واقع الثورة في حلب بعد النزوح من إدلب
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:19:07:07
أنا خرجت قبل يومين من اقتحام المدينة وخرجنا إلى مدينة حلب مع والدي وعائلتي وعبر طرقات لا تمرّ من الحواجز التي كانت منتشرة بكثافة بين إدلب وحلب على مداخل المدينة ومخارجها، والطريق كان عبارة عن طرقات رئيسية مع زراعية، طريق هو أشبه بمهرّبين يدلّونا أين الطريق، وخرجنا من إدلب وحتى مخرج المدينة كان يجب أن نمرّ من أحد المخارج الفرعية مثل طرقات زراعية، ووصلنا إلى سراقب كان هناك أيضًا حواجز على الطريق الرئيسي ومررنا من طرق فرعية وزراعية وفي دخول مدينة حلب وأكثر من عدة مرات دخلنا في طرق زراعية حتى وصلنا بشكل آمن وكنا مطلوبين في ذلك الوقت، وفي وقت الهروب من إدلب وأي شخص يصل إلى حلب من محافظة أخرى ومن مدينة إدلب هو تحت المساءلة وخطر الاعتقال، ووصلنا إلى حلب إلى منزل أحد الأقارب موجود في السعودية وأعطانا منزله، كنا نعتقد [أننا سنقيم فيه] عدة أيام حتى تُحرّر المدينة أو نعود لها بشكل آخر ونعود إلى مدينة إدلب، وهنا استقرينا في ذلك المنزل الذي كان قريبًا من مبنى المحافظة أو منطقة المحافظة في مدينة حلب.
في هذه الفترة في الأسبوع الأول هو انتظار ما يحصل في إدلب وليس خطة الاستقرار وليس الدخول في ثورة حلب، ولكن كنا نركز في ثورة ما يحصل في إدلب وكنا بانتظار أخبار أصدقائنا في إدلب واتصلت مع ملهم في اليوم الثالث لاقتحام المدينة، وكان قد وصل لهم الإنترنت بعد يومين أو ثلاثة من خروجهم من المدينة وكانوا قد وصلوا إلى ريف إدلب، واطمأننت عليهم بأنهم قد وصلوا بأمان، وتم اقتحام المدينة وتمت السيطرة عليها من قبل النظام وانتهت طموحاتنا بالعودة القريبة إلى إدلب، وبعض الأصدقاء كان يختبئ في المنازل في إدلب لأسابيع ولأشهر، وحمدي كان يختبئ لأيام طويلة مُحاصَرًا ولا يستطيع الخروج من البيت الذي يختبئ به، وكنا دومًا في تواصل مع الأصدقاء لنتأكد من سلامة الجميع، وكان هناك اعتقالات كبيرة في المدينة وجلّ من نعرفهم من الذي بقوا في المدينة تم اعتقاله عدة أيام أو اعتقل وتم نقله إلى أفرع دمشق وغيرها.
هنا اتضح لنا أنَّ حلب سنبقى فيها أسابيع إضافية، وهنا تعرّفت إلى الثورة والناشطين في حلب، وكان لديّ ابن خالة وقريب في حلب وكان من أهم الناشطين فيها، وكان عارف من الوجوه الثورية ومعروف وجوده في الثورة وكانت التنسيقيات والخوف، وانتقلنا هنا من الوضوح والثورة الكبرى في إدلب إلى مرحلة مختلفة في حلب والخوف سيّد الموقف والقمع سيد الموقف في حلب، وهنا عدنا إلى ذكريات الخوف في إدلب كانت قد رحلت وهو الخوف [من] الظهور في مظاهرات ليلية مختبئة قصيرة الأمد.
أول مظاهرة خرجت فيها كان قد تمّ إضافتي لمجموعة عبر سكايب وكان هناك 25 ناشطًا بأسماء وهمية، وتمّ تحديد مكان وموعد المظاهرة، وهناك وقفت أنتظر في أحد إشارات [مرور] في حي سيف الدولة، وفي ذلك الوقت لم تتجاوز المظاهرة ثلاث دقائق، وصل بعض الشباب فجأة وفي اللحظة تمامًا التي بدأت فيها صرخة التكبير تجمّع بعض الشباب وظننت لوهلة شعرتُ أنه لا يوجد أي مظاهرة وأنَّها خديعة أو لم يتمكن الشباب من التظاهر، وخلال دقيقتين بالفعل تجمع شباب دقائق ولم نستطع أكثر من دقيقتين الصمود والوقوف، فبدأت قطعان الشبيحة والأمن بالتوافد وتفرقت المظاهرة بسبب الخوف الشديد، وكانت تجربة مختلفة لي عن إدلب وتظاهراتنا بها بمئات الآلاف، وكنا فيها في ساحات كبرى وانتشر بها السلاح في ذلك الوقت وتطوّرت [إلى] مجموعات مسلحة، بينما في حلب كان لا يزال محاولة التظاهر في حلب هي المسيطِرة على الموضوع.
