الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

تاريخ مدينة كفرنبل مع نظام الأسد والتضييق المتعمد عليها

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:20:36:15

أحمد خليل الجلل من مواليد كفرنبل 1982، خريج معهد التعويضات السنية في جامعة حلب في عام 2006.

كفرنبل مدينة صغيرة تقع غربي معرة النعمان بحوالي 10 كيلو متر، طبعًا آخر إحصائية للتعداد السكاني فيها كانت في بداية عام 2000 حوالي 35 ألف نسمة، هذه كانت آخر إحصائية، فهي تعد مدينة صغيرة، ونحن نسميها الضيعة حتى الآن، وأهل كفرنبل يقولون عنها الضيعة فلا يعتبرونها مدينة.

من الجانب الشمالي لكفرنبل هنا يبدأ جبل الزاوية؛ فمنطقتها جبلية على عكس الحارة القبلية التي تبدأ فيها سهول فيها أشجار التين والزيتون والفستق الحلبي، هذا من الناحية الجغرافية، وقلنا: إن كفرنبل مدينة صغيرة ومعظم سكانها يعملون في القطاع الخدمي ومعظمهم من حاملي الشهادات، طبعًا هناك ظروف لهذا الشيء؛ لأنها لم تكن تلك المدينة الكبيرة لتصبح مركزًا تجاريًا أو صناعيًّا، وليست هذا المجتمع القروي الصغير كثيرًا حتى تكون إيراداته الزراعية كافية، فكان البديل أو الاتجاه الأساسي نحو الدراسة وتحصيل العلم لتحصيل الشهادة وللحصول على وظيفة في المستقبل، فلهذا السبب كانت كفرنبل فيها عدد كبير من حملة الشهادات والدارسين بشكل عام كتعداد سكاني.

مدينة كفرنبل من المدن التي غضب عليها النظام منذ زمن طويل من أيام الثمانينات، طبعًا كفرنبل ليس فيها تعداد طوائف فهي كلها من المسلمين السنة، ولا يوجد فيها حتى تقسيم عشائري، فلا يوجد فيها شيء اسمه عشائر، [فهي عبارة عن] عائلات مثلها مثل معظم المدن السورية كعائلة فلان وعائلة فلان، ولا يوجد شيء اسمه مثلًا أن نرجع إلى الوراء لنصل إلى قبيلة أو غير ذلك، لا توجد عشائرية بالمختصر؛ لأن هناك بعض المدن فعلًا تقسيمتها حتى الآن عشائرية.

كفرنبل كانت من المدن التي كان فيها في الثمانينات نسبة مشاركين في حزب "الإخوان المسلمين" بنسبة لا بأس بها، فمنذ الثمانينات النظام غضب على كفرنبل والدبابات سارت فيها منذ تلك الأيام، وتمت تصفية وملاحقة مطلوبين منذ تلك الأيام، بالإضافة إلى سبب ثان سبّب تلك النقمة؛ حيث حدثت محاولة اغتيال للهالك حافظ الأسد في عام 1980 عن طريق ضابط من كفرنبل (عبد الحميد الدامور) فقد قام برمي قنبلة يدوية على حافظ الأسد في أيام الأحداث، ولكنها انفجرت في المرافق الخاص بحافظ الأسد، ونجا حافظ، وعُرف هذا الشخص، حتى إنه تمكن من الهرب، لكن مع الأسف عائلته كلها اعتقلت مع كل الموجودين وحتى نسيبهم كان موجودًا

معهم في البيت فأخذوا كل الموجودين؛ أولادًا وكبارًا، وصغارًا، ونساء، ورجالًا.

وطبعًا لا نستطيع أن نقول: تمت تصفيتهم لكننا لا نعرف عنهم شيئًا حتى الآن، وعلى الأرجح تمت تصفيتهم، بحيث زاد الحقد على هذه المدينة بالذات التي فيها أكثر من شخص كان مؤثرًا في حركة "الإخوان المسلمين" ومشاركًا بالإضافة إلى محاولة الاغتيال هذه، فهذه المدينة مغضوب عليها منذ زمن.

