الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الإحالة إلى المحكمة الميدانية العسكرية، ومنها إلى سجن صيدنايا العسكري

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:30:46

ذهبنا إلى هناك، وعندما وصلنا على أول حاجز في سجن القابون، سأل [أحد العناصر:] "إلى أين تتجهون بهؤلاء؟ فلتكثروا منهم هؤلاء الموقوفين"، فأجابه: "يوجد منهم الكثير"، وكانت تقريبًا الساعة 2:00 ظهرًا، وسأله: "إلى أين أنتم ذاهبون؟"، فقال: "إلى الميدانية (المحكمة الميدانية العسكرية – المحرر). وأنا سمعت كلمة "الميدانية" رنّت بأذني، ولكنني قلت في نفسي: "لا، لا، هو يقصد أحدًا آخر، وليس نحن. فهل من المعقول أن يقوم النظام بمحاكمات ميدانية كما فعل في الماضي؟"، كنا نكذّب أنفسنا. وصلنا، وسمعت سائق السيارة يتحدث مع السجان ويقول: "أين هي المحكمة الميدانية؟ هذه أم هذه؟"، فقال له: "هذه، توقف هنا"، وفتح الباب، وهنا عرفنا أننا فعلًا أُحلنا إلى المحكمة الميدانية. استقبلونا بحفلة استقبال وحشية أكثر من سابقتها، ونحن كنا في سيارة الفان سبعة معتقلين، وهناك اجتمعنا مع 22 معتقل جاؤوا من بقية الأفرع، وكانوا قد وصلوا في الوقت نفسه، فكان يوجد لـ 28 معتقل حفلة استقبال واحدة، وكانت وحشية جدًا، وللأخذ بالعلم صحيح أن الشرطة العسكرية لا يتم الحديث عنهم كثيرًا كمجرمين، ولكنهم مجرمون أكثر من عناصر الأمن بمراحل، فهم وحوش، وهم أول من يجب أن تُسعر بهم نار العدالة لأنهم وحوش أكثر بمراحل، وهم لا يعرفون إلا الضرب.

كانوا يضربوننا بالأقدام والأيدي والكابلات وأعقاب البنادق، وكانوا يركلوننا بكل طريقة، و[كانوا يضربوننا] بـ "الأخضر الابراهيمي" أي الأنبوب الأخضر والجنازير والأنابيب المعدنية، وتزامنت تسمية كابلات التمديدات [الصحية الخضراء] بالأخضر الابراهيمي مع كونه المبعوث الدولي حينها، وخرجت التسمية عن السجانين وعن المسجونين عندما كانوا يستخدم السجانون هذا الأنبوب الأخضر [في التعذيب]، فأصبح اسمه "الأخضر الابراهيمي". ضربونا بشكل مستمر، وبعد ذلك أدخلونا إلى غرفة الديوان، وإلى الآن مازلت غير مصدّق أننا في المحكمة الميدانية.

خلال هذه الحفلة (حفلة الاستقبال – المحرر) كانت المعارك على أشدّها في محيط القابون، وكانت القنابل والقذائف تسقط على منطقة السجن مثل زخّ المطر، وبالمقابل أيضًا كانوا من السجن يضربون على الشباب (الثوار – المحرر)، وعمليًا محيط السجن كان محاصرًا، بالأحرى محاطًا -لنقل ذلك- وليس محاصرًا، ونحن وصلنا إلى المحكمة الميدانية وهي ملاصقة لبناء داخل سجن القابون (سجن الشرطة العسكرية في القابون – المحرر) اسمه إدارة السجون العسكرية، وعمليًا بناء إدارة السجون العسكرية يتبع له ويمتد إليه سجن القابون العسكري القديم، ويلتصق به بناء فيه طابقان، هما المحكمة الميدانية العسكرية الأولى والثانية (الغرفة الأولى والغرفة الثانية).

