إلى منطقة اسمها التل في جسر الشغور، والتففت حول المدينة في البساتين ووصلت إلى كروم الزيتون في شمال جسر الشغور في منطقة اسمها عين إسفيل، وطبعًا عندما خرج الضوء تفاجأت بأن كل المدينة تحت الزيتون ولست وحدي، وأنا التجأت إلى هذه المنطقة لأنها حارتي وأنا أعرفها وأعرف كل زيتونة وكل شبر فيها، فتفاجأت أن كل أهل الجسر قد هربوا إلى هذا المكان، وأصبحت أرى أصدقائي وأشخاصًا أعرفهم وجيراني في الحارة وأصدقائي ورفاقي، وسألنا: ماذا حصل ومن أخذوا ولم نستطع الوصول إلى العدد، وقيل بأن العدد 250 ولكن لا أتوقع أن العدد وصل إلى هذا الرقم ولكن لم نستطع إحصاء العدد الأساسي.
أصبحنا في يوم الأحد، وفي يوم الأحد يعرف أهلها أنه بازار جسر الشغور، وهو البازار الذي يتجمع فيه كل أهل المنطقة والريف ويأتون ويتسوقون منه، وفعليًا نحن قلنا يجب علينا إعلان الإضراب ولا يمكن لأحد أن يفتح، ونزلنا كلنا باتجاه جسر الشغور باتجاه المدينة في الشوارع ونحن نحمل بأيدينا التنك وبدأنا نصيح ونقول: اليوم إضراب في الجسر ولا أحد يجب أن يفتح ولا أحد يخرج من منزله، وقطعنا طريق حلب اللاذقية ولم يكن يوجد طريق (إم 4) الذي يتحدثون عنه الآن ولم يكن موجودًا أصلًا، فقطعنا الطريق داخل مدينة جسر الشغور، وهذا يعني بأننا قطعنا طريق حلب- اللاذقية عند الحزب، فقطعنا الطريق عند الجسر الجديد، وذهبنا باتجاه الأمن السياسي وبعض الشباب ألقوا المولوتوف وأحرقوا سيارة للأمن السياسي، وكانوا يطالبون بالمعتقلين، فخرج مدير المنطقة في وقتها كان العقيد صدام العيسى وهو من درعا، وقال: اهدأوا يا شباب ونحن سنحل الموضوع، وكان متعاونًا جدًا، وهنا جاء الشيخ سامي وهو كان إمام الجامع الكبير وجاء بعض أعيان المنطقة للتهدئة، ونحن هنا يوجد شباب كثيرون والشباب "دمهم حامي" وأشخاص لديهم إخوة معتقلون، وأنا مثلًا كان أخي معتقل اسمه ياسين الصالح وكان منهم حسن دندش وكان يوجد منهم أسماء من الذين أعرفهم، ويوجد شاب من عائلة الكيّس وهو أخو الشهيد محمد، وهذا الشاب له اسم جدًا معروف في المدينة ولكنني لا أتذكر اسمه، ويوجد أشخاص آخرون كانوا معتقلين وقلنا لهم: حسنًا، فقالوا: أعطونا وقتًا.
مدير المنطقة في وقتها والشيخ سامي وأعيان المنطقة ذهبوا إلى المحافظ في إدلب، وبدأوا يتفاوضون مع المحافظ ويتكلمون معه، وفي النهاية أخذوا إقرارًا وأفرجوا عن المعتقلين كلهم وأحضروهم بالباصات وأحضروهم إلى جسر الشغور، واستقبلناهم عند الأمن العسكري، ونحن هنا وكأننا حققنا إنجازًا جدًا كبيرًا، أنه أنت أخرجت الناس والفرحة كانت جدًا كبيرة بصراحة ويوجد فيديوهات موجودة على اليوتيوب لهذه القصص، والحقيقة المنظر كان كبيرًا ولكن تفاجأنا بحجم التعذيب، حيث تعذبوا بين الساعة 3:00 والساعة 11:30 ظهرًا لأنهم الساعة 11:30 خرجوا من إدلب ووصلوا الساعة 1:00 إلى جسر الشغور فوصلوا وأجسادهم كانت زرقاء، يعني يمكننا أن نقول إنه كُتبت لهم حياة وعمر جديد لكل هؤلاء الأشخاص، ومع مرور الوقت بصراحة وبعدها هنا بدأت التحركات وبدأت النشاطات وبدأت تنشط الخلايا، وبعد أن حصلت هذه الحادثة مع أخي رئيس البلدية هشام مصري وهو محامٍ؛ اتصل مع والدي وقال له: نحن نمون عليكم ونحن أصدقاء العائلة ونحن كنا مع بعضنا أصلًا قبل سنة ونصف، كنا مع بعضنا في العمرة مع رئيس البلدية، وكلنا كنا مع بعضنا في العمرة فقال: نحن نمون عليكم ونحن أصدقاء، وتكلم مع خالي الذي كان يأخذ رحلات عمرة وقال بأن أولادك لا يلتزمون كثيرًا ونحن نريدهم وطبعًا والدي يخاف علينا ووالدي نجا من الموت في الثمانينات في جسر الشغور لأنه لم يكن موجودًا في المدينة وكان في جبل الزاوية، لذلك هو لم يستطع، وفعليًا نجا من هذا الموت وكان خائفًا كثيرًا مثل كل الأهالي، فوصل إلى مرحلة أنه إذا أنتم تريدون الخروج فأنتم لستم أولادي ولا أنا أعرفكم، والحقيقة كانت جدًا صعبة علينا، وقلنا له: نحن لن نخرج وسوف نقف فقط على الرصيف ولا ننزل إلى الشارع.