 وذكرت سابقًا أن اتجاه معظم أهالي كفرنبل إلى الدراسة والتحصيل الوظيفي؛ لأنه لم يكن هناك سبيل غيره، فكان هناك تضييق كبير على أهالي كفرنبل، مثلًا: في مجال التطوع في الجيش؛ لأنهم كانوا بالنسبة للنظام أشخاصًا غير موثوقين، فنادرًا ما ترى ضابطًا في الجيش من كفرنبل ويحمل رتبة عالية، إلا إذا كان عنده ولاء مطلق للنظام، وأحس بهذا الشي فمن الممكن أن يُرقّى، لكن معظم الناس لا يقبل أحد منهم أصلًا [أن يكون] في المؤسسة العسكرية،

وربما ترك النظام في وقتها مجالًا خفيفًا الذي هو مجال الشرطة، لأنه في الأساس الشرطة محسوبة على المدنيين، ونحن كلنا نعرف أن الشرطي يعد مدنيًا أكثر مما هو عسكري، فغضوا النظر قليلًا وأعطوا الناس مجالًا ليتوظفوا، لكن طبعًا يجب ألا يكون عندك أقارب من "الإخوان المسلمين"؛ وإذا كان عندك قريب من الدرجة السابعة فبمجرد أن يُضرب (يُكتب) فيك تقرير من أحد مخبري النظام -الذين كانوا كثيرين طبعًا لأنه كان هناك تركيز على المنطقة- فإنك لن تُقبل، لكن مع ذلك يوجد عدد لا بأس به من الشرطة تحديدًا من سلك الشرطة، بالإضافة لموضوع الشهادات والدراسة وهذه القصص؛ لأن الناس لم يعد عندهم غير هذا المجال حتى يحصلوا على وظيفة أو لقمة العيش، فلهذا السبب قلنا: إن كفرنبل من المناطق التي فيها نسبة شهادات وحملة شهادات عالية قليلًا؛ فيها أطباء كثر ومهندسون كثر ومن مختلف الفروع ومعلمون وإلى آخره.

 طبعًا كفرنبل منذ زمن طويل من أيام الثمانينات... طبعًا أنا من مواليد 8219 فلا أعرف، ولكنني أسمع من أهلي ومن أقاربي، وعاصرت فترات قديمة فكنت أتذكر أحيانًا، فقد مر عليها (كفرنبل) فترة طويلة تحس فيها بحالة حزن عام وأن هناك مصابًا... دعك من الذين انضموا إلى حزب الإخوان، فهناك الكثير من الناس اعتُقلوا وليس لهم علاقة؛ فبمجرد أن يكون الشخص له علاقة بشخص من حزب الإخوان ولو سلام (العلاقة بينهم سطحية) أو إلى آخره، فبمجرد تقرير صغير كان يذهب إلى سجن تدمر، ويوجد الكثير من الناس حُبسوا 10 أو 20 سنة وليس لهم ذنب، فلم يكن هناك بيت إلا وفيه معتقل ولم يكن هناك بيت إلا وفيه حزن نوعًا ما، وإلى الآن أتذكر أعراس كفرنبل؛ فالأعراس الريفية معروفة وعادة يكون فيها صخب وبهجة أكثر حتى من أعراس المدينة، لكن هذا الشيء لم يكن موجودًا عندنا، فكانت أعراسنا أشبه بالتجمعات التي لا تميز فيها بين العرس والعزاء، فمظاهر الفرح لم تكن ظاهرة، فالناس جُبلوا على هذا الشيء، فكنت تحس مثلًا إذا تُوفي واحد من هذه القرية، وحتى لو كان له قريب من الدرجة السابعة، وهذا القريب كان ينوي أن يعمل عرسًا أو يتزوج فمن الممكن أن يؤجل عرسه ليس يومًا أو يومين بل شهرًا أو شهرين فالعادة هكذا، فقد طُبعنا على هذا الشيء، فهناك كره للنظام من تلك الأيام وهناك تهميش.

