الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

واقع الاعتقال في الأمن العسكري، مشاهد من المعتقل وبدايات التجويع

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:44:29

أول شعور ينتاب الإنسان في الاعتقال أن السوريين في السجن يلتقون لأول مرة مع بعضهم البعض، رغم أننا في الحراك كنا نتواصل مع باقي المحافظات، ولكن هذا التواصل كان خجولًا ورسميًا، الأمر الذي لا يعني إنه كان قليلًا، ولم يكن هناك احتكاك مباشر. أذكر أنني عندما دخلت إلى مهجع الأمن العسكري (الفرع الإداري في المخابرات العسكرية 291 – المحرر) كان هناك شباب من جميع المحافظات، ومن حمص ودرعا بشكل أساسي.

ويومها كان يوجد شخص من تنسيقية تدمر، وكانت تلك التنسيقية معنا في اتحاد التنسيقيات (اتحاد تنسيقيات الثورة السورية – المحرر)، ونشأت علاقة [جيدة] بيننا، وكانت حركة حماس قد أمّنت لنا كمية جيدة من الانترنت الفضائي، وأخذنا نوزعها على التنسيقيات في دمشق وريفها على الأقل، وزاد لدينا البعض منها، فقالوا لنا جماعة تدمر إنهم يحتاجون إليها. وكان الموعد بيننا يومها في أحد مساجد دمشق، في مسجد عثمان (عثمان بن عفان – المحرر) في كفرسوسة في المغرب، وتأخر الشاب في القدوم بسبب الحواجز على طريق تدمر، فغادرت ومعي الأجهزة، وأرسلت له بعد ذلك شابًا آخرًا، وأنا عمليًا لم أره، ولا أعرف أنه ذات الشخص الذي سوف ألتقي به في السجن لاحقًا بشكل شخصي وباسمه الحقيقي، عبد الحسيب وهو من شباب تدمر وموجود حاليًا في الخارج، وأنا كنت أسميه عبد الحسيب التدمري، وهو معروف في تدمر. عندما رأيته في السجن، قال لي مصادفةً إنه سبق أن أخذ من تنسيقيات الشام (دمشق) أجهزة، وسألته: "متى؟"، فعلمت أنه ذات الشخص الذي لم ألتقِ به، وهنا تكتمل الحكاية [تابع قائلًا:] "أخذنا الأجهزة واستخدمناها، ثم حدثت مداهمة وصودرت الأجهزة واعتُقل الشباب الذين كانوا يعملون عليها، وكان هناك جهاز ينتقل من تدمر إلى مكان آخر، تمّ الإمساك به، وخبأناه في جبل في محيط تدمر، كما خبأنا كل الأجهزة". كنت أسمع الكثير من التفاصيل وأجتمع مع العديد من الشباب، وفي السجن الكثير من الفراغات التي حصلت في الحراك ولم نكن نفهمها، أصبح بإمكاننا ملؤها.

أنا تحدثت في المرة الماضية عن "أبو يامن" كما كانوا يلقبونه في الخارج، وفي الداخل كان هناك "أبو اليمانين"، وهو هذا الشاب الإدلبي الذي مازلنا لا نعلم هل كان عميلًا مزدوجًا لصالحنا أم لصالح الأمن، وهذا الشخص عندما دخلت إلى الفرع 291 وإلى المهجع، كان هو شاويش المهجع، وكانت علاقته جيدة مع الجميع، وكان حازمًا، وكان يعمل في مركز الرضا واسمه أبو اليمانين، واعتُقل في كمين على طريق إدلب. وهذا الشخص أيضًا يكمل الحكاية، حكاية ربط اتحاد التنسيقيات مع لجان التنسيق المحلية في الهيئة العامة للثورة، وكيف سيحصل التوحيد بينهما، وأنا لا أعلم حتى الآن، وهو سؤال مبهم، هل كان [الكيان] المفترض تأسيسه وهو ائتلاف قوى الثورة ترتيبة مخابراتية أم أنه فعلًا فكرة مطروحة؟ وهو كان يطرحه ونحن خارج [المعتقل]، وعندما اعتُقلنا اجتمعنا به داخل [المعتقل]، أي عندما كان يطرح الفكرة كان معتقلًا، وكان يجلس في الطابق العلوي، وكان مدللًا، وكان في غرفة حسب قوله أمام مكتب عبد الفتاح قدسية، و[قال] إنه يحاول اللعب معهم، وإنه عندما يخرج سوف يكتب كتابًا عن لعبة القط والفأر بينه وبين الأمن العسكري. وأنا حتى الآن لا أعرف مصيره، وهو من الأشخاص الذين تمّ اقتيادهم إلى المحكمة الميدانية ولم يأخذوهم إلى صيدنايا (سجن صيدنايا العسكري – المحرر)، بل عادوا إلى الأمن العسكري.

وهنا يوجد لغز، فعادةً بعد الذهاب إلى المحكمة الميدانية [العسكرية] يأخذون [المعتقل] إلى صيدنايا، فهناك لغز في قصة هذا الشخص الذي تحدث أيضًا عن رواتب كانت تُدفع لبعض الأشخاص، وتحدث عن رواتب تُدفع من مكتب قدسية (عبد الفتاح قدسية – المحرر) باليورو، حوالي 2000 يورو، إلى كل شخص يتعامل مع الأمن وهو موجود في المعارضة.

