أتى أمر التسريح (إنهاء الخدمة العسكرية الإلزامية) لدفعتنا في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ونحن أول دفعة تتسرَّح خلال الثورة السورية، وحين التسريح جمعنا الضباط وقائد اللواء -كان عميدًا-، وكان يتكلم كلامًا يقنعنا أنَّه يجب عليكم أن تنقلوا صورةً مميزةً عن الجيش، بأنَّه لم يقتل، وهل حدث يا شباب أنكم أنتم قتلتم أحدًا، أو اعتقلتم أحدًا أو اعتقلتم نساءً مثلما يقولون! وصار يحكي لنا قصصًا: بأنَّ العراق عندما أتى الجيش الأمريكي، صار الجندي الأمريكي يفتش النساء، وأنتم أبناء عشائر، وسورية طابعها عشائري، ولا نقبل هذا الأمر، وغدًا تأتي أمريكا وإسرائيل ومن هذا الكلام، وحتى العنصر الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة لم يقتنع بكلامه، والمهم على أساس أن علينا أن نعطي صورةً أنَّ الجيش لم يقتل، وفي نفس الوقت عناصر اللواء نفسه، الذين خرجوا على الحواجز، كانوا يعتقلون ويفرقون المظاهرات.

 وبعد ما مشينا (خرجنا) من القطع العسكرية، أنا اتجهت إلى ديرالزور، وكان الأمر طبيعيًّا على الحواجز، وأنَّهم يخرجون ويفتشون على أسماء مطلوبة، وحين يرون أمر التسريح لا يتكلمون معنا، وحين وصلت إلى الدير، كان أي أحد (شخص) يرانا يقول: تعال احكِ لنا، ونتكلم عن تصرفات الجيش، وأنه كان هناك أوامر لإطلاق النار خاصةً ليلًا، وكان هناك اعتقال للمطلوبين من المتظاهرين حتى النساء، وأنا نقلت الصورة كاملةً عما يفعله الجيش وما يقوله الضباط، وأعطيت الصورة عن تصرفات جيش الأسد 100%.

طبعًا بعد أن وصلت إلى الدير، أنا لدي صورة مسبقة عنها كمحافظة ثارت ضد نظام الأسد، ورأيت أريحيةً بالكلام؛ يتكلمون عن بشار الأسد ويشتمونه ويلعنون حافظ الأسد وبشار وأنيسة، فكانت هناك حرية كاملة في الكلام، وأنا فورًا دخلت في جو الثورة، وانضممت إلى التنسيقية المسؤولة عن تنظيم المظاهرات.

وفي مدينة العشارة كان هناك حاجز الجسر، والذي يربط بين منطقتين، وهي منطقة حساسة جدًّا، وكنا نتظاهر، وحين نخرج مظاهرة نصل قبل الحاجز بـ 100 متر، صراحةً ولا مرة تعرض لنا الحاجز بإطلاق نار أو بأي شيء، وبقيت تلك الفترة، ولم يكن هناك دعم مثلما يقول النظام للتنسيقيات أو شيء، كنا ندفع من مالنا الخاص تكاليف المظاهرة من كتابة لافتات، ومن صور لبشار فنضع عليها X ، ونكتب "ارحل" -ولافتات المظاهرات معروفة-، ومن نقل للمظاهرات على قنوات الجزيرة أو العربية والقنوات المحسوبة على الثورة، ومن مداخلات، وكنا نشتري أجهزة الثريا (جهاز هاتف يتصل بالأقمار الصناعية)، ونستخدمها للتواصل مع القنوات أو للبث، وعشنا جو الثورة كاملًا، وأنا في وقتها لم أكن قد تخرجت من الجامعة، وكنت مضطرًا أن أذهب إلى دمشق، وكان لدي مادة -وهي المادة الأخيرة للتخرج-، وكنت أعمل بشكل مخفي، وكنت آدمن في تنسيقية العشارة الحرة، وكانت صفحةً قويةً، وتجاوز عدد متابعيها 15 ألفًا، وكانت مصدرًا للأخبار لكثير من القنوات، واضُطررت أن أذهب إلى دمشق لأكمل تقديم امتحان المادة الأخيرة، وأكملت المادة الأخيرة، وهنا حصلت أحداث كثيرة، ولم أتعرض لموقف أنني أنا مطلوب، فكنت أعمل في الخفاء، فهي أحداث متتابعة، وأذكر خلال أسبوع واحد، كان انشقاق السفير السوري في العراق وهو نواف الفارس ابن دير الزور (انشق في 10 تموز/ يوليو 2012- المحرر)، وكان شخصيةً معروفةً، وخلال يومين انشق العميد مناف طلاس من الحرس الجمهوري (أعلن الرئيس الفرنسي رسميا وصولا طلاس الى فرنسا في 17 تموز/ يوليو 2012 و أعلن رسميًا انشقاقه في 24 تموز/ يوليو 2012 - المحرر).