 وكان هناك دور المخبرين، وكانوا معروفين بأنهم الذين كانوا يمسحون جوخًا (الذين لا يملكون حيلة إلا النفاق) أو يوالون النظام ويخبرون، وتوجد نسبة مخبرين كبيرة على اعتبار أنهم كانوا يعتبرون هذه النقطة... منذ تلك الأيام كانوا ينظرون إلينا كأعداء ولا ينظرون إلينا كمواطنين في الأساس، فيعاملوننا كمعاملة الأعداء، ويوجد عندهم مخبرون وفي حال حدوث أي حركة وأي شيء وأي شخصية تظهر وأي سلوك معين كان مراقبًا إلى أبعد الدرجات، فأنا عاصرت تلك الأيام التي كانوا يقولون فيها: "إن الحيطان لها آذان" يعني عاصرت هذه الفترة وفترة هذا الرعب فبمجرد أن يُتهم الشخص بتهمة ولو [كانت غير صحيحة]، وبمجرد أن يُوضع تحت رحمة شخص يكرهه وكتب فيه تقريرًا فكان يروح فيها (يُسجن)،[وصلت الأمور] إلى هذه الدرجة فبعد أن يُسجن وإلى أن يعرفوا إن كانت له علاقة أو ليست له علاقة خلص (يكون قد انتهى أمره).

 كان الوضع صعبًا بشكل عام ؛ فمنذ زمن طويل وأهل كفرنبل لا يوجد بينهم غير بعض العائلات الموالية التي فيها بعض المخبرين -لنقل ذلك- أو المستفيدين ربما قليلًا ويوالون النظام، لكن من تبقى لا يوجد أحد منهم يحب النظام، وكنا نتذكر عندما كنا أطفالًا، وكانت الدفاتر ليست بأشكال متنوعة مثل الآن، كانت هناك دفاتر من المؤسسة العامة للمطبوعات الخاصة بالدولة، وكانت كلها عليها صورة الهالك حافظ الأسد، وكنا مجبرين أن نستخدم هذه الدفاتر لأنه لا يوجد غيرها، وكم من مرة أصاب الأهالي فيها الرعب وتخلصوا من الدفتر؛ لأن الولد لا يعرف، وهذه الصورة إما رسم عليها أو شوّه فيها قليلًا دون قصد، فهذه كانت كافية لأن يُحبس أبوه -سبب كاف ومعروف - وكم من المرات مثلًا أهالينا مزقوا الدفاتر، وأحضروا لنا غيرها فقط بسبب شخط أو شخطين (رسم خطًّا أو خطين) على رسمة الهالك على صورة الهالك، فتلك الأيام ربما الجيل الأكبر يعرفها أكثر، لكن الجيل الجديد لم يعاصر أيام حافظ.

