قيادة "جيش الإسلام" الجديدة، والدعم المشروط للهيئة العليا للمفاوضات
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:26:34
دخلنا العام 2016 على حقائق جديدة، فهو عام الصراعات الكبرى والتراجع وناقوس الخطر، دخلناه على وقع اغتيال زهران علوش (اغتيل زهران علوش في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2015 - المحرر)، وتعثر مشروع الهيئة العامة (الهيئة العامة في الغوطة الشرقية – المحرر) أمام مماطلة وتعطيل الشق العسكري، وكذلك بدء ابتلاع الفصيل الكبير "جيش الإسلام" لـ (...)، حيث أصبح واضحًا في مشروع القيادة الموحدة بمكوناتها (القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية - المحرر) أن هناك غلبة وهيمنة لجيش الإسلام.
وبعد اغتيال زهران علوش أصبح القائد العام للغوطة عصام بويضاني أبو همام، القائد الجديد لـ "جيش الإسلام"، وكهيئة عامة كنا نتطلع لهذا الشخص الجديد، وكيف سنحاول أن نفهمه ويفهمنا، وأن نبني شراكة معه. وبدأنا نلحظ التباين والتباعد حتى بين مكونات القيادة العسكرية الموحدة.
وفي الحقيقة كنا قد بدأنا نلمس ذلك منذ نهايات العام 2015، ذلك العام الذي أنهى فيه "جيش الإسلام" "جيش الأمة" (شنّ "جيش الإسلام" هجومه على مقرات "جيش الأمة" في 4 كانون الثاني/ يناير 2015 – المحرر) وجرى فيه القضاء على "داعش"، كما اندمجت الفصائل الصغيرة، سواءٌ برضاها أم تحت الضغط، بالفصائل الكبرى، فقد شهد العام 2015 اندماج الأحرار ("حركة أحرار الشام الإسلامية" – المحرر) وخروجهم من "فيلق الرحمن".
في العام 2016 بدأنا نسمع أن "جيش الإسلام" يصفّي بعض مقرات ونقاط الاتحاد الإسلامي (هاجم "جيش الإسلام" مقرات "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" في شباط/ فبراير 2016 – المحرر) في منطقة دوما على الرغم من كونه شريكه، ودخلنا العام 2016 و[مجلس] القضاء الموحد الذي كان أحد إنجازات القيادة العسكرية الموحدة، وكان على رأسه وقائده الشيخ أبو سليمان [خالد] طفور، وهو محسوب على التيار الإخواني أي تيار الاتحاد الإسلامي، قد انتهت ولايته وبدأت ولاية القاضي زين العابدين (تم تعيين أبو عبد الرحمن زين العابدين قاضيًا عامًا للغوطة الشرقية في 21 أيلول/ سبتمبر 2015 – المحرر) وهو من المحسوبين على "جيش الإسلام"، والذي بدوره عطّل المجلس القضائي، فأصبحنا أمام معادلة قيادة عسكرية معطلة ومحتكرة باسم الوريث الذي ورث ختم القائد العام للقيادة العسكرية الموحدة.
وبعد ذلك بدأنا نرى كلمة "القائد العام للغوطة"، الأمر الذي تسبّب لنا بإشكالية كبيرة، كما اختُزل المجلس القضائي بالقاضي العام وعُطِّل، فقد كان قائمًا بالأساس على توازنات قضاة قامت بتسميتهم الفصائل الثلاثة المنضمة لمشروع القيادة الموحدة. وكنا نعتبر أن الإشكالات القضائية التي تقع فيها الغوطة سببها أصحاب السلطة والبارودة، أي الفصائل، وكنا نرى أنه طالما ارتضت الفصائل أن تكون تحت سقف المجلس القضائي، فإذن الجانب القضائي والحقوقي في الغوطة قد أصبح بخير، ولم يعد بمقدور أحد القفز فوقه، فأنتم صنعتموه متفاخرين – نحن وأنتم – بأنه قد أصبح لدينا مجلس قضائي مستقل وبرضاكم، وكان يهمنا أن نمسك بهذه المؤسسة، فسلطتها فوق الفصائل وبرضاها.
ومن تحفظاتنا على سبيل المثال: كنا نطرح في اجتماعاتنا أن القضاء كي يكون صحيحًا يجب أن يعمل على هيكلته القضاة والمحامون والحقوقيون، فالطبيعي في القضاء وجود المحامي والقاضي، ولا بد من وجود الشرعي، فليس لدينا مشكلة في وجوده، ولا في أن تكون الشريعة الإسلامية هي الناظم في القوانين القضائية، إنما العملية القضائية تحتاج إلى أهلها وناسها الذين درسوا وتخصصوا فيها، والغوطة كان فيها بعض تلك الخبرات. وهكذا أصبح المجلس القضائي مجلس مشايخ، في حين أن العاملين في الجهاز القضائي محامون ومتدربون، وهنا بدؤوا عقد الدورات وما إلى ذلك، وهكذا دخلنا العام 2016 أمام هذه الخارطة.
مع سير الأمور ومضي الأيام، سمعنا باندماج "الاتحاد الإسلامي" مع "فيلق الرحمن" (أُعلن الاندماج في 18 شباط/ فبراير 2016 – المحرر)، وسبقه أن شركاء "جيش الإسلام" في القيادة العسكرية الموحدة، وأمام تغوّله، جمّدوا عضويتهم (جمّد "فيلق الرحمن" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" عضويتهما في آب/ أغسطس 2015 – المحرر)، ولم ينسحبوا ولم يحلوا القيادة العسكرية الموحدة، وإنما بدأنا نلاحظ أن هناك شيئًا غير طبيعي حتى في هذا الجسم العسكري الموحد الذي تفاءلنا به خيرًا وتفاءلنا بإمكانية البناء عليه والتأسيس من خلاله للشراكة المدنية العسكرية، حيث بدأ يحدث فيه صراع مراكز قوى.
وبدأت بعد ذلك الحملة على مقرات "الاتحاد الإسلامي"، خصوصًا في منطقة دوما وما حولها، وكانت الخارطة الفصائلية في الغوطة أنه في كل قطاعات الغوطة تقريبًا هناك مجموعات تتبع لمختلف الفصائل، ففي أي منطقة في الغوطة يمكن أن تجد كتيبة لـ "جيش الإسلام" وكتيبة لـ "فيلق الرحمن" وكتيبة لـ "الاتحاد الإسلامي"، والتداخل بين الجبهات والمقرات كان موجودًا، إلا في دوما حيث بدأ "جيش الإسلام" بتصفية وجود الفصائل الأخرى.
وقرأت الفصائل هذا الأمر بأنه بداية هضم، فـ "الاتحاد الإسلامي" كفصيل ضعيف في دوما، حيث القوة الأكبر لـ "جيش الإسلام"، اندمج مع "فيلق الرحمن"، وهنا أصبح هضمه والتعرّض لمقراته يضع "جيش الإسلام" أمام القوة الكبيرة المناكفة له، وهي "فيلق الرحمن".
بالتوازي مع ذلك، مجموعة الفصائل الصغيرة التي كانت ترفض الانضواء تحت أحد، وهي "جبهة النصرة" التي كانت تسمي نفسها "هيئة فتح الشام" (أعلنت "جبهة النصرة تحوّلها إلى "جبهة فتح الشام" في 28 تموز/ يوليو 2016 – المحرر)، و[حركة] "أحرار الشام"، أما على مستوى تحالفاتهم وسيرتهم في الغوطة فقد شكّلت "فتح الشام" و"أحرار الشام" و"لواء فجر الأمة" مكافئًا ليحصّنوا بعضهم البعض، أي أن هؤلاء الثلاثة الصغار شكّلوا ما سموه "جيش الفسطاط" (صدر البيان الذي أعلن عن التشكيل في 15 آذار/ مارس 2016 – المحرر)، وذلك كي يكونوا قوة مكافئة، أو على الأقل قوة تردع الابتلاع من قبل الآخرين.
تلك كانت الخارطة الفصائلية في الغوطة، أما على صعيد المشروع المدني، مشروع الهيئة العامة [في الغوطة الشرقية]، كنا أمام قائد جديد لـ "جيش الإسلام"، نريد أن نلتقي به ونمضي في مشروعنا ونجد نقاط الحوار بيننا. تحدثنا مع زملائنا أعضاء الهيئة السياسية [في الغوطة الشرقية] من جماعة "جيش الإسلام"، [وقلنا لهم:] "رتّبوا لنا موعدًا مع أبي همام، نريد أن نلتقي ونعرف إلى أين وصلنا". وكنا نشعر أن هناك مماطلة حتى بالموعد، [فكانوا يقولون:] "لقد استلم [القيادة] حديثًا، وهو مشغول.
في النهاية تم تحديد الموعد، وبنينا استراتيجيتنا، فقد كنا نعرف الأشخاص الذين كانوا يتصدرون المشهد في "جيش الإسلام"، نعرف أبو عمار دلوان (ياسر دلوان – المحرر) وأبو ياسر بزينة (أنور الشيخ بزينة – المحرر)، وكنا نعرفهم بحكم لقاءاتنا السابقة منذ أيام زهران علوش عامي 2014 و2015، وما يهمّنا هو هذا القائد الجديد.
اتفقنا ودخلنا إلى هذا الاجتماع باستراتيجية أن نوجه حديثنا مباشرة له، وأن نتجنب النقاش مع المحيطين به، وكنا نتوقع أن نجد فلانًا وفلانًا وفلانًا، وكذلك أن نبني حديثنا وأسئلتنا ونقاشنا بشكل شخصي معه، ومن خلال حديثه نتعرف عليه وعلى طريقة تفكيره، الأمر الذي يمكن أن يخلق نوعًا من التوافق في الطرح والنقاش، وبعد ذلك عندما نأخذ منه التزامًا نكون قد أخذناه من الكبير، فنحيّد تشويش الآخرين الذي كنا نعلم مسيرتهم التعطيلية في المشروع.
وهكذا دخلنا الاجتماع بتلك الاستراتيجية، وعندما دخل بدأ حديثه بمهاجمة مشروعنا وأدائنا، [وكان يقول:] "أنتم المدنيون حيّدتم "جيش الإسلام"، وتركيبة [الهيئة العامة في الغوطة] ظالمة وغير عادلة، فنحن الذين نحمي الغوطة ونربط 80٪ من الغوطة، فمن أنتم؟"، وتلك النظرية كنا نسمعها كثيرًا أن "جيش الإسلام" يربط 80٪ من جبهات الغوطة، إذن هو القوة الكبرى ويجب أن يكون التمثيل الأكبر له وهو صاحب القرار. [وتابع يقول]: "مؤسسات جيش الإسلام الإغاثية تقدم (...)"، بهذه الصيغة و[كأنه يقول:] "أنتم المدنيون تأتون فقط لتنظّرون".
وهنا بدأنا نمسك أي نقطة إيجابية لنبني عليها في حديثنا معه، ولكن كان يتدخل فجأة أحدهم على يمينه وآخر على يساره، فبعد أن فرّغ الشحنة الأولى التي كنا نتوقعها بسبب احتقانه تجاهنا لأنه يكمل مسيرة، ولم يكن حينها في مركز صنع القرار، لذلك سينفّس احتقانه، وبعد ذلك سنبدأ الحديث لنتمكّن من البناء عليه. وحتى استراتيجيتنا بأن نوجّه حديثنا له، كنا بمجرد أن يتحدث أحدنا معه أو يطرح عليه تساؤلًا، وقبل أن يفتح فمه ليجيب يكون أبو عمار دلوان قد أجاب، وهو يقول: "نعم، صحيح".
نحن لا نعرف بدقة التركيبة القيادية في "جيش الإسلام"، ولكن المهم هناك "لوبي" مهيمن عليه (على عصام بويضاني - المحرر)، وهو ليس صاحب قرار، ولا يُتاح له أن يكون كذلك. فأنت عندما تخاطب شخصًا قياديًا، والصورة النمطية بالنسبة لنا عندما كنا نتناقش مع زهران علوش رحمه الله، وكان حوله هؤلاء الأشخاص، عندما يتحدث هو لا يفتح أحد منهم فمه إلا إذا طرح هو عليه السؤال، وكانت كل نقاشاتنا وتفاهماتنا وخلافاتنا نتحدث بها معه، فقد كنا نتحدث مع القائد صاحب القرار. بينما هنا وجدنا الوضع مختلفًا، فـ [عصام بويضاني] ليس لديه إمكانية الحديث أو لا يُتاح له ذلك، وخلال الاجتماع لم يكن قادرًا على الكلام، وكان يأتي حديثه تاليًا تعليقًا على الجالسَين على يمينه ويساره، وبصيغة التأكيد، الأمر الذي خلق لدينا تلك الانطباعات.
بينما كان لزهران علوش كاريزما عندما يتحدث، صحيحٌ أننا كنا مختلفين معه، ولكنه شخص محترم، لديه منطق ولديه القدرة على النقاش، وخلال مسيرتنا معه عندما نتحدث كان يفهم علينا ونفهم عليه. فهذا المشهد الذي كنا نراه عند زهران علوش، لم نره إطلاقًا مع أبي همام، بل على العكس شبّهناه واعتبرناه أنه قائد الجيش بقدر ما مصطفى طلاس وزير دفاع وقائد عام لدى النظام، أي أنه مجرد صورة، هكذا كان انطباعنا الأول.
وكانت الغاية من هذا الاجتماع أن نتعرف عليه، ونبدأ ببناء شيئًا مشتركًا. وهو في حقيقته شخص طيب وبسيط، وليس معقدًا، ولكنه ضعيف وبسيط، هذا كان انطباعنا الأولي في اللقاء الأول به.
بعد هذا اللقاء، ومع مشروع الهيئة العامة، حدثت تطورات عسكرية على الأرض، وسقطت بعض البلدات في المرج، مثل دير سلمان وتلك المناطق التي كان يرابط فيها "جيش الإسلام"، وهنا صدرت دعوات من أهالي المرج بخصوص تهاوي المنطقة والنزوح، وبالنسبة لنا سقوط منطقة المرج وهي عمق استراتيجي كبير للغوطة، وفي الوقت نفسه هي السلة الغذائية والأراضي الزراعية، فأي سنتيمتر نخسره لصالح النظام هو خسارة، ولا يمكن التفريط فيه.
وتداعينا حينها في الهيئة العامة، وشكّلنا غرفة عمليات دعم المرج، وفرضنا أنفسنا على الفصائل، على الاتحاد ("الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" – المحرر) و"فيلق الرحمن" والحركة ("حركة أحرار الشام الإسلامية – المحرر) و"جيش الإسلام"، وبدأنا نسمعهم [يقولون]: "كيف سقطت البارحة هذه [البلدة]؟"، والنهفة التي كنا نسمعها أن التركس والبلدوزر المحصَّن للنظام يتقدّم ليلًا، ولا تؤثر فيه مضادات الدروع، فيقتحم ويمترس ثم يدخل النظام، [وكنا نقول لهم:] "فلتجدوا له حلًا، خصوصًا وأننا سمعنا أنكم قد غنمتم قذائف دبابات في معركة الجبل (معركة "الله غالب" أُعلنت في 12 أيلول/ سبتمبر 2015)، وهو لا تدمّره إلا قذيفة الدبابة".
إلى هذا الحدّ وصل الكلام بيننا وبينهم، وإذا لم أقل مساءلة، فهو لوم بمعنى "أنتم لستم جديين في الدفاع عن منطقة المرج"، وعندما كانت تسقط النقطة [كان يقول أحدهم:] "لقد كنت متقدّمًا، ولكن نقطة الفصيل الآخر أُخليت، فتعرّى ظهري وانسحبت". تلك كانت قصة كل فصيل، فلماذا لا يشكلون غرفة عمليات مشتركة فقط لمنع تقدّم النظام؟ وفي تلك الفترة كان يتقدّم يوميًا 200-300 متر، وتلك الأمتار ربما لم تكن تعني للعسكر، ولكنها كانت تعني الكثير بالنسبة لنا، فهذا عمقنا الاستراتيجي.
مبررات سقوط أي منطقة، وبالدرجة الأولى، كان كل فصيل يحمّلها للفصيل الآخر، [وعندما نسأل أحدهم:] "لماذا انسحبت؟"، [فيجيب:] "لأن الآخرين انسحبوا من هذا الطرف"، [وعندما نسأل الآخرين]: "ولماذا انسحبتم أنتم من هذا الطرف؟"، [فيقولون:] "لأنه عاد من الطرف الآخر ولم يخبرنا". وبدأنا نشعر أنها قصة تلاوم وإلقاء مسؤوليات، وفعلًا قُضمت حينها منطقة. وهذا القضم خلق موجة نزوح استُغلّت بسبب عدم دعم أهالي المرج، وانسحب 40 عضوًا من الهيئة العامة، كل مجموعة منهم لسبب، فمجموعة المرج كانت حجتهم شعورهم بخذلان باقي الغوطة تجاه سقوط تلك المناطق، ومجموعة دوما [قالوا:] "نحن الفصيل الأكبر، وأنتم تقزموننا وتعتبروننا كغيرنا". وأصبحنا أمام طعن في مشروعية تمثيل الهيئة العامة، الأمر الذي كان مؤرقًا بالنسبة لنا كمشروع هيئة عامة ومشروع شراكة، واقتضى منا التحرك ذهابًا وإيابًا، وخصوصًا بوجود شخصيات رمادية في قراءة الموقف، والتي كان يمكن بالفعل أن تؤخذ بفكرة أننا قد ظلمنا ذلك الفصيل، أو ظلمنا تلك المنطقة، بينما كنا قد سعينا وضغطنا، وغرفة عمليات دعم المرج شكّلناها نحن المدنيين وعبر الضغط والإحراج، وجعلنا القادة الميدانيين يجتمعون أمامنا ورغمًا عنهم، [وقلنا لهم:] "لا يمكن أن نقبل بسقوط تلك المناطق، وأن يتقدم هذا البلدوزر يوميًا 200 متر.
تلك كانت من التطورات العسكرية، وتلك كانت الخارطة الفصائلية من جهة، والخارطة المدنية. في شهر آذار/ مارس، ومع بداية العام 2016، وكانت قد تشكلت الهيئة العليا للمفاوضات، ودخل فيها محمد علوش كبير مفاوضين (عينت الهيئة العليا للمفاوضات رئيس المكتب السياسي في "جيش الإسلام" محمد علوش كبير مفاوضين في الوفد المخول بالتفاوض في جنيف بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2016 – المحرر)، وكنا نشاهد نوعًا من الطروحات التي لا نجد لها إجابات، ففي الوقت نفسه عندما كنا كغوطة وهيئة سياسية نتحدث عن مآلات الثورة وماهية المسار التفاوضي وثوابت الثورة، يأتي إلينا مندوبو "جيش الإسلام" الستة ويقولون إنه علينا إصدار بيان من الهيئة السياسية في الغوطة ندعم من خلاله أبو عمرو علوش (محمد علوش – المحرر) لأنه أصبح كبير المفاوضين، فقلنا لهم: "تريّثوا! هل نحن موضوعنا أبو عمرو علوش أم هيئة التفاوض وخيارات التفاوض؟"، وهنا [بدؤوا يقولون:] إنه يجب الخروج في مظاهرات وتحريك الشارع وإصدار البيانات لتأييد أبو عمرو علوش، [وقلنا لهم:] "هي ليست هوشة الزعيم فلان والزعيم علتان".
