تأسيس شعبة الصحة وواقع دعم القطاع الطبي في الغوطة الشرقية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:17:15
بعد أن تجاوزنا موضوع تقديم الاستقالات والتداول وقدوم إدارات جديدة، الأمر الذي كنا نعتبره شكلًا من أشكال التطور الطبيعي في مجتمع كان مكبوتًا ثم خرج إلى الحرية، وأنا كنت أقرؤه في هذا الإطار، رغم أنه كان يضطرني إلى خوض صراعات، ولكننا كنا نعتبر أن تلك هي اللعبة الديمقراطية وعلينا أن نعيشها، والتجربة الديمقراطية في النهاية طالما فيها احتكام للانتخاب فلديها القدرة على تصحيح نفسها بنفسها، وأنا تلك هي قناعاتي التي كانت ثابتة والتي جعلتني أخطو خطوات القرارات الجريئة بأن أتخلى [عن الموقع]. صحيحٌ أنني بمثابة الأب وأنا المؤسس، وعندما أسست شيئًا اعتبرته جزءاً مني، ولكنه ليس ملكي، فالفكرة أن يكون دورنا دور المؤسس في مجلس محلي ومشفى ومكتب طبي، وفي الوقت نفسه نأخذ دور الأب الذي أسس أسرة، ولكنه في النهاية لا يستمر في حكم علاقات أبنائه وبناته بكل تفاصيلها، ويبقى للمؤسس الدور الأبوي بينما التجربة يجب أن يعيشها أناسها. وأنا لم أؤسس شيئًا خاصًا بي، وهو ليس ملكًا شخصيًا، فهذا ما أؤمن به، كما أؤمن بأمر آخر شجعني على تلك القرارات، وهو أن دورك لا تأخذه من ورقة وقلم وختم، وإنما تأخذه من المنطق والمصداقية، الأمر الذي يمكن أن يمنحك دورًا قياديًا لكن دون أن يسميك أحد.
بعد أن خرجنا من المجلس (المجلس المحلي - المحرر) ومن المشفى (مشفى الكهف - المحرر) ومن المكتب الطبي (المكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر)، وكل [كيان من تلك الكيانات] خاض تجربته، وفي بعضها عدنا بقوة، وفي البعض [الآخر] استطعنا أن نسقط منهجيات خاطئة، كان هناك ترشيح أسماء لتشكيل شعبة مديرية الصحة في الغوطة، وكانت قد ظهرت فكرة الحكومة المؤقتة ومديريات الصحة، كما ظهرت فكرة المحافظة وانتخابات مجلس المحافظة. وفي هيكلية إدارة المناطق المحررة يوجد شيء اسمه مديرية الصحة، وكانت الفكرة كما شرحها لي مدير صحة ريف دمشق حينها الدكتور يزن خليل وهو اسمه الحركي، واسمه الحقيقي فايز كربوج [وهو] من المعضمية (معضمية الشام - المحرر)، وقال لي: "لقد تمّ اعتماد اسمك لتأسيس شعبة الصحة في الغوطة الشرقية"، وأنا من جهة كنت سعيدًا بأن تلاحقني مهمة التأسيس في كل شيء، وعندما أخرج من المشهد يكون هناك شيء آخر بحاجة إلى تأسيس، وأجد نفسي فيه، فمن تأسيس مجلس مدني إلى تأسيس مشفى ثم تأسيس مكتب طبي، والآن أصبح مناطًا بي تأسيس شعبة مديرية الصحة. وهنا يجب أن أكوّن فريق عمل، فراعيتُ أولًا في تكوينه أن يكون من مناطق الغوطة ومتوازنًا مناطقيًا، حيث لا يُحسب لمنطقة دون أخرى أو تتغيب أي منطقة، والأمر الثاني أنني عندما كنت مؤسسًا ومنتخبًا في المكتب الطبي وفي المجلس وفي الإدارة لم أكن ألجأ إلى السلطة والقرار السلطوي، وإنما كنت ألجأ إلى الدور القيادي الذي يمنحه المنطق والمصداقية، فأنت تضع الخيار وتقنع الآخرين بمصداقية و[بالتالي] من الممكن أن يأخذوا به، ومن الممكن أن نتجادل ونتناقش ولكن في النهاية نصل إلى قرار نمشي به، وكنت مؤمنًا أمام دعوات بعض فريق العمل [التي تقول] "إننا مديرية ويجب أن نصدر قرارات ونمنع وننهى"، وكان ردي: "لا"، وكنت حريصًا على ألا أمارس دورًا سلطويًا في المديرية لأن أي دور سلطوي سيواجَه بقبول من البعض ورفض من البعض الآخر، وبالتالي ندخل في إشكاليات: "من يمثل، ومن صاحب الكلمة الأولى أو الكلمة الأخيرة، ومن صاحب التوقيع الأخير؟"، وهذا الأمر بمجمله لا أريد الدخول به، وأنا إذا استطعت أن أضع رؤيتي وقناعتي في العمل الطبي مع الآخرين ونمشي بها بشكل جماعي أعتبر نفسي قد نجحت دون أن أضعها بصيغة: "قرر أو أصدر أمرًا"، هذا هو المنطق.