 أنا في اليوم الذي تُوفي فيه الهالك حافظ كان عمري 18 سنة، يعني كنت واعيًا وكنت شابًّا، ومعاصرًا للفترة بشكل جيد، وعرفت وأعرف الرعب وأعرف... الأمنية، وحتى إنه حدثت معي على المستوى الشخصي أكثر من حادثة أدت لمراقبة أمنية عليّ وأنا شبه ولد (طفل تقريبًا)، أذكر في فترة من الفترات عندما كنت ربما في الصف العاشر أو الحادي عشر يعني في سن الشباب، وتعرفون أننا في النهاية مجتمع مسلم، وأي شاب يمر بفترة يكون فيها الالتزام الديني -بإمكاننا أن نقول-: زائد ومن الممكن أن يلتزم هذه الفترة وبعدها يفلت (يبتعد عن التزامه) فهذا أمر طبيعي، وهذا هو حال معظمنا، ففي تلك فترة -سبحان الله- أنا ورفاقي في وقتها تعودنا أن نصلي في الجامع جماعة، فقد كان هذا هو الالتزام، بأن تصلي جماعة في الجامع فقط، وبمجرد أنهم رأوا 4 أو 5 شباب بشكل متكرر يصلون في الجامع، والجامع كان مليئًا بالمخبرين وهذا أمر طبيعي، [فلاحظوا أن هؤلاء] يأتون في كل وقت تقريبًا ليصلوا، وهم رفاق ويتجمعون ويجلسون سوية، ونحن في الأساس رفاق، ونحن كنا نسهر معًا قبل موضوع التزامنا، فهذا كان سببًا كافيًا لأن تُجرى دراسات أمنية علينا وعلى نشاطنا وماذا نعمل، لم يتم استدعاؤنا إلى الأمن، لكن وصلتنا أخبار عن [ذلك]، فوالد رفيقي... حتى إنه عندها منعه من الذهاب إلى الجامع؛ لأنه وصلته أخبار عن الدراسة الأمنية هذه، فقال له: "صل في البيت أو لا تصلي فوضعنا لا يحتمل ذلك." يعني الموضوع كان مرعبًا، ولم يكن قليلًا، وهذا على مستوى 4 أو 5 شباب كانوا يصلون جماعة، فتخيل ذلك! فكيف [إن كنت] مطلقًا لحيتك مثلًا فستكون حينئذ كل المراقبة عليك.

 كل هذه الأسباب أدت إلى أن تكون كفرنبل من أولى المدن التي شاركت في الثورة، ففي المنطقة الشمالية كانت أولى المظاهرات التي خرجت في كل المنطقة الشمالية قد خرجت من كفرنبل تقريبًا، كانت في 1 نيسان/ أبريل 2011، ولم تكن توجد مظاهرات واضحة في تلك الأيام.

طبعًا -كما تعرفون- كانت هناك منظمة طلائع البعث التي تجهز الناس حتى يصيروا في حزب البعث، طبعًا لا يوجد أحد في تلك الأيام كان خارج هذه المنظمة فكانوا يسجلون كل الأطفال في المدارس في كل سورية ضمن طلائع البعث، لاحقًا منظمة الشبيبة التي تكون في المرحلة الإعدادية، طبعًا كانت بشكل إجباري، وربما معظم الناس في هذه الأيام يعرفون ذلك.

 حتى إنني أذكر أنه في مرة من المرات جاء الموجه، وطلب منا قائلًا: غدًا أحضروا 25 ليرة من أجل اشتراك الشبيبة، وبالصدفة -ربما كنا في الصف السابع أو الثامن- كان أحد الأطفال غير ملتزم كثيرًا في المدرسة أو إنه كان يعرف نفسه فلا يريد أن يذهب إلى مجال يصير فيه عاملًا أو غير ذلك، فلم يكن ينوي البقاء في المدرسة لمدة طويلة، فجاء في اليوم الثاني، ولم يحضر 25 ليرة، وقال للموجه: "لا أريد أن أشترك في الشبيبة" وهو يظن أن الأمر اختياري؛ فالشاب يتكلم بشكل منطقي، فتعرض للضرب من الموجه، يعني هذا رد الفعل الطبيعي بأنه لا ينبغي لأحد ألا يسجل في الشبيبة، فإذا لم يسجل في الشبيبة فالموجه سوف يُسأل، هل فهمت علي كيف...؟ يعني الموجه لم يضربه انتقامًا، بل ضربه لأنه أخذ رد فعل بأنه لا يُسمح لأحد ألا يسجل، وهنا يكون (الموجه) أيضًا قد بيّض صفحته، والطالب الذي لم يشترك تعرض للضرب وفي اليوم التالي غصبًا عنه أحضر 25 ليرة واشترك في الشبيبة.