عندما تجمعنا أمام منزل محمد الكيس أنا كنت أمشي على الرصيف ولم أكن أصيح (أهتف)، يعني من أمام منزلهم إلى مدرسة زكريا أكتع ومؤسسة الغاز أنا هنا بدأت أتشجع أكثر وأنزل عن الرصيف، وفي اللحظة التي نزلت بها عن الرصيف إلى الشارع يمكنني أن أقول أنني انتقلت إلى عالم ثانٍ أو حياة ثانية، والدنيا دارت برأسي فأحسست أنه يوجد شيء حصل وأصبحت أصيح مع الناس.
عندما تحدث هشام مصري مع والدي ومع خالي وأقنعنا، وهو لم يقنعنا، هو قال يجب أن تذهبوا إلى "أمن الدولة" وتكتبوا تعهدات بعدم الخروج في مظاهرات، فقلنا له: لا يمكن ذلك ولكنه أصر، فقلنا له: لن نذهب إلى أمن الدولة، ولكننا بعد ذلك ذهبنا إلى هشام مصري وأخذونا إلى مكان وجلسنا وقال لنا أنتم اكتبوا التعهدات، فكتبتها أنا كما يريد عنصر أمن الدولة، وقال لي اكتب في الفقرة الأخيرة أنا نادم على ذلك، فقلت له: لا يمكنني أن أكتبها، فسألني: لماذا؟ فقلت له: لأنني لست نادمًا يعني أنا لأول مرة في حياتي أحس بأنني فعلت شيئًا جيدًا وهل تريدني أن أندم عليه؟ فقال لي: لا يا رائد ونحن نخاف عليكم وطبعًا عنصر الأمن هذا كان من الجسر ويقولون له أبو رويدة وهو كان من جسر الشغور، وكانوا كلهم موجودين، يعني رئيس فرع الحزب ورئيس البلدية وخالي ووالدي كلهم كانوا موجودين وجالسين، فقال لي: لا نحن خائفين عليكم ونحن نريد الحفاظ عليكم، وإذا حصل شيء نريدكم أن تكونوا موجودين وإذا الحكومة بقيت فأنتم تكونون قد حميتم أنفسكم، ومن هذا الكلام، وحصل كلام كثير لمدة نصف ساعة تقريبًا وبعدها قال لي والدي: اكتب، وفعليًا كتبنا ووقّعنا وخرجنا.
في الجمعة التي بعدها بعد توقيع التعهد قال والدي: إذا أردتم النزول [للمظاهرات] فأنتم لستم أولادي ولا أنا أعرفكم، والله يرحم والدي كان هو مثل كل الأهالي يخافون على أولادهم.
بعد فترة العقيد نفسه طلب اجتماعًا مع أهالي المدينة، ودائمًا كانت تحصل توترات بصراحة ما بين أهل المدينة وما بين الأمن، وطلب العقيد اجتماعًا، العقيد صدام عيسى، في الجامع الكبير، وذهبنا إلى الجامع الكبير وحضرنا الاجتماع وكان يوجد الكثير من أهالي المدينة موجودون، وهنا بصراحة قال: وما هي طلباتكم يعني هو بدأ يسألهم ما هي طلباتكم لأهل المدينة فقالوا له: نحن في الثمانينات سُرقت منازلنا وسُرقت كل أملاكنا عندما اقتحم الجيش، ولم يبق لنا شيء، ونحن لا نريد أن يدخل أي عنصر من الأمن إلى الجسر، فقال لهم: وكيف العناصر سوف يحضرون طعامهم، فقالوا: كل يوم سوف تأتي سيارة من كل الأفرع ويأخذون احتياجهم من المدينة ويخرجون، ولا نريد لأحد أن يدخل إلى المدينة، وهو عرض في وقتها حواجز مشتركة وعرض أمورًا فرفض الأهالي وقالوا: أنتم لديكم سلاح ونحن لا يوجد لدينا سلاح، يعني يمكنكم اعتقالنا في أية لحظة، فكان يوجد رفض من أهالي المدينة وأهل المدينة كانوا خائفين من الأمن وأن يتكرر الشيء الذي حصل في عام 1980، استمر هذا الأمر إلى 20 أيار/ مايو.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2023/02/01
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدتاريخ مدينة وواقعهاكود الشهادة
SMI/OH/158-01/
أجرى المقابلة
منهل باريش
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة حتى أيار/ مايو 2011
updatedAt
2024/04/25
المنطقة الجغرافية
محافظة إدلب-مدينة جسر الشغورمحافظة حمص-منطقة الرستنشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة
شعبة الأمن السياسي
قوات حفظ النظام
حزب البعث العربي الاشتراكي
مجلس الشعب - نظام