مع بداية تشكيل المديرية كان يوجد في المكتب الطبي الموحد إدارة أخرى، ونحن كنا قد تركنا المكتب الطبي وتركنا فيه المشاريع الرئيسية المركزية التي أسسناها منذ العام 2013، وهي المستودع المركزي ومنظومة الإسعاف المركزي، وكنا نضيف إليهما الأمر الذي نفاخر بإنجازاتنا فيه، وهو أننا استطعنا أن نوثق جريمة الكيماوي (مجزرة الهجوم الكيميائي في الغوطة الشرقية بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2013 - المحرر) ولم نتركها تفلت، ونجحنا في توثيقها، هكذا كنا نعتبر. والآن في المديرية أصبح لدينا صيغة الجهة الرسمية وجهة المجتمع المدني، ولا يمكن للمديرية أن تحلّ محلّ المكتب الطبي ولا يمكن للمكتب الطبي أن يأخذ الصفة الرسمية والصفة الأهلية سويةً فنستنسخ بذلك التجارب التي تمردنا عليها وخرجنا لأجل ذلك في الثورة، وكنا نسعى لخلق شكل من أشكال التفاهم ليصبح عملنا تكامليًا. وفي الحقيقة كان البعض في المكتب الطبي يتحدثون بنفس المنطق، وأنه عندما يكون هناك أي موقف، سواءٌ في العمل أو إزاء جهة مانحة أو داعمة للعمل الطبي أو إزاء خطاب نتلقاه أو نودّ توجيهه، وعندما نكون أمام الطرف الآخر الذي يريد جهة رسمية فالمديرية قائمة وهي التي تتصدى لهذا الموضوع، وعندما يكون الطرف الآخر في الغوطة منظمة مجتمع أهلي فنقول: "تفضلوا لديكم المكتب الطبي"، وقلنا هكذا ننجز توليفة التكامل. وطبعًا ما يجعلنا ننطلق من هذا الكلام أننا أمام واقع أزمة خانقة وحصار من جهة، وحالة حرب من جهة [أخرى]، وكذلك متطلبات الأعباء السكانية لأكثر من نصف مليون أو 600-700 ألف نسمة، فنحن بحاجة إلى أن نبتدع الحلول التي نستطيع أن نتغلب بها على عقباتنا.
وبالتوازي مع ذلك، كان قد بدأ دخول المنظمات الداعمة للعمل الطبي، وإذا أردت التكلم بالطبي فكل تلك المنظمات دخلت بكلمة: "أنا جهة داعمة"، وبعد فترة وجيزة بدأت تدخل في صلب إدارة بعض المشاريع، وبعد فترة أخرى بدأت تسعى لإنشاء مشاريعها الخاصة بها، ونحن هذا الأمر نعتبره مكسبًا أن تدخل الجهات الداعمة كلها وتضع دعمها في خدمة الأرض، ولكن في الوقت نفسه كان ذلك يخلق لدينا المخاوف، ومخاوفنا بعد ذلك بدأ يتبين أنها صحيحة ومشروعة، فقد كنا نخشى أن نصل إلى حالة الفوضى الطبية التي يتغلب فيها منطق المنظمة على منطق الأرض، ونحن كان حرصنا الدائم على أن الأرض ومؤسسات ومنظمات وإدارات الأرض هي التي تصنع الخيار والحلول، وتلك [المنظمات الأخرى] يأتي دورها داعمًا ومساعدًا. وكنا نخاف على سبيل المثال: نحن في حالة حرب، وبالنسبة لي أن أؤمن مستلزمات غرف العمليات أكثر [أهمية] من فكرة عيادات الأسنان وعيادات الجلدية ومراكز الدعم النفسي، صحيحٌ أن هذا دعم وهذا دعم، ولكن عندما يتوجّه الدعم إلى تلك المشاريع أخسر حينها أولويات الحياة ومنها تأمين مواد التخدير والخيط الجراحي، وهي أهم بكثير من أن أؤمن علاج المرض الجلدي أو الحشوة الضوئية، ففي حالة الحرب والحصار تلك هي أولوياتي كأرض، وهذا ما سأطلب من المنظمات تلبيته قبل تلك، وعندما تلبي لي هذا [المطلب] كاملًا لا يكون لدي مشكلة في إنشاء عيادات تجميل حتى، ولكنني لا أقبل أن تأتي الأولويات الثانوية على حساب الأولويات الأولى، كما لا أقبل أن يدخل الدعم المشروط بأجندة ويبدأ بطبع مؤسسة أو مشفى أو مركز قائم بلون أجندة معينة، وعندما تتحدث عن [العمل] الإنساني فلتبقَ في الإنساني، ولا تُدخل أجندتك، ولا تشترط مظهرًا معينًا ليظهر به منتسبو المركز أو المؤسسة التي تدعمها، ولا تُظهر خطابًا معينًا تريد أن تصدّره وراء هذا العمل الإنساني، فقد كان لدينا حساسية وأنا أحد الأشخاص لدي حساسية كبيرة اتجاه هذا الموضوع، وهذا ما جعلني أرفض أن أُدعم شخصيًا من قبل كل هذه المنظمات كي تبقى كلمتي حرة.