لاحقًا طبعًا بعد الشبيبة وبشكل أوتوماتيكي [يكون] الانتساب إلى حزب البعث، وكل هؤلاء الناس منتسبون، فكان هناك تضييق، كيف [يكون التضييق؟] كما قلت لكم: كانت هي كمجتمع قروي وإيرادات زراعية غير كافية، كانت تكفي للمونة، لكن أن تكون مصدرًا لمعيشة فرد لأن عنده أراضٍ... فعائلات قليلة هي التي كانت مثلًا تعيش فقط من [إيرادات] الزراعة، وليست هذا المجتمع الصناعي الكبير، فتم اللجوء لموضوع الدراسة والقطاع الخدمي، ولكن حتى في هذا القطاع إذا كنت تريد أن تقدم على وظيفة وكنت نصيرًا في الحزب (حزب البعث) فأنت مجبر أن تصبح نصيراً، لكن إذا كان هناك شخص وهو عضو عامل في الحزب فهذا له الأولوية، وطبعًا أن تصبح عضوًا عاملًا في الحزب وأنت من كفرنبل فإنه أمر ممكن، ولكن هذا الموضوع ليس سهلًا كثيرًا، فحتى هذه فيها دراسات أمنية ولا تُقبل، فمن الممكن بكل بساطة ألا تُقبل ولا تصبح عضوًا عاملًا في الحزب، علمًا بأن الذي يسمع هذا الكلام كان يعتقد بأن الحزب حاكم وأموره شغالة (على ما يرام) وكذا والذي يصبح عضوًا عاملًا يصبح فعالًا، لا، فالحزب في هذه الفترة طبعًا كان مفرغًا من محتواه، ربما في فترة الخمسينات والستينات كان فعلًا فيه قوام الحزب ويشبه الأحزاب الثانية ويتقاطع معها وله أهداف، لكن من يوم "الـ63 " والتي يسمونها ثورة حزب البعث أو ثورة 8 آذار، وكانت عبارة عن انقلاب عسكري بقيادة حزب البعث للاستيلاء على السلطة، وتم رفع نظام الطوارئ، والهدف منه كان وضع المعارضين أو الأحزاب الثانية كلها في السجون حتى لا يبقى هناك معارضون، ومع الوقت استبد الحزب بالسلطة، وفي عام 1970 تمت تصفية الحزب بين بعضه(أحدهم يُنهي الآخر) حتى إنه تركزت السلطة في يد حافظ الأسد الذي عمل انقلابات حتى على رفاقه الذين شاركوه الانقلاب الأول، والناس يعرفون هذه القصص كلها، وتركزت السلطة في يد شخص واحد، فمن يومها من بعد "الـ 70 "حزب البعث فُرغ من محتواه كحزب بغض النظر عن أن شعاراته جيدة أو سيئة، لكنه كحزب بقي واجهة لحكم آل الأسد، فحتى الذي يريد أن يُوظف ويريد أن يصير عضوًا عاملًا في الحزب، فالهدف هو أن يحصل على وظيفة لا هو مؤمن بأهداف الحزب ولا هو مؤمن بفعاليته ولا هو موال للدولة حتى، فليس بالضرورة كل شخص تراه ويكون عضوًا عاملًا في الحزب من كفرنبل يحب النظام أو موال للدولة، فهذا مثلًا لا توجد عنده غير هذه الوسيلة، بمعنى أنه كيف بإمكانه أن يتوظف؟ فلابد له من أن يصبح عضوًا عاملًا في الحزب بالإضافة إلى شهادته فعسى ولعل أنه يُوظف. فالتضييق كان من هذه الناحية كبيرًا، فأي قريب لك من الإخوان يعيقك ويمنعك من القيام بأي نشاط أو أي وظيفة، حتى إنه بإمكانه أن يمنعك من الحصول على جواز السفر؛ جواز سفر لتذهب إلى السعودية مثلًا وتعمل، فمن الممكن إذا كان لك قريب كبير؛ قريب بشكل مباشر من الإخوان ألا يعطونك جواز السفر، فهناك دراسة أمنية لجواز السفر، ولا تستطيع استخراجه ببساطة! فهذه التضييقيات كلها كانت [موجودة].

