كانت طريقة النظام بطرح المناصب والمنافسة، ولكنني مع الأشخاص الذين هم من جيلي وصلنا إلى مرحلة توزيع المناصب...، ولكنني كجراح قلب، وكنت في ذروة إنتاجي العملي والعلمي، وكنت أرفض ذلك كثيرًا، فربما كانت هناك محادثات جانبية مع بعض الشخصيات، ويسألونني: إلى أين تريد أن تذهب؟ وكان يحدث هذا الأمر كثيرًا، ولكن كان هدفي أن هذا الأمر لا يزال مبكرًا حتى أقطع الستين من العمر.

 أذكر في الانتخابات التي حصلت في عام 2008 لمجلس الشعب أنهم طلبوا مرشحين عن دمشق، وكنت من ريف دمشق، وقالوا لي: ما رأيك أن تترشح عن دمشق؟ وأنا رفضت، وقلت لهم: أنا من ريف دمشق، وكيف أترشح عن دمشق؟! وفي وقتها، كانوا يحاولون أن يجعلوا حتى دمشق تخرج من مجلس الشعب ولا يكون هناك أحد منها، وحتى رئيس نقابة الأطباء في دمشق اسمه يوسف [أسعد]، وهو ليس من دمشق، والحقيقة أنه طبيب فاشل ومجرم أيضًا.

موت حافظ الأسد كان في شهر حزيران/ يونيو عام 2000، وأنا كنت في غرفة العمليات، وكنا نقوم بإجراء عملية، ثم دخلت ممرضة، وقالت لنا: مات حافظ الأسد. بل كانت لا تجرؤ أن تقول ذلك، فقالت: مات السيد الرئيس. وأنت في تلك الفترة في المؤسسات الرسمية، لا يمكنك أن تقول اسم حافظ الأسد بشكل مجرد، فهذه جريمة كبرى، وحتى أنا قلت لها: لا يمكنك أن تقولي هذا الكلام، وأمرتها بالخروج من الغرفة؛ لأننا كنا نشك دائمًا بأن ذلك عبارة عن رد فعل أو تسجيل لرد فعل، ولا توجد عندنا ثقة بأي شخص يتحدث، وخاصة أنه في غرفة العمليات يوجد جميع الأشكال، وأنت لا تعرف الموظفين، ثم ذهبت فأحضرت الراديو، وفتحت على الإذاعة، وكان مروان شيخو ينعيه بطريقة...، ويبكي، وتأكدنا أن حافظ الأسد أخيرًا نفق، والحقيقة أن الشعور كان وكأنك تنتظر شيئًا وحصل، وأعتقد بأننا ظلمنا هذا المريض، وخرجنا من غرفة العمليات، وذهبت مع صديقي الطبيب، وتجولنا في السيارة في ساحات دمشق، وذهبنا إلى ساحة الأمويين والمالكي، وكأن الناس على رؤوسهم الطير، فكان العسكر ينتشرون في كل متر، وجميعنا كنا نتوقع أن يحصل شيء في سورية، وكنا نتوقع أن بشار ليس بالقوي وعلى الأقل هم لا يقبلون به، ولم نكن نتوقع أنه يستطيع أن يأخذ البيعة دوليًا قبل أن يكون إقليميًا، وأذكر أن  بعدها جاءت مادلين أولبرايت، وعاتبتها في أحد اللقاءات، حيث التقيت بها في فترة الثورة، وقلت لها: ألست من قام بتنصيبه رئيسًا علينا؟! 

فُرض علينا بشار الأسد، وكان هناك جبن عند عبد الحليم خدام، وكان من المفترض أن يقول على الأقل: أنا نائب رئيس. ويأخذ قرارات، ولكن حتى الآن لا يوجد تصريح إذا ما كان قد هُدد، ولكن كان بإمكانه أن يكون...، وكانت فرصة كبيرة للسوريين في يومها، ولو قامت المظاهرات في يومها ما دفعنا هذا الثمن، ولكن الخوف كان عتيقًا وشديدًا تجاه الجيش والأمن.

جميع الناس كانوا متوجسين، وكانوا يتوقعون أن يحصل انقلاب، أو كانوا يتفاءلون بأن يحصل انقلاب، ثم مرت مسرحية مجلس الشعب، وبدل الدستور، وجاء وزير الدفاع ورفّعه، ووقع عليه نائب الرئيس عبد الحليم خدام، والحقيقة أنهم كانوا جميعًا "كومبارس"، ومر الأمر بطريقة...، والناس لا تستطيع التحرك.

كان الحداد أيضًا شيئًا مقرفًا، حيث سوّدوا البلد، وجميع الناس يجب عليهم فتح الخيام، وهذا نوع من إخضاع الناس، والسلطة تحاول أن تقدر كم لديها من سيطرة على الناس، وخيمة التعزية والأربعين يومًا، وفي الإسلام، لا يوجد 40 يومًا والتعزية 3 أيام، وبعد ثلاثة أيام، لا يوجد عزاء.

كل السوريين كانوا يتابعون، وسلموه السلطة التي كانت موجودة أمام جميع الناس، والشعب السوري لم يكن له أي دور يعني كان يتفرج، وليس له حول ولا قوة، وكذلك الجيش والأمن، ولم تكن هناك أحزاب، ومن في الأساس يستطيع أن يرفض أمرًا كهذا إذا كانت القوة العسكرية بيده، والقوة الأمنية كانت بيده، وكانت كل الأحزاب مهجنة، وربما كان هناك سياسيون معارضون، ولكنهم كانوا إما خارج سورية أو في السجون، ولكن لا توجد حياة سياسية في سورية، وأكثر الناس كانوا صامتين، ويوجد لديهم حلان، فإذا تكلمت ستذهب إلى السجن أو ستغادر سورية.