بدأت ألمس مثلًا أن بعض الجهات الداعمة ذات لون سلفي، وبعضها ذات لون إخواني، وبدأت تطبع الموظفين بطابعها، وبدؤوا يجمعون الأشخاص الذين يؤمنون بهذا الكلام، وأنا رأيت أنك هنا أصبحت تعمل بالسياسة والأجندة ولا تقوم بعمل خدمي لغوطة محاصرة مطلوب منها أن تصمد لنتمكّن من إسقاط نظام، وأنا هنا بدأت أقرأ معالم أجندة، طبعًا أنا لم أكن خارقًا وسابقًا عصري وأواني لأقرأ هذا الأمر، وإنما الكثير من النشطاء والفاعلين الذين كان لهم دور مؤسس في كل قطاعات عمل الثورة بدؤوا يقرؤون هذا الأمر، وبدأ يخلق لدينا المخاوف في الحقيقة.
وبالعودة إلى ما يتعلق بالعمل الطبي، ظهرت لدينا فكرة مديرية هنا ومكتب طبي هناك، ونستطيع أن نجد صيغة للأهلي والرسمي، وبدأنا نلمس أن أغلب المنظمات الطبية الداعمة بدأت تدخل تقريبًا في صلب المشاريع، وبعدها بدأنا نرى نوعًا من أشكال الدعم كنت أستغربه، كيف؟ مثلًا عندما أقول إنني أريد أن أدعم عمل مشفى، ففي المشفى هناك طبيب وجراح ومخدر وطبيب مقيم وممرض وممرضة، وهناك أيضًا خدمي وسائق إسعاف وعامل نظافة، كل هذا مع بعضه البعض اسمه مشفى، ولكن عندما تأتي جهة داعمة وتقول: "أنا سأدعم الأطباء الأخصائيين فقط وبرواتب مغرية"، أنا هذا الكلام أنظر له بريبة، فأنت في هذا المشفى لديك 4 أو 5 أطباء أخصائيين، وصحيحٌ أن العمل الطبي عموده الفقري الأطباء الأخصائيون، ولكن إذا دعمت هؤلاء فكيف نغطي بقية الكادر؟ هل ستأتي جهة أخرى غيرك وتقول أنا أدعم الخدمي؟ لن أجد أحدًا يهتم بالخدمي، ولن أجد أحدًا يهتم بالممرض، وأنا لا أريد الكادر الطبي لأن الذي يملك الكادر الطبي فقد ملك المشفى، إذن الموضوع كما قرأته صراع بين المنظمات الداعمة على امتلاك المشاريع، فعندما يجلس أحدهم في مكتبه في الداخل أو الخارج، ويضع ساقًا على ساق، ويقول: "أنا أدعم وأشغّل مشافي كذا وكذا"، هذا صحيح، وعندما يكون هو من يعطي رواتب الأطباء الجراحين والمخدرين والأخصائيين لهذه المشافي، عندها سيتحدث باسم الغوطة، ولكن ماذا عن باقي الكادر ومن سيقوم بتغطيته؟ له الله، ونكتفي بالدعاء له؟ كيف سيعيش؟ هذا الكلام كان يخلق عندي مشكلة، وكنا نتحدث عنه [ونقول:] "يا أخي فلتدعم مشفى بأكمله، فلتدعم تشغيل مشفى".
