الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

العودة من العراق والمعاناة مع أجهزة أمن نظام الاسد

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:28:49:20

آخر الأمر صرنا في مدينة تكريت، ومثلما ذكرت كان هناك علي حسن مجيد بالإضافة إلى سيارة ثانية كانت معه، والسيارة التي كنا فيها، فوضعونا في بيت مساء فنمنا إلى الصباح، وعند الصباح علي حسن مجيد ذهب ولم نعلم إلى أين، لكن الضابط الذي كان معه قال لنا: إن هناك تحركًا لدبابات أمريكية قادمة إلى تكريت، ونريد أن نخرج لنواجهها أو نضربها، قلنا له: حسنًا. وقال: سأعود لآخذكم أو انتظروا أوامر أخرى، فهو لم يبق معنا، فنقلنا إلى أطراف المدينة وذهب وتركنا، كنا تقريبًا مجموعة[مؤلفة] فقط من 7 أو 8 شباب تقريبًا، ومعنا أسلحة فردية وعدد من أسلحة " آر بي جي".

وهي منطقة أحراش تقريبًا، لكنها لم تكن كثيفة كثيرًا، فالأحراش ليست بعيدة عن الطريق العام، كانت على عمق 50 مترًا فقط ليس أكثر، فكان موقعنا شبه مكشوف، لم يكن بإمكانك أن تلتجئ بشكل جيد أو تختبئ، لكننا فعلًا جلسنا هنا وكل منا أخذ موقعًا وكنا بانتظار دبابات يُفترض أنها قادمة.

 حتى ظهرت لنا طيارة "الأباتشي" ربما على بعد كيلو متر واحد تقريبًا في الجو، وكان هناك ضرب (قصف) يبدو أنها تضرب وتقصف مكانًا ما، ويوجد صوت قصف بعيد عنا قليلًا، بمعنى أن هناك شيئًا قد حصل وهو قريب منا، فجأة فوجئنا بشباب راكضين قادمين باتجاهنا، ربما كانا شابان أو 3 وأحدهما أُصيب في يده، وأذكر إلى الآن أننا شققنا قميصه ولففناها وقمنا بما يشبه إسعافات أولية مبدئية، وأخبرونا أنهم كانوا مجموعة مثلهم مثلنا ومن المفروض أنهم ينتظرون الدبابات الأمريكية وعملوا ما يشبه الكمين، لكن كما ذكرت المنطقة لم تكن مخبأة بشكل جيد، فكنا مضطرين أن نقعد قريبًا من الأوتوستراد؛ لأن الشجر ليس كثيرًا فموقعهم مكشوف، والظاهر أنه من إحدى السيارات التي تمر في الطريق جاءت إخبارية للأمريكان، فالأمريكان هاجموا المنطقة بشكل شرس ومباشر بعدد كبير من الآليات وبطيارة "الأباتشي"، وبحسب رواية الشاب الذي كان مصابًا والشخصين اللذين معه أنهم هم الوحيدون الذين نجوا من أصل حوالي 20 شخصًا، فاستُشهد كل الباقيين، فهنا عرفنا أن موقعنا مكشوف، وأن الوضع صعب فعلًا وغير هذا عدد الدبابات التي تحدث عنها الشاب فوجئنا به فنحن كنا نتوقع... حيث قالوا لنا: إن هناك دبابتين أو 3 قادمات، وبحسب رواية الشاب قال: إنه كان هناك أكثر من 50 آلية، فهنا المنطق والعقل يقول: إنها مثلًا جاءت 50 آلية ونحن كلنا لا نتجاوز 10 شباب مع أسلحة خفيفة، بالفعل [كانت مواجهتهم] مثل الذي يريد أن ينتحر فقط، فجلسنا مع بعضنا وقلنا: إنه انتهى الأمر يا أخي، ولسنا مؤهلين لنواجه هذه القوة، لأن المنطق يقول: ليس الأمر فقط أن أموت واُستشهد وأكون متأثرًا -هل فهمت ما أقصد- ففي النهاية لسنا كمن يبيعون أرواحهم، لكن في النهاية كل منا عنده بذرة بأنه يحب أن يشارك ويحب أن يجاهد ويحب أن يقدم.

