البيئة الاجتماعية في ظل حزب البعث والقبضة الأمنية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:23:01
قبل الثورة كان النشاط الأبرز لجوبر دعنا نقول هو صناعي، خاصًة أن جوبر كانت تتميز بعدة صناعات، مثل الخياطة، وتحديدًا خياطة "المانطو" (المعطف) وصناعة الأحذية، وكانت تتميز أيضًا بصناعة خشب الموزاييك، وكان فيها أكبر سوق مانطو في سورية، بل وربما على مستوى الوطن العربي، وكان الكثير من التجار من ليبيا ومن الجزائر ومن الأردن تأتي إلى سوق المانطو لتتبضّع منه.
كانت علاقة النظام بجوبر كما كانت بشكل أساسي في جميع المناطق و[تتعلق بـ] موضوع الحزبيين (المنتمين لحزب البعث – المحرر)، مثلًا رابطة الحزب لدينا هي رابطة العباسيين كمثال، وكثير من الناس معروفين أن فلان حزبي وفلان كذا، فالشخص الحزبي يحق له ما لا يحق لغيره، كما يُقال، وكنا نرى هذه الفوارق موجودة وكيف كانت التسهيلات تأتي لأشخاص على حساب أشخاص آخرين.
المضايقات كانت بالنسبة للكل موضوع الضرائب، موضوع الممنوع والمسموح، موضوع المنافسة غير الشريفة التي كانت موجودة على أيام النظام، والعواينية المحسوبين على النظام الذين لهم الأولوية على حساب غيرهم، وموضوع النظافة، فالنظام كان دائمًا يترك المواطن متعبًا بالتفكير كيف سيقدم تلك الخدمات الخاصة بالنظام.
وإذا أردنا توصيف الوضع بشكل عام أُؤكد من جديد أن الميزة ميزة جوبر كانت قربها من العاصمة دمشق، وأنها نقطة وصل بين دمشق وريف دمشق، كما كان فيها عدة مراكز حيوية على أطرافها مثل كراج العباسيين وهو شبه معروف وأيضًا كراج البولمان، وهي أيضًا خط وصل للقادمين من درعا إلى حمص، لذلك كانت عقدة مواصلات ممتازة، فإذا كنت موجودًا في جوبر فأنت بإمكانك الوصول إلى أي مكان بسبب تعدد نقاط المواصلات التي تمر بها.
كان ميول أهالي جوبر هو [النشاط] الصناعي أكثر، وبنفس الأمر كانت حركة عمرانية ضخمة ما قبل الثورة ضمن الحي، وكثير من الناس بدأت تستثمر بموضوع الإنشاءات، وكانت هناك عدة ماركات مملوكة لأشخاص من جوبر بصناعات الألبسة إن كان "ستيفانيل" أو "ماجيلا"، ولهم معامل في المنطقة الصناعية في حسياء أو المنطقة الصناعية على طريق درعا، [والأمر الذي] ساعد أهالي جوبر ليكون عندهم حركة مالية هو موضوع العقارات التي كانوا يمتلكونها، ونحن نسميها "الإرث"، وكانوا دائمًا يدوّرون رأس المال، فالحركة الاقتصادية كانت قوية جدًا ضمن الحي، وكان أهالي الحي منتشرين في الكثير من المناطق، وأينما تذهب تجد أشخاصاً من جوبر موجودين في تلك المنطقة.
يمكن أن تقول: طالما الأمور الاقتصادية ممتازة فهذا الأمر كان يساعد به النظام، ولكنني أقول أن هذا الكلام غير صحيح لأننا مثل أي إنسان في سورية، والشعب السوري شعب حي وقادر أن يُنجز ويتخطى العوائق والصعوبات التي كانت مفروضة من قبل النظام، فأنت بدلًا من أن تنجز 100% وبالرغم من كل هذه الإنجازات التي أجدها عظيمة، أنت لا [تستطيع أن] تنجز سوى 20% من الجهد الذي تبذله حتى تحقق نسبة الـ 20%، [وذلك] بسبب العوائق والصعوبات الموجودة والمفروضة دائمًا، ولا ننسى الخطوط الحمراء التي من الممنوع أن تتعداها وحتى ممنوع أن تدخلها. هذا [فيما يخصّ] الوضع الاقتصادي في حي جوبر.