وهنا بدأت أتنقّل بين المظاهرات السريعة والقصيرة ومظاهرات الجمعة التي تخرج بأعداد أكبر في حلب في مناطق سيف الدولة وحي صلاح الدين بشكل رئيسي وبين مظاهرات الجامعة، ولم أكن طالبًا فيها ولكن لديّ الكثير من الأصدقاء في الجامعة وكنت أجتمع في الساحات الخارجية في الجامعة ونحاول مساندة الأصدقاء هناك عندما نحصل على معلومات، وكان حمدي ناشطًا في هذا المجال بشكل شديد ولديه مجموعة من الأصدقاء هناك.
وبدأنا بمساعدة الناشطين بالتصوير ونحن كنا متقدّمين من الناحية الإعلامية كتنسيقية ولدينا معدّات كاملة وخرجنا من إدلب بخبرات جيدة وبتواصل قوي مع القنوات ومع غيرها، فبدأنا بنقل نشاطنا الإعلامي إلى مدينة حلب، وأنا عندما خرجت من إدلب معي كل المعدّات الإعلامية الكاميرات وكاميرات سرية للتصوير وغيرها بدأنا بتوزيعها [على] بعض الناشطين وتواصلنا مع بعضنا، وأيضا جلب معدات إضافية من تركيا لبعض الناشطين، وهنا أعتقد أننا ساهمنا بشكل ما بما حصل في حلب وكان مقرنا الرئيسي هو منزل مهند في منطقة شارع النيل وكنا نتواجد دائمًا هناك، وكان هو أشبه بمقر للتنسيقية وكان موجودًا فيه الشباب وكنا ننام هناك في ذلك الوقت بعيدًا عن العائلة وننطلق منه إلى التظاهرات ونعود ونرفع الفيديوهات التي صوّرناها من هناك وقمنا بأنشطة متعدّدة ونوعية في حلب، وأذكر [أننا] في عيد الفصح وزّعنا البيض وبداخله عبارات إسقاط النظام في المناطق المسيحية في المدينة، واستعملنا البخّ [على الجدران] بعد فترة من انقطاع البخ في إدلب وعدنا إلى البخ في شوارع حلب في أماكن معينة وعدنا لمحاولة البحث عن مخارج ومداخل لوجستية وتمويلية للشباب الموجودين هناك، وبدأت تصلني بعض الأموال من متبرعين ومن معارف لتمويل الأمور اللوجستية للثورة والإعلام بالتحديد، وبدأت هنا أخرج إلى تركيا حين وصل الشباب إلى ريف إدلب وقررنا أن نذهب إلى تركيا كان هناك خط واضح للتهريب والدخول لحلب.
عارف هو ابن خالتي أبو الجود الحلبي كان يسمّى، وكان أغلب من أعرفهم وفي حلب يختلف [الوضع] عن إدلب، كان لديهم أسماء وهمية أو ثورية في ذلك الوقت وكان هو بمثابة دليل لنا في حلب ولا نستطع التحرك في كل الأنشطة والتنسيق إلا من خلاله، وبعد ذلك تقدمنا إلى مجموعات وتعرّفنا إلى بعض الناشطين وكنا أكثر ثقة ومعروفين أنَّنا من إدلب وهاربين إلى حلب من الجيش، وكان هناك أزمة ثقة بين ناشطي الثورة في حلب بسبب الاختراقات العديدة في ذلك الوقت، وكنا نتحرك بأسمائنا المعروفة وكنت أدخل باسمي الشخصي إلى السكايب بينما كان كل ناشطي حلب غالبًا بأسماء وهمية.
وكان لدينا أفكار قد نُفّذت في إدلب سابقًا ونحاول إعادة تنفيذها في حلب بدءًا من نوعية التظاهر ومن شكل إخراج المظاهرة، ولكن طبيعة الوضع مختلف كان القمع أشدّ بكثير في حلب وكان الشبيحة وهي القبائل والعوائل التي كانت في حلب مختلفين ولم تمرّ علينا في إدلب على الإطلاق، والقمع والعنف الذي استُخدم في حلب هذا غريب علينا وحين شاهدت القمع والعنف في حلب بشكله الحقيقي في حلب كان في (يوجد) مجزرة صلاح الدين الأولى وكان ذلك في يوم الجمعة، كنت وأنا ومهند خرجنا للتظاهر وللمرة الأولى نخرج من مسجد يوم الجمعة في حلب وكنا نخرج عبر ساعات متأخرة في الليل أو مظاهرات طيّارة [تنسَّق] عبر السكايب أو في مناطق متعددة، أما مجزرة صلاح الدين فخرجنا هناك من مسجد وكان ذلك في شهر حزيران/ يونيو.
