يحيى شربجي هو شاب سوري من داريا، شخص هادئ للغاية وحازم للغاية، وهناك أشخاص أحيانًا هدوءُهم يغشّ، فهو في نفس الوقت شخص مبدئي وثابت، وهو جدع ويُشدُّ به الظهر (شجاع وتستطيع التعويل عليه)، وهو ابن بلد، ومن عائلة ميسورة ماديًا، ومتدين وملتزم ولكنه منفتح وتنويري، وعنده كاريزما قيادية، وهو محطّ ثقة فهو يتأمّن على الروح بمعنى من المعاني. وحقيقة كان دوره أساسيًّا ومحوريًّا في لجان التنسيق المحلية وفي حراك داريا وفي الحراك بشكل عام. وهو من أوائل الناس الذين نزلوا إلى الشارع، وكان يشارك في الاعتصامات عند السفارات قبل آذار 2011، وسابقًا كان له حضوره ووجوده وكان جزءًا من مجموعة داريا عام 2003 حيث حاولوا أن يقوموا بنشاط مدني ليس سياسيًا بالمعنى المباشر ولكن أيضًا ليس خيريًّا، ودخلوا [من باب] تنظيف الشوارع وتحسين الخدمات ولكن على أرضية سياسية، وكان لهم دور ونشاط في ربيع دمشق منذ العام 2000 وبشكل تصاعدي. وهذه المجموعة اعتُقلت وذهبت إلى سجن صيدنايا عام 2003 وما بعد. وسبق وذكرت هذا الشخص من المزة في الشيخ سعد الذي استأجر مزرعة وبيتًا في داريا وبدأ يدرّب على السلاح ويأخذ البيعة للقاعدة، ويحيى من الشباب الذين كان لهم كان لهم دور في عدم السماح للحركات المتطرفة "قاعدة وغيرها" في أن تتغلغل داخل الثورة، وتحديدًا في داريا وريف دمشق في الأشهر الأولى. والنظام طبعًا لا يريد أن يسقط، وكان لديه خططه في هذا الخصوص، وفي نفس الوقت الذي أطلق سراح المتشددين والمتطرفين ليصبغ الثورة ويأخذها باتجاه العنف والطائفية والعسكرة، كان يعمل على اعتقال أو تغييب أو قتل أو تهميش الأصوات المقابلة التي ممكن أن تشكل سدًّا أمام هذه التوجهات وأولئك الناس.

يحيى حقيقة كان خسارة كبيرة أراها لسورية في المستقبل، وليس فقط يحيى، بل هناك الكثير من الشباب، مثل إسلام الدباس واحد من الشباب الرائعين في داريا، وغياث مطر بدون شك، وحسن أزهري أيضًا مثلًا في اللاذقية وكان رمزه "cold mountain"، وكان شخصًا مهمًّا وجميلًا وتوفى في المعتقل. وهناك الكثير من الشباب من خلال لجان التنسيق المحلية [تعرّفت عليهم]، وقسم كنت أعرفهم وقسم كبير لم أكن أعرفهم، ولكن بعد ذلك من خلال اللجان والثورة تعرفت عليهم، وحقيقةً حين أتخيل سورية من دون نظام الأسد وبوجود أمثال هؤلاء الشباب أشعر أنَّنا بمقدورنا أن نصنع بلدًا جميلًا، وبلدًا يستحق أن نعيش فيه ونموت فيه. هناك عشرات من الشباب والصبايا الذين مثلهم ويمكن أفضل، كي لا نذهب إلى منطق من هو البديل إذا رحل بشار الأسد، ودائمًا الشعوب تنتج، وهناك في سورية وكل يوم هناك شباب وصبايا رائعون وممتازون رغم كل ما نراه من انقسامات ومن رواسب الـ 11 سنة وتأثيراتها وكل التدخلات وكل الأمور التي عُمِلت في هذه الثورة ولا أرى كلمة مناسبة للتعبير عن ذلك، فرغم كل هذا هناك صبايا وشباب رائعون. ومشكلتنا الحقيقية في سورية أنَّ يكون هؤلاء الناس قادرين على التعبير عن أنفسهم والعمل بشكل آمن، وهذا الوضع غير موجود للأسف سواء في مناطق النظام أو في المناطق التي خرجت من سيطرة النظام. وصحيح كنت في السجن، ولكن أعرف بشكل جيد تجربة رزان [زيتونة] ووائل [حمادة] وسميرة [خليل] وناظم [حمادي] في دوما، والذي أخذهم للأسف ليس النظام، وكنا نفهم عندما يقتلنا ويعتقلنا النظام، فهذا الشيء نعرفه ونفسيًا مستعدون له ويكون أقل وجعًا. وكنت في السجن حين حدث ذلك (اختطاف المجموعة في دوما)، وبغض النظر إن كنتِ تنسجمين مع هذا الفصيل أو هذا التنظيم أو لا تنسجمين، ولكن هو ضد النظام، فماذا يعني أن يكون طرف ضد النظام ويستهدف مثل هؤلاء الناس أو يقتلهم أو يغيّبهم، فهو غير مفهوم في مرحلة ما، وللأسف اليوم صارت المسألة عادية ومكررة.