[بالنسبة] لموضوع الشيوخ، كنت أريد أن أتحدث عن المنحى الثالث، شعرنا أنَّ المشايخ بحاجة للتواصل معهم وتشجيعهم على تحفيز الناس من أجل الخروج في الثورة، وفي يومها، تعرفت -هذا أحد المناحي في أوائل الثورة- على الشيخ عبد الله عثمان، وكنت لا أعرفه بشكل جيد من قبل، وبعض الإخوة الآخرين،[مثل]: الشيخ أبو النصر عطار، و حتى الدكتور محمود مصري، وبعض الإخوة الآخرين، مثل: الشيخ محمد قيلش، والدكتور عمار، وضعنا خطة لتصنيف الشيوخ، فالذي لديه نفس ثوري نحاول أن نشجعه للمزيد، والمتردد نشجعه للانخراط في الثورة، والذي يخطب خطب غير جيدة نحاول أن نكف بلاءه عن الناس، ويتوقف عن خطبه السيئة، فكان هكذا بهذه الطريقة، وقمنا بزيارات لعدد من المشايخ.

والمشايخ الذين كانوا أكثر ثورية في خطبهم، في المدينة: الشيخ بسام حجازي في جامع حذيفة بن اليمان، والدكتور إبراهيم سلقيني في صلاح الدين، كانت خطب الدكتور إبراهيم سلقيني جيدة أيضاً، وعدد آخر. فاستمرينا بهذا العمل لفترة، وبالإضافة وعلى التوازي كانت قناة حلب اليوم، وكانت الفكرة هي إنشاء قناة لتشجيع الناس على الثورة، وانطلقت الفكرة من الدكتور حكيم (حلبوني)، فهو صاحب الفكرة، حيث زارني في وقتها، وقال: ما رأيك بأن الحراك في مدينة حلب ليس كما يجب؟ ما رأيك أن نؤسس قناة ثورية؟ وأنا رأيتها فكرة خارج الصندوق؛ لأنها ليست أمراً سهلاً أن تؤسس قناة بهذه السهولة، وفي يومها وبصراحة كانت خديعة كبيرة للمخابرات.

ونحن في البداية، كنا نحاول أن ننشئ قناة للدعايات فقط، وهي قناة تجارية وفيها بعض الأغاني التراثية الحلبية لصباح فخري أو بعض الأغاني التراثية الأخرى، مثل: محمد عبد الوهاب وفيروز، وتعرض على الشاشة بالإضافة إلى هذه الأغاني أيضاً بعض الدعايات الإعلانية لبعض المحلات التجارية الكبرى في حلب، بحيث يتشجع الناس، ويشاهدون هذه القناة، وتنتشر أكبر انتشار، تحدث الدكتور حكيم (حلبوني) من خارج بيته، وحسب هو ما روى لي، خرج إلى المُحلّق، وتكلم بالهاتف مع مكتب إعلامي في [منطقة] "الجميلية"، وتكلم من خط هاتف سوداني، وكان الشيخ عبدا لله عثمان لديه معمل في السودان، وكان يسافر، فأحضر معه شريحة خط سوداني، فوضع الخط السوداني، وتكلم مع هذا المكتب في "الجميلية"، وقال لهم: أنا أتكلم من السودان، ونريد أن نقوم بقناة تجارية، ونريد أن نتعاقد مع حضرتك لتقوم بحملة إعلانية لها لمدة شهر في وسائل التواصل واللوحات الطرقية. وقام بالحملة لمدة شهر، وأخذت صدى إلى حدّ ما، وصرت تدخل إلى المحلات (الكثير من المحلات في حلب) فترى أنهم يشاهدون قناة "حلب توداي"، كانت مشهورة بهذا الاسم، أغنية لصباح فخري، فالحلبيون يحبون الطرب، وتعرض دعاية لكل هذه المحلات مجاناً، فاندفع التجار كلهم ليضعوا إعلاناتهم. وفي نهاية الشهر، بلّغوا بأنهم قاموا ببيع القناة، ونزل شريط إخباري، ولكن الشريط الإخباري رمادي، كان ينقل أخباراً فقط، مثلاً: خرجت مظاهرة في الحي الفلاني، وحدث في الحي الفلاني كذا، وفي الحي الآخر كذا، وكان الناس في ذلك الوقت متعطشون ليسمعوا الأخبار وماذا يحصل في المدينة، وأخذوا يتابعون وبنفس حيادي تماماً، ونحن نريد أكبر عدد من الناس يشاهدون القناة، وفعلاً هذا ما حدث، وشيئاً فشيئاً أخذت تغيّر نهجها، وشعر المخابرات من البداية عندما نزل الشريط الإخباري بالخديعة. في البداية، ذهبوا إلى صاحب المكتب الإعلاني، واعتقلوه، ويريدون أن يستدعوا التجار الذين قاموا بإعلانات، وهؤلاء ليس لهم علاقة، وبعد ذلك تركوهم، ورأوا أنَّ الموضوع فيه خديعة، وأنَّ صاحب مكتب الإعلانات مخدوع مع أن الرجل موالٍ لهم، وانطلقت قناة حلب اليوم، الحمد لله هي مستمرة حتى الآن كقناة ثورية وبأقل الأموال (التكاليف) الممكنة. وفي الفترة الأولى، كنا نبحث عن شباب ليغطوا [الأحداث] فقط، وأصبحت هناك شبكة من المتطوعين في كل أنحاء المدينة، وكلهم متطوعون، [كان عملهم هو] "إذا حصل أي خبر في حيّك ابعثه فقط على "السكايبي" مباشرة"، وينزل الخبر فوراً. وفي يومها، كان الدكتور حكيم وابنه [عمر] قد أعطيا جزءاً كبيراً من وقتهم لهذا الأمر كي ينجح، ويتناوبان على القناة من أجل الشريط الإخباري ومتابعة القناة وبأقل تمويل ممكن. وبعد ذلك توسعت، ومازال تمويلها ضعيفاً إلى الآن، ولكن أصبح هناك قناة ثورية، كانت في البداية لمدينة حلب بهدف تحريض الحلبيين للخروج في الثورة. ولاحقاً، تحوّلت إلى قناة تتابع أخبار سورية كلها، ولكنها في الأصل... قالوا لنا: لماذا أنتم تركزون على حلب؟ في الحقيقة، كان هذا هو الهدف. لذلك ركزنا في البداية على مدينة حلب ثم على المدينة وريفها، وبعد ذلك، انتقلت [لتغطي أخبار] سورية كلها. والآن سنحتفل بعيدها العاشر قريباً بعد أيام قليلة (صُورت الشهادة بتاريخ 23 تشرين الأول 2021).