في البداية وأول مشهد واجهته للقمع الشديد في حلب كان في إحدى الجمع في حي صلاح الدين في 22/6/2011 بعد وصولنا بعدة أشهر بشهرين [أو] ثلاثة في حلب وكنا نتظاهر ولكن التظاهر يوم الجمعة أصعب بكثير من المظاهرات الطيّارة وكان المشهد الأول أني أرى أعداد متظاهرين كبيرة في المسجد وخرجنا من المسجد بعد الصلاة وبدأت التكبيرات وبالفعل تجمّعت أعداد كبيرة نزولًا من المسجد باتجاه الشارع الرئيسي في صلاح الدين واسمه شارع المقبرة فيه مقبرة وهو شارع طويل وله تفرّعات متوازية خمسة أو ستة شوارع تصل إلى الشارع العُلوي في صلاح الدين، وهذه الطرق الفرعية كبيرة وواسعة وطويلة ووصلنا من أحد الشوارع إلى الشارع السفلي في صلاح الدين قرب المقبرة وكان الشارع ممتلئًا بآلاف المتظاهرين وكنت أنا ومهند شامي ومع والدي وإخوتي وكان سويًا يدي بيد مهند وكان والدي وباقي إخوتي في أماكن ثانية من الصلاة والمسجد، وتقابلت مع الشهيد حسن سيد عيسى وهو قريب لي في حلب وقابلته في تلك المظاهرة وخلال لحظات بدأ إطلاق الرصاص، سمعنا أن هناك قوات أمن وقبل أقل من عشر دقائق لانطلاق المظاهرة وعندما وصلنا إلى أسفل الطريق بدأ إطلاق الرصاص وسمعنا أنه بدأ سقوط الشهداء وبدأت تتغيّر ملامح المظاهرة إلى تفرّق وإلى دماء وبعض الجرحى في الطريق، وأنا أخذت زاوية ومكانًا لأحتمي به أنا ومهند وكان معي كاميرا هاند كام أصورّ بها وفتحت الكاميرا وأنا في زاوية ولكن هول المشهد كان فظيعًا وأتت مدرّعة من الأمن وعلى ظهرها شخص من الأمن معه رشاش بي كي سي وهو رشاش ثقيل ومليء بالطلقات، وكان الوضع أشبه بحرب مع متظاهرين سلميين ولم يكن في حلب هناك أي وجود لقطعة سلاح في حلب ولم يكن هناك مقاومة مسلحة ولكن عنصر الأمن هذا كان يطلق الرصاص على المتظاهرين ويستمتع بسقوط العشرات من الشهداء، وصوّرت هذه اللحظة أنا ومهند وما زلت نادمًا على عدم احتفاظي بهذا المقطع بسبب ضياع الكرت (الحافظة) وأذكر تمامًا في ذهني هذا الشخص وهو يمسك بالرشاش ويطلق الرصاص على الشباب وسقط أمامي ما يقارب 40 إلى 50 شخصًا فقط في هذا الشارع في صلاح الدين بين شهداء وجرحى، وسقط عشرات آخرون في الشوارع الفرعية والأطراف، وكنت أنا من طرف والمقبرة من طرف آخر وبيننا شارع قد رُصد من قبل الرشاش وحاولنا أن ننقذ الجرحى، والشباب في المقبرة أقرب للمحاصرين وحاولنا إنقاذ الجرحى ولم نستطع وأن نشدّهم من طرفنا ونعيدهم لطرف المسجد ولكن الرشاش لم يتوقف ولا لحظة. بقينا عشر دقائق ونحن نحاول إنقاذ الجرحى ونرى الأمن والشبيحة وهم يطلقون الرصاص على كل من يتحرك في الشارع وبدأنا إنقاذ عدة جرحى وبدأنا نشعر بالخوف حين تقدمت هذه المدرعة التي كانت تتقدم ومعها قوات الأمن تطلق الرصاص تقدمت حتى وصلت إلى الشارع الأول من الشوارع الموازية التي تطل على الشارع الرئيسي ونحن بدأنا الهروب لأعلى باتجاه المسجد باتجاه شارع صلاح الدين العلوي الذي كنا فيه، وما كان يفعله تمامًا الرشاش هو تمشيط كل الشوارع الفرعية ويقترب من كل شارع ويفتح الرشاش على كل الناس، واختبأ الناس في بعض البيوت وخرج بعضهم إلى المسجد وتفرقت المظاهرة، واختبأت هنا لأكثر من سبع أو ثماني ساعات حتى استطعت الوصول