وطبعًا حلّ المساء ولم ترجع السيارة لتأخذنا، فلم ترجع ولم تأت أوامر جديدة، ولم يأت أحد حتى ليتواصل معنا، فعندها وجدنا سيارة مدنية فأعادتنا إلى المدينة، وعندها نوينا إنهاء الأمر، فجلسنا فيها فترة، ولم يأت إلينا أحد، بمعنى أننا تُركنا بكل بساطة، فقررنا أن نرجع إلى سورية.

 طبعًا ربما تسأل قائلًا: إننا كنا عائدين إلى سورية في البداية فعدنا والتحقنا بمعسكر فلماذا التحقنا؟ ولماذا تركنا؟ من وجهة نظري وكشباب في تلك الفترة كنا كلنا نحاول أن نجاهد ونقاتل ونقاوم الأمريكان فهي ليست بالضرورة... ومع الأسف ارتبطت في الوقت الحالي كلمة الجهاد بالإرهاب أو مثلًا بالعقل الإقصائي المتخشب المتطرف إلى آخره، لا، ففكرة الجهاد فكرة أصيلة وهي في الأساس نابعة من الدفاع عن النفس، وموضوع الدفاع عن النفس هذا مشروع لكل الأمم والحضارات التي قامت، فلا يوجد قانون بشري يقول لك: ممنوع أن تدافع عن نفسك. وهذا أساس الجهاد، والدليل أننا عندما سنحت لنا فرصة لنرجع إلى معسكر لنقاتل الأمريكان انضممنا، وعندما وُضعنا في موقف لنقاتل أهل المدينة علمًا بأنهم من ملة مختلفة يمكننا أن نقول: إنهم شيعة. فعندها لم نقاتل؛ لأنه في الأساس كما ذكرت أنت ذاهب لتنصر إخوتك ولست ذاهبًا لتقاتلهم بغض النظر عن ملتهم ودينهم وعرقهم، فكانت الفكرة البسيطة أن الأمريكان عدو معتد مغتصب محتل وقتاله واجب، وصارت فرصة لنشارك فيها.

 طبعًا ربما هناك أشخاصًا عندهم فكر متطرف، ولاحقًا ساهموا في الانضمام أو في تشكيل تنظيم القاعدة في العراق، لكن -الحمد لله- نجونا منها ولم نكن من هذه الفئة، فعندما وُضعنا في موقف فيه القليل من القتال مع مدنيين أو قتال مع شيء خارج الخط كلنا تراجعنا ولم نقاتل.

 بالمختصر هنا عندما عرفنا أننا تُركنا بدون أحد من القادة أو بدون حتى أحد يهتم بنا، ففي النهاية نحن في بلد غريب، ففي الأصل المكان الذي كانوا قد وضعونا فيه في تكريت، لم نكن نعرف أن نرجع إليه أصلًا، البيت الذي وضعونا فيه لا نعرف أن نرجع إليه، فنحن غرباء عن المدينة لم نمض فيها إلا يومًا واحدًا، فهنا قررنا أن نرجع إلى سورية، فعلًا خرجنا أول الأمر سيرًا على الأقدام، وبعدها تقطيع (ركبنا بسيارة مارة) من تكريت، ذهبنا إلى سامراء، ولم يكن الجيش الأمريكي قد دخل إليها.

 كالعادة ذهبنا إلى سامراء، والتجأنا إلى الجامع الكبير ومن أشكالنا عرفونا هناك، في الحقيقة الجماعة احتفلوا بنا كالعادة وأمنوا لنا مكانًا لننام فيه وقدموا لنا العشاء وسهروا معنا وسامرونا -هؤلاء الشباب- حيث أمنوا لنا سيارات في اليوم الثاني حتى نخرج باتجاه سورية.

 طبعًا هنا وقتها اضطُررت أن ألبس جلابية وشماغًا، ليس من أجل شيء، لكن كان مثلًا موضوع البنطال الجينز في العراق ليس موجودًا على اعتبار أنه كان هناك حصار اقتصادي، ولم يكن عندها استيراد في تلك الفترة، ولم تكن تصنع شيئًا كهذا، فمجرد ارتدائي للبنطال الجينز أنا أو زميلي جعلهم يعرفون أننا سوريون أو مجاهدون عرب، فلبست جلابية وشماغًا وأمنوا لنا سيارات، فخرجنا في مجموعة وكل سيارة كانت تتسع لـ 5 اشخاص تقريبًا ( سيارة أجرة)، وانطلقنا من سامراء، طبعًا هناك طرق فرعية؛ لأن الأمريكان عندها احتلوا معظم المدن وصارت هناك نقاط تفتيش وغيرها وكذا، وأصبح وجودنا هناك في الأساس عبئًا، فبعد أن كنا قادمين لننصر إخوتنا، صرنا ملاحقين ونحتاج لمن يحمينا.

