تحقيق رستم غزالي في فرع المنطقة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00;09;46;41
[وبالنسبة لي] التحقيق العادي (اسمك وكذا) كله مرَّ بشكل طبيعي، ولكن التحقيق الفعلي كان مع رستم غزالي شخصيًا، ففي إحدى الليالي، يفتح مدير السجن الباب، وينادي باسمي، وأراه يحمل بيده الكلبشة (القيد الحديدي) والطماشة (عصابة العينين)، وهو في حيرة هل يضع القيد والعصابة؟ وهذا واجب مع كل سجين يأخذونه إلى التحقيق، ولكنه شعر من الموجود في مكتب رستم غزالي ومن كلامه أن هناك تحقيقًا غير عادي، وعادًة لا يحقق رستم غزالي مع السجناء، فكان في حيرة من أمره فإذا ألبسني إياها فربما يوبخه، وربما إذا لم يلبسني إياها سيوبخه، وقال لي: امسك القيود واجعلها خلف يديك إلى الخلف، وعصابة العينين كان يحملها بيده. وخرجنا إلى مدير مكتب رستم غزالي، وذهب وأخبره، وقال له وكنت أسمعه: يا سيدي، الموقوف جورج صبرة أصبح هنا. فقال له: ضع كرسيًا، واصنع قهوة وأحضره، وعرف مدير السجن أنّ الموضوع سلمي، فأخذ القيود والعصابة.
دخلت، وهناك كرسي فجلست عليه وأمامي فنجان قهوة، وبدأت ألتفت يمينًا ويسارًا لأرى المكتب، وهو ليس صالون بل شقة كبيرة جدًا، وهو جالس خلف الطاولة باللباس المدني ولديه مكتبة كبيرة من الأرض للسقف، وهناك ستة ضباط: اثنان على الطاولة، وأربعة على الكنبة، ويرتدون لباسًا عسكريًا، ولكنهم بدون رتب، ولم يفتح أحد منهم فمه بكلمة، وبعضهم كان يسجل، ولم يتكلَّموا أي كلمة، وفهمت أنَّهم من القصر الجمهوري. وافتتح الحديث معي مباشرًة، وقال: كيفك يا أستاذ محمد، فلم أردّ، وأصبحت أنظر في أنحاء المكان، وقال لي: يا أستاذ محمد صبرة، لن تردّ علينا. قلت: عفوًا، هل الكلام لي؟ قال: نعم. قلت: أنا اسمي جورج صبرة، واسم محمد لا يعيبني ولا يعيرني، ولكن حين يريد الشخص إن يغير اسمه أو دينه فهناك طريقة مفتوحة لذلك. فقال: إذًا ما هي قصتك مع "الله أكبر"، أينما ذهبت [تقول] "الله أكبر"، وما علاقتكم أنتم بـ "الله أكبر"؟! فقلت: من قال لك أنَّ الله أكبر لكم وحدكم؟! ونحن المسيحيون لدينا الله أكبر من كل شيء في الدنيا، ولا يوجد ما هو أكبر منه، وأعتقد أنه في كل ديانات الكون الله هو أكبر ما فيها، ويا سيادة اللواء، أنا متعلم في مدارس هذا البلد وجامعاتها، وهذه الثقافة التي تثقفتها هي ثقافة الله أكبر، وأنا سوري، وأسمع كل يوم خمس مرات كلمة (نداء - الشاهد) الله أكبر، والمكتبة التي وراءك هي من ثقافة الله أكبر، فبأي حق تعيرني بالله أكبر؟! وصدقًا، كأنَّي ألقمته حجرًا، وحين نظرت إلى المكتبة عرفت نصف الكتب، كانت كتبًا من التراث الإسلامي، وتاريخ الطبري، والسيرة النبوية، كان كله موجودًا، ولم يفتحها أحد. وبعد ذلك دخلنا في الموضوع الآخر، و[قال لي]: أنت دُعيت إلى القصر الجمهوري فلماذا لم تذهب [لتقول رأيك - الشاهد]؟ وقلت: الموضوع يا سيدي ليس حوارًا وحفلة زجل بين الناس كل شخص يقول رأيه، القيادة عرفت ماذا يريد هذا الشعب عبر الناس، والناس تعلم، والمطلوب إجراءات، وكيف يمكن لحوار أن يكون صادقًا وجديًا إذا كان قتل الناس في الشوارع لم يتوقف، ولم أجد مثل كثيرين أنَّ الذهاب إلى القصر الجمهوري من الممكن أن يفيد ما نريده. [وقال]: كيف ترضى لنفسك أن تمشي مع هؤلاء الحثالة؟! قلت: هؤلاء الحثالة -بنظرك- هم أبناء بلدي، والبارحة أنت اعتقلت منهم المئات، وهم أولاد بلدي وجيراني، وفي كل سورية الذين يتعرضون... هم كذلك، وإذا كانوا حثالة فأنا منهم، ولكن أعتقد أنَّهم يمثلون الشعب السوري. وقال: هل تمشي مع هؤلاء كي يجعلوا لك إمارة إسلامية وتترأس عليها؟! وقلت: وهل لم يجدوا مسلمًا يقلدونه الإمارة إسلامية حتى يأتوا بمسيحي؟! وقال: يا جورج، جماعتك كلهم ضدك: الخوري، والمطران، والبطرك، والمسيحيون، والكنيسة، كلهم ضدك. فقلت: هؤلاء ليسوا جماعتي، أنا جماعتي السوريون، والذين في الجوامع هم جماعتي أيضًا، والذين يخرجون من الجوامع هم جماعتي، ويستطيع الشخص أن يختار أي جماعة يريدها، ولكن جماعتي أنا هم السوريون الذين يريدون الحرية، وأنت تعرف أنَّني لست جديدًا على الموضوع. وقال: يا جورج، أعداؤنا كثيرون، وهناك أشخاص يريدون أن يقسموا البلد، ولو أن الله لم يبعث لنا هذه الأسرة الكريمة (عائلة الأسد)، وليدمها الله فوق رؤوسنا بالعز هي التي حفظت سورية وحمتها. وهو يتكلَّم هذا الكلام أدرت وجهي، وأصبحت أبحث في الأنحاء الأخرى لأوضّح له أنَّ هذا الكلام ليس لي، وهذا الكلام رسالة لأشخاص كي يحملوها لأشخاص [آخرين]. ولكن في الوقت نفسه أصبح لدي مشاعر القرف والشفقة على قائد بهذا الحجم، وكان يرعب منطقة [بأكملها]، وكان حاكمًا في لبنان أن يتودَّد بهذه الطريقة المذلة؛ لأنه مطلوب منه باستمرار أن يقدَّم الولاءات والطاعة بهذا الشكل الذليل، ويؤلمك أن يحصل هذا الشيء في وطنك، ولكن بعد الفاجعة الأكبر أنَّ كل هذا الإذلال والانبطاحية والولاء لم ينفعه بشيء، وفي النهاية، انتهى نهاية مخجلة وسيئة على أيدي النظام والناس الذين كان يقول عنهم: الله يطول عمرهم ويحميهم فهم يحمون البلد. وفي النهاية، قال لي: يا جورج، أنت لم يعد لك اعتقال عندنا، وطبعًا الرسالة أصبحت واضحة، ونبَّه مدير السجن وهو يأخذني [قائلًا]: دعه يتصل بأسرته كل يوم ويطمئنهم، ويطمئن عليهم. ونزلت إلى زملائي في الحمام، وأخبرتهم بما حصل، وصار مدير السجن [كل يوم] يناديني من الطاقة، ويقول لي: هل أحضر لك الهاتف لتتصل مع أهلك؟ فأجيبه: لا، ولم أفعلها حتى مرة واحدة، رغم أنَّ زملائي في الزنزانة كانوا يقولون: يا أبا شادي، اتصل مع أهلك فهم يسمحون لك. ولم أرضَ أن أستخدم هذه الحظوة في الوقت الذي كان فيه أشخاص معي وهم أبناء بلدي، وهناك أشخاص كنت أستاذهم، لم أقبل أن أستغلّ هذه العملية وهم غير قادرين على القيام بها.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/07/23
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدكود الشهادة
SMI/OH/56-36/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
7/2011
updatedAt
2024/11/15
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-مدينة دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
القصر الجمهوري- قصر الشعب
فرع المنطقة في دمشق