سأحكي لك قصة: عندما كنت صغيرًا في الصف الأول أو قبل الصف الأول، ترشح عمي ثروت وشخص من بيت "الحنون" لمجلس الشعب، وكنت صغيرًا وصرت أُعلق صور عمي في الحارات، والحملات الانتخابية التي كانت تحصل، وكان وجه عمي لطيفًا [كحال عائلة] "الحنون"، وركضنا إلى المدارس وفي زحمة الانتخابات، وفعلًا كان هناك الكثير من التفاعل من قبل أهالي الحي لينتخبوا عمي، وعندما صدرت النتائج كرهت عمي وبدأت أبكي، فلماذا هو رسب؟ كنت طفلًا لا يستوعب، وحينها زوجة عمي قالت لي: عمك لم ينجح لأنه غير حزبي (ليس منضمًا لحزب البعث – المحرر)، وأنا طفل عمري سنوات ولا أعرف معنى هذا الأمر، وبقيت في بالي قصة أنه ليس حزبيًا.
هذه من العوائق التي كان يفرضها [النظام] كما قلت لك، وموضوع التوسع بالعمل، فأنت ولو كانت لديك إمكانية للتوسع، لا، ممنوع أن تتوسع بإمكانية معينة. والنقطة الثانية أنه في الكثير من الأمور لا بدّ أن تدفع الرشوة للنظام كي تمرّ حتى على مستوى ورشة صغيرة، وتلك الورشة الصغيرة يجب أن يُوافق عليها النظام أو أن ترشي موظف الدولة الموجود فيها. هكذا كانت العوائق التي وضعها النظام، وحتى بالمجال العلمي أو المجال الوظيفي، أنا أعرف مثلًا لواء أو ضابط من بيت عميري، هو لواء كان دفعة "المقبور" حافظ [الأسد]، وكانا من نفس الدورة، وحسبما سمعت أنه بعد فترة استطاع إصلاح عطل صاروخ، فهمّشوه بسبب إصلاحه هذا العطل في الصاروخ، وبدلًا من أن يُكافئوه همشوه حتى تسرح [من الخدمة]، ولم يكن لدينا غير هذا الضابط على مستوى جوبر، لأنه ممنوع أن يكون هناك ضباط مثل كل المناطق، وحتى على مستوى محافظة دمشق نادرًا ما يكون هناك مناصب لناس من الحي، وربما حتى المختار لولا "المخاجلة" (الحَرَج) وكونه ليس لديه عمل لا يمكن له أن يكون من جوبر، وبالمناسبة جوبر كانت تضم ثلاثة مخاتير حسب اتساع الرقعة الجغرافية للحي، فكانت مقسمة لثلاثة قطاعات وفيها ثلاثة مخاتير معتمدين.
بالنسبة للمناطق التي ذكرتها سواء "الحمام" أو "الجامع الكبير" أو "الكنيس" لم يكونوا مساهمين في الحركة السياحية، صحيح أن الحمام هو حمام أثري وموجود ولكنه لا يجلب السياحة، والمنطقة السياحية الوحيدة كانت الكنيس، وهناك عدة أمور ساهمت بعدم وجود اليهود ضمن الحي أو حتى ضمن سورية، ففي باب توما هناك حارة اليهود وشارع العابد فيه كثير من اليهود أو نسبة كبيرة من الممتلكات تعود لليهود، ولكن لا يوجد يهود ضمن دمشق أو ضمن سورية كلها، [وذلك] بسبب الربط بأن كل يهودي هو إسرائيلي، وكان النظام يرفع شعار الممانعة، وكان من أحد أساليبه التي يُمارسها على الشعب أنه هجّر اليهود لخارج سورية، لذلك لم تكن هناك مناطق سياحية. وكان يُقال أن هناك خلاف سابق بين أهالي جوبر وبين اليهود، وكان هناك شارع المدرسة وما أسمعه أنه شارع قديم ومقدس، وكان اليهود يمشون حفاة من أول الشارع حتى تصل للكنيس، وكانت دائمًا تحصل مشاكل بينهم وبين أهل جوبر، وصار وقتها خلاف بين اليهود والمسلمين أنه: هذه أرضنا، لا هذه أرضنا، فاشتكوا حينها للوالي العثماني، وجاء الجوابرة (أهالي جوبر) المسلمين قالوا: هذه الأرض لنا واليهود اغتصبوها، وكانت حجتهم وجود جذور شجر الزيتون الكبيرة التي قطعها اليهود، وما أعلمه أن الجوابرة المسلمين أحضروا ليلاً جذور الأشجار وزرعوها بهذه المنطقة المختلَف عليها، وعندما جاء القاضي أو الوالي وجد أن رواية المسلمين هي الصحيحة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2023/08/26
الموضوع الرئیس
الأوضاع قبل 2011كود الشهادة
SMI/OH/216-02/
أجرى المقابلة
إدريس النايف
مكان المقابلة
اعزاز
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة
updatedAt
2024/04/14
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-جوبرشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
حزب البعث العربي الاشتراكي
مجلس الشعب - نظام