الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

إسعاف المصابين في مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:28:33

حتى عصر اليوم الأول كنا نعمل بقسم الإسعاف في الأسفل، وأُصيبت كوادر وأنا تعرضت [للإصابة] أيضًا، ولكن في النهاية كان ما يسيطر علينا هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه وألا نترك إثبات هذه الجريمة يفلت من أيدينا. ومع عصر اليوم الأول كان يوجد صالة في الأعلى، وكنا قد وضعنا فيها جثث الشهداء، وكانت بحدود 170 جثة، وفرزناهم: الأطفال والنساء والرجال، وكان أهالي الضحايا من الناجين يأتون ليتعرفوا على ضحاياهم لأخذهم للدفن، ولكن في النهاية بقت الكثير من الجثث حتى وقت العصر، ونحن لا نستطيع ترك الجثث لفترة طويلة فقد كنا في شهر آب/ أغسطس في الصيف. وكما فزع الناس للإسعاف كان هناك من فزع لحفر القبور، حتى حفر القبور أصبح له فزعة، حفر القبور التي تستوعب الأعداد الكبيرة من الشهداء. ثم لجأنا بعد ذلك إلى آلية التنظيم الإدارية، وكان الكادر الإداري من يتولى ذلك، حيث نضع للشهيد نضع رقمًا وصورة، وأي أمانات شخصية للمصاب يتم حفظها في كيس وعليها رقمه وصورته فعندما يأتي أهالي الشهداء يمكن لهم أن يتعرفوا على جثة الشهيد من الصورة، وفي حال تأخروا في الوصول إلى ما بعد الدفن، فنحن لا نستطيع ترك الجثث حيث لا يوجد تبريد ولا برادات وكانت الأعداد كبيرة، وهكذا: يتعرّفون على شهيدهم، وإما أن يأخذوه ويدفنوه أو إذا قمنا نحن بدفنه يأخذون أماناته، وهذا كان التنظيم الإداري للموضوع.

وكما قلت أن الناس فزعوا للإسعاف والنقل، وأنا نظرت إلى جثث الشهداء، وكان موقفًا لا أنساه، وصُدمت أولًا بأشخاص أعرفهم رأيتهم شهداء من الناشطين أو من الأشخاص الذين نعرفهم الله يرحمهم ويتقبلهم، ولكن يوجد شاب توقفت عنده ونظرت إليه مليًا فهو كان من بين المسعفين ليلة الضربة (الهجوم الكيميائي)، كان شابًا يبدو أنه رياضي، وكان يأتي ويذهب ويعمل بهمّة، وكان يسعف المصابين وفي الوقت نفسه يتحدث بحماس ويلقي الشعر والهتافات، وكان فعلًا ملفتًا للنظر، وكنا نقول: حماه الله، لم يكن مكترثًا بحماية [نفسه]، فهو لا يضع "ماسك" (قناعًا) وكل ما يهمّه أن يركض وينقذ ما يمكن إنقاذه، وأنا صُدمت وبكيت عندما رأيته جثةً وعلى جبينه رقم، فقد كان التماس والدخول إلى منطقة الإصابة والمادة السامة تنتقل، وهكذا كان بين الشهداء مسعفون، وهذا الموقف لا أنساه.