عندما دخلنا بعد الحفلة، أدخلونا إلى الديوان، وهنا عرفنا أننا فعلًا في المحكمة الميدانية العسكرية، وعندما نزعوا الطماشات (عصابات العيون - المحرر) وفتح كاتب المحكمة، واسمه خالد عليان وهو نازح وملتحٍ -له لحية خفيفة- ونحيف وطويل، وهو نازح من الجولان، فتح سجلًا كبيرًا كُتب عليه: ديوان المحكمة الميدانية، بدأ يأخذ معلوماتنا، وكان يمسك بهوياتنا ويدقق. كل الذين اجتمعوا على باب السجن 27 شخصًا، نحن سبعة من أولاد دعوتنا والباقي 22 شخصًا، لنقل أكثر: 29 شخصًا، كنا مقيدين للخلف ونتعرض للضرب، ولكن أدخلونا واحدًا واحدًا إلى الديوان.

وفي الديوان بدأ يقول لنا: "أهكذا تفعلون بأنفسكم؟ أليس حرامًا؟"، وأضاف: "أعطوني معلوماتكم"، وبينما كان يأخذ معلوماتنا جاء شخص من الخلف ومعه محبرة وقام بتبصيمنا، حيث أمسك أيدينا ونحن مقيدون وبصّمنا على ورقتين صغيرتين لا نعرف محتواهما. وطبعًا طوال فترة وجودنا في السجن كنا نتكهن عن مضمون هذه الأوراق، والبعض يقول: "إنها أوراق تنازل عن أملاكنا"، والبعض الآخر يقول: "إنها أوراق تفيد بأننا موافقون على حكمنا"، لا أعرف.

بعد ذلك أخرجونا واستمروا بضربنا، وبينما كانوا يضربوننا كان هناك عنصر من الأمن يوجه عناصر الشرطة العسكرية حتى يضربونا، ويقول لهم وهو يمسك علبة الكولا: "هذه العلبة كان سعرها قبل الأزمة عشر ليرات، وبسببكم أصبح سعرها 50 ليرة"، واستمروا بضربنا، وبعد ذلك قال للعسكر: "أنتم بسبب هؤلاء يُحتفظ بكم، وبسببهم أنتم لا تذهبون إجازات"، ويستمر الضرب. وبعد قليل يأتي ويقول لزميله: "إن صديقنا كان قادمًا بطيارة مروحية من اللاذقية ليحضروا معهم موقوفين، وكان معهم أطباء، وطوال الطريق كان جميع الموجودين في الطائرة يضربون الموقوفين، حتى الأطباء"، وكانوا يقولون ذلك وهم فرحون، بمعنى أنهم ينتقمون منهم بسبب ما فعلوه في البلد.

استمروا بضربنا، ثم بدؤوا يدخلوننا واحدًا تلو الآخر إلى المحكمة الميدانية، وطبعًا ونحن في المحكمة الميدانية كانوا يسمعون أصوات الضرب خارجًا (ضرب المعتقلين – المحرر)، وبكل بساطة يسألونك: "لماذا ينزف الدم منك؟".

المحكمة الميدانية هي محكمة استثنائية موجودة منذ عام 1968، ومحكمة الميدان العسكرية في الأصل وبالقانون تُعقد في حالات الحرب وتُحاكم العسكريين في الميدان في المعركة بسبب عدم إطاعة الأوامر، وفُعّلت عام 1980 خلال أحداث الإخوان (جماعة الإخوان المسلمين – المحرر)، وفُعّلت بنفس الطريقة خلال الثورة، وحاكمت أيضًا معتقلي داريا عام 2003، وكانت تجري محاكمات بين عام 1980 وبين ثورة عام 2011 لبعض جواسيس إسرائيل، العسكريين وليس المدنيين، كانت تقوم بهذا الدور، ولكن بعد أحداث الثمانينات تقلص دورها وأصبحت تتابع فقط العسكريين، وعادت إلى اختصاصها الطبيعي، وخلال الثورة أُعيد تفعيلها. رئيسها الذي قابلنا اسمه محمد شيخ خرفان، وهو خرفان (فاسد العقل – المحرر) فعلًا، وهو من دير الزور وهو مثل رجل الكرسي (ليس صاحب قرار - المحرر)، وفي الحقيقة هو ديري سني بصراحة.

