الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

تظاهرات البوكمال خلال الحرب على العراق عام 1991

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:09:23:11

في عام 1991، بدأ الهجوم الأمريكي مع قوات التحالف ضد العراق إبان غزو صدام حسين لدولة الكويت، والبوكمال بطبيعتها وميولها إلى العراق تعاطفت بشكل كبير مع العراق، وكان أهالي البوكمال يتلقفون الأخبار، وهناك حالة من الانتظار، وهل يا ترى ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق حقيقة؟ ومصادر الأخبار تختلف في العهد الماضي، والجميع كان يجتمع أمام شاشات التلفاز الذي يفتح لفترة معينة وبسيطة وأجهزة الراديو ويستمعون إلى إذاعة لندن(بي بي سي) و"مونت كارلو"، ويسمعون الأخبار، وينتظرون بداية الهجوم. وفي منتصف كانون الثاني تقريبًا، بدأ العدوان الأمريكي على العراق، وكنا جالسين جلسات شتاء في منازلنا، فسمعنا صوت قصف أو صوت انفجارات غريبة، ولم نألف هذه الأصوات، وإذا بنا نسمع أصوات أشخاص يصرخون: الله أكبر الله.. أكبر الله أكبر لقد أحرقوا العراق. وأتذكر أن زوجة أحد جيراني وهي عراقية، فأخذت تصرخ بأعلى صوتها: لقد ذبحوهم. وخرجنا إلى الشوارع فوجدنا أن الشوارع قد امتلأت بالبشر، والناس خرجوا بشكل عفوي، وحال الإنسان عندما يرى شيئًا أنه يكبّر، فأصبح الناس يكبرون بشكل عشوائي، ويصرخون في الشوارع: "بالروح بالدم ..نفديك يا عراق". وكانت هناك بعض الأصوات البسيطة تنادي: "بالروح بالدم نفديك يا صدام". نتيجة لسماعهم هذه الأهازيج من التلفزيون العراقي، وخرجنا بشكل عفوي، ونحن نكبّر، وننادي للعراق باتجاه الحدود العراقية في الجنوب، فأخذنا نمشي في الشارع العام، وأخذت المظاهرة تُرفد من الشوارع الفرعية بمظاهرات من باقي الأحياء، فتجمع أغلب شباب البوكمال، ونقول: خرجت البوكمال عن بكرة أبيها في هذه المظاهرة. وخرجنا، فأصبح بعض الأشخاص يسبون حافظ الأسد، ويلعنون حافظ الأسد، والمعاصر لهذه الفترة يدرك معنى شتم حافظ الأسد في منطقة يحكمها حافظ الأسد، يعني بعد خروجنا من الرعب في عام 1982 من الذي يستطيع أو يتجرأ أن يشتم حافظ الأسد أو أن ينادي: "بالروح بالدم نفديك يا عراق"؟ وكلمة عراق كانت محرمة على الألسن، وكان الناس يعيشون رعب خلاف صدام حسين وحافظ الأسد، فأخذت الجموع تهتف، وتكبر، وتمشي باتجاه الحدود، وعندما وصلنا إلى جسر السويعية، وهو جسر فاصل ما بين آخر قريتين في البوكمال والحدود العراقية، وأردنا أن نعبر جسر السويعية باتجاه الحدود العراقية، و نحن لا شعوريًا اتجهنا باتجاه الحدود، وما زالت الحمم تُصب على العراق صبًا، والمضادات الأرضية من العراق تخرج بعشرات الآلاف، فكان المشهد مرعبًا جدًا، ونحن لأول مرة في حياتنا نرى هذا المشهد، و كان مشهدًا مرعبًا في الحقيقة، وأصوات طائرات التحالف تملأ الأجواء، ويقال: إن "البي 52" كان تقف على بعد 30 كم في العمق السوري، وتقصف العراق. وكنا نسمع أصواتًا عجيبة وغريبة، فخرجنا تحت هذا التأثير وتحت هذه العواطف الجياشة، وعندما وصلنا إلى جسر السويعية خرج علينا ما يسمى بالفصائل المسلحة، وهم ميليشيات تتبع لحزب البعث العربي في سورية، وهذه الميليشيات كانت مسلحة، وخرجت علينا هذه الميليشيات، وأخذت تطلق النار علينا و جميعنا عزل، ولا يوجد معنا أي نوع من السلاح، ولا يوجد معنا سوى ألسنتنا، وعندما أخذت هذه الميليشيات تُطلق النار (الفصائل المسلحة) تراجعنا عن الجسر قليلًا، وإذا بسيارة تحمل بعضًا من هؤلاء العناصر الميليشيات، وهم من أهالي المنطقة، وليسوا غرباء، خرجوا، وكانوا يحملون السلاح، وعندما رأونا تركوا السيارة، وهربوا، فأسقطنا هذه السيارة من أعلى جسر البوكمال، ثم عادت الجموع بعد أن أدركت أنه لا يمكن لنا التقدم باتجاه العراق، وعدنا إلى مبنى الحزب (حزب البعث)، وهناك أطلق عناصر الحزب النار على المتظاهرين، فردّ المتظاهرون بالحجارة، وكسروا زجاج النوافذ لشعبة الحزب، ثم اتجهنا إلى شبيبة الثورة كما يقال لها، وكذلك أطلق الأمن العسكري النار على المتظاهرين فأصيب 3 من المتظاهرين، وبعدها توقف القصف على العراق، فخمدت الأصوات، وأدركنا أننا قد ارتكبنا ذنبًا كبيرًا بمقياس الأنظمة أو نظام الحكم وبقياس الأجهزة الأمنية، وأدركنا أننا كلنا وضعنا أنفسنا في الخطر، فدخلنا إلى منازلنا، وانتظرنا بخوف ووجل، وبدأت الحملة الأمنية باعتقالات عنيفة، فبدأ زجّ الشباب في السجون، وامتلأت الفروع الأمنية بالشباب، وتدخّل وجهاء المنطقة لحل هذه المشكلة، وذهبوا إلى قائد الأمن العسكري في البوكمال العقيد مزعل أبو نضال، وهو نازح من القنيطرة، وكانت قرية العقيد مزعل من طائفة حافظ الأسد، والعقيد مزعل رفض بشكل كلي التهاون بهذا الأمر، وقال كما نقل لنا بعض الوجهاء: أنتم تسبون الرئيس والله سوف تدفعون الثمن ولن تروا أولادكم.