لمعت في ذهني فكرة عندما دخلت إلى الصالة، وللصراحة الموقف مضحك مبكٍ عندما رأيت هذه الجثث أمامي، الأطفال والنساء والرجال، كنت أقول في نفسي إنه مستحيل أن يكون كل هذا موتًا؟ كلا، إنهم نائمون، وباللاوعي دخلت ومعي ممرضة وممرض للقيام بما يجب، ولكن أقسم بالله أننا عندما دخلنا فكرت باللاوعي هؤلاء نائمون ويجب ألا نصدر أي صوت حتى لا نقلق نومهم، فترى الأطفال بشكلهم الملائكي وكأنهم نائمون نومًا جماعيًا، وكان موقفًا يضحك ويبكي، ودخلنا بهدوء وأخفضنا صوتنا ونحن لسنا مصدقين أن كل هؤلاء موتى! وقلت في وقتها إن أفضل طريقة لأخذ عينات تثبت [استخدام السلاح الكيميائي] هي أن نأخذ عينات دم من الشهداء من الوريد الفخذي، فكلفت ممرضة بأخذ العينات من جثث النساء الشهيدات وتوثيق الاسم والرقم، أو الرقم إذا لم يكن الاسم معروفًا، وأنا ومعي شاب نأخذ عينات من الأطفال والرجال، فقد كان يهمنا في وقتها ويسيطر علينا أن هذه الجريمة يجب ألا تفلت [من العقاب]، وخصوصاً أنه في وقتها كان كل العالم و"الخطوط الحمراء"،ونسمع من يقول "لن نسمح بحماة ثانية"، وخطوط أوباما الحمراء أنه إذا ثبت الكيماوي لن يفلت [مستخدمه] من العقاب، وكانت أولوياتنا حقوق الشهداء وحقوقنا كثورة وأنه يجب إثبات الجريمة ويجب [على مرتكبها] أن يدفع ثمنها. قمنا بجمع العينات وتسجيلها وحفظها في براد المشفى (مشفى الكهف)، وفي وقتها أي شخص يمتلك أي طريق تهريب عبر البادية أو غيرها كان يهمنا أن نمرّر هذه العينات لتذهب باتجاه تركيا أو الأردن فقط لإثبات هذه الجريمة.

مع عصر هذا اليوم وهذا الواقع بدأت تأتي الاتصالات بالغوطة من قبل ناشطين سوريين يعملون في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وناشطين حقوقيين، ولجنة التحقيق الدولية (فريق التحقيق الأممي بشأن استعمال الأسلحة الكيميائية في سورية) التي جاءت لتستقصي استخدام النظام السارين في خان العسل وكانت موجودة في دمشق، وعبر هذه الاتصالات حدث اتصال بيني وبينها، ويوجد في اللجنة أشخاص يتكلمون اللغة الإنكليزية وشخص جزائري وشخص مصري، وكانت زحمة الاتصالات التي تردنا [تصل] إلى درجة أنه بدأنا نشعر أننا بحاجة للتركيز، ويهمنا أن يتم التوثيق. وأذكر أول حديث عبر السكايب مع شخص من اللجنة، وقلت له: هذا هو الوضع لدينا، والإصابات كثيرة، وهناك الكثير من الشهداء، وإمكاناتنا [قليلة]، وأخذنا عينات دم وشعر وبول وملابس، فقال لي: البروتوكول هو أن تلبسوا البدلة الواقية تحت عدسة الفيديو لأجل التوثيق، ثم تأخذ العينات وتجهز "كونتينر" (حاوية متنقلة) واحد و"كونتينر" اثنان، أحدهما للدم والآخر للبول، وفي وقتها لم أتمالك أعصابي ونفرت وقلت له: كل هذا الكلام ليس موجودًا لدي، فأنا ليس لدي أكثر من "ماسك"و"جاون" عمليات (لباس طبي معقم وعازل) ليس لدي، وحضرتك تبعد عني 6 كم وأنت من الأمم المتحدة، فلتركب سيارتك وتعال إلى هنا. كنت أتحدث معهم بهذه الطريقة: فلتركبوا سيارتكم وتقوموا أنتم بهذا العمل، وهل تريد مني وأنا في يوم كيوم القيامة أن آتي بكاميرا فيديو وبدلة واقية؟ ليس لدي بدلة واقية، وليس لدي الوقت للفيديو الذي تريده. وهكذا كان أول حديث بيننا وبينهم.

كانت شبكة التواصلات تعمل على كل المحاور: الطبي والحقوقي والإعلامي، وبالتوازي مع هذا الحدث أصبحت حركة اتصالات وتواصل ما بين الغوطة والخارج بشكل كبير، ونتيجة هذه التواصلات بدأنا نشعر أنه من الممكن [لفريق التحقيق الأممي] أن يأتي، هذا من جهة، ونحن أمامنا عملنا الذي يجب أن نقوم به. وهنا اجتمعنا وأصدرنا البيان رقم واحد من المكتب الطبي (المكتب الطبي الثوري الموحد)، وأذكر أن عدد الشهداء الذي وصل من النقاط والمشافي بحدود 900 [شخص]، وفي اليوم التالي أصدرنا البيان رقم 2 وكانت الأرقام التي تتوارد في ارتفاع، ففي مكان الضربة (الهجوم الكيميائي) أُسعف ما يمكن إسعافه، ولكن وجب علينا فتح كل البيوت حيث يمكن أن يوجد وراء كل باب بيت جثث وأشخاص يختنقون.

كانت الفكرة [من البيان] توضيح حجم هذه الكارثة، ودعوة العالم إلى تحمل مسؤولياته وكنا قد صدّقنا أن العالم فعلًا لديه خطوط حمراء وزرقاء وبنفسجية، وفي الوقت نفسه هؤلاء هم شهداؤنا وناسنا وأهلنا وأبناء الثورة السورية، وهم ضريبة ثورة لذلك كان لدينا أكثر من هاجس يجعلنا نتشبث بإثبات الجريمة وأنه يجب ألا تموت وتُطمر، وعلى كل العالم أن يسمع بها.

طبعا نحن نتكلم في ما يتعلق بنا (بالجانب الطبي)، ولكن أيضاً الإعلاميون قاموا بعملهم، وصدرت سلسلة بيانات من الجميع، ولكن كوننا نحن الجانب الطبي هو الجانب المعني بهذا الموضوع أصدرنا في وقتها تلك البيانات، وبعد ذلك أصدرنا بيانًا مصورًا بمثابة مؤتمر، وتلاه طبيب من دوما وبعد ذلك كان هو من جماعة المصالحة للأسف وهو من الذين ساهموا بإخفاء كيماوي 2018 في دوما.

وهنا بدأنا نجمع أعداد المصابين، وبنتيجة فلترة أعداد الشهداء والمصابين والشهداء الذين سقطوا مباشرةً في مكان الضربة والشهداء الذين سقطوا بسبب شدة الإصابة وكون العلاج غير كافٍ بالنسبة لهم، وبدأت الأرقام ترتفع وتتجاوز الـ 1000و1200 و1300 و1400، وهنا أعداد الإصابات التي وردت كانت بحدود الـ 10 آلاف إصابة، ونحن في النهاية لدينا 10 آلاف مصاب من بينهم 1500 شهيد وأكثر.

في ما يتعلق بتوثيق الجريمة بدأت الاتصالات بيننا وبين لجنة التحقيق، وبدأنا [نتساءل]: في حال جاءت اللجنة إلى الغوطة ماذا سيحدث؟ وفي وقتها وبخصوص الفصائل الموجودة في منطقة قطاع زملكا والغوطة كان يوجد المجلس العسكري الثوري، وبدأ الكلام حينها أنه إذا أردنا إرسال لجنة التحقيق للدخول إلى الغوطة لن تدخل عبر مناطق فيها إسلاميون أو مسميات إسلامية حيث كان هنا لواء الإسلام وهناك (...). وفي وقتها ذهبت والتقيت بقائد المجلس العسكري الثوري عبد الناصر شمير، وقلت له: نحن كمكتب طبي هذه هي بياناتنا وهذه نتيجة تواصلاتنا مع اللجنة، وقال: أنا أيضاً يوجد أشخاص يتواصلون معي، فقلت له: أصدر بيانًا باسم المجلس العسكري الثوري [وأنت] ضابط، وهذا يعطي ضمانة للجنة أنكم أنتم لا تدخلون لمناطق مثلما يصورها النظام لكم أنه هناك فصائل إسلامية، وكان النظام قد صور للجنة أن الغوطة مثل قندهار. وهنا وعلى مدى 4 أو 5 أيام بدأ ترتيب بروتوكول الزيارة، وأصدر في وقتها [المجلس العسكري الثوري في دمشق وريفها] بيانًا كان مضمونه أننا نحن المجلس العسكري الثوري مستعدون لأن نضمن حماية وأمن دخول اللجنة، ومستعدون لأن نقدم التسهيلات (...)، كان كلامًا بهذا المعنى، وهم (أعضاء لجنة التحقيق) كانوا يريدون من جهة عسكرية غير مصنفة إرهابية أو متطرفة أو إسلامية أن تصدر بيانًا أنها مستعدة [للحماية]، وهي الجهة التي كانت قائمة حتى في منطقة الحدث، ومن جهة ثانية أن تُقدّم كل التسهيلات التي تطلبها اللجنة، فقد تبيّن لنا بعد ذلك أنه كان لديهم مخاوف، وحدثت بيننا وبينهم أحاديث شخصية أثناء [الزيارة] وفهمنا منهم بعد ذلك كيف كانوا يفكرون خلال فترة الاتصال بيننا الذي بدأ متوترًا وبعدها بدأنا نصل إلى طريقة وآلية بخصوص كيفية الدخول وتوثيق الجريمة.