 فأخذونا إلى الفلوجة، ومن الفلوجة مباشرة أيضًا [ركبنا في] سيارة ثانية، وكانت كلها [تسير] ضمن طرق أحيانًا ترابية وغيرها إلى أن وصلنا إلى مدينة القائم التي دخلنا منها، وصلت وكانت معنا مجموعة من الشباب، والسيارة التي كنت أركب فيها... طبعًا المجموعة كان فيها شخص لبناني وشخص يمني وشخص أردني والباقي معظمهم سوريون.

 في النهاية أذكر أنني بقيت مع شخص أردني فدخلنا سوية، وفي وقتها وصلنا مساءً إلى الحدود، طبعًا لم ندخل من معبر نظامي فرجعنا كما دخلنا، حيث قطعنا حوالي 100 أو 200 متر مثلًا بجانب المعبر وتجاوزنا الساتر، ولم يكن هناك حرس أو أي شيء وصرنا ضمن الأراضي السورية، هذا الكلام ربما كان تقريبًا في 16 نيسان/ أبريل، فدخلت سورية مساءً وفي 17نيسان/ أبريل وصلت إلى بيتنا.

 طبعًا بعد أن دخلنا الأراضي السورية ظننا أننا دخلنا وخرجنا ولا أحد عنده علم بالأمر، ولكنه ليس كذلك، في الأساس الأمن كان قد سهّل خروج الناس وفي نفس الوقت كان مشرفًا على دخولهم، فلم يكونوا مثلًا يشددون [المراقبة] على الحدود؛ لأنهم يعلمون أن هذه الفترة فيها الكثير من الناس الذين يدخلون، لكن نحن بشكل أوتوماتيكي بعد أن دخلنا الحدود [قلنا في أنفسنا]: لماذا نمشي في الأراضي الزراعية؟! فمشينا في الطريق العام الذي يبلغ 5 كم ما بين الحدود والبوكمال، فكانت تخرج دورية أمن في سيارة "بيك أب" مدني، إلى الآن أذكر "بيك أب داتسون" القديمة، وكل شخص في الطريق يعلمون أنه قادم من العراق كانوا يعتقلونه.

 حتى إنهم في ذلك الوقت لم يتوقفوا على أنهم أمن [فقالوا]: إلى أين تذهبون يا شباب؟ [فقلنا]: إلى البوكمال. [فقالوا لنا:] تفضلوا. ليوصلونا، خرجت في وقتها أنا والأردني فوجدت هناك شبابًا جالسين، وتبين أن أحدهم سعودي والآخر يمني، وكنت السوري الوحيد بينهم، وفي الطريق كانا يتكلمان مع بعضهما، فسمعته يقول له: حاضر سيدي. عندها عرفت أنهم مخابرات، لكن في النهاية، حتى لو أنهم أمسكوا بنا الآن فهم يعرفون أننا ذهبنا إلى العراق مسبقًا، لكنني لم أكن أعرف ماذا سيحصل؟ وعندها أوقفونا عند نقطة قبل البوكمال؛ نقطة تابعة للأمن، نزلنا وحققوا معنا تحقيقًا خفيفًا، بصراحة لم نكن في موقع اتهام، كان فقط تحقيقًا بسيطًا حول الأحداث التي حدثت معنا والذي جنسيته ليست سورية احتفظوا به كي يسلموه للسفارة الخاصة به، فكان هذا الأردني معي وكنت أنوي أن أحضره معي إلى البيت فلم أستطع وبقي عندهم، وأخلو سبيلي بعد حوالي ساعتين أو 3 من التحقيق.

 كما ذكرت التحقيق لم يكن شديدًا، كانوا يسألون: ماذا حصل معك؟ وماذا كذا؟ لكن في الأساس كانت الفكرة أنهم يريدون أن يعرفوا الناس الذين خرجوا والذين رجعوا كي يصبح هؤلاء تحت المراقبة مستقبلًا.

