خلال تلك الفترة في باريس دُعِيت من قبل جمعية "سورية حرية" لإلقاء محاضرة للسوريين حول مجريات الأمور في بلدنا، وكان الحضور السوري وافرًا، وبذلت الجمعية جهودًا حتى يكون اللقاء مفيدًا، وكان الاهتمام الأساسي للسوريين الاستكشاف حول المناخات الموجودة، هل التكتيكات السياسية التي قام بها النظام أدّت لأي غرض؟ وهل الحل الأمني هو الحل الوحيد المستمر؟ وأنتم كمعارضة ما هو الأفق لديكم؟ في الحقيقة، كان هناك اهتمام سوري جدّي لأنَّ مركز الفعل كان لايزال موجودًا في الداخل رغم نشوء المجلس الوطني في الخارج، لكن المظاهرات مازالت هي التي تلفت نظر المجتمع الدولي والناس إلى الثورة ووقائعها في الداخل. كان اللقاء حميميًا، وأجبنا على كل الأسئلة، وكان السوريون متحمسين ليقدموا ما يستطيعون تقديمه بأي شكل لدعم موضوع الثورة رغم أنَّه كان بينهم بعض الحوارات حول هذه القضية، بمعنى أننا قد وصلنا [للمرحلة التي بدأت فيها] الانشقاقات في الجيش، وأصبح هناك حوار حول السلاح واستخدام السلاح أو السياسة وحدها، وما هي ظروف استخدام السلاح، وقدمنا كل الوقائع التي نلمسها [في الداخل] وليست مجرد آراء، خاصًة فيما يتعلق بموضوع حمل السلاح، فلم يجتمع أحد ويقرر ذلك ويدعو له، ولكن عنف النظام ودرجة الجرائم التي ارتكبها هي التي دفعت نحو هذا العنف. والنقطة الأخرى هي: الانشقاقات، فالعسكري أو الضابط حين ينشق هل يترك سلاحه أم يحمله معه؟ وخاصة أنه حين ينشق تصبح حياته معرضة للخطر، فقصة التسليح وضع طبيعي أن ينشأ بعد هذا الحجم من الارتكابات للنظام، ولكن كيف يُستغل وكيف الدول تعمل به؟ هذا وارد أيضًا، ولكن الحقيقة إن آمال السوريين كانت كبيرة جدًا ومتعلقة بأنَّ مسيرة الثورة على الأرض والتشكيلات الثورية التي نشأت هي الأمل الأساسي والمعوّل عليه. 

السلاح حين بدأ كان تلبية لحاجة، وفي البداية، كان بنادق صيد لحماية التجمعات والاعتصامات، وكان له دور إيجابي في البداية لحماية هذه التجمعات ومنع تطاول الشبيحة عليها هنا وهناك، وأتت الانشقاقات حتى تزيده، لكن اتضح فيما بعد في العديد من الأمثلة أنَّ النظام كان معنيًا ليرمي السلاح في أيدي الثوار؛ ليسوّق "البروباغندا" (الدعاية الموجّهة) خاصته. وفي ذلك الوقت كنت معنيًا في أن أنقل للسوريين في الخارج أجواء الشباب في الداخل في المظاهرات التي أنا عاينتها وفي السجون، وكنا ننقل لهم بأن الشباب يخرجون من السجن ويعودون مرة أخرى، فالشباب يخرجون ومصممون على عدم العودة إلى الوراء؛ لأنه كان هناك قلق منذ بداية المظاهرات لدينا جميعًا، فالمظاهرة خرجت هذه الجمعة فهل ستخرج في الجمعة القادمة؟ ونجحوا في المكان الفلاني، وهل سيستمرون في المكان الآخر؟ فعندما وصلنا إلى هذه المرحلة فالثورة السورية قطعت خط الرجوع، وبدأت بتنظيم نفسها، وبدأت تلفت نظر المجتمع الدولي. ومن هنا فإن ذلك تأكد بشكل كبير حين بدأ المهرجان الذي أُقيم في الذكرى الأولى للثورة السورية في19 (آذار/ مارس) أمام بلدية باريس، وكان اجتماعًا كبيرًا برعاية رسمية فرنسية وفيه حضور سوري كثيف جدًا، وكنا مدعوين له، وألقى عدد من وجوه المعارضة كلمات: الدكتور برهان [غليون]، والسيدة سهير [الأتاسي]، وأنا ألقيت كلمة. وكنا نقدم وجهًا طازجًا لمجريات الأمور على الساحة السورية على الأرض، بالإضافة إلى أن السوريين كجمهور موجود وجدنا نحن الخارجين من الداخل ترحابًا خاصًا، مما يؤكد على أنَّه في الوجدان السوري مثل ما هو في العقل الأوروبي في الخارج مركزية الثورة في الداخل، وقرارها مازال هناك. وهذه القضية تأكدت بوضوح في هذا الاجتماع الجماهيري. وفي اليوم التالي، حضر السفير السويسري وزوجته وزاراني في منزل السيدة عائشة، والإعلام التفت نظره لنا أكثر؛ لأنه أمام أعمال القتل والأنباء التي تأتي يوميًا من الداخل نحن قدمنا رؤية سلمية مدنية متقدمة، وقدمنا لائحة حقوق يريدها السوريون، وبالنسبة للفرنسيين منذ زمن طويل لم تعد قيد المناقشة (هذه الحقوق)، ويتعجبون بأنَّ أحدًا في هذه الدنيا لم يصل بعد لهذه الدرجة من كرامته وحريته وحقوقه، فرغم أن [تلك الاحتفالية] كانت في الساحة الفرنسية وبإدارة الفرنسيين، ولكنه كان مهرجانًا يخدم الثورة السورية كأنه من صنعها تمامًا.