أُتيحت لنا هذه الفرصة، وتعرفنا على الكثير من السوريين، ولاحظنا أن السوريين في ذلك الوقت لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض، ولاحظنا أمرًا شديد الأهمية وهو حالة الفقر الثقافي والمعرفي والعلمي لدى السوريين بشكل كبير، فغالبية السوريين غير مثقفين وغير متعلمين مع الأسف، الأمر الذي يعكسه واقع السجون حيث تجتمع مع عينة اجتماعية من كل الشعب السوري، فهي ثورة شعبية، والسجون تحتوي على نماذج عشوائية من كل الشعب السوري، وهذه النماذج لا يوجد لديها ثقافة ولا علم، بل وهناك أزمة أخلاقية وتربوية تواجهها مع الكثير من الشباب، بمعنى أخلاقيات التعامل، فعندما يأتي الطعام، وعلى الرغم من كوننا لم نصل إلى مرحلة المجاعة بعد، ولكن عندما يأتي الطعام [كنا نشاهد] طريقة الاستئثار بالطعام، بينما نحن نتحدث عن شباب ثورة، ويفترض في السجن أن يكون هناك قيم الإيثار والتضحية، لكنها كانت ضعيفة قليلًا.

تلك الأخلاقيات التي كنا نهتف بها في الثورة كانت ضعيفة أو غائبة، قضية الإيثار والتعاون والتضحية، وكنا نلمس ذلك في موضوع النوم مثلًا والصراع على المكان، ولكن في المقابل الحسّ الثوري كان عاليًا، والإيمان بالثورة وفكرة الثورة بمعزل عن الأيديولوجيا وعن المناطقية، كانت حاضرة بشكل قوي في ذلك الوقت، وأذكر في إحدى المرات في المهجع في الفرع 291 انطفأت الكهرباء، وبدأنا نغني أغاني الثورة في المهجع مع بعضنا البعض، وغنينا أغنية بعد أن أضفنا إليها جملةً "حيوا معنا المعتقلين بالفرع 91"، وهي أغنية طويلة كان يغنيها رحمه الله الساروت (عبد الباسط الساروت – المحرر)، وهي أغنية "حانن للحرية حانن"، ألفنا عليها أبيات في المهجع، ودخل علينا بعد ذلك [السجّانون] وبدأوا يشتموننا، ولكنهم لم يضربوننا، وحينها لم يكن هناك تصعيد في الأمن العسكري لدرجة أن يدخلوا ويقتلوا ويرتكبوا [جرائم] الإبادة كما حصل بعد ذلك.

كما ذكرت في هذه الفترة قبل إعلان بشار الأسد حالة الحرب في سورية، كان هناك تعذيب شديد خلال التحقيق، ولكن داخل المهجع لم يكن هناك تعذيب لأجل التعذيب، وكانت حالة الاكتظاظ متوسطة، وهي مزعجة، ولكنها متوسطة وليست مرعبة، أي 70 شخص في مهجع مساحته 40 متر، الأمر الذي كان مقبولًا نسبةً إلى ما حصل بعد ذلك، وكانت الشفاطات تعمل.

وعندما مات أول شهيد في المهجع كان هناك مشكلة كبيرة في الفرع، حيث مات مساعد منشق من الفرقة العاشرة من إدلب، مات تحت التعذيب، وعندما أحضروه لنا لم يكن ميتًا، بل كان متعبًا جدًا وجسده قد ازرقّ من الضرب، فطرقنا عليهم الباب [وقلنا لهم:] "إنه متعب جدًا"، فقالوا "عندما يفطس اطرقوا الباب علينا"، وتلك كانت عادتهم. كان اسمه أو كنيته أحمد، وهو مساعد في الفرقة العاشرة من قطنا، مات في شهر نيسان/ أبريل عام 2012، وعندما طرقنا الباب ولم نتجرأ على القول لهم إنه قد مات كي لا نتحمّل المسؤولية، بل قلنا لهم: "لا من فمه ولا من كمّه" (كناية عن موته – المحرر)، فجاؤوا وأخذوه. وبعد ذلك استدعى عبد الفتاح قدسية شخصيًا الأطباء والصيادلة الموجودين معنا في المهجع للتحقيق معهم، وأثناء عودتهم من التحقيق شاهدوا المساعدين في السجن منبطحين ومعاقبين، وكان عبد الفتاح قدسية يعطي الأمان للشباب [قائلًا:] "تكلموا ولا تخافون، وأخبروني ما الذي حدث".

من يقتل [معتقلًا] تحت التعذيب لا يُعاقب لأن التعذيب عملية وظيفية الغرض منها الحصول على المعلومات، ولكن بعد ذلك وفي الظروف الثانية نعم، فإذا كان هناك شخص سيموت ولم تعالجه، أو ضربت شخصًا بدون سبب وليس من أجل التحقيق ومات، يتمّ التحقيق معك. وعملية التعذيب في التحقيق هي عملية منهجية ومقررة حيث [تأتي الأوامر أن] "اضغطوا عليه"، بمعنى "عذّبوه، فما زال بالإمكان استخراج الكلام منه".

أذكر قبل شهر تموز/ يوليو [2012]، وأنا بقيت في الفرع 291 في الإدارة (الفرع الإداري في المخابرات العسكرية – المحرر) حتى شهر حزيران/ يونيو، وفي ذلك الوقت بدأ الأكل يقلّ، وهو بالأصل قليل، لكنه بدأ يقلّ أكثر، وازداد عدد المعتقلين، وأصبح هناك عدد أكبر من المعتقلين العسكر المنشقين أو الذين يفكرون بالانشقاق، وبدأت المهاجع تكتظ، والمهجع الذي كان فيه 50 معتقلًا أصبح فيه 70-80 معتقلًا، وفي الوقت ذاته بدأت تقلّ كميات الطعام، وكان يوجد سرقات كثيرة للطعام من قبل السجانين وأحيانًا الشاويش (الشاويش هو معتقل يتولّى مهام ضبط المهجع أمام السجانين – المحرر).