 فهذا مثلًا لم أكن أحسب حسابه أو أعرفه؛ لأنه لم يعد لدي عمل سوى أن تسأل أفرع الأمن عني، وأن أذهب إليها وآتي بعد تلك الفترة (بعد حرب العراق) حتى قيام الثورة، في وقتها أطلقوا سبيلي في الليل، وذهبت إلى الكراج، وخرجت في باص (حافلة) إلى حلب، حتى إنني لم أخبر أهلي، وأهلي لا يعرفون عني شيئًا في الأصل منذ الوقت الذي ذهبت فيه إلى العراق، لكنني لم أخبرهم كي لا أقلقهم في الليل وأن أرجع بشكل مباشر.

 وفعلًا وصلت تقريبًا من حلب إلى الضيعة ( كفرنبل) عند الساعة الـ 7:00 أو 8:00 صباحًا -إلى الآن أذكر- فجئت إلى البيت وحزنت لحال أهلي فقد كانوا يعانون الأمرين، فالابن دائمًا لا يحسب (حساب أهله) يظن أنه يقوم بشيء جيد ويريد أن يضحي وكذا، ولكن حجم الضغوطات التي يسببها لأهله ليس قليلًا، ومع الأسف كنت طوال عمري كنت مجنّن أهلي (عنيد ومنهِك)، يعني لم تكن هناك أمور مثلًا -لا سمح الله- توطي الرأس [غير أخلاقية]، لكن دائمًا هناك أمور فيها مخاطرة، ولم أكن أرجع إليهم، فعانى الوالد كثيرًا مني وكذلك الوالدة، والشخص يشعر لاحقًا طبعًا عندما يصير عنده أولاد بمقدار العذاب الذي عانوه؛ فابنهم في دولة أخرى فيها حرب، وبغداد سقطت ولا يعرفون أي شيء عن أخباره.

 رجعت واحتفل بي أهلي وسررنا بالعودة، حتى إنني كنت آخر شخص يأتي من الذين خرجوا من كفرنبل إلى العراق، أما [بالنسبة للأشخاص] الذين رجعوا كنت آخر شخص من الذين رجعوا، عندها حاولت أن أرجع إلى المعهد وإلى دراستي بشكل طبيعي طبعًا بحكم غيابي عن المعهد هذه الفترة – كانت شهرًا تقريبًا- حُرمت من تقديم المواد بحكم قوانين المعهد ورسبت في السنة -لسنا في صدد الحديث عن ذلك- التي ضاعت في فترة الحرب.

 طبعًا أثناء وجودي في العراق لم يحدث أي احتكاك مباشر أو اتصال مثلًا مع أشخاص لنقل: إنهم من القاعدة، طبعًا السبب كان أنني لم أبق فترة طويلة، وكنت تقريبًا قبل سقوط بغداد بفترة بسيطة، وبعد سقوط بغداد بعدة أيام؛ لأن تنظيم القاعدة نشط لاحقًا أيام حرب العصابات والمقاومة بعد سقوط بغداد، فربما هناك أشخاص من المجاهدين العرب الذين لم يرجعوا كان من الطبيعي أن يكونوا قد انضموا إلى هذا التنظيم، فقد شاءت الأقدار والظروف ألا نجتمع معهم أساسًا، ولا أعرف أحدًا منهم، أو لم يحدث أي احتكاك أو أي شيء، يعني كل الذين التقيت بهم عبارة عن مدنيين من سورية ومن دول عربية متنوعة، وحتى بحكم تغيير الكثير من المناطق والتنقلات الكثيرة والأمور التي تحصل وأن هناك أشخاصًا يرجعون وأشخاصًا يذهبون كانت دائمًا المجموعة التي معي تتغير، لم يبق نفس الأشخاص معي من أول يوم حتى آخر يوم، فهناك الكثير من الناس مثلًا في أي مرحلة من المراحل يرجعون إلى سورية، وهناك أشخاص مثلًا ربما لا أعلم أين أصبحوا، ويوجد -كما قلت- شاب أُسر، التقيته مرة في الكوت، كان معي في الكوت عندما كنا في المدرسة المحاصرة عندما كنا بمفردنا، ولاحقًا رجع إلى سورية، لكن من طريق غير طريقي، فقد يسر الله لي أن أصل، وهو شاءت الأقدار أن يُؤسر، لكن في تلك الفترة لم يكن هناك وجود لتنظيم القاعدة في العراق، فهذا هو السبب حيث لم يكن هناك وجود حقيقي لتنظيم القاعدة في العراق؛ لأن الوجود الحقيقي بدأ لاحقًا في مرحلة مقاومة الاحتلال.

 هذه الفترة التي قضيناها في العراق ومثلما ذكرت الذي حصل في العراق لا يقارن لا من بعيد ولا من قريب بالذي حصل في سورية، فالذي حصل في العراق هو أنه حدث قصف على مناطق أو منشآت لها علاقة بالبنية التحتية للدولة بهدف إضعاف النظام العراقي وإسقاطه، وطبعًا في النهاية أهل العراق لم يقاتلوا، فالجيش العراقي كبير، أنا لم أر دبابة عراقية تسير في كل هذه الفترة، ربما قاتلوا في فترات أو في مناطق معينة، لكن يبدو أنه بعد معركة المطار عندما مالت الكفة بشكل كبير وظهر أن الجيش العراقي قد هُزم فإن كل شيء يمت إلى الحكومة وإلى الجيش بصلة وإلى آخره لبس مدنيًّا وأصبح لا علاقة له، ففعليًّا لا أريد أن أقول: العراق سُلم تسليمًا، لكن أهل العراق لم يقاتلوا، ومن الممكن أن السبب الرئيسي هو أن الذين قاتلوا من أهل العراق مع صدام كانوا من أنصار صدام نفسه، وموضوع أنصار الشخص نفسه عندما تتغير المصلحة قد يتركونه، فلهذا السبب القتال لم يكن لعدو خارجي وهذه بلادنا وإلى آخره، من الممكن أن هناك الكثير من الناس كانت عندهم رغبة في التغيير حتى ولو عن طريق الأمريكان، مختصر الكلام أن الديكتاتورية والاستبداد والظلم في النهاية من الطبيعي أن تؤدي إلى شيء كهذا، وفي النهاية كل الذي حصل كان طبيعيًا.

سورية طبعًا حالة مختلفة، سورية كانت ثورة شعبية ليس لها علاقة به، فربما حدث الآن تغيير في الحكم في العراق، لكن عن طريق احتلال خارجي استغله أشخاص من المعارضة واستلموا السلطة بإمكاننا أن نقول ذلك، [والوضع] في سورية مختلف، ففي سورية كانت ثورة شعبية، وكانت قرارًا مدنيًا من الشعب ليس له علاقة بأجندات ودول خارجية، طبعًا لاحقًا دخلت الدول وصارت هناك الألاعيب الدولية والمصالح، وصارت هناك أجندات معينة وصارت هناك تمايزات وتيارات إلى آخره، لكنني أتكلم عن البداية، فالبداية كانت من أصفى وأنقى ما يكون، كانت رد فعل شعبي صادق عن ظلم استمر لسنوات طويلة، وكانت ضرورة تاريخية سوف تحدث عاجلًا أم آجلًا [فبسبب] كثرة هذا الظلم والشدة والضغط فإنه في يوم من الأيام كان من الطبيعي أن ينفجر.

 كما ذكرت سابقًا أن الذي أخر قيام الثورة 10 سنوات على بشار الأسد هو أن بشار عند استلامه الكثير من الناس استبشروا خيرًا نوعًا ما، يقولون لك: "مهما يكن سيكون أحسن من أبيه المجرم وقد يكون هذا أفضل." فبعد 10 سنوات لم يتطور هناك شيء نحو الأفضل و[رأينا] سياسة والده نفسها تمامًا، بل أقبح منها، فعندها كان موضوع الثورة هو موضوع قادم عاجلًا أم آجلًا، وحتمًا إن الذي أشعل وجعل الجرأة أو الفتيل يشتعل هو ثورة تونس، وبعدها مصر واليمن وثورة الربيع العربي.