 كانت هناك فعلًا حالة حزن ورعب وحقد، فأهل كفرنبل لا يحبون النظام من تلك الأيام، فهو كان يعاملنا كأعداء، وهذا الشيء كان محسوسًا، حتى كان معروفًا بأن فلانًا مخبر أو كذا فكان ذلك العمل يعني جالبًا للعار، فصحيح أن فلانًا مخبر وصحيح أن أموره جيدة في الدولة، لكن اجتماعيًّا عند البشر هذا مخبر، فإذا أردنا أن نسب أحدًا نقول له: مخبر. فكانت شتيمة تمامًا، فأنت موال للنظام ضد أهل بلدك، وأنت الذي تضرب (ترفع) تقريرًا بجارك ورفيقك وزميلك في العمل، وحدث الكثير من القصص التي سمعت عنها، ومنها ما عاصرته، مثلًا: في إحدى المرات كانوا يقولون: إن أحد المخبرين في أحد الأزمنة كان يعمل آذنًا (مستخدمًا) أو شيئًا كهذا، فأحضر صورة الهالك حافظ الأسد، وألصقها على باب خزانة لأحد الأشخاص؛ ألصقها بحيث إذا أراد أن يفتح ذلك الشخص الخزانة سوف تتمزق الصورة؛ فتخيل ذلك! وإذا مُزقت الصورة ورآها أحد... وفي وقتها جاء هذا الشخص ولم يكن أذكى [منه]، لكن الوضع كل الناس تعرفه ويعرفون أن هذا الأمر ليس بهذه البساطة وإذا كانت ملتصقة فيأتي ويمزقها، فأخبر جماعة الحزب، حتى إنه جاءت جماعة من المعرة (وفد) أشرفوا على تمزيق الصورة وفتح الخزينة بشكل رسمي تخيل تخيل ذلك! يعني قصص تسمعها وتعتقد أنها "كوميديا" أو تعتقد أنها تخرج في الأفلام، فكان هذا واقعًا...