كل شيء في الأمن والمحاكم الميدانية، وكل شيء في نواة النظام و"كور" النظام (مجموعته الأساسية – المحرر) (...)، وهذه [الحقيقة] لا تفهمها المعارضة ولا الغرب ولا الشرق، فصحيحٌ أن النظام قائم اليوم على السنّة، ولكنهم ليسوا في "الكور" (النواة) الأساسي، وصحيح أن [النظام] قائم على "بزنس" السنّة، ولكنهم ليسوا في الكور(النواة) الأساسي، والكور (النواة) الأساسي هم الطائفة العلوية، فرؤساء الأفرع الأمنية في المواقع المؤثرة علويون، وقادة الوحدات العسكرية وأكثر شيء مؤثر في الوحدات العسكرية هي الفرق والألوية على رأسها العلويون، وأما الفيالق وعلى الرغم من كونها أعلى من الفرق فليسوا علويين، والأشخاص المؤثرون في الأفرع الأمنية أيضًا هم من الطائفة العلوية، وفي المحاكم الميدانية: رئيس المحكمة قد يكون سنيًا مثل شيخ خرفان، ولكن المؤثر وصاحب القرار والذي يقترح الأحكام هو النائب العام العسكري محمد كنجو حسن، وهو الآن مدير إدارة القضاء العسكري (وقت تصوير الشهادة – المحرر)، وهو علوي وهو أساس المحكمة، وكذلك سامر عباس هو قاض علوي وهو من يقترح الأحكام ويحقق مع المعتقلين في المحكمة.

المحكمة طاقمها مؤلف من ثلاثة أشخاص: شيخ خرفان الذي لا يتكلم بكلمة واحدة، ولكنه فقط يصادق على الأحكام، ومحمد كنجو حسن، وسامر عباس، بالإضافة إلى كاتب المحكمة الذي هو خالد عليان والذي يقوم بالتدوين. والمحكمة عبارة عن مكتب مثل أي مكتب، وفي الصدر صورة بشار الأسد، وهو شكل غير حيادي لقضية مثل قضية الثورة، والمحكمة تأخذ بالضبوطات (محاضر الجلسات - المحرر) المنتزعة تحت التعذيب، وتحاسب الناس ليس على جرائم ارتكبوها مثل التخريب والقتل، وإنما تحاسبهم على أكثر من ذلك، أي تحاسبهم على أنهم طالبوا وعبّروا عن رأيهم، وتحاسبهم لأنهم خرجوا مظاهرة سلمية وبكل وقاحة ولا تستحي، تحاسبهم لأنهم تظاهروا سلميًا، تحاسبهم لأنهم كانت لهم آراء معارضة قبل الثورة، وهذا ما سألوني عنه بطريقه اتهامية.

المحكمة ابتداءً وكشكل كانت تأخذ صف النظام بشكل كامل، وتتحدث بصوت النظام، أي أنك لا تشعر أنك تجلس مع قاضٍ يسمع منك ويسمع من المدعي العام، فهم يتحدثون ويتبنون رواية النظام، والمدعي أو النائب العام محمد كنجو حسن هو الكل بالكل (صاحب الأمر والنهي)، فالقاضي لا يقول شيئًا، والمحاكمة عبارة عن 3 أو 4 دقائق، وأنت تنكر كل أقوالك وتقول إنها انتُزعت تحت التعذيب، ويسجلونها لك، وتنظر إلى ورقة خالد عليان حيث كُتب عليها "السجل العدلي"، أي أنها نظامية، ويُكتب فيها: "أنكر جميع أقواله، وقال إنها انتُزعت منه تحت الضرب والتعذيب"، ولكن الحكم يكون بمعزل عن هذا الكلام، والحكم هو ما نراه حسب الخلاصة التي في المحضر.

وكانت محاكمتي تقريبًا 4 دقائق، ولا يوجد محام، ولا يوجد أي شيء، وأنا أُعتبَر محظوظًا فهناك أشخاص كانت محاكمتهم دقيقة واحدة، وخلال هذه الدقائق الأربع قال لي: "أنت مسؤول عن أعمال تخريبية"، فقلت له: "نحن لم نتعدّ على أي شيء من مؤسسات الدولة، ولم نحمل السلاح"، فقال: "أنا لا أتحدث عن هذا، أنت كنت منظمًا للحراك في دمشق"، وقلت له: :أنا لست منظمًا للحراك في أي شيء، أنا شاركت في المظاهرات"، فقال: "أين شاركت في المظاهرات؟"، قلت له: "في الميدان (حي الميدان – المحرر) والرفاعي (جامع الرفاعي – المحرر)، فقال: "هذه وحدها جريمة، وأنت كنت تنسق الحراك"، قلت له: "لم أنسق الحراك"، فقال: "وماذا عن المساعدات؟ من أين تلقيتها؟"، قلت له: "لقد كانت مساعدات إغاثية إنسانية"، فقال: "ومن أين تلقيتها؟"، قلت له: "تلقيتها من الخارج؟"، فقال: "ممن في الخارج؟"، قلت له: "من سوريين في الخارج". أضاف: "أنت لك موقف ضد السيد الرئيس وضد النظام"، فقلت له: "نعم، مثل جميع الناس"، فأفهمني يومها ولا أذكر الصيغة بأنها جريمة، أو شيء قريب من الخيانة، و"أن البلد تتعرض لأحداث وضغوطات، وأنتم تقفون ضد البلد"، ومن هذا الكلام. قلت له: "هكذا رُبيت ألا أسكت عن الخطأ، وهكذا رباني والدي"، وأضفت: "أنا والدي ضابط سابق، وهكذا رباني"، فقال: "وأيضًا والدك معارض"، قلت له: "والدي ليس معارضًا، ولكنه قال لي: لا تسكت عن الخطأ، هكذا رباني". وطبعًا بعد سنة ذهبت إلى المحكمة الميدانية مرة ثانية أو رأيت القاضي بطريقة معينة عندما كانوا يؤمّنون لي واسطة، فقال لوالدي: "ابنك كان يريد أن يطقك برغي بأنك معارض" (بمعنى أراد أن يشي بك - المحرر).

كان لئيمًا جدًا معي، وقلت له: "كل الكلام في المحضر كذب، وكله انتُزع تحت التعذيب"، فقال لي كنجو: "كيف ذلك؟ هل المحققون يؤلفون من عقلهم؟ حتمًا هذا واقع وأنتم تحدثتم به". هم كانوا يعتمدون ضبوطات التحقيق بشكل كامل، أي مهما يقال.

كان معنا في الأمن العسكري شاب أمسكوه على حاجز، وهو صغير [السن]، ويعمل في فرن "كوكونات" الذي كان في مشروع دمر، وكان يعمل مسؤولًا عن خط إنتاج الكرواسان وغيره، أمسكوه وهو من جديدة عرطوز، وكانوا قد أمسكوه بشكل عشوائي، وقالوا له: "أنت تطلق الرصاص على الحاجز"، ولم يعترف، وتعرض للضرب كثيرًا فاعترف وقال لهم: "نعم، أنا كنت أطلق النار على الحاجز"، فقالوا له: "كم جنديًا قتلت؟"، قال: "أنا لم أقتل أحدًا، وقلت لكم أنني أطلق النار حتى أتخلص منكم"، فقالوا له: "لا، يجب أن تعترف كم شخصًا قتلت؟"، وهو بدأ يمزح فقال لهم: "قتلت 100 شخص"، سجّلوها وسألوه: "بماذا قتلتهم؟"، فقال: "بالمسدس الصغير"، وهو مسدس خلّبي ورصاصه يصل إلى 3 أمتار فقط، وهم سجّلوا أقواله واتُهم بها، وأُحيل إلى الميدانية، وصار في صيدنايا (سجن صيدنايا العسكري – المحرر)، وأعتقد أنه قد مات.

وهناك شخص آخر كان موجودًا في القابون (سجن الشرطة العسكرية في القابون – المحرر)، وهو من حمص، قُطعت كلتا يديه قبل الثورة، واتهموه أنه كان يزرع ألغامًا، ويداه من هنا وهنا مقطوعتان، وحوكم على هذا الأساس؛ لأنه اعترف تحت التعذيب بهذا الموضوع. أيضًا هناك شخص كان ضريرًا أعمى، ولفّقوا له تهمة تحت التعذيب أنه قناص، وهكذا كانت هناك أمور غير منطقية، وكانت تثبت على الشخص ويُحكم بها.

هنا قال لي [كنجو]: "أنت على رأس الحراك"، وكان مصرًّا، فقلت له: "لست على رأس الحراك، وأنا متظاهر عادي"، وقال: "لو كنت متظاهرًا عاديًا لم تكن لتأتي إلى الميدانية (المحكمة الميدانية العسكرية – المحرر)". وبعد ذلك وضعونا في مهجع في القابون، وانتهت المحاكمة.

دخل الشاب الثاني، وكان أوقح معهم، واستُشهد طبعًا، وكان قد ضُرب بشكل شديد، وسأله القاضي: "لماذا يوجد عليك دماء؟"، فقال له: "ألا تسمع ماذا يفعل عناصرك في الخارج؟"، وأجابه [القاضي]: "تكلم بأدب أنت في محكمة"، فقال الشاب: "هل هذه محكمة أم فرع أمن؟!"، [كان اسمه] محمد طباع، واستُشهد في صيدنايا (سجن صيدنايا العسكري – المحرر) بين يديّ، قال له: "هذا فرع أمن وليست محكمة"، وهنا أصبحت حدة بينهما، واحتدوا عليه بالكلام، وقالوا له: "أنت مجرم وأنت كذا".

المهم أنه في هذا اليوم انتهت المحاكمة وذهبنا إلى المهجع، وكان هناك مهجعان في القابون، وهما كبيران، وفيهما العشرات أو المئات، وجميعنا كنا نتناقش أنه ماذا سوف يكون مصيرنا؟ وإلى أين سوف يأخذوننا؟ والغالبية كانوا يقولون: "أنتم سوف تذهبون إلى صيدنايا". وسجن القابون كان بمثابة Hub، أي مكان تجمع، يأتي إليه من جاء من سجن صيدنايا ويريدون نقله إلى مكان آخر، أو من جاء من الفروع حتى يأخذوه إلى سجن صيدنايا، أو من جاء من الفروع حتى يأخذوه إلى المحكمة، أو من جاء من الفروع حتى يأخذوه إلى القابون أو عدرا، أو من جاء من سجن عدرا أو من جاء من سجن البالونة من حمص يأتي إلى القابون، أي هو مكان تجمع.

[قالوا لنا]: "بما أنكم عُرضتم على المحكمة فسوف يأخذونكم إلى سجن صيدنايا"، وأتذكر أن كان هناك شخص يقول لنا: "في صيدنايا يوجد ألوان، هناك الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض". وسجن صيدنايا هو عبارة عن بنائين: الأبيض والأحمر، وكل بناء له درجة من العذاب، وكانوا يقولون لنا ذلك ونحن لم نكن نصدقهم.

نمنا واستيقظنا في الصباح، فنادوا علينا منذ الصباح، ودائمًا في الصباح في سجن القابون يوزعون المعتقلين حيث تأتي الباصات وتأخذ [المعتقلين] من القابون، منهم من يأخذونه إلى الأفرع فهناك باص يأخذ إلى الأفرع، وباص يأخذ إلى سجن عدرا، وباص يأخذ إلى سجن صيدنايا وهكذا. وعندما نادوا علينا، الجميع كانوا مقيدين إلى الأمام وكانوا معصوبي الأعين أو غير معصوبي الأعين، غالبًا كانوا غير معصوبي الأعين، ولم يحنوا لهم ظهرهم، وكانوا يعاملونهم بإحسان نسبيًا، ويأخذونهم في السيارات.

جاء دورنا ونحن 27 شخصًا، فنفس سرية القابون التي كانت تضرب، كانت تعاملنا بعنف وغلظة، وأُمرنا بإنزال رؤوسنا وعُصبت أعيننا وقُيدت أيدينا إلى الخلف، وأذكر أحد الشباب اسمه علي شاهين -رحمه الله- التفت إلى أحد عناصر الشرطة العسكرية، وعلي كان جريئًا، وقال له: إلى أين تأخذوننا؟ وأجابه: "إلى منتجع صيدنايا"، فقال له [علي]: "أسألك بشكل جدي إلى أين ستأخذوننا؟"، فضحك العسكري وقال: "أنتم ذاهبون إلى سجن صيدنايا، فليكن الله في عونكم"، فهمس [علي] إلينا وقال: "يا شباب، نحن ذاهبون إلى سجن صيدنايا"، وقال لي: "ليكن الله في عونكم، فالوضع صعب جدًا".

أنا أتذكر عندما حصل استعصاء صيدنايا (بدأ استعصاء سجن صيدنايا في 5 تموز/ يوليو 2008 واستمر نحو 9 أشهر – المحرر)، وكنت في ذلك الوقت ناشطًا قبل الثورة، وذهبت إلى السجن عدة مرات في السيارة وحمت حوله، وحاولت توثيق الحالة وحصار السجن، وكان الشباب يقفون على سطح السجن ويحاولون الاستعصاء حينها، وكانوا مستعصين، وأتذكر أنني عندما ذهبت عدة مرات إلى السجن كان يستغرق معي الطريق بالسيارة بين دمشق وصيدنايا تقريبًا 20 دقيقة أو أقل، أي ربع ساعة بسيارتي.

وأتذكر الطريق من سجن القابون إلى سجن صيدنايا استغرق يومها ساعتين، فالطرقات إلى السجن كانت مقطوعة وغالب المناطق كانت محررة، وكانت السيارة تضطر للالتفاف بين جبال القلمون إلى تلفيتا (قرية في القلمون بريف دمشق - المحرر) أو تذهب السيارة من جهة قاسيون وتذهب إلى تلفيتا ثم إلى سجن صيدنايا، وأذكر أنه عندما انطلقت السيارة كانت فوقنا طائرة مروحية، وكانت هناك دورية مع السيارة، وطوال الطريق كنا نبكي، وكنا متأكدين أننا ذاهبون إلى مكان مثل تدمر (سجن تدمر – المحرر)، وكنا ندعو وأنا كنت أرفع معنويات الشباب. وما جعلنا نتأكد أننا ذاهبون إلى مكان مثل تدمر أن كان هناك سجين من حمص أخذوه إلى المستشفى، وكانوا يريدون إعادته إلى صيدنايا، فوضعوه معنا، وهو كان في سجن القابون، فأخذوه من المستشفى إلى ومنه إلى صيدنايا، وعندما ركب معنا حكى لنا عن سجن صيدنايا وعما رأيناه بعد ذلك من موت وقتل وجوع وتعذيب يومي وانتهاكات ووحشية.

أذكر أننا عندما وصلنا إلى السجن قلت للشباب: "الآن وصلنا إلى السجن"، فأنا كنت أحفظ جغرافية السجن؛ لأن واحدًا من أقاربي كان معتقلًا، فقلت لهم: "الآن سنصعد للأعلى"، وفعلًا صعدنا للأعلى، وكان هناك حاجز في منتصف الطريق، وفتحوا علينا طاقة السيارة ونحن معصوبو الأعين، وقالوا [لسائق السيارة]: "امش"، ثم وصلنا إلى حاجز ثان داخل السجن، ثم حاجز السجن الأبيض الذي كان للمخالفات العسكرية. عمليًا سجن صيدنايا هو مثل سجن تدمر، وفيه سجنان مثل سجن تدمر: سجن للسياسيين وسجن للمخالفات العسكرية، السجن الأبيض للمخالفات العسكرية والسجن الأحمر للثورة.

عندما وصلنا قلت: "لقد وصلنا، الله يستر"، وكان هناك هدوء تام، وفجأة سمعنا صوت عناصر الشرطة العسكرية يهجمون على السيارة مثل الكلاب، وبدأت الشتائم والصخب، وفُتح الباب، وكنا نشعر بالرعب لأن الطماشات كانت قد سقطت عن أعيننا بسبب اهتزاز السيارة في الطريق، وكنا نحاول إعادتها.

فتحوا الباب، وبدؤوا ضربنا وأنزلونا من السيارة مع الضرب العنيف، وكنا نقع على وجوهنا ونتكسر، وإلى أن دخلنا إلى بهو السجن داخل البناء كان نصفنا قد شُقّ قميصه أو فُقد حذاؤه.

وبعد ذلك استلمونا من مفرزة القابون وفكّوا قيودنا، وأولئك بدؤوا بإعطائنا التعليمات: "اجعل يديك خلف ظهرك، وضَعْ كنزتك (قميصك - المحرر) على وجهك، وإذا كانت الكنزة غير موجودة ضَع يديك على عينيك"، ثم بدأ الضرب على ظهورنا ونحن في وضعية السجود، ووضعية السجود لا توجد إلا في صيدنايا، وبدؤوا بضرب كل شخص وعلى ظهره بالأخضر الإبراهيمي.

وبعد ذلك بدأ استلام الأمانات بطريقة وحشية، وفي أثناء استلام الأمانات كل شخص لديه ثياب جيدة كانوا يجردونه منها ويأخذونها، ويسألونه عن اسم والده ووالدته، وعندما يصلون إلى اسم الأم لا يقولون له: "ما هو اسم أمك؟"، وإنما يقولون له: "اسم أبيك فلان الفلاني" ولا يقول له: "اسم أمك، بل يقول له: "ما هو اسم العاهرة"، ولكن يقولها بالمعنى السوقي، ويجب على المعتقل تلقائيًا أن يذكر اسم أمه ويفهم ذلك فورًا، وإذا لم يذكر اسمها فسوف يتعرض للضرب حتى يذكره.

عندما جاء دوري لم أقل له اسمها فضربني في المرة الأولى، وبعد ذلك قلت له؛ لأن الضرب كان شديدًا، قلت له اسم أمي، وبعدها سألني: "ماذا تعمل؟".

ونحن في الطريق قال لنا أحد الشباب وهو الشاب الحمصي: "إذا كان أحدكم طبيبًا أو مهندسًا لا يجب عليه أن يذكر ذلك، أو إذا كان أستاذًا، أي إذا كان طبيبًا أو مهندسًا أو محاميًا أو أستاذ مدرسة لا يجب عليه أن يقول ذلك، وإذا كان جامعيًا فمن الأفضل ألا يقول بأنه جامعي؛ لأنهم ينتقمون من هؤلاء الناس"، أي مثل الثمانينات في [سجن] تدمر، وفعلًا هذه النصيحة كانت مفيدة. فعندما سألني: "ماذا تعمل؟"، ولا أعرف كيف خطر ببالي ذلك، فقلت له: "كهربائي حاسوب"، ومرّت عليه، وبعد ذلك مشينا.

هناك في صيدنايا كل شيء تتعلمه بالضرب، فعندما يقول: "ضع يديك على عينيك" يجب أن يكون قعر الكف على العين حتى لا يكون هناك احتمال أن تفتحها، وحتى لو لم تضع يديك على عينيك فإن الأصل ألا تفتح عينيك، وعندما تمشي كمجموعة تلقائيًا يقول لك: "ِامش قطارًا"، عليك تلقائيًا أن تضع يديك على خاصرة [زميلك]، وبمجرد أن اصطدم أحد بك من زملائك – مثل الغنم - عليك أن تمسك بخاصرته وتمشي وأنت راكع وهو يسير في الأمام، فهذا هو القطار.

مشينا وكانوا يضربوننا، وكنا نرى جبلًا من الأحذية لمن جاء قبلنا أيضًا، واتضح أن المعتقل ولو بقي عمليًا في سجن صيدنايا خمس سنوات أو عشر سنوات يجب أن يكون حافيًا، فخلعنا أحذيتنا وأيضًا كانوا يضربوننا، ووصلنا إلى الدرج وكان درجًا سحيقًا يؤدي إلى الزنازين، والدرجات كانت عالية، وهنا توقف الضرب، وقالوا لنا: "انزل درج"، وهذه مفردة يستخدمونها كثيرًا في صيدنايا، وهي: "انزل درج"، حتى لا نقع؛ لأنهم في الوقت نفسه لديهم محاذير ويبقون خائفين، فإذا وقعنا من الدرج وحصلت فوضى ربما نقوم بشيء، ونحن لا زلنا قادمين إلى السجن حديثًا ولا زلنا بقوتنا. وأثناء نزول الدرج لا يضربوننا، وعندما نصل إلى الأرض يبدأ الركل والضرب.

وصلنا إلى أرض ممر الزنزانات، ونزلنا تقريبًا 30 درجة ليس أكثر، وأظن أنه أول قبو، أي نزلنا من [الطابق] الأرضي إلى القبو، ولكن الدرجات كانت مرتفعة، فقال [العسكري]: "هيا خلال ثلاثة أعداد يجب أن يكون الشخص كما ولدته أمه"، أي عراة بشكل كامل، والذي يبقى بالسليب الداخلي (لباس داخلي سفلي) يتعرض للضرب، فتعرّينا بشكل كامل، وقال: "الجميع منبطحًا، والآن كل شخص سوف أضربه عشرة كبلات على رجليه، وأي صوت تصبح 100 كبل والمئة تصبح ألفًا إذا خرج صوت أيضًا، وهكذا". وتقريبًا الجميع ضُرب 100 كبل أو أقل من 100، لم يُضرب أحد 10 فقط، فالجميع خرج صوته لأن الضرب كان مؤلمًا جدًا، ولا أعرف لماذا يضربوننا، والضرب كان على كل الجسم وليس فقط على الرجلين. كل ما تعرضنا له من ضرب شيء وما تعرضنا له في صيدنايا شيء آخر، والصوت بحد ذاته عندما ينزل على الجسم كان مرعبًا، وأنت قبل أن يأتي دورك كنت تسمع ما يتعرض له الناس فتنهار من الرعب، وكان الرعب شديدًا.

وبعد هذه الحفلة، [قيل لنا]: "واقفًا"، ووضعوا كل تسعة أشخاص في زنزانة ومساحة الزنزانة متران مربع، وفيها 9 أشخاص، وضمنها حوالي 80 سم تواليت (مرحاض) وقد قُسمت بجدار ولكن دون باب. عمليًا في الليلة الأولى أدخلونا ونحن عراة إلى التواليت داخل الزنزانة، ويوجد جزء من الزنزانة فارغ، ولكن ممنوع أن نجلس فيه، ونحن 9 أشخاص عراة في مساحة لا تتجاوز 80 سم أي شيء غير منطقي، ولكنه حصل، وكان البرد شديدًا.

وطبعًا في هذا الوقت ونحن محشورون بهذه الطريقة أعطونا التعليمات، وكنا قد ملأنا 3 زنزانات فقد كنا حوالي 27 شخصًا، وكانت التعليمات التي قالوها: "أولًا يجب أن نسمعها بصوت عال: أنتم أولاد ماذا؟"، ونحن نجيب: "أولاد عاهرة"، [فيقول لنا العسكري:] "هذا هو اسمكم"، والزنزانة التي لا يخرج صوتها بشكل عالٍ يضربون المعتقلين فيها.

وبعد ذلك أعطانا التعليمات، وقال: "أنتم هنا ممنوع عليكم النوم إلا بأمر، وممنوع الاستيقاظ إلا بأمر، وممنوع الدخول إلى الحمام إلا بأمر، وممنوع الأكل إلا بأمر، وكل شيء ممنوع. وعندما نخرج إلى الممر الجميع يجب أن يكون جاثيًا ووجهه نحو الجدار، وعندما ندخل إلى المهجع أو الزنزانة الجميع يجب أن يكون جاثيًا داخل الحمام"، هذه هي التعليمات.

وبدأت يوميات الزنزانات وبقينا فيها 5 أشهر، وكانت أطول مدة لنا، فالنظام في صيدنايا أن من يأتي إلى صيدنايا يجب أن يبقى فترة معينة في الزنزانات أقصاها 5 أو6 أشهر، هذا في حال عدم ارتكاب الشخص مخالفة ما، وإذا ارتكب مخالفة في السجن يمكن أن يعود ويبقى لمدة سنة. وأنت لم ترتكب في السجن أي مخالفة بعد، ولكن هذا كاستقبال يجب أن تبقى على الأقل أسبوعين والأكثر 6 أشهر، ونحن بقينا تقريبًا 5 أشهر ونصف في زنزانات صيدنايا حيث لم تكن هناك شمس وكانت معتمة، وكان هناك ضوء خفيف يأتي من الخارج، وطبعًا يوجد الكثير من التفاصيل التي حصلت في زنزانات صيدنايا.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/10/08

الموضوع الرئیس

معتقلات الأسد

كود الشهادة

SMI/OH/131-39/

رقم المقطع

39

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2012

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

سجن الشرطة العسكرية في القابون

سجن الشرطة العسكرية في القابون

المحكمة الميدانية العسكرية - نظام

المحكمة الميدانية العسكرية - نظام

الشرطة العسكرية - نظام

الشرطة العسكرية - نظام

الشهادات المرتبطة