الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

طائفية النظام وزيارة بابا عمرو

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:10:09:20

وفي اليوم التالي، ذهبت إلى بعض الأصدقاء، وكان عندي مواعيد مرتبة ضمن علاقات العمل، ولكن كانت خارج علاقات العمل؛ لا أحد يرغب في العمل أبداً، وكان أصدقائي الذين زرتهم يقولون لي: إن بعضهم لديه علاقات ونفوذ في منطقتهم بحكم علاقات العمل، والتقوا بقيادات أمنية عليا في سوريا، جاؤوا من دمشق لمقابلتهم، وقالوا لهم: نريد أن نعرف لماذا تم تشكيل اللجان الشعبية من العلويين فقط؟! لماذا اللجان الشعبية لا تتشكل من مؤيديكم؟! يوجد عندكم أشخاص مؤيدون لكم من السنة في الفرق الحزبية، والمنظمات، والشبيبة، والطلبة، والفلاحين وغيرهم، لماذا لا تشكلون لجانكم الشعبية بشكل مشترك؟ ولكنهم لا يردون. ومحدثي كان يقول لي: كان عندهم نية لتحويل الصراع إلى حرب أهلية، هذا الشيء كان مخططاً ومجدولاً لدى النظام ومبرمجاً؛ لأجل تعميق أو زرع هذا الشرخ، ثم يصورون الوضع في سوريا: ليس حركة سلمية من شعب ضد نظام مستبد، وإنما يحاولون أخذ الموضوع باتجاه حرب أهلية، وهذا الأمر بدأنا نجد آثاره في صيغ دولية، بدأ مسؤولون أمميون يستخدمونها. والشعب السوري كان يعي هذه النقطة.

تنوع المجتمع الحمصي ينعكس في مظاهراتها:

ورأيت أهل حمص في المظاهرات: كيف كانوا دوماً في مظاهراتهم يتلقفون أي خبر عن موقف لأحد من الطائفة العلوية؛ حتى يهتفوا ويحيوا هذه المنطقة التي خرجت فيها مظاهرة طيارة، حتى لو كانوا خمسة عشر شخصاً، وكنا نعرف فدوى سليمان -رحمها الله-، خرجت بجانب عبد الباسط الساروت- رحمه الله-، كانت تهتف فدوى سليمان، وهي -كما يعرف أي شخص- ليست ثورة إسلامية كما يقولون، وليست حالة ممنهجة مؤدلجة، هي ثورة شعب يطالب بالحرية والكرامة؛ بدليل أن أبناء حمص بمئات الألوف كانوا يرددون الهتافات خلف فدوى سليمان : العلوية، الفنانة، المتحررة ،العلمانية، التي هويتها واضحة، وكان إلى جوارها عبد الباسط- رحمهما الله جميعاً-.

كنت أمشي في الطريق حين سمعت هتافاً، وقلت لصديقي الذي معي: خذني باتجاه الهتاف. قال لي: هذا الأمر موجود في كل مكان: انصراف طلاب المدارس كله يتحول إلى مظاهرات؛ وإذا بنات في ثانوية يخرجن من المدرسة، يهتفن ضد النظام، قسم منهن محجبات، وقسم بدون حجاب، وقسم واضح أنه من بنات حمص، يوجد بينهن مسيحيات، والمسيحيون في حمص كانوا يشاركون في هذه المظاهرات. وقال لي: أنظر إلى تلك التي حملوها على الأكتاف، واضح أن اللواتي يحملنها نساء محجبات، وهي تلبس الصليب، خرجن مع بعضهن من المدرسة في المظاهرة. هذه كانت حمص، وهذه كانت الثورة، شيء مثل السحر.

الذهاب إلى باب عمرو:

وبعد عدة لقاءات ودعوني، وقالوا: سوف نأخذك إلى مشارف الطريق؛ حتى تخرج، وقمت بحيلة عليهم؛ لأنني أعرف أنهم لن يتركوني، وقلت لهم: كلا، أنا سوف أخرج لوحدي، وأنا كنت قد وعدت صديقاً آخر متغلغلاً في أوساط الثورة، ومشاركاً ومنخرطاً بشكل أكبر، واعدته في مقهى الروضة، في حمص. قلت له: أريد أن أراك فقط، وعندما ذهبنا، بمجرد أن قلت له: أريد الذهاب إلى بابا عمر. هل تستطيع إدخالي؟ ضحك وقال لي: هيا. واتصل مع شخص آخر، وأحضروا لنا سيارة، هذه السيارة أدخلتنا من الطرق الفرعية، حتى وصلنا، وكان صديقي طبيباً، وكان يدخل ويعالج الناس، وكانت هذه الزيارة من أجمل ساعات عمري ومن أصعبها؛ كانت بابا عمر لا يسمع فيها صوت، وكان الطقس بارداً. في بداية دخولنا عند المؤسسة الاستهلاكية كان هناك حاجز للنظام طبعاً، التففنا(حوله) ولم ندخل من عند الحاجز، ودخلنا من الوسط، من الأحياء. وعند هذا الحاجز كان النظام[موجوداً]. وصديقي الطبيب دعاني لمشاهدة: كيف أن النظام قام بطلاء الدبابات بلون الأمم المتحدة؛ على أساس أنهم حفظ أمن النظام، وليسوا عسكريين. وعلى الطرف الآخر كان حاجز الجيش الحر. كانوا يتبادلون النظرات وكأنهم في حاله تأهب وتحدي. والنظام يحسب حسابه؛ بحيث لا يشتبك معهم، وهؤلاء كان عندهم رجولة فائقة، وكانوا يريدون الدفاع عن الحي والأهالي والمتظاهرين. لم يكن عندهم هدف غير أن يحموا المظاهرات عندما تخرج؛ حتى لا يحصل تجاوز(اعتداء) عليها وإطلاق نار؛ بحيث يكملون وقت المظاهرة، ويتم إيصال هذه الرسائل إلى العالم: أنهم يطالبون بالحرية، والكرامة، ودولة مدنية تعددية فقط.