إلى الآن أذكر أنه وقعت مرة حادثة، وكنت ربما في الصف السابع في المدرسة الثانوية، في ذلك الوقت كان أحد الطلاب على ما يبدو منزعجًا قليلًا من أحد المعلمين أو أن هناك طلابًا يشذون (يخالفون) في أمور معينة، فكانوا داخلين في وقتها إلى المدرسة في الليل أو ليس في الليل وإنما خارج الدوام، و كانوا قد كسروا الباب وسرقوا عدة كرات، وكان واضحًا أنها تصرفات أولاد، يعني لم تكن [مقصودة]، وكانوا قد مزقوا صورًا عشوائية من بينها صورة لحافظ الأسد كانت ملصقة، في اليوم التالي جاءت جماعة المدرسة والإدارة يعني لا أحد يثق بالآخر، بمعنى أنه إذا سكت أحدهم أو لفلف الموضوع (أنهاه)، والأمر منته فالأولاد خربوا وهناك صورة مشقوقة فنزيلها وصلى الله وبارك (انتهى الأمر)، ولكن لن يمر الأمر بهذه البساطة، فهناك شخص بجانبه وربما يخبر عنه، فصار هناك خبر عند الأمن بشكل مباشر، وفي وقتها تم استدعاء المدير وتم التحقيق معه، وتقريبًا اعتقلوه، والمدير كان شخصًا محترمًا ويحمل شهادة... كان يدرس الدكتوراه (شهادات عليا) في اللغة العربية، والرجل معروف في كفرنبل ومحترم، طبعًا كان سبب التحقيق أنه لم يبلّغ فهذا هو السبب، وبالتأكيد ليس هو الذي اشتغل (مزق الصورة) لكن لماذا لم يبلغ، وأحدثوا بلبلة استمرت 4 أو5 أيام مع الأساتذة ومع الناس كلهم من تحت رؤوس (بسبب تصرفات الأولاد)، طبعًا لم يُعرف من [الفاعل]، وفي النهاية هم أولاد يعني تصرفوا بشكل عشوائي، لكن تخيل أن أي حادثة عشوائية مثلًا يصبح لها أبعاد وذيول وقصص، فهذا الكلام فقط الذين عاصروه سيفهمونه بشكل جيد، فعلًا كان هناك رعب حقيقي، ومن الممكن أن تقارن الآن وتقول: إن الثورة عندما خرجت صار خراب وصار كذا والناس هُجروا، لكنك ترى الناس الآن يتكلمون، واعتادوا أن يتكلموا الآن، ولو أن هناك من يقوم بكم الأفواه من فصائل كثيرة ومن تنظيمات كثيرة وقصص [كهذه]، لكنه لم يكن بحجم الشيء الذي كان... ففي النهاية الناس يتكلمون، وفي وسائل التواصل الاجتماعي الناس يتكلمون وينتقدون، فالذي لم يعش الفترة القديمة لا يحس بهذه النعمة، فأنت على الأقل تستطيع أن تتكلم ولو بشكل غير مباشر، [لكنك] تتكلم في النهاية، قبل ذلك لم يكن هناك شيء كهذا... لا يوجد شيء يسمح لك أن تتكلم أو تعبر أو تلمح من بعيد أو أنك أنت لست راضيًا عن الحكومة، وأي انتقاد من بعيد أو قريب يؤدي -إن كنت طفلًا- إلى أن أهلك سوف يتضررون، وإذا لم تكن طفلًا، فأنت ستتضرر بشكل مباشر، فالموضوع كان فعلًا مرعبًا، وكنت دائمًا تجد أنه بعد مضي فترات طويلة مثلًا يخرج سجين ما من تدمر (سجن تدمر)، ويكون قد أمضى في السجن تقريبًا 20 سنة وهو محبوسً ظلمًا، ويكون ليس له علاقة بالإخوان في معظم الأحيان؛ لأن الذين لهم علاقة بالإخوان معظمهم صفوهم (أعدموهم)، ولا أحد منهم خرج، فتجد كل القرية تأتي لتسلم عليه، فالناس كلهم يفرحون بأن فلانًا... فتخيل عودة كهذه، فالناس كلهم يفرحون ويأتون ليسلموا عليه؛ أشخاص يعرفونه وأشخاص لا يعرفونه، ويسألونه عن فلان ما الذي حصل له؟ وهل تعرف فلانًا؟ ويحكي لهم القصص التي في السجون إنه شيء مرعب وشيء تقشعر له الأبدان، وربما تعرفون الكثير من القصص، فهناك بالتأكيد أشخاص شهدوا الحدث بحد ذاته، ولكننا كنا نسمع قصصًا بأنه شيء مرعب بالفعل، شيء يجعلك تحس بأن الذين يستلمون هذا الوضع وحوش وليسوا أبناء آدم (بشرًا).

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/03/10

الموضوع الرئیس

أوضاع ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/219-01/

رقم المقطع

01

أجرى المقابلة

إدريس  النايف

مكان المقابلة

اعزاز

التصنيف

مدني

المجال الزمني

قبل الثورة

المنطقة الجغرافية

محافظة إدلب-كفر نبل

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

سجن تدمر

سجن تدمر

منظمة طلائع البعث

منظمة طلائع البعث

اتحاد شبيبة الثورة - النظام

اتحاد شبيبة الثورة - النظام

الشهادات المرتبطة