وكان هناك شاويش برتبة مساعد، وهو علوي متعاون مع الجيش الحر في درعا لأجل سرقة مستودع السلاح في إحدى الوحدات في درعا، أعتقد في الفرقة التاسعة، وهذا الشخص اعتُقل، ولكنه وبسبب طائفية [النظام] كان يُعامل معاملة حسنة وممتازة، وكان يتقاسم مع السجانين سرقة الطعام والدجاج، وكان يبتز المساجين ويعذبهم ويضربهم، وهذا الأمر كان يتمّ من منطلق طائفي مفضوح وبدون أي مجاملة وطنية، فداخل الفرع لا يوجد وحدة وطنية، وإنما يوجد العلوي والسني.

أذكر في أحد الأيام طرقنا الباب، وكان يناوب سجان محترم نوعًا ما، نسبيًا بالطبع، وأنا كنت أتحدث وقلت له: "إن الطعام قليل، أنتم قللتم كمية الطعام"، فقال: "هكذا هو الطعام الطبيعي"، وقلت له: "لا، أنتم تقولون عن أنفسكم أنكم جيش، وأنا خدمت سنتين في الجيش ولم أجعْ، بينما الآن أجوع"، وعندما قلت له "في الجيش لم أجعْ" قال لي: "تسلم، شكرًا"، قلت له: "أنا لا أجاملك، أنا أقول الحقيقة"، فقال لي: "لكنك الآن لست عسكريًا، وإنما أنت موقوف"، قلت له: "ولو كنت موقوفًا، أنا من مسؤوليتكم، ولا يجب أن أجوع هنا"، فقال: "سوف أتابع الموضوع لنتداركه"، وكان دمثًا نوعًا ما. وطبعًا في المساء تغيرت النوبة، وجاء [سجّان] حقير، وقال لنا: "هذا هو الموجود، ومن يتحدث سيرى ماذا نفعل به".

في اليوم الثاني اتخذنا قرارًا برفض الطعام، واتفقنا أنه عندما يأتي الغداء لا نقبله ونقول لهم: "أبقوه خارجًا"، وكان رئيس المهجع من حوران وفي الخمسينات من عمره، اسمه محمد الهيمد وهو تاجر سيارات، وكان خطيب جمعة، وقال لنا: "تريّثوا، ولا تفعلوا هذه المشكلة"، ولكننا رفضنا. وعندما جاء الطعام قال للمساعد: "إن الشباب لا يريدون الطعام لأن الطعام قليل وهم يرفضونه"، وفتح المساعد الباب، وسألنا: "لماذا لا تريدون أن تأكلوا؟"، فقلنا له: "إن الطعام قليل"، قال: "من يمكنه الحديث عنكم؟"، فدفعني الشباب حتى أتحدث، ثم سألنا: "من لا يريد أن يأكل فعلًا؟ أنتم هكذا تتحدون الدولة"، وشعر المعتقلون بالخوف. وبعد أن قال هذه العبارة التخويفية أتبعها بعبارة ثانية: "من يريد أن يأكل فليقف على اليسار، ومن لا يريد أن يأكل فليقف على اليمين"، وأنا بقيت على اليمين، وبدأ الشباب يتسربون وأصبحت الأكثرية تريد أن تأكل، وبقينا قلة أنا وعدة معتقلين لا نريد أن نأكل، فقال: "هل ترون أنكم أقلية؟"، وأنا بيني وبين نفسي قلت: "هذا هو واقع الثورة".

قال لي: "ما هي مطالبكم؟"، فقلت له: "الطعام قليل، ونحن نتحدث باسم الجميع حتى الذين قالوا الآن إنهم يريدون الطعام، قالوا ذلك لأنهم خائفون منك"، فقال: "وأنت لست خائف؟"، فقلت له: "الموضوع ليس بهذا الشكل، ولكننا جميعًا جائعون"، قال: "لكنك تتحدى الدولة وتقوم بعصيان، وسوف تتمّ محاسبتك حسب القانون"، فقلت له: "عن أي قانون تتحدث؟"، قال: "القانون السوري". قلت له: "القانون السوري يقول في الدستور الجديد إنه لا يحق لكم إيقافي 102 يوم حتى الآن، وأهلي لا يعرفون عني شيئًا، وأنا مختفي قسريًا"، وقال: "توقيفك نظامي، والقاضي مدد توقيفك"، فقلت له: "من هو القاضي، أنا لم أره"، قال: "أنت لا يحق لك البقاء أكثر من فترة حسب القانون، وأنت تعديتها وهذا صحيح، ولكن القاضي جاء ومددها لك"، وقلت له: "ولماذا أهلي لا يعرفون؟ والقاضي لم أره ولم أواجهه؟"، فقال: "يكفي نقاشًا، لو كنت أريد يمكنني الآن قتلك وتصفيتك ورمي جثتك في الحاوية والقول إن الإرهابيين قد قتلوك. فالإرهابيون قتلوا أخي ولولا أن السيد الرئيس قد جبر بخاطري بكلامه الطيب لكنت قتلتكم جميعكم". وقبل أن يبدأ هذا الكلام، وعندما قال: "فليخرج أحدكم للحديث عنكم"، فقلت له: "نريد الأمان"، وقال: "من سيتحدث عليه الأمان الكامل"، ولذلك كان لدي الجرأة على الكلام.

