واقع الثورة في حمص ومجازر النظام والتحريض الطائفي
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:22:11:15
بعد ما حدث في 18 من شهر آذار/ مارس عام 2011 والمظاهرة في حمص بدأت الدعوات في أوساط الشباب إلى تظاهرة كبيرة في مدينة حمص، وبالفعل في يوم 25 آذار/ مارس 2011 بدأت مجموعات من الشباب ومن الرجال الوصول من بلدات ومناطق حمص المختلفة إلى مدينتها معززين وجود أبناء المدينة سلفًا فيها لإطلاق مظاهرة كبرى، وفي هذا اليوم الذي صادف يوم الجمعة كان انتشار الأمن والاستخبارات والشرطة والشرطة العسكرية كثيفًا في أحياء حمص المدينة، وكان وجود البعثيين هائلًا بعصيّهم، وبعضهم كان من حملة السلاح، وكان وجود الشبيحة ملفتًا للانتباه، وفي هذا اليوم وعقب انتهاء صلاة الجمعة خرجت عدة مظاهرات من عدة نقاط في مدينة حمص، بعضها كان من المسجد وبعضها كان من خارج المسجد، حيث تجمع بعض الشباب في رأس بعض الأحياء وتوجهوا جميعا باتجاه الساحة العامة في حمص وهذه الساحة التي تسمى في حمص الساعة القديمة، ومنها تحركوا باتجاه شارع القوتلي وصولًا إلى ما يسمى باسم نادي الضباط، في هذه المظاهرة كان بعض الهاتفين ما زالوا يقولون "الشعب يريد إسقاط المحافظ" وطلبت إحدى الفتيات وهي من أبناء الطائفة المسيحية في حمص وأنا شخصيًا أعرفها جيدًا؛ طلبت أن يقوم أحد الإخوة برفعها على كتفيه فقام الأخ عبيدة جنيدي برفعها على كتفيه وصاحت بصوتها العالي "يكفي نقول الشعب يريد إسقاط المحافظ، الشعب يريد إسقاط النظام" فانطلقت الموجة لتكتسح المتظاهرين اكتساحًا، وكان الصوت يهدر في حمص كأنه شلال منهمر "الشعب يريد إسقاط النظام" وكانت الوفود تدخل إلى المظاهرة من كل حدب وصوب من كل أحياء حمص المدينة: من باب دريب ومن باب تدمر ومن الخالدية ومن جورة الشياح ومن الإنشاءات ومن الوعر ومن بابا عمرو، وهناك من قدِم كما أسلفت سابقًا من خارج مدينة حمص وتوجه المتظاهرون إلى نادي الضباط العسكري الذي يحمل فوق سوره أو بابه الرئيسي صورة المجرم حافظ الأسد، وكلكم شاهدتم ذلك الشاب البطل المغوار الذي صعد إلى السور وتنطح وصولًا إلى صورة المجرم حافظ الأسد وقام بضربه بقدمه، وهذه المظاهرة كانت إيذانًا بانطلاق المظاهرات ضد نظام الأسد، في كافة أحياء مدينة حمص وريفها دون استثناء، وقابل الموالون والعملاء والمأجورون لنظام الأسد هذه المظاهرة بالبهتة (المفاجأة) وقد تستغرب من ذلك وتفاجأوا بحجم المظاهرة وتفاجؤوا بنوع الهتاف وتفاجأوا باستهداف صورة المجرم حافظ الأسد وكان الأمر قد أسقط من يدهم، وحاول بعضهم الاعتداء على المتظاهرين بالعصي بداية إلا إنهم لم يفلحوا وذهبوا سريعًا إلى تشكيل مسيرة مؤيدة للنظام، ورفعوا أعلام النظام ورفعوا صور النظام وهتفوا بحياة قائدهم وعظموا قائدهم إلا إنهم في الحقيقة لم يستفيدوا شيئًا فقد كان حجم المظاهرة المنددة بنظام الأسد والمطالبة بإسقاطه كبيرة حجمًا ونوعًا، وأرخت هذه المظاهرة على حمص تأريخًا جديدًا، كانت حالة مفصلية وما تبعها من أحداث كانت في الحقيقة حالة تحول في حمص وبدأت على إثر هذه المظاهرة الكبرى في حمص عدة مظاهرات في عدة أحياء منها في باب سباع والمريجة والخالدية ومنها في دير بعلبة ومنها في بابا عمرو، والتي أصبحت فيما بعد عاصمة للثورة كما أطلق عليها بعض الوطنيين والشرفاء، وفي تلبيسة وفي مناطق أخرى كالقصير فيما بعد وغيرها وكثيرة هي المناطق التي دخلت على خط الثورة مطالبة بإسقاط النظام ومهيأة لجو جديد، فقد دخلت حمص في حالة هستيرية وصراع ثقافي واجتماعي أفضى إلى صراع عسكري فيما بعد.
