عندما حدث إطلاق النار وأنا هربت باتجاه المنزل ودخلت إلى البناء، سمعت صوت صياح ونساء، فصعدت إلى الطابق الرابع فوجدت ابنة جاري عمرها تقريبًا 12 سنة، وجدت أن الدم يملأ صدرها، وأنا لم أنتبه أين الضربة، ولكن فورًا حملتها ونزلت، وكان معي جاري وكان كبيرًا في العمر فقال لي إنه سيجلب الهوية ويلحق بي، ولكنني لم أنتظر ولم يكن لي مكان آخذ البنت إليه إلا باتجاه الجيش والعسكر، لأنني حتى أصل إلى مستوصف الكسوة يجب أن أمرّ من أمام المفرزة، وفيما بعد اكتشفت أنه أثناء إطلاق الرصاص دخلت رصاصة إلى منزلهم وارتدّت عليها شظية أصابتها تحت حنكها، فكان الدم ينزل على صدرها.

وعندما أخذتها وتوجّهت بها إلى الجيش أصبحت أصرخ عليهم أن يفتحوا الطريق، وهم يقولون لي: خذها إلى الكسوة. فقلت لهم: لا يمكن أخذها إلى الكسوة افتحوا لي معبرًا من هنا. فكان أحد الأشخاص الموجودين هو كان شخصًا دائمًا يجلس ويراقبنا، كان لديه محل، وهو في الأصل يعمل سائقًا للعميد حسين قائد فرع سعسع، ويسكن في الكسوة، كان اسمه ناصر، وعندما رآني وهو يعرف عملي وحراكي، وكان في بعض الأوقات يراقبني يلحق بي بسيارته خلفي عندما نكون ذاهبين إلى المسائيات، وجاء إلي واستغلّ الفرصة وقال لي: ليس هناك مشكلة تعالوا ادخلوا أنت والبنت. وهنا لم يتركوني أذهب إلى مستوصف الكسوة، وإنما أدخلوني إلى المستوصف العسكري الذي هو داخل المساكن، وأنا هنا أصبحت ضمن الجيش. وعندما دخلت ومعي البنت تفاجأت بالمشهد داخل المساكن، هي منازل صغيرة جدًا ومن طابق واحد، وتشبه المنازل مسبقة الصنع، ولكن يوجد أشجار كثيرة، وتفاجأت أن معظم الطلاب الذين أعرفهم والأولاد من هم في الصف العاشر أو بكالوريا مثلًا، الجميع يلبس عسكري ويحملون الجعب والسلاح، وكانوا موجودين خلف الأشجار ويمسكون البنادق بشكل مقزز جدًا، وكانت المساكن جدًا مكتظّة بالرجال والشباب، والجميع يحمل سلاحًا، يعني تفاجأت بهذا المشهد جدًا.

هم كانوا عائلات الضباط، لأنه نحن لدينا مساكن عسكرية، وهم عائلات الضباط مستوطنين بشكل نظامي على أساس أنهم من سكان المنطقة.

وعندما دخلت إلى المستوصف جاء شخص وسأل فورًا وقال: من أين المصابة؟ من عندنا أم من عندهم؟ وأنا بشكل منفعل قلت له: وما الفرق؟ البنت مصابة وهي طفلة. فتقدّم ممرض وكان يلبس مدني فقال: لا يوجد فرق يا أستاذ، هي في حمايتي تفضّل. وأخذوا البنت وأدخلوا شخصًا من آل محمدون عرفت اسمه فيما بعد وبدأوا يضربه الجميع حتى العساكر والأطباء، كان قد أرسله رستم غزالي لأنهم اعتقلوه وهو مصاب، وهنا أحسست أنني يجب أن أتدخل، وهذا الشاب يتمّ أذيته بشكل كبير، فقمت بردّهم عنه ووجّهت لهم خطابًا على أساس أنني منهم، فقلت لهم: لا يجب أن نكون مثلهم.. ماذا تفعلون؟ واستطعت أن أبعدهم عنه، وأدخلت هذا الممرض إلى صفي لأنني أحسست أنه وجهة نظره تشبهنا.

وأحضروا شخصاً أيضًا يحملونه ويضربونه، وكان الدم ينزل من رأسه، وأدخلوه المساعدين إلى غرفة للعلاج، طبعًا كانت تلك الشخصيات على وجهها الحقد طبعًا، وعلمت لاحقًا أنه من آل دياب، واستُشهد، ورموه في الحاوية بعد أن استُشهد ولم يسلمّوه لأهله.

وصل جارنا واطمأننت على ابنة جاري، وهنا بدأ الخوف لأن الجميع يعرفني، وأي أحد قد يدخل ويراني لأن المساكن جيراني ويوجد معرفة أنني معارض لجميع الضباط، فخفت وأصبحت أريد أن أخرج، ولكن لا يمكنني أن أخرج لوحدي، فأرسلت خلف الطالب الذي اسمه رامز قلت له: تعال رافقني. وأخذني، وعلى الطريق كلما يرانا أحد ويسأل: هذا من أين؟ هذا من الكسوة؟ يقول رامز: لا، هذا من جماعتنا، وهو معنا. حتى أوصلني وخرجت من المساكن.

وأنا هنا كانت ثيابي متسخة بالدماء، فوجدت أنه أفضل شيء أن أدخل إلى منزل أقاربي، يعني كان المنزل قريبًا جدًا، مجرد أن أقطع الشارع أصل إليهم، فانتبهت في وقتها حتى أصبح إطلاق على دبابة، كان الإطلاق بين بعضهم البعض في الجيش أطلقوا النار، فالتفت الدبابة وضربت على مكان إطلاق النار، ثاني يوم [علمت أنه] كان عسكرياً ضابطاً برتبة نقيب على ما أعتقد أصبح لديه ردة فعل على ما حصل فأطلق النار على الجيش فقاموا بقتله، وهو نقيب من يبرود أو مقدّم من يبرود، وعندما وصل إلى يبرود قالوا: إن الإرهابيين هم الذين قتلوه في الكسوة.