[قام بالتغطية] نحن أبناء المدينة، وعبر السنوات لدينا علاقات واسعة، وفي كل حيّ لدينا أصدقاء ومعارف وأشخاص تثق بهم، وهذا الأمر لا يمكن أن تتورط فيه بالحديث مع شخص ليس أهلاً للثقة، علماً بأن بعض الشباب العاملين في القناة إلى الآن هم من اليوم الأول، مثل: محمد سرحيل وغيره، فمن اليوم الأول كانوا متطوعين في العمل في قناة حلب، وهم مستمرون إلى اليوم بهذه الطريقة. وأذكر مرة كنت في "الجميلية"، وكانت هناك مظاهرة، فشاهدت رجلاً مسناً في المظاهرة، وكانت مظاهرة كبيرة، وقد انطلقت من سيف الدولة عبر شارع الحريري، ووصلت إلى شارع اسكندرون وهي ذاهبة باتجاه ساحة سعدالله، وكان الشباب يهتفون: "ساحة سعد الله جايينك والله" وصار الأمن يطلق النار بكثافة وغزارة كبيرة جداً؛ ليمنع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة سعد الله، فكان لدى الأمن تحدّ أن يمنع الشباب من الوصول إلى ساحة سعد الله،  وأمل الشباب الوصول إلى هناك وعنده (النظام) ذلك الأمر خط أحمر، وصار إطلاق الرصاص غزيراً، واضطر المتظاهرون أن يغيروا مسارهم، واتجهوا باتجاه جامع الصديق، ورأيت رجلاً مسناً، يرتدي جلابية بيضاء وعلى ظهره بقعة دم، وقد أمسك به الشبيحة ، فخرجت فوراً، وكتبت أنَّ هناك مظاهرة، وشوهد رجل مسن معتقل من الأمن ومصاب. وفي المساء، يخبرني شباب "حلب اليوم" أنَّ أهل هذا الرجل المسن يسألون عنه، عندما قرؤوا الخبر على قناة حلب اليوم فسألوا: ماذا رأيتم أيضاً؟ فهم أولاده لأنه لم يرجع، فقلت لهم: الذي رأيته نقلته لكم، ولا يوجد أكثر من ذلك. وكان رجال الأمن قد أخذوه فعلاً. فكانت أخبارنا كلها بهذه الطريقة من خلال شبكة المراسلين المتطوعين المنتشرين في كل أنحاء المدينة.