أحداث يوم الغضب السوري 4 شباط 2011
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:29:20
في سياق الجو المتفائل في أوساط الناشطين والمعارضة السورية بإمكانية أن يحصل شيء [ما]، كانت هناك أصوات كثيرة من المعارضة السورية بعضها في الداخل وبعضها في الخارج، تحرض الشعب السوري والمعارضة السورية على أن يخطوا الخطوة الأولى باتجاه حراك احتجاجي ما، ولم يكن الشارع السوري في الحقيقة على تواصل كبير مع هذه الدعوات، على اعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت منتشرة، ولكن في إطار المثقفين والنخب فقط لا غير. ولم تكن شعبية كثيراً، ومن هذه الدعوات، مثلاً: الدعوة التي وجهها المعارض السوري غسان نجار في مطلع شهر شباط، أو نهايات شهر كانون الثاني، من العام 2011. وهذه الدعوة أطلق عليها: "يوم الغضب السوري"، وحدد لها آنذاك -على ما أعتقد- تاريخ اليومين الرابع والخامس من شباط (فبراير، من العام 2011، والدعوة كانت حالمة جداً وطموحة أكثر من اللازم، ولا واقعية. ولكنها واحدة من الدعوات التي ترددت كثيراً في تلك الفترة؛ لدعوة الشارع السوري للخروج ضد نظام بشار الأسد. والدعوة كانت تتحدث عن جموع شعبية تتجه باتجاه ساحة سعدالله الجابري في حلب، وساحة البرلمان في دمشق. وفعلاً، النظام تلقى هذه الدعوة بالكثير من القلق، وكان أحد ردود فعله أنه أعاد تأهيل دوريات كان قد أحالها إلى التقاعد في أجهزته الأمنية، تسمى دوريات الطوارئ في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ونشرها في مفترقات الطرق، وفي ساحات المدن الرئيسية، وتحديداً في دمشق وحلب وحمص، وأعتقد أنه في اللاذقية كان موجوداً مثل هذا التحرك الأمني. وعلى الطرف الآخر كانت المعارضة والناشطون السوريون ينظرون بالكثير من الريبة إلى مثل هذه الدعوات، على اعتبار أنها تأتي من مجاهيل، باستثناء الدعوة التي أتت من غسان نجار، على اعتبار أنه شخصية معارضة معروفة إلى حد ما في الأوساط السورية. ومع ذلك، حتى دعوة غسان نجار -على اعتبار أنه شخص معروف- كان الناشطون والمعارضة السورية ينظرون إليها بقلق، على اعتبار أنها خطوة غير ناضجة، أو بالأحرى دعوة غير ناضجة؛ لأنها لم تجر -على الأقل- بالتنسيق مع قيادات المعارضة ومع مؤسسات المعارضة الموجودة في ذلك الوقت، وكان أبرزها على الإطلاق هو: إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي.
دارت الكثير من الأحاديث بيني وبين بعض الناشطين الذين كنت على تواصل معهم بشكل مباشر، مثل: عمر سليمان، ومحمد حاج بكري، وأنس الشغري، وعبد الكريم الصبح، وياسين سيفو، وبدوي المغربل، وماهر مقرور -رحمه الله- أصبح شهيداً الآن. فهذه المجموعة كنت على تواصل شبه دائم معها: بعضها بشكل مباشر على اعتبار أننا نلتقي بشكل يومي تقريباً، والآخرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
معظم الشباب لم يكونوا مقتنعين بأن هذا الحراك يمكن أن ينتج عنه شيء في الرابع والخامس من شباط، في "يوم الغضب السوري". ولكن كان لدي إصرار مع بعض الشباب الآخرين على أن نكون موجودين في المكان بصرف النظر هل كان هناك نشاط أو لم يكن هناك نشاط. ولم أكن شخصياً مقتنعاً بأنه سيكون هناك نشاط، ولكن بنفس الوقت أحببت أن أكون موجوداً في المكان وفي التوقيت الذي حددته دعوة المعارض غسان نجار آنذاك ليوم "الغضب السوري". ونزلنا (سافرنا) فعلاً إلى دمشق فعلاً، وكنت أنا، وعبد الكريم الصبح، وبدوي المغربل، بالإضافة إلى شخص آخر، وكنا موجودين في شارع البرلمان بانتظار أي تحرك ما. وفي الحقيقة. كانت هناك مجموعة من المعارضين أو من الناشطين الذين قالوا: إنهم سيأتون. ولم أر أحداً من المعارضين الذين أعرفهم سواء من القيادات المعروفة أو من الناشطين الموجودين في صفوف المعارضة السورية، لم أر أحداً على الإطلاق.