كان عدد المعتقلين يتجاوز 500 شخص من شباب البوكمال، وسيارات الأمن تجوب الشوارع، والرعب يدب في قلوبنا، ولا نعرف ما الذي سوف يحدث بعدها، وتدخل الوجهاء، وذهبوا إلى دير الزور إلى عبود قدح وبعد وساطات كثيرة وبالاتفاق مع حافظ الأسد وقال له كما نقل لنا بعض الوجهاء: يا سيدي لن يعيدوها. يعني عبود قدح قال لحافظ الأسد: يا سيدي لن يعيدوها. يعني أننا تبنا عن هذا الشيء أو هذا الفعل، فحافظ الأسد- كما نقل لنا الوجهاء- عفا عنا، واكتفى باعتقال 50 شخصًا لمدة سنة، واعتقل 50 اسمًا من الشباب، وكان منهم البريء الذي لم يشارك في المظاهرة، ولكن الاعتقال هكذا حصل، لا نعرف كيف اعتُقل هؤلاء الأشخاص الـ50، وكيف تم فرز هؤلاء الـ50 عن الـ500، وكانوا يتهمون بعض الشخصيات البارزة بتحريك الشارع، ولكن نحن كنا نعرف أن الشارع لم يحركه أحد، وإنما حركته العواطف.

اعتُقل هؤلاء الشباب، وزُجّ بهم في السجن لمدة سنة كاملة، وعندما اعتُقل الشباب ظننا أننا لن نراهم بعد اليوم، وبعد سنة، خرجوا مجردين من حقوقهم المدنية والعسكرية، وبقينا جميعًا وكل من اشترك بهذه المظاهرة يخشى على نفسه أنه في يوم من الأيام سوف يُفتضح أمره، وبقي الوجل والخوف في قلوبنا ساكنًا حتى قيام الثورة في عام 2011 بعد 20 سنة، كنا نخاف أننا سوف نُسأل في يوم من الأيام: لماذا خرجتم في هذه المظاهرة؟

معلومات الشهادة

الموضوع الرئیس

مرحلة ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/134-05/

أجرى المقابلة

بدر طالب

مكان المقابلة

الباب

التصنيف

مدني

المجال الزمني

1991

updatedAt

2024/03/21

المنطقة الجغرافية

محافظة دير الزور-مدينة البوكمال

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

فرع الأمن العسكري في دير الزور 243

فرع الأمن العسكري في دير الزور 243

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

الشهادات المرتبطة