وبعدها ازدادت كمية الطعام لمهجعنا بالذات لأننا قمنا بهذا الأمر، ونجحت المهمة، وعند المساء نادوا اسمي وأسماء كل من وقف على اليسار، وكان هناك شخص "فسفوس" (مخبر – المحرر)، وعندما نادوا اسمه خرج وذكر أسماءنا جميعًا، واكتشفنا أنه العوايني (المخبر – المحرر)، وسبق أن كان هناك تحذيرات أنه عوايني. نادوا أسماءنا، وأخذونا إلى الزنزانة وتعرضنا للضرب، وهذا مثال على الأمان الذي أعطانا إياه، تعرضنا للضرب وخاصة أنا، وبعد أن وضعونا في الزنزانة وقبل ضربنا نادى اسمي ومددت يدي وبقي يضربني على يدي بالكبل المعدني إلى ما شاء الله (لفترة طويلة – المحرر)، وكنت أعرف أن السبب هذه الحادثة، وفي اليوم الثاني أخذونا إلى الإيداع.

كل هذا كان يحدث في مهجع الجامعيين والضباط، وفي البدايات في إدارة الأمن العسكري عندما جئنا لم يكن هناك "حفلة استقبال" (تسمية معروفة في معتقلات نظام الأسد وهي حملة من القتل والتعذيب تترافق مع استقبال المعتقلين – المحرر)، وكان التعامل جيدًا نسبيًا، وحتى قضية التعرية لم تكن بقصد الإهانة في ذلك الوقت، ولا أعرف إذا كان ذلك التعامل فرديًا أم منهجيًا، فعندما جئنا قال لي عنصر التفتيش: "اخلع ثيابك بشكل سريع والبسها بشكل سريع مباشرةً"، وكأنه مضطر لفعل هذا الشيء وليس مثل الفرع 215 (فرع المداهمة والاقتحام 215 التابع لشعبة المخابرات العسكرية – المحرر)حيث يتركون المعتقل عاريًا لفترة بقصد الإهانة، ولاحقًا أصبحت قضية التعرية هي الشيء الأساسي. وبعد ذلك وضعوني في المهجع، وبعدها بفترة فتحوا الطاقة وسألوا: "من يوجد من الجامعيين هنا؟"، وكانوا يريدون إخراج الجامعيين حتى يتم وضعهم مع الضباط، ووضعونا مع الضباط في مهجع واحد.

وهنا نشأت المعرفة والعلاقة مع الضباط، والتعرف على الجيل الجديد من العسكر، وهم من مواليد نهاية السبعينات، والذين ترقوا برتبهم مع بدايات [حكم] بشار الأسد، أو دخلوا الكليات الحربية والكليات العسكرية مع بدايات عهد بشار الأسد. وكان واضحًا أن الضباط السنة لديهم حالة مرتبطة بالتدين الاجتماعي الموجودة في المجتمع السوري، التدين التقليدي، والذي حاول نظام الأسد في الثمانينات إنهاءها، وكانت غير موجودة في الجيش، وتزامنت مع توغل الاتحاد السوفيتي والخبراء الروس في الجيش، ونشر قيم الإلحاد والفساد في الجيش السوري. هذه الطبقة جاءت مع تحول المجتمع السوري باتجاه [التدين التقليدي] حيث أعطى النظام فرصة للتدين التقليدي والمشيخة التقليدية حتى تأخذ دورها، والذي ذهب إلى [الخدمة] العسكرية والجيش هو ابن هذا المجتمع في النهاية، وكل السنة يحملون هذا النوع من التدين، التدين الفطري، وتدين يشبه الحالة السورية، التدين السوري المحافظ البسيط الذي ليس لديه عداء للدين، وعندما يلفظ [أحدهم] ألفاظًا تتضمّن شتم الذات الإلهية لا يعني أنه يعتقد بها بقدر كونها شتائم دارجة أو كلام دارج في المجتمع، وليس القصد منه الإساءة للذات الإلهية، الأمر الذي كان دارجًا في المجتمع وفي الجيش.

وأنا لا أقول هذا الكلام لأنني سنّي، ولكن عندما كنا نسمع شتيمة الذات الإلهية من هذا [الشخص] لا نسمعها على أساس أنه لديه مشكلة مع التدين، وعندما كنا نسمعها من هذا الضابط المنشق لا نسمعها بلهجة المتحامل على القيم أو التراث أو من لديه مشكلة معها، ولكن لأنها دارجة، في الوقت ذاته عندما تسمعها من محقق فإنه يتقصّد استفزازك، وهو لديه مشكلة مع حالة التدين، وتخرج منه بطريقة مستفزة أكثر حيث يكررها عدة مرات، بينما الأول يقولها مرة واحدة وينزعج من ذلك.

هؤلاء الأشخاص كانوا يصلون في المهجع رغم المنع، وهم ضباط في الجيش حيث الصلاة ممنوعة، وكانوا يصلون ويأمّون المدنيين، أي يصلون بهم إمامًا، وكانوا يدعون ويقرأون القرآن والأذكار، وكنا في كل جمعة نقرأ سورة الكهف، وفي الوقت ذاته كانوا يمزحون مزحًا قذرًا، فهم عسكر وجيش وكلامهم قذر وهم بذيئو اللسان، ويوجد نسبة جيدة منهم مثقفة إلى حد ما بالنسبة إلى بقية المدنيين.

الملاحظ في ذلك الوقت أن السجانين والضباط التابعين للأمن، صحيحٌ أنهم كانوا يعذبون هؤلاء الضباط خلال التحقيق للحصول على المعلومات، ولكن طريقة تعاملهم مع المهجع حيث يوجد مدنيون وعسكريون، وطريقة تعاملهم مع المدنيين كان فيها احتقار، وكانوا يقولون لنا: "أنت مدني كلب خائن، بينما هذا العسكري أخطأ"، أي أن العسكري أو الضابط المنشق قد أخطأ بينما المدني كلب وخائن لأنه خرج عن الدولة، حيث يعتبرون في الأصل أن المدنيين ليسوا الدولة، بينما العسكري هو من الدولة وهو الدولة الأساسية، ودائمًا [يقولون لنا:] "اخرس، أنت مدني خائن"، و[يقولون] للعسكري: "أنت تحدث، صحيح أنك أخطأت، ولكن (...)".

كان واضحًا حقدهم على المدنيين حتى في التعذيب والتحقيق، فهم يمكنهم أن يجدوا للعسكري 100 عذر، ولكن المدني لا يمكن أن يجدوا له أي عذر. وعندما كان يأتي الضابط، كان يأتي معززًا ومكرمًا إلى الفرع، وعندما يصل يأخذون رتبه ويقيدونه، ويبدأ التحقيق معه وتتم إهانته وضربه، ولكن إذا قارنا ذلك مع المدني فإن المدني وضعه أسوأ.

أذكر كان هناك ضابط اسمه منصور شبيب وهو عقيد، كان رئيس جناح التدريب الجامعي في كلية العلوم عندما كنت موجودًا فيها، ونحن نعلم أن ضباط التدريب الجامعي مغضوب عليهم أصلًا أو مهمشون لذلك يأخذونهم إلى التدريب الجامعي، وهو كان رئيس جناح التدريب الجامعي أو الدفاع الجوي، وكان اختصاص كلية العلوم دفاع جوي، فالتدريب الجامعي هو اختصاصات وهو كان رئيس هذا الجناح، وهو ضابط قوى جوية نازح (تشير كلمة نازح إلى أنه من نازحي الجولان السوري المحتل – المحرر)، وعندما اعتقلوا نازحين من جنوب دمشق اعتقلوه معهم، هو كان رئيس الجناح في العام 2000 وتقاعد بعد ذلك، وفي العام 2012 أصبح كبيرًا بالعمر، وهو لديه مشاكل بالجهاز البولي أعتقد أنها نشأت عن التحقيق، ولكنهم كانوا يتعمدون إهانته بالرغم من كونه أكبر شخص في المهجع وكان لطيفًا جدًا.

في المهجع، كانت أيام الأمن العسكري (الفرع الإداري في المخابرات العسكرية 291 – المحرر) مع الضباط أيامًا جميلة جدًا، حيث استطعنا أن نعرف أكثر عن مؤسسة الجيش وعن الوضع الذي تكرس في الثورة، الوضع الطائفي. كانت هناك لحظات سعيدة لأن العسكري يجمع بين "زعرنة" الجيش وفي الوقت ذاته هو ابن المجتمع السوري، هذا المجتمع المحافظ، فيكون داخل المهجع الجو مرحًا، وتحصل أحيانًا حفلات شعبية، ونغني أغاني شعبية ونرقص عليها.

وأتذكر في إحدى المرات أحد الشباب وهو نقيب في الفرقة الأولى [في جيش النظام] اسمه أبو داوود قصي الحنيدي رحمه الله فهو استُشهد في [سجن] صيدنايا، وقصي كان من أكثر الناس مرحًا، وهو بعمري تقريبًا، وهو كان متعاونًا مع الجيش الحر ولم يذكر هذا الأمر إلا في النهاية، وأنا أتحدث الآن لأنني تأكدت أنه قد استُشهد. كانت تهمته أنه تحدث في إحدى المرات عن الانشقاق وبرّر لبعض المنشقين، ورُفع تقرير به [يقول] إنه قد بصق على صورة بشار الأسد، وهو كان يذهب إلى الحواجز الطيارة في مداخل الكسوة ومعه قوائم للاعتقال، وكان شباب تنسيقية الكسوة يعطونه أسماء بعض الأشخاص من المتظاهرين العاديين، فيمسكهم على الحواجز ويسلّمهم للجيش ثم للأمن العسكري، وهؤلاء الأشخاص لا يُسجنون طويلًا، بينما يسمح بمرور القيادات الثورية في الكسوة، وكذلك الأشخاص المسلحين والمنشقين، وكان يعتقل [المتظاهرين العاديين] كي يُقال إنه يقوم بالاعتقال، وهؤلاء يتعرّضون لصفعة أو فلقة ولكن يخرجون في النهاية. كان نقيبًا في الفرقة الأولى، وكان من أهم الأشخاص الذين عملوا في مجال الهندسة العسكرية، وكان مسؤولًا عن حفر الخنادق وغرف تحت الأرض للعمليات في الكسوة في قيادة الفرقة الأولى. كانت روحه مرحة جدًا، واستدعاه في إحدى المرات المحقق أو نائب رئيس فرع الأمن العسكري، وقال له إنه قد جاءت عشائر دير الزور، وهو من دير الزور الشامية أي من جهة الشام وليس من جهة الجزيرة، فكل المناطق الموجودة على يمين النهر ومن جهة بادية الشام يُعتبر [أهلها] من الشام، وأهل المناطق الداخلية [يُعتبرون] من العراق، وهكذا جاءت العشائر كي تتوسط له ولم يستطيعوا فعل شيء.

هذا الشخص كانت روحه مرحة، وعندما يأتي أشخاص جدد، وهو كان رئيس المهجع، كان يقوم بتمثيلية ويدعي أنه الرئيس ونحن المستشارون، ويستدعي [المعتقل] الجديد، وعندما يسأله: "لماذا اعتُقلت؟" يظهر وكأنه ليس له علاقة بالثورة، فيرعبه قليلًا، ويمثّل عليه [مهددًا:] "سوف نضربك فلقة"، وعندما يتعاون ويتحدث عما يحصل في الخارج يتركه. وكان يغني أغنية لكاظم الساهر ونحن ندبك، فجاء السجان وفتح الطاقة ووجدنا ندبك، وكان النظام في الخارج يتعرض للكثير من الضربات، قال [السجان]: "انتو مبسوطين؟"، وكنت أدبك أنا وشاب اسمه ماهر الرفاعي من اللاذقية، فقال السجان: "تعالا إلى هنا"، وهو (قصي الحنيدي – المحرر) جاء وتوسط لنا وقال: "أنا أضمن ألا يتكرر هذا المشهد". في المساء جاءت النوبة الثانية، وقال [أحد السجانين:] "من هما الشخصان اللذان كانا يرقصان"، ونادوا علينا، وتعرضنا للكثير من الضرب بالكبل، وفي اليوم الثاني أيضًا تعرضنا للضرب، وكذلك في اليوم الثالث، فقط لأننا كنا فرحين بينما الوضع في الخارج متأزم، ولا يجب علينا أن نكون فرحين.

طبعًا بعد ذلك حصل تصعيد وتشديد على موضوع الصلاة، والأشخاص الذين كانوا يصلون كانوا يتعرضون للضرب، وذلك فقط في الصلاة الجماعية، بينما لم يدققوا على الصلاة الفردية إلا إذا دخلوا ووجدوا شخصًا يصلي بشكل فردي فإنهم يعاقبونه. وكما ذكرت بالنسبة لموضوع الضباط السنة، كان يُعتقل الضابط السنّي على أتفه الأسباب، وفي بعض الحالات قيل: "أنت ضابط سني، وتفكر بفعل شيء"، فهو لم يعبر عن استيائه من الثورة بشكل واضح، وكُتب فيه تقرير واعتُقل.

هناك شاب اسمه فراس من إدلب من جبل الزاوية، وقد نسيت كنيته، عندما بدأت الثورة، وبدأت قصة الانشقاقات، كان هو في آخر شهر من خدمته العسكرية، وكان يقول لبعض الشباب الذين حوله: "رأيت في منامي أنني انشققت"، وبعد ذلك تسرح ولم يتم الاحتفاظ به. عندما كانوا يأخذوننا إلى التحقيق كان هناك تهمة اسمها "التفكير بالانشقاق"، وهكذا كانوا يكتبونها في المحضر، وأثناء التحقيق مع أحد المعتقلين سألوه: "من ذكر أمامك موضوع الانشقاق"، فقال: "فلان وفلان"، وتحت الضرب اعترف على شخص تحدث عن منام رآه بأنه قد انشقّ، واعتُقل هذا الشاب، وبقي لمدة 7 شهور في الأمن العسكري وسنة في [سجن] صيدنايا فقط لأنه رأى في منامه أنه قد انشقّ.

أي شخص كانوا يتأكدون من ميوله المتدينة في الجيش، أنه كان يصلي، كان يلفقون له تهمًا غريبة عجيبة، وكان العنوان الأساسي هو "التفكير بالانشقاق"، وأي تلميح أو همس أو عدم إعطاء رأي أو موقف من المنشقين كان يُعتبر تفكيرًا بالانشقاق. وبطريقة بشعة جدًا أُفرغت قطع كاملة من الجيش من كل الضباط السنّة، واللواء 43 أنا خدمت فيه خدمتي العسكرية، وجاءت إلينا جماعة [اللواء] 43 وقد اعتُقلوا جميعهم، وأنا سألتهم: "من بقي في اللواء؟"، فقالوا: "بقي الضباط العلويون فقط"، فالذي لم ينشقّ وبقي في الجيش اعتُقل لأسباب تافهة، وهذا كان العنوان المعلن، أما العنوان غير المعلن، والذي يُعلن أحيانًا حيث يقول المحقق للمعتقل وبصراحة: "أنت ضابط سني".

[أحد الشباب اسمه] ربيع ونسيت كنيته، وهو درزي من السويداء كان موجودًا على حاجز في بابا عمرو، وكان يساعد الشباب ويمرر المساعدات، وهو شاب جيد جدًا، رفع به تقريرًا (...)، وهو سني، وجاء إلينا إلى المهجع وأنكر، وطبعًا بعد أن رفع به التقرير اعتُقل [ربيع]، وأنكر (...) وقال: "أنا لم أرفع تقريرًا به، أنا في التحقيق اعترفت عليه"، بينما الأغلبية كانوا يقولون إنه هو الذي رفع به التقرير، وطبعًا طريقة تعامل (...) في المهجع وانتهازيته كانت تدلّ على أنه قد رفع التقرير، وعندما جاء ربيع إلى السجن، وهذا لا يهمّ كثيرًا ولكن الشيء بالشيء يُذكر، كان موجودًا في زنزانة وفي الزنزانة المقابلة كان هناك شيخ من حلب اسمه الشيخ محمود مصطفى، وهذا الشيخ استمر في الحديث مع ربيع حتى أسلم وتسنّن وهو في المهجع، وبدأ يقرأ القرآن بين الزنازين، وعندما تسنّن عرف السجانون فعذّبوا الاثنين، وهو ملازم متطوع وليس مجند، وهو شخص راقي جدًا.

لم أرَ ضباطًا علويين منشقين، وهذه هي حالة الانشقاق الوحيدة أو حالة التعاون الوحيدة التي رأيتها ولم تكن مبنية على مصلحة كما كان يفعل المساعدون العلويون الذين كانوا يأخذون المال مقابل السلاح ويبيعون سلاح المستودعات بالمال، بينما ربيع كان يتعاون لأنه مع الثورة، وهذا ما شاهدته، هو درزي متعاون من منطلق أنه مع الثورة، وليس من منطلق أنه يريد أن يستفيد. وكان يعطي تعليماته للسَرية التي كانت تحت إمرته كلها بأن تقوم بهذا العمل. وهذا الحاجز كان على مدخل بابا عمرو، وكان يتعاون مع الثوار بشكل كامل، ويساعدهم ويمرر لهم الطعام، وحتى السلاح الذي كان يأتي إلى بابا عمرو كان يمرّ من هذا الحاجز.

في الفرع 291 اكتشفنا أمورًا مهمة جدًا عن موضوع بابا عمرو (حي بابا عمرو في مدينة حمص – المحرر)، ففي بداية اعتقالنا وليلة اعتقالي ونقلي إلى الأمن العسكري كانت في نفس يوم اجتياح النظام لبابا عمرو (اقتحمت قوات النظام حي بابا عمرو في 1 آذار/ مارس 2012 – المحرر)، وكنا نعيش حالة أسى وألم، وكنا مهزوزين نفسيًا حيث كنا نسمع السجانين يقولون إن [حي] بابا عمرو قد سقط، وكانوا يقولون لبعضهم البعض: "خلصت"، أي انتهت الثورة، والآخر يقول: "لا لم تنتهِ، هل الأزمة كلها بابا عمرو؟ الأزمة أكبر من ذلك". السجانون لا يقولون كلمة "الثورة"، وإنما يقولون "الأحداث، الإرهاب، الأزمة"، بينما المحققون يقولونها، يقولون: "ثورتكم"، ويتم ذكرها، ولكن هناك مفردات إذا ذكرتها يمكن أن تُعذَّب حتى الموت، وهي "الثورة والنظام والشهيد"، وهذه كلها مصطلحات ممنوعة ولا يجب ذكرها، [وكذلك مفردة] "مات" بينما يجب أن تقول "فطس".

في هذا الوقت كنا مهزوزين، وعندما اجتمعنا مع شباب بابا عمرو، وكان تعاون حراك سورية كله مع حمص جيدًا (...)، في الوقت الذي تحتاج إلى أشخاص يأخذون قرارًا سياسيًا سليمًا، وقرارًا لمصلحة المدنيين والثورة في الوقت ذاته، كنت تجد أشخاصًا في السجن لا يستطيعون إدارة أمورهم، ولا إدارة العلاقة مع زملائهم من أولاد الثورة في باقي المحافظات، ولذلك كنت تنصدم. وفي السجن بشكل عام، وبسبب الهزات التي كنت تراها من الناس وتعاملهم، كنت تقول: "هل من المعقول أن تكون الثورة في الخارج بهذا الشكل؟ بالتأكيد لا، إنه واقع السجن"، ولكن للأسف عندما خرجنا وجدنا شيئًا مشابهًا.

بقينا على هذا الشكل، وكان الجميع يعتقد أننا بعد فترة قليلة سوف نُحال إلى القضاء، وفي القضاء ننكر كل شيء ويخرجوننا، بينما في الحقيقة ولسوء حظنا كان النظام قد بدأ سياسة جديدة بخصوص كل من اعتُقل في بدايات العام 2012، وهي عدم إخراج أي شخص. وكان قد اتّبع هذه السياسة في بداية الثورة على أشخاص محددين وقلائل، على سبيل المثال إذا كان هناك شخص أو اثنان هما رأس الحراك في درعا، فإنه يتبع عليهما هذه السياسة، بينما باقي درعا لا يبقيهم في المعتقلات وقتًا طويلًا، وكذلك الأمر في حمص والشام (دمشق) ووو. ولكن مع بداية العام 2012 أصبح من يدخل [إلى المعتقل] لا يخرج بسهولة، بينما من دخل سابقًا إلى السجن كان يذهب إلى القاضي وينكر أقواله ثم يخرج، ولم يكن هناك تفعيل كبير للمحاكم الميدانية مع أنها كانت تعمل.

كان النظام يركز أكثر على من يسميهم "مثيري الشغب"، أي قادة الحراك الذين كان يعتبرهم مثيري الشغب، وكان يحيل هؤلاء إلى المحاكم الميدانية منذ اليوم الأول في الثورة، ومثال عنهم أنس الشغري الذي اعتُقل قبل أن  تصبح الثورة مسلحة (اعتُقل أنس الشغري في 14 أيار/ مايو 2011 – المحرر) وهو حتى الآن لم يخرج، وفي كل محافظة يوجد مثل هذا الشخص، وأيضًا مثل يحيى (يحيى الشربجي – المحرر) الذي اعتُقل في [6] أيلول/ سبتمبر عام 2011 ولم يخرج، وهؤلاء كانوا يسمونهم "قادة الشغب"، وهؤلاء بالذات لا يخرجون خلال شهر أو شهرين أو يذهبون إلى القاضي وينكرون أقوالهم، وإنما تتمّ إحالتهم مباشرةً إلى المحكمة الميدانية، وهناك وإن أنكروا [التهم الموجهة إليهم] فذلك يُسجّل في المحضر ولكنهم يُحكمون بالرغم من ذلك.

جميعنا كنا نعتقد أنهم سوف يحيلوننا إلى القضاء، ولكن الآن سيطول بقاؤنا قليلًا. وأذكر أنه جاء ضابط [معتقل] في سجن صيدنايا إلينا في الأمن العسكري من أجل التحقيق معه بعد أن ظهرت له قضية جديدة، وقال لنا: "جميعكم سوف تُحالون إلى الميدانية (المحكمة الميدانية – المحرر) وبعد ذلك إلى سجن صيدنايا، ويا ويلكم من صيدنايا! فأنتم هنا في الميريديان نسبةً لصيدنايا". وكان عندنا فرضية أن النظام لن يكرر تدمر (مجزرة سجن تدمر التي ارتكبها نظام الأسد الأب في 27 حزيران/ يونيو 1980 – المحرر)، ولن يكرر حماة (مجزرة حماة التي ارتكبها أيضًا نظام الأسد الأب في شباط/ فبراير 1982 – المحرر)، وأن هناك مجتمع دولي ومن هذا الكلام الفارغ، وعندما جاء هذا الشخص اتهمه الكل أنه موتور ومجنون، ولم يأكل أحد معه أو يتحدث معه، [والكل اعتبره] أنه شخص كاذب ومدفوع من أجل تحطيم معنوياتنا، ولكن طبعًا كان كلامه صحيحًا.

الأمر الثاني أن السجانين كانوا يحاولون دائمًا بثّ الإشاعات، فعندما يخرج أحد المعتقلين إلى التحقيق يقول له السجّان: "اعترف وتحدث عن كل شيء، ففي الأساس العفو قادم"، فيعترف المعتقل بكل شيء ظنًا منه أنه سيخرج بالعفو، وهكذا يحقق السجانون أمرين: أولًا: أخذ المعلومات، وثانيًا: هم يعرفون أنه سيعود إلى المهجع ويقول إن هناك عفو، فيهدأ المعتقلون ولو كانوا يفكرون بعمل شيء، ومن يذهب إلى التحقيق بعده هو جاهز نفسيًا وتلقائيًا معتبرًا أنه سيخرج مهما كانت اعترافاته. أغلبنا وقع في هذا [الفخّ]، ووقعنا في مشكلتين: [كان لسان حالنا يقول:]، ولا أتحدث عني أنا كمنير، ولكن بشكل عام وحال الكثير من المعتقلين، "فلأعترف في حال ضُغطت كثيرًا، وأنا في النهاية سوف أخرج، وحتى ذاك الذي سيُعتقل [نتيجة اعترافاتي] سيخرج. وبالتالي يجب ألا أموت تحت التعذيب لأنني سأخرج، وفي حال اضطراري [للاعتراف على أحدهم] ليخفّ علي التعذيب، سيخرج هو الآخر في حال اعتُقل".

لم يمت أحد تحت التعذيب [في الفرع 291] في الفترة الممتدة بين آذار/ مارس 2012 وحزيران/ يونيو 2012 (لم يتم التأكد من المعلومة من مصادر أخرى – المحرر)، قلائل الذين ماتوا، وعندما جاء حمزة الخطيب إلى هذا الفرع ومات فيه، أعتقد أنه من القلائل الذين ماتوا (حسب شهادات من درعا فقد اعتقلت المخابرات الجوية المتظاهرين في مجزرة مساكن صيدا التي اعتُقل فيها حمزة الخطيب، ولم يتم التأكد من مرور حمزة الخطيب في هذا الفرع – المحرر). هكذا علينا دائمًا أخذ الأمور بشكل نسبي، نعم كان هناك من يموت، ولكن نسبةً لما جرى بعد ذلك كانوا قلائل، فبعد ذلك أصبح الموت ممنهجًا، وبدلًا من أن يكون لدينا يوميًا في الفرع معتقل واحد يموت [تحت التعذيب] أصبح لدينا يوميًا 10-20 شهيد، وهنا الفرق.

في السنة الأولى من الاعتقال دائمًا تُذكر قصة العفو، وفي السنة الثانية كانوا يتحدثون قليلًا عن موضوع العفو، ولكنهم يتحدثون أكثر عن كذبة جنيف (مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة برعاية الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي للقضية السورية – المحرر)، وأن جنيف2 (المفاوضات التي تمت عام 2014 – المحرر) قادم، وعلى رأس الشهر يوجد جنيف، وأول بند هو بند المعتقلين، ثم يأتي رأس الشهر ومن كان يريد أن  يفتعل المشاكل يهدأ وينتظر، وفي رأس الشهر تخرج إشاعات جديدة مصدرها غالبًا "الشاويشية" (رقباء المهاجع – المحرر) أنفسهم، فهم من كانوا يحتكون مع السجانين بشكل أكبر، وينقلون هذه المعلومات ويسربونها  إما بسوء نية أو حسن نية. بعد 15 يومًا يأتي رأس الشهر، ويقول السجان للشاويش: "هناك جنيف"، ويأتي رأس الشهر دون أن تنعقد [مفاوضات] جنيف، فيقول له: "لقد تأجل إلى 15 الشهر القادم"، ثم يقول له: "إلى رأس الشهر"، [أو يقول:] "هناك مشاكل بين الأطراف"، وهكذا يعيش المعتقلون على هذا الوهم، وكانت هناك مقولة نرددها أن المعتقل مثل "الأجدب" يصدّق كل شيء، يصدق المنام ويبني عليه حلمًا، ويصدق الإشاعة ويبني عليها أملًا، فالمعتقلون يعيشون على هذا الأمر، وإدارات السجون كلها كانت تعتمد على هذه القضية كي تتجنّب أي تمرد أو أي شيء.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/10/08

الموضوع الرئیس

معتقلات الأسد

كود الشهادة

SMI/OH/131-36/

رقم المقطع

36

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2012

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

لجان التنسيق المحلية في سوريا

لجان التنسيق المحلية في سوريا

الهيئة العامة للثورة السورية

الهيئة العامة للثورة السورية

الفرع الإداري في المخابرات العسكرية 291

الفرع الإداري في المخابرات العسكرية 291

المحكمة الميدانية العسكرية - نظام

المحكمة الميدانية العسكرية - نظام

الجيش العربي السوري - نظام

الجيش العربي السوري - نظام

حركة المقاومة الإسلامية حماس

حركة المقاومة الإسلامية حماس

اللواء 43 مدرعات - نظام

اللواء 43 مدرعات - نظام

فرع المداهمة والاقتحام 215- شعبة المخابرات العسكرية

فرع المداهمة والاقتحام 215- شعبة المخابرات العسكرية

المجلس الوطني السوري

المجلس الوطني السوري

اتحاد تنسيقيات الثورة السورية

اتحاد تنسيقيات الثورة السورية

الشهادات المرتبطة