كنا واقفين في الجهة المقابلة من البرلمان (من مبنى البرلمان) في شارع الصالحية، الشارع الشهير والمعروف في دمشق، وبقينا تقريباً نتجول في المكان جيئة وذهاباً من عشرين دقيقة إلى نصف ساعة تقريباً؛ لأن التوقيت المحدد كان بعد صلاة الجمعة مباشرة، في اليوم الرابع من شباط، وكنا نتحرك في هذا الشارع جيئة وذهاباً أكثر من نصف ساعة، وكان هناك انتشار أمني كثيف، حتى أن هناك قسماً من شارع الصالحية ممنوع دخول السيارات عليه ، وكان فيها سيارة أمن، تتحرك جيئة وذهاباً، ويبدو أن عمال البلدية أزالوا السلاسل؛ لتتحرك سيارة الأمن فيها براحة في ذلك الوقت.
تقريباً بعد نصف ساعة من وجودنا في الشارع، بانتظار أي نشاط أو حركة أو ما شابه، سمعنا صوت ضجة وجلبة؛ فتوجهنا باتجاه زاوية شارع الصالحية، بشكل مطل على باب مقهى الروضة. وكان هناك شخص، وكانت قوات الأمن تضربه بعنف شديد، وجرى سحبه ووضعه في سيارة. ولم أستطع أن أعرف الشخص، وحتى لاحقاً لم أستطع أن أعرف من هذا الشخص الذي اعتقل في ذلك اليوم، أتذكر ملامح هذا الإنسان فقط، وأخذوه بسيارة الأمن، وباستثناء هذا الشخص لم أر أي شخص آخر مثيراً للانتباه في ذلك اليوم. ومشينا، وقوات الأمن بعد ساعة أو ساعة ونصف -حيث كنا قد غادرنا المكان، ورجعنا بعد ساعة تقريباً- كانت تقريباً قد ذهبت، وبقيت أعداد قليلة جداً، بقيت دوريتان: واحدة على زاوية البرلمان، وواحدة في مدخل شارع الصالحية، وكان يوجد دورية قريبة من نادي الضباط في الجانب الآخر من الشارع، أبدًا أبدًا [لم يتكلم معنا أحد]، ولم يكن هناك شيء مثير للانتباه، بمعنى أنه لم يكن يوجد أشخاص هناك، والشارع كان شبه فارغ، ولاسيما في هذا الوقت من يوم الجمعة ويوم عطلة، ولم يكن يوجد أشخاص في الشارع، ومشينا محبطين جداً، وتركنا الشارع. وفي وقتها، عدنا إلى حمص، على اعتبار أن أغلبنا قد جاء من حمص، وكنا محبطين جداً؛ لأنه لا يوجد نشاط، وبقينا طوال الوقت ننتظر؛ فربما يكون النشاط في مكان آخر.