وبدأ نقاش طويل في الهيئة السياسية بخصوص الموقف من المفاوضات، وكان موقف البعض أننا ندعم هيئة المفاوضات، بينما جماعة "جيش الإسلام" يدعمون فقط أبو عمرو علوش، وفي النهاية رسا الرأي على مجموعة، وكنت أنا منها، أن نصدر بيانًا مشروطًا أننا ندعم هيئة المفاوضات ما دامت تتمسك بثوابت الثورة وإسقاط النظام والمرحلة الانتقالية وإلى آخره. وفي حينها كان لكل منا مبرراته، فعلى سبيل المثال الذي كان يقول: "إننا ندعم هيئة المفاوضات"، [كنا نقول له:] "يا أخي عندما تدعمها فأنت تقويها لتذهب وتفاوض بقوة"، وكان هناك من يريد [الموقف] ضد المسار التفاوضي أو عدم ذكره، وكان هناك من يريد فقط دعم هذا الشخص (المقصود محمد علوش – المحرر). كانت حجتنا أننا ندعم أي حل يؤدي إلى ثوابت الثورة، الأمر الذي أسميناه حينها "الغموض البناء"، وكانت صيغة البيان فيها الغموض البناء، بمعنى أنني لا أدعو ولا أفوّض، فنحن لا نعرف أشخاص هيئة التفاوض بشكل شخصي، ولا نعرف كواليس الدول والمفاوضات، ولا نعلم ماذا يُطبخ، وبالتالي من الخطأ أن نضع التأييد المطلق، وفي الوقت نفسه لا نريد التعطيل. وكان الغموض البناء أننا ندعم أي حل يؤدي إلى (...)، فمعيارنا هو ثوابت الثورة، وهذا يتيح لنا الفرصة أنه في حال مشى [أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات] بهذا المجال نؤيدهم لاحقًا، وإذا مشوا عكس ذلك لا نكون قد ناقضنا أنفسنا عندما نقول لهم: "بما إنكم حدتم عن ثوابت الثورة فنحن لدينا إمكانية إسقاطكم"، علمًا أننا لا نملك إمكانية إسقاطهم في الخارج، ولكن على الأقل لا نمنحهم شرعيتنا ومشروعيتنا.
وفي الوقت نفسه عدم وضوح التأييد يعطي ورقة قوة للمفاوض، بحيث أنه عندما يفاوض الطرف الآخر يقول له: "أنا بالكاد أرضيت حاضنتي"، بينما عندما تأخذ تفويضًا مطلقًا فهذا يدفعك إلى التنازل ويضعك في موقف ضعيف، وكنا قد قرأنا ذلك الأمر أنك عندما تُفوض بشكل مطلق تصبح قابليتك للتنازل كبيرة، بينما عندما تقول: "أنا لست حاصلًا على تفويضات كافية، لذلك هناك حدود لا أستطيع النزول عنها"، فنحن هكذا نحصّن له موقفه، ونُظهر اعتداله أمام تطرف الداخل، و[أن يقول:] "حتى أستطيع إرضاء الداخل هناك سقف لا أستطيع النزول عنه".
[كان هذا موقفنا] كهيئة سياسية، أما الفصائل فلا أذكر بالضبط، ولم تكن تعنينا الفصائل أيّدت أم لم تؤيد، فنحن نتحدث كحراك ثورة مدني يسعى إلى خلق الشراكة مع الفصائل، بحيث نستطيع الحفاظ على ثبات وصمود الغوطة، وهدفنا الكبير ليس فقط الغوطة، بل هدفنا إسقاط النظام، وكنا نشعر ونقول إن حصن الغوطة إذا سقط سقطت معه الثورة، فالغوطة بوابة دمشق، وهي أكبر كتلة بشرية محاصرة، وأكثر ناس أوجعوا النظام في العمق رغم الحصار والحرب والكيماوي، ورغم كل شيء، والغوطة قادرة على بناء مؤسساتها، وقادرة على المقاومة. وفي الحقيقة صيغة المجتمع المقاوم لا تنطبق على أي منطقة في الثورة كما انطبقت على الغوطة، وهذا واقع، [ولا نقول ذلك] لأننا أبناء الغوطة، ولكن مستوى الوعي ومستوى الإدراك أن أي سقوط 100-200 متر من منطقة في الغوطة وكأنهم يقطعون شيئًا من جسمنا، في الوقت الذي كنا نشعر بعدم اكتراث العسكري [وكأنه يقول]: "تلك الأمتار أستطيع استعادتها بقفزة"، إذن اقفزها ولا تجعلنا نفرّط بها.
في الحقيقة كان لدينا الخوف من كوننا نصغر كلما قُضمت منطقة من الغوطة، وكلما ضاعت إمكانيات الغوطة، بينما يجب أن تمتلك الغوطة إمكانية الحسم في لحظة معينة، لذلك كنا نعتبر كلمة الغوطة وازنة ومؤثرة، وكان لدينا شعور يسيطر علينا في الغوطة أن كل المناطق الثائرة التي لديها تواصل جغرافي مع دول مجاورة هناك قدرة على اختراقها للأسف، فقد كانت المعادلة في الثورة هي معادلة الدعم ومال الأجندة، ولا يوجد مال بريئ دخل على الثورة. لذلك كنا نقول إن الغوطة تمتلك إمكانية القرار المستقل من واقع الحصار، ومن واقع تجربة المجتمع المقاوم، ومن واقع قربها من دمشق، ومن واقع وعي هذا المجتمع ونخبه في بناء مؤسساته، فما بُني في الغوطة لم يُبنَ في أية منطقة أخرى، تلك المشاريع سواءٌ كانت سياسية أو عامة أو خدمية أو قطاعية. بينما بالمنظور العسكري [كانوا يقولون:] "100-200 متر نستطيع غدًا وبهجمة واحدة أن نستردهم"، ولكنني لا أريد خسارتهم أصلًا، فلتقوموا بتلك الهجمة، وبالتوازي مع ذلك كنا نسمع أخبار حلب، فسقوط حلب الشرقية دقّ لنا ناقوسًا كبيرًا في الغوطة (سقطت أحياء حلب الشرقية وخرجت آخر مجموعات الثوار منها في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2016 – المحرر)، وأصبحنا كنخب وقيادات، إذا كنا نعتبر أنفسنا قيادات، وكأشخاص مؤثرين وثوار، أصبحنا نعتبر سقوط حلب الشرقية وداريا ناقوس خطر يجعل من غير المسموح في الغوطة التراجع ولا تشتيت القوى، بل على العكس، علينا وضع استراتيجية امتلاك زمام المبادرة وقلب الطاولة على الجميع، وهذا الكلام كان يحركنا جميعًا وكان هاجسًا لدينا.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/08/23
الموضوع الرئیس
واقع الغوطة الشرقية عام 2016حصار الغوطة الشرقيةكود الشهادة
SMI/OH/52-35/
رقم المقطع
35
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2016
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة ريف دمشق-منطقة دومامحافظة ريف دمشق-منطقة المرجشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جبهة النصرة
جيش الإسلام
فيلق الرحمن
لواء فجر الأمة - حرستا
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
الهيئة السياسية في الغوطة الشرقية
الهيئة العامة في الغوطة الشرقية
الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام - قطاع الغوطة الشرقية
المجلس القضائي في الغوطة الشرقية
القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية
حركة أحرار الشام الإسلامية - قطاع الغوطة الشرقية
جيش الأمة
جيش الفسطاط
تحالف أُسر المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش
الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية - الرياض 1