ما حصل في تونس بداية وما تبعه في ليبيا ثم مصر لم يكن ليحيجنا في سورية إلى حالة تنظيمية لإطلاق المظاهرات، إضافة إلى تراكم عقود من الذل ومن الإهانة ومن الاستغلال من هذا النظام الجائر المجرم ومن القمع ومن الاعتداء على كرامات الناس وحرياتهم، وهذه كلها عوامل تضافرت وتكاملت للوصول إلى لحظة الانفجار. وفي هذه الأثناء لم يكن هناك حاجة إلى تنظيم هذه المظاهرات أو الدعوة لها ولا أريد أن أذهب بعيدًا في هذا الأمر وقد تكون هناك بعض الدعوات من بعض الوجهاء ومن بعض الأعيان في مجالسهم، مثلًا بعدما قامت الثورة في تونس وما تبعها في ليبيا ومصر بعض الوجهاء بدأ يصرح إنه إن شاء الله سوف يصبح عندنا ثورة وسوف نشارك فيها، وهؤلاء الوجهاء أعطوا أملًا للشباب والفتية وأعطوا ضوءًا أخضر دون أن يشعروا لمن لديه الهمة للقيام بهذه المظاهرة وتنسيق المظاهرات وإدارة المظاهرات هو أمر لاحق على هذا الأمر وليس في حينه.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال؛ في الحقيقة كان يراودني شعور مختلج من الخوف والشجاعة عندما سمعت أصوات الناس تتعالى في حمص "الشعب يريد إسقاط النظام"، بكيت فرحًا ولا تسألني ما هو الدافع لذلك فأنا لا أعلم حتى الآن! وأنا بكيت فرحًا وصرخت وأنا أبكي فرحًا "الشعب يريد إسقاط النظام"، هذا النظام حقيقة باعتباري سوريًا وأنا اعتبر نفسي إنسانًا شريفًا مثل كل السوريين، هذا الشعور أعتقد بأنه قد خالج كل السوريين خالج كل المتظاهرين، شعور من الفرح وشعور من الشجاعة وشعور من الخوف وشعور مختلط، إلا إنه كان شعورًا سعيدًا في مجمله، تحررنا به من الخوف وتحررنا به من القيد وتحررنا به من النير وتحررنا به من الضغط الذي مورس علينا وعلى أهلنا لمدة عقود، وانطلقنا نحو فضاء أوسع مطالبين فيه بحريتنا معلنين بأننا لن نعود إلى الوراء ثانية.
بعد أن انتهت هذه المظاهرة المباركة أخذ بعض الموالين لنظام الأسد بالتوافد إلى الساحات نفسها وهتفوا بحياة قائدهم وعظيمهم وصوّرت وكالات الأنباء السورية هذا الحدث على أنه لا يوجد متظاهرون في حمص وإنما يوجد مسيرة تأييد، وهذا الأمر موجود على وسائل الإعلام، وبعد هذه المظاهرة بدأ نظام الأسد بحملته الأمنية العنيفة فبدأ بالاعتقالات وتعميم أسماء المتظاهرين وبدأ بقتل الناس وبدأ دخول الشبيحة إلى الأحياء وأرسل نظام الأسد من دمشق نائب رئيس شعبة المخابرات السورية اللواء علي يونس (المقصود جمال يونس - المحرر) تحت عنوان وظيفي "رئيس اللجنة الأمنية في حمص" ووضع تحت تصرف اللواء علي يونس (جمال يونس - المحرر) كل رؤساء فروع الأمن في حمص: المخابرات الجوية والأمن العسكري وأمن الدولة والأمن السياسي والأمن الجنائي والشرطة العسكرية وحفظ النظام وهذه اللجنة الأمنية بدأت مباشرة بالعمل على اعتقال الناس وإرهابهم والتغطية على أعمال الشبيحة التي بدأت بالدخول إلى الأحياء وإطلاق النار على الناس وخاصة أثناء المظاهرات، وبدأت الأجهزة الأمنية باختطاف بعض الشباب لنجدهم في اليوم التالي صباحًا ملقين على الأرصفة مقتولين. وهذه الأجهزة الأمنية ذهبت بعيدًا فقتلت حتى الشباب المتظاهرين الذين أصيبوا بأعيرة نارية بسيطة في المشافي، وعين نظام الأسد إضافة إلى اللواء علي يونس (جمال يونس - المحرر) العماد منير أدنوف رئيسًا للجنة العسكرية في حمص والذي وضع تحت تصرفه كامل القطع العسكرية المنضوية في محافظة حمص، وهنا بدأ مسلسل نظام الأسد الإجرامي بالمعنى الحقيقي للكلمة وبدأت تتوافد دبابات ومدرعات وآليات النظام المجرم من مناطق شرق حمص حيث تنتشر قطع عسكرية للفرقة 18 إلى مدينة حمص وريفها.
في نهاية شهر آذار/ مارس وبداية شهر نيسان/ إبريل بدأت الآليات العسكرية بالتحرك إلى حمص ومع مرور الوقت بدأ الأمر بالتضخم حتى عندما أدرك النظام في حمص أنه لن يستطيع قمع المظاهرات، بدأ بإرسال مدرعاته وأسلحته بشكل كبير جدًا إلى حمص، وارتكب نظام الأسد مجزرة في باب سباع وارتكب مجزرة في تل النصر وأتبعها بإطلاق النار على المتظاهرين في ساحة الساعة في يوم 19 نيسان/ إبريل 2011 إضافة إلى قيامه باعتقال عشرات أو مئات الشباب من أبناء مدينة حمص وريفها وقتل الكثيرين منهم وتغييبهم، أضف إلى أن الشبيحة الذين حاولوا قمع المظاهرات بمساعدة الأجهزة الأمنية، قتلوا الكثير من أبنائنا وهذا الأمر أدى إلى حدوث أزمة في مجتمع حمص، وكنا هنا ما زلنا متخالطين في حمص ومتجانسين مع أبناء الطائفة العلوية، وحدثت عدة انفجارات في هذه الأثناء في أحياء الزاهرة والنزهة وعكرمة وغيرها، وهذه الانفجارات كانت غريبة عن مجتمعنا وكانت غريبة عنا ونحن مباشرة اتهمنا نظام الأسد بها، وبعض المثقفين من أبناء الطائفة العلوية اتهموا نظام الأسد أيضًا. واتسعت رقعة الخلاف واتسعت الصدامات بين المتظاهرين من جهة العزل وبين الشبيحة ورجالات الأمن ولم يكتفوا فقط بقمع المظاهرات وإنما دخلوا إلى الأحياء وأقاموا حواجزهم فيها واعتقلوا الناس من بيوتها، اعتقلوا النساء والأطفال والشيوخ والشباب ولم يميزوا، وقتلوا الناس أمام ذويهم، وعزز هذا الأمر كله دفع المظاهرات باتجاه الأمام، إلا أن النظام [كان] قد أخذ مسلكًا إجراميًا لا عودة فيه، وكان قرار نظام الأسد واضحًا أنه يريد إنهاء هذه الظاهرة بالدم فقط ولم يكن لديه وسيلة أخرى ولم يقدّر أن هذا الشعب لديه مطالب ويجب تحقيقها.
وما حصل في الأحياء العلوية "الزاهرة والنزهة وعكرمة" هو أنه مع انطلاق المظاهرات في حمص أرسل عقيدًا اسمه سهيل الحسن من إدارة المخابرات الجوية في سورية إلى فرع حمص ومعه 200 عنصر كلهم من خارج أبناء حمص وليسوا من أبنائها، وسهيل الحسن وباعتراف الكثير من أبناء الطائفة العلوية هو من قام بإحداث هذه التفجيرات في الأحياء العلوية وذلك ليس لهدف إلا لتأجيجهم وزجهم في الصراع الحاصل بين الشعب والنظام السوري أو في أدنى الحالات تحييدهم عن هذا الصراع حتى لا يكونوا مع الشعب الذي لم يصدر منه حتى هذه اللحظة أي إساءة للطائفة العلوية، والشعب كان يركز في أفعاله وأقواله وما يقوم به أيًا كان على أنه يعتبر النظام عدوًا ويجب إسقاطه ولم يعتبر أن هناك طائفة بمثابة عدو، ولم يعتبر هذا الشعب أن هذه الطائفة أو تلك أو هذه الإثنية أو تلك حالة من العداء على العكس، فزج النظام السوري بالعقيد سهيل الحسن ومن معه لتأجيج الطائفة أو لتحييدها فكان يقول لهم أنتم أمام خيارين إما نحن أو أولئك سيقتلونكم.
جمعية العلماء في حمص هي شخصية اعتبارية كمؤسسة موجودة قبل الثورة، وينضوي فيها كافة علماء حمص وهذه الجمعية كون أنه يوجد فيها علماء من حمص بشكل طبيعي يعتبرون وجهاء في حمص باعتبارهم أئمة مساجد وباعتبارهم خطباء وباعتبارهم حالة من النسيج الاجتماعي بشكل أو بآخر، وأصدرت هذه الجمعية بيانها الذي تقول عنه، وهو لم يتعدَ المطالب السياسية في حالة وكأنها تقول: دعونا نرأب الصدع الموجود، والحقيقة أن الشعب سبق أولئك الأشخاص مع احترامي للكثير منهم، والبعض كان يعتقد أننا في خلاف مع نظام الأسد كشعب وأننا في خلاف مع نظام الأسد كشعب وأنه بإمكان بعض الوجهاء أو رجالات الدين حل هذا الخلاف لكن الأمر تعدى هذه المسألة حقيقة فالشعب سبق جمعية العلماء في هذا الأمر.
بعض علماء حمص اختار الثورة سبيلًا له ومنهج حياة، فكان داعمًا وكان مؤيدًا وكان صاحب فكرة إيجابية وعمل دؤوب في الثورة، وأذكر هنا الشيخ إسماعيل المجذوب -رضي الله عنه وحفظه الله- هذا الرجل كان قيمة اجتماعية دينية على أهل حمص قبل الثورة وفي الثورة وعلى عكس الكثير من منتسبي جمعية علماء حمص، ولا داعي أن أذكر أسماء ولكن صدر منهم أشياء كثيرة معيبة بحقنا كثوار وكثورة وأنا أربأ بنفسي الآن عن التطرق لها، وعندما كانوا في حمص وعندما أصبحوا خارجها وصادروا بعضًا من متعلقاتها.
كان حجم القتل كبيرًا جدًا والدعوة للإضراب في مدينة حمص كانت بسبب حجم القتل الذي لا يعلمه الكثيرون، فالنظام ارتكب عشرات المجازر وقتل مئات الشباب، وكنا يوميًا في مدينة حمص وضواحيها نستيقظ على جثث ملقاة على الأرصفة ونحن نعلم أن هذا الشخص أخذه النظام منذ يومين واعتقلته أجهزة الأمن منذ يومين، لنستيقظ في اليوم التالي أو الذي يليه لنجده جثة هامدة على أحد الأرصفة. وهذا الأمر تكرر كثيرًا في حمص وإطلاق النار على الناس المتظاهرين وقتل الكثير منهم في عدة أحياء، كله دفع باتجاه أن يقوم أهالي مدينة حمص بالدعوة إلى إضراب في حمص وتم ذلك فعلًا.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/10/27
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدالحراك السلمي في حمصكود الشهادة
SMI/OH/97-02/
أجرى المقابلة
منهل باريش
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2011
updatedAt
2024/07/23
المنطقة الجغرافية
محافظة حمص-محافظة حمصمحافظة حمص-مدينة حمصشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
حزب البعث العربي الاشتراكي
الفرقة 18 دبابات (مدرعات) - نظام
هيئة علماء حمص
الشرطة العسكرية في حمص - نظام