المشكلة في هذا النشاط أصلاً؛ أنه لم يكن هناك تواصل مع من وجّه الدعوة، ولم يكن أحد منا يعرف كيف يصل لغسان نجار، أو يتكلم معه. وعلى كل حال، اعتقل غسان نجار فوراً، وبمجرد أن أطلق هذه الدعوة جرى اعتقاله، ونحن لا نعرف أصلاً، وأنا حتى تلك اللحظة لم أعرف إذا كان هناك تحضيرات لذلك اليوم، ونحن تلقينا هذه الدعوة من وسائل التواصل الاجتماعي، وحاولنا أن نستجيب لهذه الدعوة بالشكل الذي نستطيع القيام به، ومع مجموعة الأشخاص الذين كنت على تواصل معهم. ولكن مع الأسف، لم يكن هناك تحضير لهذا اليوم بأي شكل من الأشكال.
مع انتهاء هذا اليوم (يوم الغضب السوري)، أو الدعوة التي توجهت من دون أي جدوى. يبدو أن المعارضة بالعموم لم تٌحضّر لأي نشاط، ولم يكن هناك أي تجهيزات لأي نشاط آخر، وبدأت الحركات التي كانت مجموعة الناشطين تتحرك فيها من خارج أحزاب المعارضة، بدأت تكون الأبرز على الساحة السورية آنذاك كحراك بالنشاط العام؛ دعماً لثوار مصر وثوار ليبيا فيما بعد. ولم يكن هناك أي تحضير لشيء سوري، ولكن يبدو أن الناشطين بدون وعيهم (قصد)، أو ربما من خلال بعض النقاشات التي تدور فيما بينهم كانت لديهم رغبة في اختبار ردود فعل النظام .
الفترة التي كانت ما بين "يوم الغضب السوري" وما بين إعلان تنحية مبارك وسقوط مبارك في مصر كانت فترة صعبة جداً للغاية؛ لأن معظم الناشطين لم يكن لديهم يقين بأنه ربما يحدث شيء آخر بعد فشل "يوم الغضب السوري"؛ لذلك جاء سقوط حسني مبارك على ما أظن في 11 شباط، كان إطلاق روح جديدة في نفوس الناشطين في سورية وفي المعارضة السورية.
بالمناسبة، سقوط مبارك فتح المجال مجدداً للنقاش حول أي حراك احتجاجي جديد، وبدأ حتى النظام -في الحقيقة- يشعر بأن النقاشات عادت للحيوية من جديد، وأذكر في ذلك الوقت أنه تم استدعاء عدد كبير من الناشطين؛ للتحقيق بسبب كتابات على "فيسبوك"، أو تصريحات ألقيت أو ما شابه.
مع سقوط مبارك عاد شيء من الحيوية إلى غرف النقاش أو إلى مجموعات النقاش التي كانت تجمعنا نحن كناشطين، وأتذكر أنه في غرفة "سكايب" التي أسستها في عام 2010، وجمعت عدداً كبيراً من الناشطين فيها، ممن تربطني بهم صداقات شخصية، بمعنى أنني أثق بهم. فعدنا مجدداً للنقاش، بمجرد سقوط حسني مبارك، ففي ذلك الوقت، وفي تلك الساعات عدنا للنقاش فيها، وعدنا لتحريكها، والنقاش حول ما يمكن أن يحصل من ارتدادات بعد سقوط مبارك على معظم الأنظمة في المنطقة وعلى الشعوب، وهل من الممكن أن تحدث تحركات في سورية لاحقاً.
سقوط مبارك، والعنف والقمع الذي مارسه القذافي على ثوار ليبيا بعد انطلاق الثورة في سورية، كل هذه الأحداث -في الحقيقة- جددت نشاط الناشطين في سورية والمعارضين فيها، وجددت آمالهم بإمكانية حدوث شيء.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/29
الموضوع الرئیس
إرهاصات الثورة السوريةكود الشهادة
SMI/OH/4-03/
أجرى المقابلة
سامر الأحمد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
شباط 2011
updatedAt
2024/08/14
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-الحريقةمحافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة حمص-محافظة حمصشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية