الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الحياة التعليمية وربطها بحزب البعث وسيطرته على مؤسسات الدولة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:28:23:23

كما ذكرت أنه أي مصلحة لأي شخص مرتبطة بحزب البعث، فكان يوجد أشخاص لا يتم تنسيبهم لحزب البعث وبعد أن ينتهي من الجامعة يتم تعيينه في مدارس معينة، وطبعًا سابقًا كان يتم تعيينه في ريف بعيد، وأذكر عمي زوج والدتي قال لي -وهو منتسب للأحزاب الناصرية- وتم تعيينه في قرية من قرى عفرين سابقًا، ولمجرد أنَّه غير بعثي ولا حزبي يتم تعيينه في قرى بعيدة جدًا، ويتم تعيين الأشخاص البعثيين ضمن المدينة نفسها.

من ضمن الأمور التي أذكرها في صف العاشر أو الحادي عشر كان لدينا مدرس مادة الرياضيات وهو من المدرسين القديرين جدًا في المدينة والمعدودين على الأصابع وهو ليس بعثيًا وليس منتسبًا لحزب البعث وطلبوا منه في تلك الفترة أن يقوم بدورات في فرع الشبيبة في مدينة الباب، والرجل لخلاف معين معهم رفض أن يقوم بدورات لأنهم سيضعون له أعدادًا كبيرة في القاعة، وتضاربت مع مواعيد عنده وتم فصله من ثانوية البحتري، وطبعًا ثانوية البحتري هي الثانوية الأولى في مدينة الباب وتم فصله، لمجرد خلاف مع الشبيبة، وقالوا له إما تمشي كما نريد أو نفصلك، والحقيقة في تلك الفترة خسرت ثانوية البحتري أحد القامات المهمة في المدينة في مادة الرياضيات، والمواد الثانية نفس الأمر وأي مدرس لا يتعاون مع المدير أو شعبة الحزب يتم فصله مباشرة وطبعًا لم يتم فصله من التدريس والرجل ذهب إلى محافظة حلب وبدأ يعمل في عمل خاص ضمن مجال التعليم وحاول أن يتعين في مدارس خاصة واشتغل.

 في مرحلة معينة حاولوا أن يربطوا الطالب منذ صغره، وهم يتبعون مبدأ أن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، ويحاولون أن يزرعوا الأفكار في الطالب وهو صغير ومن عمر سبع سنوات يتم تنظيمه في طلائع البعث، وصور القائد الموجودة ويزرعون به في اللاشعور، وطبعًا الطفل في اللاشعور تقول له هذا الأمر جيد فهو سيعتبرها جيدة والمدرس يقول له هذا الرئيس قائدنا إلى الأبد، وهكذا كانت الشعارات في تلك المرحلة "قائدنا للأبد الرئيس حافظ الأسد" المُفدى حافظ الأسد وحزب البعث هو الحزب القائد يعني يحاولون ألا يرى الطالب أي شيء سوى تلك الأمور، ويأخذون الطالب إلى بعض المعسكرات التي هدفها زرع هذا الفكر وهو حب حافظ الأسد كشخص والحزب، وطبعًا هو الحزب إذا تكلمنا عن حزب البعث هو مثل الأحزاب الأخرى ولكن السيطرة عليه كانت وسيلة للوصول إلى حكم وقيادة في سورية معينة من طرف القادة الذين سيطروا عليها في تلك الفترة، وأما بقية الأحزاب فكلها يوجد خلافات في أحزابهم والتي هي في النهاية مجرد شعارات وطبعًا شعارات الحزب شيء والتطبيق شيء آخر. وشعارات الحزب أنه هو حزب الكادحين والمستقلين و[بينما] هي للسيطرة على السلطة، وحاولوا السيطرة على الجيل منذ صغره عبر منظمة الطلائع حتى الصف السادس لعمر عشر سنوات أو 12 سنة ويكونون قد زرعوا فيه هذه البذرة والفكر هذا، وينتقل بعدها إلى منظمة شبيبة الثورة أو شبيبة البعث التي كانوا يسمونها شبيبة الثورة.

دور الشبيبة الشيء نفسه، وهنا الطالب أصبح أكبر وأصبح في مرحلة أوعى من السابق، ودخل في فترة مراهقة ونضوج معين وتفكيره أصبح أكثر وتقدم في المرحلة الدراسية وأصبح لديه معلومات وأصبح لديه أسئلة أكثر وتعلُّق أكثر، وكانوا يقومون ببعض النشاطات المسرحية، وطبعًا ممنوع إقامة أية نشاطات أخرى إلا ضمن شبيبة الثورة، وأتذكر في ثانوية "البحتري" كان عندنا مسرح يتم فيه تقديم أعمال مسرحية وطبعًا الذين يقدمون الأعمال المسرحية هم جماعة شبيبة الثورة وحزب البعث وشعبة الحزب، وهم الذين يقدمون هذه الأعمال بما يريده الطالب، فكانت كل أعمالهم ترمز ويريدون أن يظهروا لك بطريقة أو أخرى، يعني تعزيز لمنظمة طلائع البعث ولكن في مرحلة عمرية متقدمة ويعطونك إياها في مواد أكثر، ويعطونك كتبًا تطالعها عن فكر القائد ويعطونك كتبًا تطالعها عن نضال حزب البعث أنه هو حزب المظلومين وهدفه المساواة بين الكادحين وبين الشعب السوري وبين عامة الشعب السوري، وطبعًا كلها شعارات طنانة ورنانة كما اكتشفها الكثير من الناس.

دور شعبة الحزب في المدينة يمكننا أن نعتبرها بعد الأجهزة الأمنية، هي دورها الأول في المدينة في تعيين مدراء المدارس وخطباء الجوامع والإشراف على الخطب في صلاة الجمعة والتي هي تحت إشراف المؤسسة الأمنية وذراعها المدني: شعبة الحزب، وطبعًا الموظفون فيها هم موظفون في الدولة يتم تفريغهم للعمل في الشعبة ورواتبهم من الدولة السورية، يعني هنا الحزب سيطر حتى على كل مفاصل الدولة وأي مدير يتعين يكون بعثيًا ويراجع الشعبة دائمًا ليأخذ التعليمات منها، وأي مدير مؤسسة: مؤسسة الإسمنت مثلًا ومديرية المالية ومديرية النفوس والإدارة المحلية والبلدية وكل هؤلاء الموظفين يجب أن يكونوا [بعثيين]، والمدراء قولًا واحدًا سيكونون في المراكز الحساسة والبلدية والمكتب الفني والمحاسب ورئيس البلدية هم بعثيون أعضاء عاملون قطعًا، وبقية الموظفين 99% يكونون بعثيين وهذا كله عن طريق الشعبة، والشعبة مهمتها أن تقوم بدراسات أمنية عن كل سكان المدينة ناهيك عن الأفرع الثانية التي تقوم بها، يعني يوجد استجوابات وهي طبعًا استقبال الشباب البعثيين في المدينة، وأي شخص لديه إخبارية عن أي شخص من المدينة يجب أن يخبر أن فلانًا قال كذا وفلانًا قال كذا، وطبعًا هم في النهاية مرتبطون بشبكة مع الأمن، فكان دور شعبة الحزب في المدينة هو السيطرة على كل مؤسسات المدينة وإرهاب الناس وتخويف الناس والإشراف على أي شيء وحتى على توزيع مادة الخبز والإسمنت والغاز وكلها بشكل مباشر من قبله، وأمين الشعبة في المدينة يعتبر القيادي رقم واحد في المدينة، وسلطته أعلى من رئيس البلدية وأعلى من مدير المنطقة وهو كان سابقًا قبل الثورة كان متسلمًا الملف الأمني، يعني سلموا أمين الشعبة الملف الأمني في المدينة.

طبعًا أعلام المؤسسات في المدينة كلها يجب أن تكون أعلام البعث وأعلام سورية يضعونها كرديف، ولكن أعلام البعث هي المسيطرة، وحتى واجهات المحلات أذكر في فترة كان رئيس البلدية أبو الجود عبد الجواد الشهابي أجبر سكان المدينة على دهن أبواب المحلات بعلم البعث بشكل إجباري، والبلدية فرضت على الناس طلاء العلم على باب المحل، كاملًا عليه علم البعث، ناهيك عن المدارس والثانويات، وأذكر حادثة في الصف الحادي عشر حيث تأخر المدرس أو إنه كان غائبًا وكنا نلعب بكرة القدم في المدرسة داخل القاعة في الصف وأحد الطلاب ضرب الطابة وانقطع العلم والأعلام كانت معلقة على حبال في أعلى الصف فانقطع العلم والطلاب يلعبون وهم ليس لديهم وعي كبير وفوضى في الصف، وبدا يتم الدعس على الأعلام أثناء لعب كرة القدم، وفجأة جاء المدير سليمان الجاسم وهو كان مدير ثانوية البحتري، وكان ارتباطه مع الأمن والشعبة، وكان يهددنا دائمًا بالأمن والشعبة، ويقول: أنا يمكنني أن أحولكم إلى الأمن والأفرع الأمنية، ومن دخوله لم ينظر إلى الفوضى ونظر إلى الأعلام، أن: من يدعس عليها؟ ومباشرة أخرج أربعة طلاب أو ثلاثة طلاب من الصف وربط الحادثة وبدأ يقول أنَّ هذا علم البعث وعلم الجمهورية العربية السورية وكيف يتم الدعس عليه وكلكم رفاق بعثيون ما عدا الذين أخرجناهم إلى الخارج، وقد يكون لديهم دور مخرب وهم الذين نفذوا هذا الشيء، وحول القضية إلى قضية أمنية وقضية إهانة للدولة وهي في النهاية قضية عادية، نحن أولاد بعمر 16 سنة، ويمكن أن ينقطع العلم ولا ندرك قيمة هذا الشيء وهو أمر طبيعي، وهو حاول أن يربط هذا الشيء بأن هذا ملف أمني وانتبهوا ويجب أن تكونوا مثلنا ونحن في فترة الستينات والسبعينات كنا ندافع عن الحزب وكنا نقاتل بالجنازير والسكاكين نحن البعثيين، وثبتنا على موقفنا وكنا نقاتل كل الأشخاص الذين كانوا ضدنا، وأنتم يجب أن تكونوا هكذا، يعني هو كان يزرع الفتنة بين الطلاب.

وحادثة أخرى في إحدى الاحتفالات بـ"الحركة التصحيحية" التي قام بها حافظ الأسد والتي ذكرنا أنها مجرد انقلاب عسكري، وكانت مؤسسات الدولة لا يوجد عطلة رسمية فيها مؤسسات الدولة ولكنهم كانوا يجبرون وطبعًا الحزب هو المسيطر على كل المؤسسات؛ يجبر الموظفين على الاحتفال في هذا اليوم وليس هناك دوام ومن ضمن هذه المؤسسات هي المؤسسات التعليمية والمدارس، وكانوا يجمعون الطلاب ونحن نحضر أول حصة أو ثاني حصة، ثم يجمعون الطلاب في الباحة الكبيرة مع الأعلام والهتافات ومع خطاب من قبل مدير المدرسة ومن قبل المندوب القادم من شعبة الحزب، وطبعًا كان الخطاب المشهور والكلمة التي سوف تذكر أثناء الخطاب هي كلمة حافظ الأسد السيد الرئيس ولا أحد يقول إلا السيد الرئيس ولا يذكرون كلمة حافظ الأسد لوحدها، والمفروض على الجميع عندما يسمعون اسمه يذكر في الخطاب فالمفروض أن يتوقف الخطاب والجميع يصفق، وإذا كان جالسًا على كرسي يجب أن يقف ويصفق ويستمر التصفيق والمفروض على الطلاب أن يهتفوا "بالروح بالدم نفديك يا حافظ" وأتذكر في أحد الاحتفالات وكان كلما يذكر اسم حافظ الأسد نضحك أنا وأصدقائي، ونحن أصبح لدينا وعي يعني أنه كلما يذكر اسمه يجب أن نصفق!، فقررنا عدم التصفيق وكنا نقول إنهم شلة مخبرين وبعثيين وكله كذب والمدير بسبب كثرة مراقبته للطلاب وكل أفعالهم وبعد أن انتهينا أتذكر أنه تم استدعاؤنا وقال: لماذا لم تصفقوا حين يتم ذكر السيد الرئيس؟ وطبعًا المدير كان من ريف الباب ومعروف أن الحزب يحاول أن يبني أرضية له في الريف أكثر من المدن حتى يسيطر عليها عن طريق الترهيب والترغيب والتخويف بشكل عام، والترهيب أكثر، فطلبنا المدير وهددنا وقال لماذا لا تصفقون عندما يتم ذكر اسم السيد الرئيس وأنتم محتمل أن يتم تحويلكم إلى الأمن ويكون حسابكم عسيرًا، ونحن طلاب وقلنا لم نسمع الصوت جيدًا وكنا خلف البافل (مكبر الصوت) وهربنا منه بطريقة معينة، ولكن هذا يوحي لك كيف كان الحزب والبعثيون يشكلون مثل فريق مراقبة على الشعب إذا لم يكن مواليًا لهم، ويجب ان تظهر ولاءك بشكل كبير وحتى الصمت ليس مقبولًا ويجب أن تكون مواليًا بشكل كبير.

في الجامعة المفروض الطلاب أصبح لديهم وعي كامل و[الطالب] أنهى المرحلة الثانوية، وبدأ يطلع أكثر ويعي أكثر، والمفروض أن يكون هناك -ونحن هكذا كنا نفكر- يعني أن تكون مساحة حرية لأتكلم وأقرأ وأكتب في أي مجتمع، ولكن هذا الشيء كان عكس الواقع تمامًا، وكنا نتخيل غير الواقع، وبداية الالتحاق في الحياة الجامعية وأنا ذكرت أنه عندما تكون بعثيًا يمكن أن يعطوك علامات في الثانوية يعني علامتين أو 5 أو 10 أو 25 علامة حتى تستطيع أن تدخل في فرع معين، وهذا الفرع أنت لا تستطيع دخوله وطبعًا هذا الشيء يحرم شخصًا آخر غير بعثي أن يدخل إليه، وبالتالي كان البعثيون يسرقون مقاعد غيرهم ويوجد الكثير من الناس والناس المعاصرين يعرفون أنه يوجد أشخاص قفزوا بالمظلة وعلاماتهم كانت متدنية جدًا في المرحلة الثانوية وحصلوا على مقاعد جامعية لمجرد أنهم قفزوا بالمظلة مع باسل بن حافظ الأسد وحصلوا على حق غيرهم، وفي النهاية عندما أصبحنا في الحياة الجامعية وأنا دخلت معهدًا هندسيًا باختصاص إنشاءات هندسية، وفي المرحلة الجامعية أنت سوف تلتقي مع أشخاص من كل سورية، وفي جامعة حلب كنا نرى أكثر المناطق الشرقية والغربية، يعني قد لا يقبل بعض الأشخاص في محافظة اللاذقية في جامعة أو معهد، وسوف يأتي إلى محافظة حلب وهي أقرب له من دمشق، أو في إدلب أو من دير الزور وطبعًا المنطقة الشرقية لم يكن بها جامعات في تلك الفترة وكان يسميها النظام المحافظات النامية أو النائية، وحتى إنه كان [معدّل] القبول الجامعي لطلابها أقل من [مُعدّل] القبول الجامعي لطلاب حلب ودمشق وغيرها وكانوا يعطونهم هذه الميزة، وطبعا الحزب أطلق عليها هذا الاسم وهي ليست محافظة نامية ولكن أنا أعتبر أن هذه سياسة من حزب البعث لتجهيل تلك المنطقة والتي تعتبر من أغنى المناطق في سورية، وكانت السياسة مقصودة، والشيء المقصود الآخر هو محافظة حلب وهي تعتبر أكبر كتلة بشرية وسكانية في سورية، وكان البعث يمارس سياسة التجهيل فيها، ونحن نذكر أنه في القرى يوجد أشخاص "مكتومين" (أميين) يعني غير معلمين في المدارس وكثير من القرى ليس فيها مدارس في تلك الفترة، وهذه كانت سياسة مقصودة لتجهيل كتلة كبيرة من سورية: حلب ودمشق، ونسبة الأمية كانت أكبر نسبة أمية هي في حلب ونقص المدارس أكبر نقص مدارس كان في حلب.

دخول الحياة الجامعية والالتقاء مع الشرائح الكبيرة من المجتمع السوري كان يعطي للشخص انفتاحًا أكبر ومعرفة أكثر عن المجتمع السوري لم تكن موجودة لدينا بحكم التضييق الذي كان موجودًا، وكنا نلتقي مع أشخاص كثيرين وخاصة كانت تحصل اللقاءات بشكل أكبر في المدينة الجامعية، وأنا سكنت في المدينة الجامعية لمدة سنتين وعشت مع أناس من خارج محافظتي من محافظة اللاذقية والسويداء والدير وأكن لهم كل الاحترام، وكنا ندخل في نقاشات كثيرة وطبعًا كل شخص يخاف من الآخر ولا نستطيع أن نتكلم بشكل مباشر حتى يكون هناك ثقة كبيرة وعمياء وحتى تستطيع أن تتكلم بالسياسة، ولم نكن نتجرأ أن نسأل الشخص عن طائفته حتى فيما بعد نكتشفها بطرق غير مباشرة، وهذا ليس خوفًا من الطائفة أو حقدًا عليها بالعكس، فالمجتمع السوري معروف بتعايشه منذ مئات السنين، تعايش المجتمع السوري بكل طوائفه من دروز ومسيحيين وعلويين وغيرهم من شركس والأكراد والتركمان، ونحن معروفون بالتعايش وهذا التعايش لم يفرضه النظام هو موجود قبل وجود النظام وقبل مئات السنين موجود عندنا في سورية.

خلال هذه الفترة الجلسات التي كانت تحصل في الحياة الجامعية كانت ممتازة وتعطي انفتاحًا للشخص بشكل كبير، وأذكر أشخاصًا حتى الآن من محافظة السويداء كانت تخوض نقاشات كثيرة، وطبعًا الشباب الجامعي كان لديه فكرة عن حياة مخملية قادمة وأنه يجب أن يكون لدينا حرية وأن نبدع في أشياء معينة، ويجب أن نتطور دائمًا ويجب أن نطور سورية ونتحدث كثيرًا أننا لدينا إمكانية للاختراع وتصنيع سيارات، ونكون واعين أكثر من ذلك حين الدولة تؤمن لنا أمورًا ممكن أن ننجح فيها أكثر ونطورها أكثر، ولدينا خبرات كبيرة ولدينا شخصيات كبيرة والكثير من المفكرين في مجال الأدب والهندسة والدكتوراه والطب والصيدلة، وهكذا كانت أكثر النقاشات ولكن بالنسبة للحياة السياسية كانت مغيبة تمامًا ولا أحد يتكلم بالسياسة أبدًا أبدًا.

[وعن موضوع التعايش] والدي كان يعمل بتجارة الحبوب في مدينة الباب بحكم انها مدينة زراعية، وكان أحد الأشخاص الذين يتعامل معهم والدي -وأذكر أن عمري كان 10 سنوات- وكان والدي يأخذني معه إلى محافظة دمشق، وكان لدينا شركاء في محافظة دمشق وأحد الأشخاص الذين كانوا موجودين هناك هم من سكان حارة اليهود في دمشق القريبة من باب توما وباب شرقي، وأتذكر شخصًا تاجرًا يهوديًا كان اسمه جاك، وأنا ذهبت مع والدي مرة واحدة إليه، يبيعه والدي البضائع، وتجار كثيرون من اليهود غيره كانوا موجودين في حلب ودمشق وكل الناس تتعامل معهم بطريقة جيدة، ونحن هكذا كنا متعايشين، وأذكر أنه بعد التسعينات ذكر لنا والدي أنه سافر ولكن أملاكه موجودة، وكان لديه محل بجانب باب الشرقي عند باب دمشق الشرقي وعلى طرفه يوجد محلات وأحد المحلات موجود حتى الآن وهو لهذا الشخص الذي اسمه جاك، وفي يومها ذكر لوالدي أنه سوف يسافر عن طريق قبرص أو اليونان وسوف يذهب إلى إسرائيل، وطبعًا هو أسرّ لوالدي سرًا في هذا الموضوع بأنه عن طريق أمريكا يعني بمساعدتها؛ سوف يسافر للذهاب إلى قبرص ومنها إلى إسرائيل، ونحن منذ تلك الفترة لم نره ولكن وكيل أعماله كان موجودًا وطبعًا وكيل أعماله مسلم كان اسمه أبو هاشم وبقيت التجارة مستمرة بيننا بدون أي مشاكل أخرى.

تلك القصة التي كانت تحصل في المدينة الجامعية [جلسات مع طلاب من السويداء في المدينة الجامعية] كانت تتم بشكل حذر وأذكر أن أحد الأشخاص كنا نجلس دائمًا في المدينة الجامعية حين ينتهي وقت الدراسة، أو إذا كان لدينا سهرة في الليل ولعب "شدة" (ورق اللعب) أو أي نشاط آخر نمارسه خلال أوقات الفراغ، وأتذكر كنا نلعب الشدة مع أشخاص كثيرين وبعد ذلك عرفت أن هذا علوي وكان معنا أشخاص من نبل والزهراء من الشيعة، ولكن الكل متعايش، وكان يوجد أشخاص من السويداء ونسأله ما هي ديانتك وماذا تعبد ونحاول ألا ندخل في هذه المواضيع، وأنا ذكرت أن العقلية التي كانت مزروعة بنا والخوف المزروع بنا سابقًا كنا في بعض المواضيع نخاف أن نتكلم بها، وقد تكون عاقبتها وخيمة مع الدولة ويتم اعتقالك ونحاول بطريقة غير مباشرة أن نعرف ونسأله ونقول لكل الناس إنه لك حريتك وتعبد ما تريد وأنا أعبد ما أريد وأنا هكذا عاداتي وأنت هكذا عاداتك، وحتى لاحقًا أثناء الخدمة الإلزامية سوف يكون هناك علاقات أكثر ونتوسع أكثر.

أنا كنت في المعهد الهندسي وكان مبنى المعهد الهندسي قريبًا من كلية الهندسة الكهربائية في جامعة حلب، وكانت كل الدول العربية تخرج مظاهرات نصرة للعراق في تلك الفترة، ونحن كطلبة واعين كنا نتابع الأخبار ولدينا دائمًا دافع من الداخل أن هذا في النهاية شعب عربي شعب مظلوم ومحاصر لعشر السنوات بعد حرب الخليج والشعب يجوع، وهنا بدأنا نرى إخوتنا العراقيين في سورية بدأوا يأتون إلينا وكانوا فقراء، وكان لدينا دافع أن نخرج و نعبر عن الشيء الذي يجول في خاطرنا وأنه ماذا نستطيع أن نفعل؟ ويجب أن نؤيدهم وندافع عنهم، وأذكر في شعبة الحزب كان لدينا أحد المدرسين ولا أذكر اسمه وهو نفسه كان أمين الشعبة الحزبية في المعهد وهو درسنا إحدى المواد، فسألناه يا دكتور إن الذي يحصل في العراق والناس تخرج مظاهرات أليس بإمكاننا أن نخرج تأييدًا للعراق فصفن لمدة لحظات وقال انتظروا قليلًا وذهب لإدارة المعهد وتكلم مع إدارة المعهد وعاد إلينا وقال: أنا ذاهب إلى فرع الحزب، وطبعًا فرع الحزب في جامعة حلب هو المسيطر على كل جامعة حلب يعني الطلاب في المدينة الجامعية أو كل طلاب جامعة حلب في كل الأفرع مُسَيطر على جامعة حلب من قبل فرع الحزب ولا يمكن قبول أي طالب أو انتقال أي طالب أو تعيين أي دكتور أو عميد جامعة إلا عن طريق حزب البعث عن طريق فرع حزب البعث الموجود، وحتى لا يمكن أن تحصل على سكن في المدينة الجامعية إذا لم تكن بعثيًا ومنتسبًا إلى حزب البعث ويوجد أشخاص كثيرون من محافظات أخرى يضطرون أن يستأجروا منازل ويدفعوا مبالغ طائلة، وقد يكون أهلهم فقراء لأنهم فقط ليسوا من حزب البعث، فقال أنا ذاهب إلى فرع الحزب، وفعلًا توجه إلى فرع الحزب وتكلم مع أمين فرع الحزب في تلك اللحظة وعاد إلينا، وكنا ننتظره في الساحة أمام المعهد وقال يا شباب وافقوا أن نخرج مظاهرة، وبدأنا نحن بالخروج إلى المظاهرة وبدأ الشباب يصيحون "بالروح بالدم نفديك يا عراق"، وكان الشعار الغالب الأكبر هو "بالروح بالدم نفديك يا حافظ" لأن الناس مبرمجة على هذا الشعار وأي شعار تهتفه يجب أن يكون "بالروح بالدم نفديك يا حافظ" ويكون له 70 % من الشعارات الخاصة الأخرى للحادثة التي خرجت من أجلها، وأتذكر في تلك اللحظة أننا خرجنا من أمام ساحة الجامعة وأمامنا كلية الطب ونحن على الطرف الثاني، وعندما أصبحنا نهتف أتى الكثير من الطلبة الجامعيون وأذكر حتى الآن أننا انطلقنا من المريديان من أدونيس باتجاه قلب محافظة حلب ونحن نهتف ونحن متشجعون جدًا وشعرنا أنَّنا نؤدي واجبًا علينا ويجب ان نكمله، والناس حين رأتنا خارجين وطلاب جامعة ومظاهرة حضارية بشكل جميل بدأ الناس يلتحقون بنا ونحن نمشي والأعداد تزداد حتى وصلت الآلاف، وفي النهاية عندما وصلنا إلى ساحة "سعدالله" (ساحة سعد الله الجابري) وساحة "سعد الله" هي قلب مدينة حلب، الأعداد زادت بشكل كبير وكانت الوجهة، وقد يكون هناك من يسيرها عن طريق شعبة الحزب وأكيد عناصر الأمن والمخابرات موجودين ضمنها، ووجهونا باتجاه قيادة المحافظة التي هي كانت عند قلعة حلب، وكان هناك بناء قيادة الشرطة في حلب والأمن عند باب القلعة واجتمعت كل الجموع هناك وهتفنا كثيرًا للعراق والأمة العربية، وهتفنا "وحدة حرية اشتراكية"، وبالإضافة للشعارات التي تؤيد حزب البعث وتؤيد حافظ الأسد "بالروح بالدم نفديك يا حافظ". والحادثة التي أذكرها تمامًا أن شخصًا عمره 55 سنة وقف على ظهر سيارة وبدأ يهتف، ونحن السوريين هنا كنا جدًا محتقنين ولدينا شعور ألم لما يحصل للعراقيين، وكنا نريد أن نهتف حتى نفرغ الشحنة التي لدينا، فصعد هذا الشخص على ظهر السيارة وبدأ يهتف للعراق "بالروح بالدم نفديك يا عراق"، و"أمريكا عدو الأمة العربية" و"تسقط إسرائيل" ومن ضمن الشعارات التي قالها "بالروح بالدم نفديك يا صدام"، والناس باللاشعور خلفه صاحوا "بالروح بالدم نفديك يا صدام" وأنا عيني على الرجل أنا وأصدقائي الذين معي، وأذكر أننا كنا ثلاثة أشخاص وكنت أنظر إليه، وبعد قليل أحد الأشخاص أشار له أن ينزل عن السيارة بعد أن انتهى من الهتاف، ثم سحبه شخصان مدنيان من يديه، وأخذوه على طرف طبعًا بطريقة سلسة وبدون إزعاج أو إصدار صوت وتابعته لمدة ثلاثة أمتار وشعرت أنهم يعتقلونه ويبدو أنهم عناصر أمن يريدون اعتقاله، ومن بعدها لم نسمع شيئًا عنه ولم نعرف عنه شيئًا. وفي اليوم الثاني بدأنا نسأل بعضنا: يا شباب ومعظم الطلاب رأوا هذا الموضوع وذكروا لنا أن هذا الشخص بعد أن هتف هذا الهتاف ونزل من السيارة لم نعرف مكانه، ومعظم الطلاب لاحظوا أنَّ هناك أشخاص سحبوه على طرف وبعدها اختفى.

طبعا الصراع بين حزب البعث الكل يعرفه، وحافظ الأسد يريد أن يكون الأمين العام لحزب البعث على مستوى الوطن العربي، ونفس الكلام صدام حسين، وكان هناك طرفان نقيضان لحزب البعث، وكل شخص يريد السيطرة على الحزب باتجاه، وهذه كانت جريمة كبرى، وقد يكون هذا الرجل قتل من أجلها او قد يكون سجن لعشر سنوات من أجلها أو اتهموه عدة اتهامات أنه عميل للجناح الثاني من حزب البعث الجناح المتطرف من حزب البعث، يعني هذه الحادثة أذكرها تمامًا.

ممكن أن نذكر موضوع العراق في تلك الفترة، كانت جوازات سفر السوريين كلها؛ يعني حين تستخرج جواز سفر حتى تسافر إلى أي دولة مكتوب عليه يسمح للسفر إلى جميع دول العالم ما عدا العراق، لأن حزب البعث يعتبر الطرف المتطرف وهو حزب البعث العراقي هو عدو له وممنوع على السوريين أن يسافروا إلى العراق، وممنوع على العراقيين أن يأتوا إلى سورية وتلك نذكرها تمامًا، و استصدرت جواز سفر وكان مكتوب عليه "عدا العراق".

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/03/01

الموضوع الرئیس

سياسات النظام الأمنية

كود الشهادة

SMI/OH/77-02/

أجرى المقابلة

بدر طالب

مكان المقابلة

الباب

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2000-2003

updatedAt

2024/03/22

المنطقة الجغرافية

محافظة حلب-مدينة حلبمحافظة حلب-محافظة حلبمحافظة حلب-مدينة الباب

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جامعة حلب (نظام)

جامعة حلب (نظام)

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

اتحاد شبيبة الثورة - النظام

اتحاد شبيبة الثورة - النظام

حزب البعث العراقي

حزب البعث العراقي

الشهادات المرتبطة