صدر بيان المجلس العسكري [الثوري]، وبدأ تحديد الجوانب الفنية، وليلة دخولهم كانوا قد زاروا المعضمية (معجمية الشام)، ففي يوم ضربة الغوطة كانت هناك أيضاً ضربة في المعضمية في الوقت نفسه في 21 آب/ أغسطس، فهذه اللجنة ذهبت إلى المعضمية قبل أن تأتي إلى الغوطة بيوم. وليلة الدخول تكلمت معهم في اللمسات الأخيرة للبروتوكول بيننا وبينهم، وأنهم سيدخلون عبر طريق المليحة، فقال لي (أحد أعضاء اللجنة): في البداية نحن لا نريد أن نرى الزحمة، فيبدو أنه في المعضمية كان يوجد فوضى أو لم يتوفقوا أو لا نعرف ما هي ظروفهم بخصوص تسهيل زيارة اللجنة والتوثيق ومقابلة الإصابات ومعاينتها، فتكلم لي عن هذا الأمر، واتفقنا على التالي، وأنا أذكر خطوات البروتوكول: أولًا المكان الذي سوف تأتي إليه اللجنة يجب أن يكون مجهزًا من أربع غرف، واحدة منها للمعاينة وأخرى لأخذ العينات، ونحن نكون قد أنشأنا أماكن نخلي إليها الإصابات كل 5 أشخاص مع بعضهم، بحيث أننا رتبنا شروط المكان الذي ستأتي إليه اللجنة لمقابلة المصابين، والمكان الاحتياطي الذي سنجمع فيه المصابين بحيث تذهب دفعة وتأتي دفعة ويكون قريبًا، وكل هذه التفاصيل اتفقنا على ترتيباتها.

آخر حديث دار مساءً، قال لي: أنا غداً قادم، وسأطلب صخر (صخر الدمشقي وهو الاسم المستعار لسليم نمور –المحرر) فقد كنت أتحدث معه باسم صخر، ونذهب لرؤية المكان، وإذا كان مطابقًا للاتفاق بيننا تنزل اللجنة من السيارة، وإذا كان غير مطابق لن أدعهم ينزلون وسوف نعود. فكان هذا الكلام بالنسبة لي بمثابة التحدي أنه يجب أن نكون على قدر المسؤولية، والحقيقة أقول إننا نجحنا بشكل جماعي لأنني لا أحب أن أظهر بمظهر الأبطال الخارقين، وربما في وقتها أنا كنت على رأس الفريق، ولكن في الحقيقة كنا قد عملنا بجهد جماعي بترتيب المكان حتى إنه قبل ذلك قلنا لقائد المجلس العسكري إنني أريد أن أرى المناطق، فغداً سوف تأتي اللجنة وستطلب مني الذهاب إلى مواقع السقوط (سقوط السلاح الكيميائي)، فقال: دعوا الدكتور يذهب ويرى، وكانوا قد وضعوا طوقًا أمنيًا على الأبنية، حيث تم إخلاء المصابين أو الشهداء منها وبقيت بيوتهم، فكان هناك طوق أمني لأجل منع السرقة وحفظ الممتلكات. ذهبنا إلى المنطقة الأكثر تضرراً، وفي الحقيقة كانت مشاهد مؤلمة رغم أنني رأيت المشاهد المؤلمة في المشفى (مشفى الكهف) وفي الدفن، ورأيت المشاهد المؤلمة عندما يقول الأهالي:الحمد لله وجدناه، [وأقول في بالي:] الحمد لله على ماذا؟ فهم يجدون الجثة، وفي وقتها ولأن الإخلاء تمّ إلى عدة مناطق، أصبح أهالي الضحايا يحمدون الله عندما يجدون شهيدهم وأنه على الأقل لم يتم دفنه حتى يتسنى لهم دفنه. كانت مواقف (...)، وتلك الأيام عندما أعود إلى تفاصيلها فهي فعلًا كانت مبكية للصخر وأنا اسمي صخر.