عندما كنت مدير مشفى، أرسلت لي إحدى الجهات الداعمة مبلغ 8200 دولار، عندما كنت في مشفى الكهف، وقالوا:"هذا دعم كوادر"، فأجبتهم: "أنا كوادري مغطاة من الأطباء الأحرار (اتحاد الأطباء السوريين الأحرار - المحرر)، ولكنني بحاجة إلى شيء اسمه "لوجستي"، مثل محروقات ومواد طبية"، فقالوا: "لا، نحن بند الصرف لدينا رواتب"، فقلت لهم: "أنا آسف لاأستطيع، وأتمنى أن يكون بند الصرف الدعم اللوجستي". وطبعًا أرسلوا المبلغ إلى مشفى آخر، وفي المشفى الآخر استلموا المبلغ، وكان وضعهم مثل وضعنا، ووثقوا [المبلغ على أنه دعم] كوادر ولكنهم استخدموه في اللوجستي، فقال لي الداعم: "افعل كما فعلوا"، فقلت له: "أشكرك على هذه الثقة، ولكنني حينها أسنّ سنة التزوير، فالآن أنت تقول لي: "وثقوا [الدعم على أنه دعم] كوادر واصرفه كما تريد، وهكذا أكون قد زوّرت، ولكن بعد سنة أو سنتين سيكون اسمي مزورًا، والآن إذا جاء لأحدهم دعم شيء محدد ووضعها في أمر آخر أو وثقها شيئًا وتصرف بها بأمر آخر، هنا أنا لا أستطيع أن أحاسبه ولا أستطيع أن أقول له: "لماذا فعلت هكذا؟" لأنه سيقول لي: "أنت فعلت نفس الأمر""، فقلت له: "أنا آسف، لا أستطيع أن أفعل هذا الأمر"، فقال لي: "وزّعه كراتب إضافي إذا كنت مصرًا"، فقلت له: "في حال استلم كادري هذا الشهر راتب شهرين، هل سيقتنع في الشهر الذي يليه أن هذا [المبلغ] جاء لمرة واحدة؟ من الممكن لهذا الأمر أن يخلق الشكوك بعد ذلك بين الكادر والإدارة، وأنا لا أريد الدخول فيهذا النفق، وأريد أن تكون أموري واضحة، قلْ لي أن أصرفه (أصرف الدعم - المحرر) في اللوجستي". وتركت المشفى والمكتب الطبي، وبقي المبلغ في صندوق المكتب الطبي ولم أستلمه، ولم يكن لدي الاستعداد أبدًا لأن أستلمه وأوثقه بطريقة وأصرفه بطريقة [أخرى].
بدأت هذه المنظمات تدخل في إدارات المشاريع، وبدأ بعضها بفكرة إنشاء مركز كذا، ولكن يوجد أولويات ونحن من يستطيع القول إن هذا ممكن وهذا غير ممكن، وهنا أصبح لدينا خشية بعد أن نظمنا العمل الطبي واستطعنا أن نوحّده منذ العام 2012 في المكتب الطبي الموحد، وفي العام 2014 استطعنا أن نصل لصيغة الرسمي والمجتمع المدني، خشية أن يتشظى من جديد. من تلك القضايا كانت قضية دعم الكوادر، ومنها تفاوت الرواتب، فمثلًا تأتي منظمة داعمة وتعطي راتب الطبيب 1000، ومنظمة أخرى تعطي في المشفى الثاني 1200، فماذا يحدث؟ وخصوصًا بعد أن دخل الرماديون الذين كانوا مترددين في العمل الطبي، أصبح يحكم العمل عند هؤلاء سوق العمل، وليس منطق الثورة، وبالتالي بشكل طبيعي أنا أترك مبلغ الـ 1000 وأركض خلف الـ1200، ويأتي [داعم] ثالث ويقول: "أنا أعطي على ساعتَي دوام جلسة اسمها (...) مبلغ كذا"، وأصبح [الرماديون] يركضون خلف هذه وتلك. وهذا الكلام أصبح لدينا خشية من أن يخلّ بتوازن العمل الطبي واستقراره، وأصبح لابدّ من أن نوحّد المعايير ومن أن نجلس وندير خلافنا لنضع قواعد العمل الطبي. وهنا بدأت تخلق فكرة حتى نخرج من "أنزوعة" (ميزة - المحرر) المنظمة الأكبر والمنظمة الأصغر، أو الداعم صاحب الكتلة النقدية الأكبر والأصغر، ومن فكرة الرسمي أما الأهلي، وبالتالي دعونا نعمل شيئًا اسمه "طاولة مستديرة".
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/08/02
الموضوع الرئیس
واقع الغوطة الشرقية عام 2014كود الشهادة
SMI/OH/52-28/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2014
updatedAt
2024/10/12
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
مشفى الكهف في الغوطة الشرقية
المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية
تنظيم القاعدة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
مديرية الصحة الحرة في دمشق وريفها