رواية مقتل غياث مطر تحت التعذيب وقصص معتقلين آخرين
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:25:05
وكان معنا في الجماعية هذا الشاب من جوبر (أبو الشوارب)، وعندما دخلنا إلى السجن كان قد مضى عليه 11 شهراً [في السجن]، وفي مقياس الثورة في شهر نيسان 2012 كانت 11 شهراً تُعدّ عدداً كبير من الشهور، وهذا ختيارنا (أقدم شخص). وبعد فترة، يصبح هناك توافق، والمساجين [يتعارفون]؛ لأنك لا تستطيع أن تبقى مسجوناً بدون كلام، فيصبح هناك عدة أشخاص يقتربون من بعضهم، ويجلسون، ويتحدثون، وحتى ذكرياتهم ونبش الذاكرة والكلام عن الأهل والحبيبة والأبناء يصبح حميمياً جداً ولذيذاً، وكأنك تعطي للناس فسحة في هذا السواد، وأننا كنا نعيش الحياة هكذا، فأنت تعطيهم شيئاً خارج السجن. فقال شخص: أنا مات معي شخص اسمه غياث مطر. فقلت له: كيف؟ فقال: نحن دخلنا، وعددنا 14، ولا أذكر أين المكان الذي ذكره، وغالباً، هو مطار المزة، ولكن ليس أكيداً. قال: أدخلونا، وشبحونا نحن ال 14 في غرفة كبيرة، وبدؤوا يعذبوننا. وقال: بقينا مشبوحين لأكثر من 9 ساعات. وهذا يعني أنه سيكون هناك ضرر بالأطراف، وقال: نحن نغيب عن الوعي، وننام أحياناً، فيوقظوننا من النوم، ويضربوننا. وقال: فجأة، سمعنا أن شخصاً دخل، وبدأ العساكر يقدمون له التحيات: يا سيدي. وقال: بدأ يتكلم مع شخص اسمه غياث مطر، [ويقول]: أريد أن أفعل بك كذا وكذا، وبعدها سمعنا صوت مثقب وصياح، وهذه روايته. وقال: فجأة، أنزلونا كلنا، ويوجد شخصان كانا على الأغلب ميتين من الذين كانوا مشبوحين، وقال: أخرجونا من هذا المكان، وبقوا مع هذا الشخص، ولم نرَ هذا الشخص مرة أخرى البتة، وهذا ما قاله الشاب، وهو من جوبر، ولا أذكر اسمه، رغم أنه شخص كان يتكلم عن جوبر، فكان يقول أين يعيش، ولكنني لا أذكر، وكان يحكي لنا عن أقاربه ومكان عملهم.
في أحد الأيام، جاء إلينا إلى الجماعية شخص عمره 50 عاماً من "عسال الورد"، جاء في منتصف الليل، وأعطوه رقماً: 2253 ، كان رقم يمان [الفقير ] 2251 ، وهو 2253، ودخل، ونحن الذين كنا مستيقظين، فبدأنا نسأله، وبدأ يتكلم، وقال: إن الدولار قيمته 85 ليرة، وفجّروا خلية الأزمة، وعلى الأغلب ماهر الأسد ميت، ويوجد إضراب في الشام، ونحن في إحدى الفترات خفّ لدينا الطعام والكمية قلّت كثيراً، وكانوا عادة يقدّمون لنا قطعة رمزية فيحضرون يوم الاثنين فروجاً، وكان للشخص قطعة صغيرة، و[يحضرون] في يوم الأربعاء لحمة، وكل ذلك فُقد أيضاً، وبقينا على هذه الحالة أسبوعين. وعندما جاء، وقال: حصل إضراب في الشام... فكأن أحداً نفخ فينا الحياة، وقال: إن هناك سجناً قد تمّ تفجيره في "باب شرقي"، وهرب المساجين منه، فنقل لنا الصورة وكأن هناك شيئاً سيتغير، ونحن بدأنا نرى أن سلوك علي وهذه المحاضرات التي يقولها تعني أنها خطوات للوراء يخطونها. وفي اليوم الثاني، وصل الخبر والكلام إلى الخارج؛ لأن إبراهيم وأنس لم يكونا قد خرجا، فوصل الخبر إلى الخارج. وأخذوه، وأصبح له طلعتين (خروجين) يومياً صباحاً ومساءً، كل يوم يأخذونه صباحاً نصف ساعة وفي المساء نصف ساعة، ويعود [منهكاً]. وفي النهاية، تعب جداً، يعني أصبحوا ينادون اسمه فأصبح لديه قلق من الوصول إلى الباب، يعني لا يريد أن يخرج مهما كان، وكانوا يصرخون عليه، ويقوم الشباب بإيصاله إلى الباب، وبقي على هذه الحالة فترة لا تقلّ عن أسبوعين بهذا الشكل، وتأذى جداً، وأصابه الإنهاك.
وكان معنا أبو محمود من دوما، وكان قد أُصيب في إحدى المظاهرات، في شارع "الكورنيش"، وقال لي: أُصبت أمام مطعم "الكورنيش" الذي يملكه والد صديقي، وأتوا عناصر الأمن وشحطوني (أخذوني). وكان على قدمه مثبّت خارجي (في قدمه اليسار)، والقيح يخرج من أسياخ الحديد، وتصيبه نوبات من الألم، فيخرج عن طوره، ويتألم كثيراً، ولا يوجد أدوية يقدمونها له، ويصبح لديه ترفع حروري، يعني علامات الإنتان الشديد. وعندما خرجنا كان أبو محمود على حاله، وأذكر أنه عندما قلّ الطعام أصبح كل شخص منا يقسم نصف البيضة التي له، ويقدمها لأبي محمود حتى يتغذى، وأنا خرجت من السجن وهو كان على وضعه.
حكى لنا أبو محمود عما يحصل عندما تذهب إلى مستشفى 601 العسكري، وهو يشتكي دائماً، ويقول لهم: من أجل الله لا تأخذوني إلى 601، فقلنا له: ما هو الموضوع؟ فقال: أنا أُصبت، وأخذوني وأنا مصاب، وأخذوني، وأجروا لي العملية في مستشفى الشرطة، وليس في مستشفى 601، ثم أخذوني إلى السجن. وقال: اشتكيت، ثم أخذوني إلى 601. وقال: إن كل ما في قدمه الآن هو بسبب مستشفى 601. وقال: في البداية، وضعوني على سرير، وكنت أتعرّض للضرب، ويوجد في إحدى أجنحة مسشتفى الـ 601 شخص اسمه عزرائيل، وشخص اسمه أبو الموت، قال: وضعوني على السرير، وأول شيء قاموا به سكبوا عليّ وعلى السرير دلو ماء في الشتاء. وقال: صار الدكتور يومياً يأتي ليرى الجرح، كان يضمّده، ثم يأتون، ويفتحون الضماد، ويسكبون عليه الماء. وقال: في إحدى المرات، سكبوا "الكولا" على الجرح، وبقيت هكذا. وفي النهاية، أعادوني إلى السجن، وهذا هو وضعي، أعادوني إليكم (إلى هنا)، ونحن خرجنا، وبقي وضعه كما هو.
وجاء إلينا إلى السجن ابن بهاء الركاض من دير الزور، دخل شاباً، ليس طويلاً جداً، ويتحرك كثيراً، ويعاند، ويردّ على السجانين، ويتكلم بصراحة: نحن ضد النظام، ونحن خرجنا في ثورة. وكانت الحالة غريبة، وحتى نحن تجنبناه قليلاً، أنا ويمان [الفقير] حاولنا تجنّبه حتى لا نتورط. ولكنه كان يأتي إلينا، وعندما دخل [إلى الجماعية] كنا قد أنهينا التحقيق، يعني بعد 62 يوماً، فكنا قد انتهينا، والشباب عرفوا كل شيء عني: أنني طبيب، واعتُقلت في كذا وكذا، وهذه اعترافاتنا. وهنا اطمأن، وقال: أنا والدي بهاء الركاض، وأنا ابنه، وبهاء الركاض من أصحاب حسن عبد العظيم، وعندما توفيت زوجته ذهبنا لتعزيته، واعتقلوني في سيارتي، كنت على أوتوستراد المزة، وأخذوني. وعلى الأغلب أن هذا الشاب لم يخرج، وأنا نسيت اسمه، ولكنه ابن بهاء الركاض، وأتذكر أنه ليس تعذيباً فقط، ولكن كان في جسده علامة تعذيب، لا أذكرها، كان يعاني منها في رجله على الأغلب.
في أحد الأيام ليلاً، صاحوا بي، ولم ينادوا أبا صفوح، فقالوا: عبد الله موسى الحريري. فالتحقيق في النهار عندما يأتي الضباط، وأخرجوني، ووضعوا الطماشة (عصابة العينين)، وانتبهت أن جلال [نوفل] موجود، وكنا 7 أشخاص على الأغلب، ولا أذكر جيداً، ولكن كان هناك محمد زريق وجلال [نوفل] ومهند [درخباني] وأنا، ولا أذكر البقية، وأخذونا إلى غرفة، وكانوا يسجلون أماناتنا، ويشتموننا، مثلاً: أنت دكتور [فيقولون]: يا حمار، يا كذا. ونحن احترنا، وفي البداية، قلقنا لأنه؛ كان منتصف الليل، ويقومون بتسجيل الأمانات، واعتقدنا أن هناك تصفية، وجاء دوري، ونظرت إلى أغراضي وحتى البنطال الذي أعطته لي صديقتي [كان موجوداً]، فأعطاني البنطال، وكنت أربط عروتين الأولى والثالثة مع بعضهما حتى يمسك البنطال بجسدي، فقلت: قد يمسك هذا البنطال الجديد بجسدي أكثر. طبعاً، أثناء التحقيق ممنوع أن تلبس، فعندما تُستدعى إلى التحقيق يجب أن تبقى بالشورت فقط، وفي الداخل (الجماعية)، بسبب الضغط والقمل أنت تبقى بالثياب الداخلية أساساً، ولكن هناك غاية من الاحتفاظ بالملابس عندما يقولون: اجلب أغراضك، وتعال. هذه هي الغاية. وفي يومها، قال لي: سأسألك سؤالاً وإذا عرفته لن أضربك. كان كل شخص يدخل يُضرب، ثم يخرج، فقلت له: تفضل. فقال لي: هل أنت دكتور صحيح؟ فقلت: نعم. فقال: لا، أنت حيوان. فقال: على كل حال، ليس هذا السؤال. فقال: أنا أحببت واحدة، رأيتها، وكلمتها، وأعجبتني، وأعجبتها، وهي جميلة، وبقينا نخرج سوياً، ثم أخذتها إلى المنزل، ولكن عندما دخلت إلى المنزل لم يتمّ الأمر لماذا؟ وقال: لا تقل لي حبة "فياغرا"؛ لأنني أخذت حبة "فياغرا"، ولم يتم الأمر لماذا؟ فقلت له: يا سيدي، من يرى هذه الوجوه بحياته لن يستطيع أن يقوم بشيء. فقال لي: فعلاً، إنك تفهم، ولم يضربني. ووضعونا في سرفيس (سيارة)، وأخذونا إلى مطار المزة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/10/23
الموضوع الرئیس
الاعتقال في فرع المخابرات الجويةكود الشهادة
SMI/OH/53-38/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2012
updatedAt
2024/07/18
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-مدينة دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
خلية إدارة الأزمة (خلية الأزمة)
فرع المخابرات الجوية في دمشق
مشفى المزة العسكري 601
سجن المزة العسكري