جانب الدفن لم أحضره، فقد كان هناك فريق آخر من المجلس المحلي، [وحالة] الفزعة لدى الناس، ولكن عرفت كيف حُفرت القبور وكيف صُفّت الجثث، وحُفر القبر الكبير وصُفّت الجثث، وكل شهيد هناك رقمه وصورته أو اسمه، وبهذه الطريقة عاشت الغوطة يومًا مأساويًا.

أريد العودة إلى زيارتي، دخلت إلى بناء ودخلت إلى أحد البيوت، تشعر أنه في كل بيت يوجد قصة للحظة الانتقال إلى الموت، وكيف كانت، وكأنك تشاهد فيلم توقف في هذه اللقطة، وأنا حينها لم أستطع أن أحبس دموعي من هول ما رأيته رغم أنني لم أرَ بشرًا، ولكنني رأيت آثارهم ولحظات توقف الحياة. ففي أحد البيوت تجد طاولة وعليها كان هناك شخص يأكل، فتجد أن نصف صحن الطعام قد أكله، ولكنه لم يكمل النصف الآخر، وفي بيت آخر تجد أنه هنا كانوا جالسين يشربون الشاي والأكواب موجودة، وهناك من أنهى كوب الشاي وآخر يوجد في كوبه النصف، وفي بيت آخر تجد في غرفة النوم من اختنق وهو نائم وقد رمى جوّاله بعشوائية من دخل لينام، ومازالت موجودة على الشرشف والوسادة آثار المفرزات والقيء بسبب الاختناق، وهكذا ترى مشاهد اللحظة التي توقفت فيها حياة شخص على هذا السرير، وفي لحظة أخرى توقفت حياة شخص على هذه الطاولة. في أحد البيوت كانوا يربون طيور البلبل والكنار، ويوجد لديهم ثلاثة أربعة أقفاص فوق بعضهم يوجد فيها بلابل وجميعهم ميتون ومختنقون وقد فردوا أجنحتهم. ففي هذه اللحظة أحدهم لم يتمكن من إكمال صحنه، والآخر لم يكمل كوب الشاي، وهذا العصفور (...)، وأنت هنا لا ترى الموت، ولكن ترى لحظة الموت في ذلك البيت وذاك البيت. وفي وقتها كان لدينا حرص أنه يجب على [اللجنة] الدخول إلى البيوت ومشاهدة هذه [التفاصيل]، وأنا أذكر أنني أخذت أحد الأقفاص كعينة، وبعد ذلك أعدته حتى تأتي اللجنة وتشاهد هذا المنظر، وأنا أريدهم أن يعيشوا الانطباع الذي عشته.

هنا أصبحنا نقول إننا أمام ملف وطني، ويجب علينا بكل الوسائل ألا نسمح للمجرم أن يفلت من العقاب، وألا ندع اللجنة تتراخى في عملها. وفي فترة ما بين 21 آب/ أغسطس وبين قدوم اللجنة أذكر أنه كان يوجد ظاهرة كنت أنزعج منها، وهي أنه في المناطق التي سقط فيها غلاف عبوة من القذائف يقوم أحد الأشخاص بالبحث عن الدكتور صخر (عني) ليعطيني هذا الغلاف لحين زيارة اللجنة، [وكنت أقول]: "عليك تركه في مكانه"، والحمد لله أنهم استطاعوا أن يتركوا بعضها (أغلفة القذائف) في مكانها [لتبيان] طريقة سقوطها والحفرة التي تسببت بها أو مكان انغراسها، فهذا يجب أن نحافظ عليه في مكانه، ولكن في وقتها كان جميع الناس قد صدّقوا "العالم الحر" من جهة، وأدركوا حجم الجريمة وضرورة عدم ترك أي خيط يفلت من إثبات هذه الجريمة، وكان الجميع يعمل بهذه الطريقة.