عندما دخلنا ومضينا في هذه الشوارع كانت الحالة صعبة، يعني هم نظموا حياتهم بشكل طبيعي: أكوام القمامة يتم وضعها في أكياس سوداء مغلقة يتم تجميعها في وسط الطريق؛ حتى لا تنتقل الإنتانات لهم، وأنت تمشى في هذا الشارع ترى المنازل بدون زجاج؛ بسبب شدة القصف الذي كان يحصل، وبعض المنازل مدمرة، ويوجد فيها ثقوب بسبب إطلاق النار من الرشاشات الثقيلة، كانت آثارها واضحة على الجدران، وحالة من الأوضاع الصعبة تعيشها المدينة؛ كانت محاصرة، والغذاء قليل، والدواء شبه معدوم. والشباب كانوا يرافقونني، وعندما دخلنا مباشرة فتحوا لنا الطريق ودخلنا من عند الحاجز، وسأل عن أبي فلان، ثم جاء أبو فلان، عرفه علي، وأنا طلبت عدم ذكر اسمي، ولكن بمجرد أن تبادلنا النظرات، اتضح لي أن الرجل عميق، فهيم، مهيوب، لديه فراسة. قال لي: تفضل يا أستاذ، ومشى معي، وتجولنا، وأنا حاولت إخراج هاتفي؛ حتى ألتقط بعض الصور للذكرى، ولكنه قال لي: القناص يرانا من مبنى الجامعة و الأبراج الموجودة، هناك يوجد قناصون للنظام. قال لي: نحن نمشي في أكثر الخطوط خطورة، وقال لي: هنا، في هذا الشارع ،الذي نمشي فيه، كل يوم يتم قنص أحد الشباب ويقتل؛ ويجب أن نستعجل بالحركة؛ حتى نعبر هذه المنطقة بما أنك مصر على الدخول فيها. ومن أصعب المشاهد التي رأيتها: طفلة كانت على باب بيت أهلها، تذكرت شيئاً قرأته عن أهل بابا عمر: خرجت من منزلها في الليل حتى تحضر الخبز لأولادها بعد أيام من الحصار والجوع، وكانت تريد أن تطرق باب جيرانها لتبحث عن الخبز، ولكنها لم تعد إلى أولادها، وفي اليوم التالي وجدوها مقتولة؛ القناص قتلها في هذا الشارع. وأنا حين رأيت طفلة على الباب، سألت نفسي: هل تكون بنت إحدى النساء اللواتي قتلن؟ لماذا تقف الطفلة لوحدها في هذا الشارع، وفي هذا الوقت، وبهذه الطريقة؟! وأنا حاولت مداعبتها وإضحاكها؛ حتى تبتسم، وكانت تنظر إليَّ بوجل، نظرات كانت مؤلمة بالنسبة لي، وكأنها تقول: أين أنتم؟! وتقول: أين سوف نكون فيما بعد؟! كان وجهها بارداً من شدة البرد، وحاولت إدخالها إلى منزلها. قلت لها: هيا ندخل إلى المنزل، وقال لي الصديق أبو أمجد الذي يرافقنا، قال لي: اتركها هي تعرف أين تذهب. يبدو أنه في القسم العلوي من البيت البرد أشد من الخارج. وعيون هذه الطفلة حتى الآن تلاحقني، وكلما قلت في نفسي: عندما يأتي يوم وننتصر فيه، هل سنستطيع تعويض هؤلاء الأطفال الشيء الذي خسروه؟ هم دفعوا هذا الثمن، وأهلهم، وأمهاتهم، وأباءهم من أجلنا.

غادرنا بابا عمر. ولاتزال هذه الزيارة تعيش في داخلي، وتسكن وجداني، ولاتزال تجذبني من أجل شيء، وأنا لا أزال أشعر؛ أننا لم نوفهم أياً من حقوقهم، رغم أننا حاولنا قدر ما نستطيع، ولكن كان (ما قدمناه لهم) ضئيلاً جداً جداً أمام حجم التضحيات التي قدموها، وتركناهم لوحدهم في هذا الوضع! وأنا عدت، وكتبت عن هذه التجربة طبعاً، وكتبت عن الزيارة مقالة سميتها" في حمص فجران وليل" تعبر: عن فجر كان موجوداً، وفجر آخر قادم، وعن الليل الذي عشته في تلك الليلة، تعبر أيضاً عن الظلام الذي حاول النظام أن يفرضه، وسوف أودعكم هذه الرسالة المقالة، ولكم الحق في نشرها أو تداولها.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/10/14

الموضوع الرئیس

الحراك السلمي في حمص

كود الشهادة

SMI/OH/3-20/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

2011

updatedAt

2024/05/06

المنطقة الجغرافية

محافظة الحسكة-مدينة الحسكةمحافظة حمص-بابا عمرو

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

معلومات الشاهد

الموضوعات المرتبطة

الكلمات المفتاحية

الشهادات المرتبطة