 طبعًا بعد رجوعي من العراق رجعت إلى حياتي الطبيعية ورجعت إلى جامعتي، لكن موضوع المراقبة الأمنية صار واضحًا وصريحًا 100%، فسابقًا ذكرت أنني في فترة من الفترات عندما كنت في الصف العاشر أو الحادي عشر التزمنا قليلًا في الجامعة أنا وزملائي وصارت عندي دراسات أمنية، لكن لا يوجد عنصر جاء إلى بيتنا، أما بعد قصة العراق فصار بشكل دوري وأوتوماتيكي هناك عنصر أمن من القرى المحيطة في كفرنبل حتى إنه صار يعرفنا ونعرفه، فقد كان يأتي الشخص نفسه، دائمًا كل فترة يمر بنا ويسألني عدة أسئلة، حتى إنه قبل أن يسألني يكون قد مر بالجيران في الحارة[فيقول]: ماذا يعمل أحمد؟ ما الذي حصل؟ بمعنى أنها دراسات أمنية متكررة، بالإضافة إلى أنه في كل فترة كان هناك استدعاء لنا -كل الذين ذهبوا إلى العراق- إلى فرع الأمن العسكري إما في معرة النعمان أو الفرع الرئيسي في إدلب؛ كانت شعبة الأمن العسكري في المعرة وفرع الأمن العسكري في إدلب، حتى أذكر أنه في مرة من المرات تم استدعاؤنا كلنا في وقتها إلى إدلب، وذلك بعد فترة جيدة حيث كنت لا أزال أدرس في تلك الأيام، بمعنى أنه قبل أن أذهب إلى الحدمة العسكرية، فذهبنا في ذلك الوقت ولم يكن هناك شيء، كان تحقيقًا عاديًا [وسألني]: ماذا تعمل الآن؟ وأسئلة أخرى، فالمعلومات كلها يعرفونها وهي في النهاية معلومات عادية، فهم في النهاية يهوّلون في موضوع الأمن و[يقولون]: الأمن يعرف... والأمن [في الحقيقة] لا يعرف كل شيء، فالأمن مثلًا -هكذا يقولون لك- يعرف من أين تشتري خضارك والكثير من الناس يرونك عندما تشتري خضارًا من هذا المحل فيعرفون أنك تشتري من هنا، يعني في النهاية لا يخبرك بمعلومات أنت تخفيها في الأصل، لكن دائمًا كان يُشعرك بأننا نحن نعرف كل شيء، نعرف من أين تشتري، وإلى أين تذهب، ومتى ترجع.

 لكن كان الهدف في وقتها من هذا الاستدعاء أن يكون درسًا في التوجيه السياسي، كان في وقتها العميد نوفل (العميد نوفل الحسين رئيس فرع الأمن العسكري في إدلب - المحرر) لا أتذكر كنيته، لكنه بقي رئيس فرع الأمن العسكري إلى قيام الثورة، فأعطانا محاضرة في الوطنية وحب الوطن وهذه القصص والكلام الفارغ الذي سمعناه كثيرًا واعتدنا عليه وإلى آخره.

 طبعًا أنا تكلمت عن فترة العسكرية، وأثناء فترة العسكرية حدثت معي مشكلات أخرى لها علاقة بفروع الأمن، لكن ليس لها علاقة بموضوع العراق، وعندها اكتشفت أن الفروع الأمنية لا تتواصل مع بعضها، بل تعمل بشكل مستقل، مثلًا: بكل بساطة لم يكونوا يعرفون أنني ذهبت إلى العراق، علمًا بأنني كنت في الجيش وقُدمت شكوى ضدي بسبب قضية أخرى لها علاقة بالصلاة وليس لها علاقة بموضوع العراق، فموضوع العراق لا يعرفون عنه شيئًا حتى عنصر الأمن الذي كان يأتي إلى بيتنا، وكل فترة يتصل أكثر من مرة ويسأل عني، ويعرف أنني عسكري فهل كان ينسى ما هو مطلوب منه دائمًا، لكنك لم تكن تحس أن هناك هذا التنسيق فلا يوجد شيء كهذا.

بعد خدمتي العسكرية حدث أكثر من موقف سبب لي تقريبًا في المراقبة الأمنية مشكلات، كان عندي صديق من قرية صغيرة بجانب القحطانية -القحطانية تابعة للحسكة منطقة رميلان- كان هذا الرجل قد درس معي في معهد التعويضات السنية، وكنا معا في الخدمة العسكرية، وكان قد افتتح مخبرًا، و كما تعلمون عن الدراسة عندنا فأنت تأخذ الشهادة، لكنك فعليًّا لا تستطيع أن تمارس المهنة أو لا تعرف [كيفية ممارستها]، وعليك أن تتعلم عند مخبري حتى تستطيع أن تفتح مخبرًا؛ لأن المعهد كان يعطيك شهادة فقط، لكن ليس بإمكانك أن تفتح مخبرًا، فحاولت في وقتها أن أعتمد على صديقي هذا على اعتبار أنه يعلمني وكان قد فتح مخبرًا، وذهبت وسكنت في القحطانية بجانب رميلان قرابة الشهرين.

 هذا الكلام في 2009 بعد أن سُرحت من الجيش، تلك المنطقة يوجد فيها القليل من التلون العرقي ففيها عرب وأكراد، وتعرفون الأحداث التي وقعت وتمرد الأكراد في 2004، حيث صاحبه الكثير من التبعات، فتلك المنطقة كانت نوعًا ما تشعر برعب كبير من موضوع الأمن وموضوع الجيش وهذه القصص، على اعتبار أن هناك فرقًا من الجيش من الفرقة الرابعة فمثلًا: الفوج 555 ذهب إلى تلك المنطقة، ودمّر، وعلى من قضى؟ وماذا عمل؟ ومن قتل؟ لا نعرف، فهناك جرائم حدثت وصار هناك تشديد أمني كبير، فصار هناك رعب أكثر من موضوع الأمن لدرجة أنه حتى الشرطي العادي؛ الشرطي الذي نحن نعتبره مدنيًّا ولا يُخيف كان في تلك المنطقة بمثابة رجل أمن، فتخيل كيف [هو حال] رجل الأمن الحقيقي؟! فكان الشرطي مثلًا وهذا أمر معروف أنه يدخل إلى المطعم يأكل ويشرب ولا يدفع فهذه هي العادة، ومن واجبهم أن يطعموه وهم ممتنون، تخيل ذلك! فعنصر الأمن كان يمثل لهم رعبًا حقيقيًّا، ومن حسن حظي أن الأمن دائمًا كان يسأل عني أينما ذهبت، فكانت الصدفة أنه بعد وجودي هناك بشهرين تقريبًا جاء عنصر من الأمن العسكري ليسأل عني عند أهل رفيقي الذي أقيم عنده، فتخيل مقدار الاستنفار في فترتها والرعب الذي أصابهم! فأنا بالنسبة لهم شخص غريب ورفيق ابنهم ومن المفترض أنني قادم لأتعلم تعويضات سنية، لكن أن يأتي عنصر أمن ليسأل عني فاعتقدوا أنني ابن لادن بصراحة في هذه الفترة، [وفي هذه الفترة بالذات] بعد عسكريتي أطلقت لحيتي، فلحيتي هذه أقدم من تنظيم القاعدة في بلاد الشام، يعني من بعد عام 2009 أطلقت لحيتي هذه ولم أحلقها، وحتى شعري كان طويلًا، فهذا هو شكلي منذ زمن وليس له علاقة... فالموضة الآن أنك أصبحت مثلًا عندما تطلق شعرك مع لحيتك ستبدو مهاجرًا وشيخًا وهذه القصص، فكان شكلي مع قدوم عنصر الأمن قد سبب رعبًا شديدًا للجماعة؛ فكيلا أسبب لهم مشكلات [قلت لهم:] أعطاكم الله العافية، وأنا سأذهب لأتعلم في مكان آخر، بارك الله فيكم واستروا ما رأيتم مني ورجعت.

 عندها باختصار قطعوا رزقي بكل بساطة لمجرد أنهم سألوا سؤالًا، فجئت بعدها وسألت قليلًا عن مخبر لأتعلم فيه، وكان عندي أصدقاء وهم طلاب جامعة في حمص، فسألوا عن مخبر من أجلي، وبالفعل كان هناك مخبر بحاجة إلى شخص يعمل فيه، وتعرفت على هذا الرجل، وكان الرجل من حلب ويسكن في حمص، حتى إنه جعلني أعمل عنده وقتها؛ لأنه كان متزوجًا وكانت أم زوجته من قريتنا؛ فكان يعرف أهل كفرنبل قليلًا، وعملت عنده لفترة وكنت أتعلم، فبعد فترة بسيطة عندما ارتاح لي وارتحت له صار هناك القليل من المعرفة أخبرته مسبقًا وقلت له: في أي لحظة قد يأتي عنصر أمن ويسألك عني لكيلا تتفاجأ فأنا قصتي 1 2 3 (شرحت له قصتي بالتفصيل)؛ ذهبت إلى العراق في الزمن الماضي ومنذ ذلك اليوم لم يتركوني، وأينما ذهبت يسألون عني، فإذا كان هذا الأمر يسبب لك مشكلة فسأترك المكان من الآن، وإذا لم تكن عندك مشكلة فتوكل على الله...

 وحتى إنني في وقتها تعمدت ألا أعطي معلومات لأهلي بحيث لا يستطيعون أن يعطوا معلومات لعنصر الأمن، فأخبرت أهلي بأني أعمل في مخبر في حمص فقط كانت هذه هي المعلومات لا أكثر، [فلم أخبرهم] عند من ولا في أي حارة ولا عن مكان سكني، فعندما اتصل عنصر الأمن أكثر من مرة بأهلي لم يأخذ منهم معلومات غير أن أحمد في حمص، ولك أن تتخيل كيف أنهم فعلًا عندهم عجز (الأمن)، فالأمن كان مثل بعبع يخيف الناس، لكن فعليًّا كانت قدراته محدودة، علمًا بأنه لو كان عندهم القليل من الداتا (البيانات) أو القليل من [الخبرة في] استخدام الحاسب... فالبيت الذي كنا قد استأجرناه كان عقده باسمي، والعقد تذهب منه نسخة إلى الأمن وبكل بساطة سيعرفون أين أسكن، لكن الجماعة يعملون هكذا ويعتمدون على إرعاب البشر وأن الشخص عندما يخاف منهم سوف يتكلم كل شيء ولا يخبئ شيئًا.

 وفي إحدى المرات اضطُر عنصر الأمن أن يتصل بي بشكل مباشر وهو طوال حياته لم يفعلها، وربما كان يوم جمعة وأنا في إجازة، وحتى إنه أيقظني من النوم، وفي تلك الأيام أن تتكلم مع عنصر أمن بنبرة عالية قليلًا يُعتبر أمر غير مسموح أو بالأحرى كان مرعبًا، بمعنى أنه إذا وضعك في ذهنه (قرر إيذاءك) فسيقضي عليك، لكنني في وقتها كنت بين صاح وغير صاح (غير مستفيق) فأيقظني الهاتف، إلى الآن أذكر الحوار الذي [دار] بيني وبينه، قال لي: مرحبًا يا أحمد، معك فلان من الأمن العسكري، ما اسم المخبري الذي تعمل عنده في حمص؟ بمعنى أنه يعرف أنني في حمص وأعمل في مخبر، وأي شخص يمكنه أن يعرف، فقلت له: والله كل عدة أيام أعمل عند شخص. قال: ما هو اسم آخر شخص؟ قلت له: لن أقول لك. قال: كيف؟! قلت له: لن أقول لك. وقلت له: ذهبت وعملت في القامشلي عدة أيام في القحطانية فذهبتم وسألتم عني فأخفتم الناس وقطعتم رزقي، لماذا تلحقون بي إلى هنا؟ وقلت له: إما أن تقول لي ماهي تهمتي وتضعني في السجن، أو إذا لم تكن عليّ تهمة فلماذا تسألني؟ قال: ألا يُسمح لنا أن نسأل كل الناس؟! قلت له: على عيني ورأسي (أتفهّم ذلك) أنت أمن تريد أن تسأل كل الناس، لكن أن تأتي وتسأل صاحب العلاقة؟! أنت بنفسك اعرف أين أقعد، وأين أعمل، فربما أكون كاذبًا يا أخي وأنا شخص كذاب فكيف ستعرف إذا كنت أكذب عليك مثلًا؟! قلت له: يا أخي، إما أن تخبرني ما هي تهمتي أو لا أحد [منكم يكلمني]. طبعًا تكلمت وندمت بعدها، يعني لو أن العنصر نفسه وضعني في ذهنه كنت سأُذل، لكن على اعتبار أن العنصر نفسه تعود علي، وظل فترات طويلة يروح ويجيء من القرى المحيطة، فأخذها بروح رياضية ولم يتكلم شيئًا.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2023/03/14

الموضوع الرئیس

الملاحقة الأمنية

كود الشهادة

SMI/OH/219-07/

رقم المقطع

07

أجرى المقابلة

إدريس  النايف

مكان المقابلة

اعزاز

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2003 - 2010

المنطقة الجغرافية

محافظة الرقة-القحطانيةمحافظة حمص-مدينة حمصمحافظة إدلب-كفر نبل

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

تنظيم القاعدة

تنظيم القاعدة

فرع الأمن العسكري في إدلب 271

فرع الأمن العسكري في إدلب 271

الشهادات المرتبطة