صباح وصول اللجنة في اليوم السادس [بعد الهجوم الكيميائي]، أعتقد في 27 أو 28 آب/ أغسطس (زار فريق التحقيق الأممي بشأن استعمال الأسلحة الكيميائية في سورية الغوطة الشرقية في 28 آب/ أغسطس 2013 -المحرر)، وصل موكب سيارات الـ UN (الأمم المتحدة) إلى جانب النقطة التي قمنا بتجهيزها حتى تتم فيها معاينة ومقابلة المصابين، [ومن داخل السيارة] مدّ رأسه [أحد أعضاء الفريق] وسألني: "أنت الدكتور صخر؟" فقلت له: "تفضل"، ونزل من السيارة وأرسل مسؤولي الأمن ليتفقّدوا المكان، وخرجوا وقالوا: حسناً، وقلت: الحمد لله حيث وجدوا أننا [جهّزنا الأوضاع] حسب البروتوكول، وفعلاً نزلت اللجنة. وهناك جانب من التنظيم حرصنا من خلاله أن نُظهر (...)، فمن خلال الاتصالات مع الغوطة وترتيبات دخول اللجنة تولدت لدينا القناعة أن هذه اللجنة تعتقد أنها آتية إلى قندهار أو تورا بورا، وأعتقد أن النظام أو الإعلام غرس في أذهانهم هذه الفكرة، ونحن حرصنا أن نريهم أن الغوطة ليست هكذا وأن الغوطة يوجد فيها عمل مدني ومؤسسات مدنية، لذلك حرصنا على تولّي الجانب الطبي، وأن تكون شرطة الغوطة هي الموجودة للحماية، والفصيل العسكري والمجلس العسكري دوره تأمين الحماية، ولكن ضمن المكان كانت الشرطة. والجولة التي كانوا يريدون القيام بها إلى مناطق السقوط (سقوط السلاح الكيميائي)، وزيارتهم حتى لمقبرة الشهداء، فكانت هذه مهمة المجلس المحلي [في زملكا – الشاهد].

 وبعد ذلك وأثناء عملنا ومقابلات الشهود والترجمة والترتيبات وأخذ العينات، كانت تدور حوارات جانبية، وكنت مرتاحًا ومسرورًا عندما سمعت منهم (من اللجنة) أن فكرتهم عن الغوطة كانت فعلاً وكأنهم ذاهبون إلى تورا بورا أو قندهار، فوجدوا أنه لا، هي مجتمع ثائر ولكن منظّم، ويوجد حياة مدنية كما أنه يوجد فصائل، والوجه الذي رأوه في المجلس العسكري هو وجه الجيش الحر وليس وجه الإرهاب أو القاعدة كما يروّج النظام، وشاهدوا أيضًا أن للشرطة لباسها وللمكتب الطبي لباسه، وفي وقتها كان لديهم شرط أنهم لا يريدون إعلاميين ليلة دخولهم، وذلك من وحي ما رأوه في المعضمية وأعتقد أنه كان يوجد زحمة إعلاميين. وأذكر يومها نصحني أحد الناشطين الذين يعملون بملف توثيق الكيماوي عبر السكايب وحتى من اللجنة حيث قال أنه إذا رأى 10 حالات تثبت [استخدام السلاح الكيميائي] أفضل من أن يرى 30 حالة 20 منها تثبت و10 لا تثبت،ونحن فعلاً كان لدينا هذا الهاجس. وعندما حضّرنا طريقة نقل المصابين، أولًا كان قرارنا وحددنا الإصابات الأشد والتي لازالت قيد العلاج في المشافي والتي تعرضت بشكل شديد [للمواد الكيميائية]. وكان هناك حالات مازالت في العناية المشددة وعلى "المنفسة" (جهاز التنفس الصناعي)، ورتبنا طريقة إما لذهاب اللجنة ورؤيتهم في العناية المشددة أو أن نأتي بالمريض مع منفسة محمولة لتراه اللجنة وتقابله، وفي هذه القصة كان لدينا حرص والحمد لله من الناحية الفنية وترتيب البروتوكول.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/26

الموضوع الرئیس

واقع الغوطة الشرقية عام 2013مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية

كود الشهادة

SMI/OH/52-23/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

21-28 آب/ أغسطس 2013

updatedAt

2024/09/11

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

البعثة الفنية المستقلة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية

البعثة الفنية المستقلة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

المجلس المحلي في مدينة زملكا

المجلس المحلي في مدينة زملكا

المجلس العسكري الثوري لدمشق وريفها

المجلس العسكري الثوري لدمشق وريفها

الأمانة العامة - الأمم المتحدة

الأمانة العامة - الأمم المتحدة

الشهادات المرتبطة