إلى بيت أهلي أنا ومهند، وحاولنا رفع المواد التي صوّرناها في ذلك والفيديوهات ولكن كانت الصدمة كانت في أعداد الشهداء والجرحى وسقط أكثر من مئة شخص بين شهيد وجريح في تلك المجزرة وكانت صدمة جديدة لي تذكّرني بالمجازر التي حصلت في إدلب، وأنا شهدت ثلاث مجازر في إدلب ولكن كانت أعنف في حلب وكان الخوف من الاعتقال بعد المجزرة كان الهدف هو الوصول الآمن إلى البيت، وفي إدلب كنا نتوقع الموت ولكن نصل إلى أماكن آمنة نحتمي فيها ولكن في حلب كل المناطق غير آمنة بالنسبة لنا، وأي شخص من الجيران يمكن أن يبلّغ عنك وأن يتم اعتقالك في أي لحظة وكان الخوف شديدًا في ذلك الوقت ولا يوجد أماكن يسيطر عليها الثوار على عكس إدلب.
وهنا بدأت أتردّد إلى إدلب ومن بداية من الشهر الرابع خرجت أول مرة إلى تركيا، وكان هناك شخص من أطمة اسمه أبو عبد الله وهو سائق سرفيس (حافلة نقل صغيرة) قديم على خط إدلب حلب وعلى خط أطمة ومعروف لنا ولجميع الشباب وهو من عقربات ويقيم في أطمة، وهو كان المهرّب الرئيسي من حلب إلى عقربات إلى تركيا وكان يعرف الطرقات ويعرف كل الحواجز وكيف يصل من ريف حلب إلى الحدود التركية، وكان لدينا رحلة شبه أسبوعية من حلب إلى تركيا أنا وحمدي ومهند وملهم ومسلم ومؤمن أيضًا بدأنا التنقّل بين حلب وإدلب وتركيا وبدأت أنا بجلب المعدات أكثر من تركيا وكان لدينا في تركيا مقر للتنسيقية وملهم أول من استقبلني في تركيا في أنطاكيا وبدأنا ننزل إلى السوق ونشتري المعدات، وللمرة الأولى نشتري الكاميرات السرّية ونشتري بخاخات الرذاذ والتي نوزّعها للإناث تحديدًا لحماية أنفسهن من الاعتقال في المظاهرات، بدأت أجلب كميات كبيرة من هذه الأمور وأنزل إلى حلب وأوزّعها على الناشطين والمعارف، وكانت الطرقات خطرة وكنا في أمان بسبب وجود أبو عبد الله ومن يساعدنا في ذلك الوقت على العبور، واستمرّ في تلك المرحلة تنقلي بين حلب وريف إدلب وتركيا لفترة متعددة وعملي كان متنوعًا بين العمل الإعلامي ودعم الثوار من هذه الناحية والعمل الإغاثي الذي كان استمرّ معنا من إدلب لنبدأ تفعيله في تركيا وريف إدلب، وريف إدلب كان الانتقال إليه بسبب الكوارث الإنسانية التي حصلت هناك وبدأنا نسمع للمرة الأولى عن توافد نازحين من ريف حماة ومن اللطامنة والمناطق القريبة منها باتجاه مدينة أطمة، وهنا ما زال [معبر] باب الهوى مع النظام والوصول إلى أطمة كان صعبًا بالأصل وبدأت تتوافد أعداد النازحين وللمرة الأولى في أطمة كان هناك عشرون أو ثلاثون عائلة كانوا موجودين وباتوا تحت الشجر، وهذه الحادثة الأولى في سورية لإنشاء الخيم والمخيمات لتواجد نازحين، ينامون تحت الشجر هاربين من القصف و[يريدون] الوصول إلى منطقة آمنة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/09/07
الموضوع الرئیس
الحراك السلمي في حلبكود الشهادة
SMI/OH/71-09/
أجرى المقابلة
يوسف الموسى
مكان المقابلة
أنطاكيا
التصنيف
مدني
المجال الزمني
نيسان - حزيران 2012
updatedAt
2024/04/26
المنطقة الجغرافية
محافظة حلب-صلاح الدينمحافظة حلب-سيف الدولةمحافظة حلب-مدينة حلبمحافظة حلب-حي المحافظةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية