الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الربيع العربي وعدوى الانتقال إلى سورية

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:23:03:09

بعد أن عقدنا المؤتمر، وبدأ كل من الأمانة العامة" لإعلان دمشق" في المهجر و"المجلس الوطني" يعملان، وصلنا إلى مرحلة غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث، وحصلت شرارة. وهذه الشرارة أطلقت كماً هائلاً من الطاقة عند الشعوب العربية فيما يتعلق برغبتها في التغيير وتوقها للحرية. وهذه الشرارة كانت بداية لهذه الطاقة الكبيرة؛ لأنه كان هناك كم هائل من الغضب والإحباط والقهر المتراكم لعشرات السنوات، منذ مراحل الاستقلال حتى نهايات عام 2010 ، ولم تستطع غالبية -إذا لم يكن جميع الأنظمة العربية- إحداث التنمية والتقدم والعدالة والحرية التي كانت تطالب فيها هذه الشعوب التي دفعت ثمنها غالياً من أجل الاستقلال عن المستعمر، وهذا الشيء الذي تراكم خلال هذه السنوات خرج بهذه الشرارة التي هي إحراق البوعزيزي نفسه في تونس، وكانت هذه شرارة بالنسبة للشعب في تونس، بمعنى أنه يكفي ما قد حدث، ويجب أن يكون هناك تغيير، مثل التفاعل النووي تماماً، وهو عبارة عن شرارة بسيطة، ولكن تطلق طاقة هائلة جداً جداً، ولا أحد يتوقعها.

 وطبعاً، الأنظمة العربية هي أنظمة أمنية في الأساس، وحتى الأنظمة غير العربية، وأكبر إحراج لهذه الأجهزة سواء كانت غربية أو عربية أو غيرها هي أنها لم تستطع توقع هذا الشيء، وكان خارج إطار توقعها، مع أنه بالنسبة لنا كانت هي عبارة عن حتمية تاريخية لابد أن تحصل مثل زلزال في منطقة مشهورة أو نشيطة زلزالياً، بمعنى أن الزلزال سوف يحصل، وهو عبارة عن تراكم من الضغط، ثم ينطلق مرة واحدة، ويعطي طاقة هائلة جداً، وهذا الشيء حصل على المستوى الشعبي، ولم تستطع الأنظمة أو الأجهزة الاستخباراتية أن تتنبأ به، وهذا كان فشلاً كبيراً لهذه الأجهزة، واعترفت به فيما بعد، فحتى الأجهزة الأوروبية والأمريكية اعترفت أيضاً أنها لم تستطيع أن تتوقع، أو تتنبأ بحدوث الربيع العربي.

إذاً، الربيع العربي هو عبارة عن حتمية تاريخية، ولكن بنفس الوقت كانت حتمية مذهلة، سواء لصاحب القرار في النظام العربي أو لصاحب القرار في النظام الدولي.

عندما حصل هذا الشيء أطلق كل مكامن الطاقة عند الناس وعند الناشطين، وبدأ -بشكل خاص- الناشطون الذين كانوا مؤمنين بالمقاومة السلمية يشعرون بأن هناك فرصة حقيقية للتغيير من خلال المقاومة السلمية التي رأيناها في تونس، وأصبح هناك اعتصام.

مع بداية الثورة في تونس، وخاصة أنها أخذت الملمح الغير عنفي (السمة السلمية)، وهذا الشيء كان ملهماً للكثير من الدول والشعوب والناشطين. وبدأنا نكثف التواصل؛ لأنه في الأساس كان يوجد هناك تواصل مع ناشطي المقاومة السلمية. عندما أقول: كثفنا أو بدأنا بالتكثيف. نحن الذين كنا نعمل على مشروع المقاومة السلمية، سواء كحركة العدالة والبناء أو كناشطين لهم علاقة بأحزاب معينة، أو كناشطين مستقلين شاركوا في الدورات، شاركوا في تبني هذا المفهوم للتغيير؛ لأنه في النهاية المقاومة السلمية كما ذكرت هي مفهوم متكامل للتغيير، وليس مفهوماً متكاملاً للإصلاح، وبدأنا نكثف التواصل.

كان رد فعل غالبية الناشطين في ذلك الوقت من الذين شاركوا معنا في المقاومة السلمية إيجابياً جداً، وأذكر الأخ منير الفقير الذي قال لي كلمة في ذلك الوقت: لقد حان وقت التغيير. بحسب الشيء الذي كان في بالنا كمقاومة سلمية، بمعنى هذا الشيء الذي كان في نظر البعض أقرب إلى الشيء النظري، واحتمالية تحقيقه صعبة، أصبح يوجد تغيير كبير في هذا الشيء، وأصبح يوجد بداية قناعة وهي: صحيح أننا مقتنعون بموضوع المقاومة السلمية، ولكننا نريد أن نكون الآن أكثر قناعة بإمكانية تحقيق وتنفيذ المقاومة السلمية، وهنا بدأ الناشطون يأخذون مواقفاً متقدمة جداً عن مواقف المعارضة التقليدية، أو المعارضة التي كانت موجودة ضمن" إعلان دمشق".

 بشكل عام، المعارضة في" إعلان دمشق "كانت تراقب باهتمام وذهول الذي يحصل في تونس ثم في مصر ثم بداية انتقال العدوى إلى سورية - طبعاً العدوى الإيجابية لثورات الربيع العربي- يوجد لدينا ضمن "الإعلان" ثلاثة أقسام: أشخاص يعلقون معارضتهم، مثل:" الإخوان المسلمين". وهناك أشخاص نوعاً ما انكفأوا، وبدأت آثار عام2010 تؤثر عليهم بشكل كبير جداً، ولم يكونوا مستعدين لمثل لحظة تاريخية كهذه. ويوجد القسم الثالث الذي هو مقتنع بالتغيير، وهو جذري، ولكنه لم يكن متخيلاً أن التغيير يكون بهذه الطريقة، لا من ناحية التوقيت، ولا من ناحية الكيفية، ومن الطبيعي أن تكون المعارضة متفاجئة بهذا الشيء.

الناشطون في ذلك الوقت كان لديهم من المرونة والقدرة والإرادة ما يمكنهم من العمل بشكل أسرع بكثير من المعارضة الممأسسة (موجودة على شكل مؤسسات) والمنظمة - إن صح التعبير- وهذا الشيء رأيناه من خلال بداية ظاهرة الاعتصامات المساندة لثورات الربيع العربي، سواء في تونس أو في مصر أوفي ليبيا بعد ذلك. في الشهر الثاني عشر (كانون الأول) عام 2010، حصل اعتصام في دمشق، كان دعماً لثورة الشعب التونسي، وفي الشهر الأول، أو في نهاية الشهر الأول في عام 2011، وتحديداً في 29/1 /2011، حصل اعتصام أمام السفارة المصرية دعماً لثورة الشعب المصري، وشارك فيه الناشطون، واستمرت هذه الاعتصامات تقريباً بشكل يومي، بعد تاريخ 29/1، كانت كل مرة في مكان ما في دمشق. 

وفي تاريخ 2/2 /2011 ،حصل اعتصام مهم أيضاً في باب توما، حاول النظام من خلال الأجهزة الأمنية إنهاءه، واعتقلوا بعض الناشطين، وتم التهجم عليهم ومواجهتهم بشكل قاس جداً، وتوجيه التهم لهم، وأذكر منهم: الأستاذة سهير (سهير الأتاسي)، وعدد من الناشطين في ذلك الوقت من الذين بدؤوا يتلمسون معالم ثورة شعبية قادمة، وبدأ النظام نفسه يخاف، بمعنى أنه بدأ يشعر بأن هذا الشيء ربما يحدث؛ لأنه من المفارقات أنه إلى حد ما المعارضة المنظمة والنظام- بدون تنسيق طبعاً- كان عندهم رأي متقارب بأن سورية ربما تكون آخر خيار فيما يتعلق بالمقاومة السلمية وثورات الربيع العربي؛ لأن طبيعة النظام الأمني الشديد جداً، وطبيعة القسوة الأمنية التي كانت تمارسها الأجهزة الأمنية، وطبيعة النظام، ورأينا هذا الشيء من خلال مقابلة لرأس النظام [بشار الأسد] في ذلك الوقت مع صحيفة غربية- أعتقد أنها كانت" الفاينانشال تايمز"- قال فيها: "إن آخر شيء سيفكر به الشعب السوري هو موضوع ثورات الربيع العربي، وأن هذا الشيء مستحيل أن يحصل في سورية". وهذه الاستحالة لم تكن عبارة عن تغطية؛ لأنهم فعلاً، كانوا مقتنعين بهذا الشكل، فهم كأجهزة أمنية وكقيادة للنظام كانوا مقتنعين بأن طبيعة التحكم الذي قاموا به خلال أربعين عاماً يعطيهم هذا الأمان الذي كانوا يشعرون به -الأمان الكاذب- في تلك اللحظة.

 والمعارضة كان عندها شعور أيضاً بأن هذا الشيء من الصعب جداً أن يحصل في حالة مثل سوريا لأسباب موضوعية؛ لذلك أعتقد أن الذي حصل في سوريا هو أشبه بمعجزة مقارنة بثورات الربيع العربي الأخرى، ففي تونس كان الوضع منفتحاً أكثر، وفي مصر أكثر بكثير، وكذلك في ليبيا، فربما يكون الوضع مقارباً لسورية، ولكن الطبيعة المجتمعية في ليبيا كانت تساعد على هذا الموضوع، والكثير من الناس وليس النظام فقط- حتى ضمن المعارضة- كانوا لا يتخيلون أن يحصل هذا الشيء في سورياة، وعندما بدأت الاعتصامات تزداد مع بدايات شهر الثالث، أو قبل الشهر الثالث في 17/2 ، حصلت مظاهرة من المهم جداً أن نذكرها، وكان لها تأثير كبير على الناشطين أيضاً، وهي مظاهرة الحريقة، عندما قال الناس فيها: "الشعب السوري ما بينذل". ومن هنا بدأت تظهر معالم الانطلاقة الكبرى للثورة، بمعنى شعور الناس بمحاولة الإذلال التي كان يقوم بها النظام خلال السنوات العشر السابقة، والقهر، ومحاولة التحكم، ومحاولته أن يؤطرهم بإطار معين فشلت فشلاً ذريعاً، وبدأ الناس يقولون: لا، لهذا الشيء.

"إعلان دمشق" في ذلك الوقت كان يوازن بين الأمور وما يحصل؛ لأنه في الحقيقة، كان هناك جانب مفاجئ منها، وجانب منها كان غير مفهوم بالنسبة للمعارضة التقليدية والمعارضة المنظمة، وهناك جانب منها لم يكن واضحاً فيه إلى أين سيصل هذا الشيء؟ وأستطيع أن أقول: إن "الإعلان" في الخارج نوعاً ما قدم الكثير من الجهود من أجل أن ينقل المعلومات والاعتصامات التي حصلت تضامناً مع ثورات تونس ومصر وليبيا، يقوم بنقله إلى الإعلام، والى الجاليات السورية، وإلى لجان "الإعلان"، والبيانات التي كان يصدرها" إعلان دمشق" في ذلك الوقت، كانت مهمة أيضاً من ناحية الرسالة السياسية. 

الرسالة تقول تقريباً: إن التغيير الذي كنا نطالب به كإعلان لم يكن شعاراً، وإنما ضرورة. والآن، هذا الشعار وهذا الشيء الذي كان "الإعلان" يطالب به بدأ ينتقل إلى شرائح مختلفة من الشعب السوري، فهذا التغيير هو حتمية تاريخية، والآن نشهد معالماً ابتدائية لاحتمالية انتقاله إلى سوريا، وإن هناك احتمالاً كبيراً أن يكون الذي حصل في تونس ومصر وليبيا قد يبدأ في سورية، وهذا الشيء لم تكن المعارضة مستعدة له، بمعنى المشاركة الفعلية والتوجيه- والآن سوف أقدم أدلة على هذا الشيء- وبمعنى التخطيط. فهو كان أقرب إلى عمل الناشطين الذين أخذوا المخاطرة في ذلك الوقت، وكانت مخاطرة كبيرة، فصحيح أن النظام كان يترقب، ولم يكن متوقعاً ما سيحصل، ولكن كان مستعداً أن يضرب ضربات قوية لكل شخص سوف يتجاوز الخط الأحمر. وكانت مظاهرة الحريقة رسالة واضحة بأن بدأ مزاج الشعب السوري ينتقل أكثر نحو رفض النظام بكل أشكاله. 

ومع بداية الشهر الثالث [2011]، حصلت حادثة مهمة أيضاَ، وهي الإضراب عن الطعام من قبل معتقلي سجن عدرا ومطالباتهم بأمور مهمة، مثل: قضايا الحقوق، وإطلاق سراح المعتقلين. فهم طالبوا بهذا الشيء في 7/ آذار /2011، وفي تاريخ 10/ آذار، بدأ إضراب الطعام من قبل هؤلاء المعتقلين بشكل فعلي، ورفع ذلك من معنويات الناشطين، بمعنى أن هذا الذي في السجن وفي هذا الموقع الصعب جداً- لأنه تحت هيمنة وسيطرة النظام في ذلك الوقت- يجد فسحة للتحرك، ويوجد جهات تدعمه من الناشطين خارج المعتقل، سواء داخل أو خارج سورية. أعطى ذلك رسالة واضحة بأن الناشطين الموجودين خارج المعتقل يوجد لديهم إمكانيات أكبر، ويوجد لديها مساحات أكبر للتحرك. وهنا بدأت الأمور تتطور شيئاً فشيئاً مثل كرة الثلج، تكون صغيرة في البداية، ولكن تكون نواة صلبة من هؤلاء الناشطين، ويوجد جزء منهم كانوا من الأشخاص الذين هم أصحاب المقاومة السلمية، ويوجد أشخاص آخرون، ولكن الجميع كان يدرك بأن تواجده في ذلك الوقت كان محفوفاً بالمخاطر، ولكن هناك شيء كان يجعلهم يتصرفون بطريقة غير اعتيادية، يوجد درجة من الحماس لا يمكن تخيلها عن هؤلاء الناشطين.

ذكرنا أنه في عام 2009 وعام 2010، بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تأخذ مكانة مهمة بالنسبة للنشاط السياسي والحقوقي والاجتماعي في سورية؛ لذلك دخلت بشكل أساسي حتى في ثورات الربيع العربي أيضاً، أكرر، وأقول: عندما كنا ندرس المقاومة السلمية كان موضوع التواصل والإعلام جزءاً أساسياً فيها. ونحن في ذلك الوقت، لم نكن نتخيل أن الأداة الأكثر فعالية من الإعلام التقليدي الذي كان عبر الفضائيات هي وسائل التواصل الاجتماعي التي لم يكن لها هذه الشعبية. ولكن مع بداية الربيع العربي، رأينا أن" الفيسبوك" و"تويتر" و"اليوتيوب" لعبوا دوراً أساسياً كجهاز إعلامي لثورات الربيع العربي، ولم يكن غريباً نتيجة للظروف الأمنية الموجودة في سورية، وفي معظم الدول المحكومة من الأجهزة الأمنية أن تكون الدعوة عن طريق صفحة على" الفيسبوك"؛ لأنها أدعى أن تصل إلى أكبر عدد ممكن وبأقل تكلفة ممكنة، وحصلت دعوة لمظاهرة في 15/3 ، وكانت هذه المظاهرة بداية، أو إعلان تدشين، أو انطلاقة، لثورة الربيع العربي في سورية، و أكثر شيء كنت أذكره هو أن هذا الناشط الذي خرج، وقال: إننا موحدون جميعاً من أجل إسقاط هذا النظام. بمعنى أن جميع شرائح الشعب السوري وكل مكونات الشعب السوري متفقة على شيء واحد هو إسقاط النظام وإقامة شيء بديل، وهذا يذكرني بشيء حصل عندما قامت مظاهرة لدعم الثورة التونسية؛ لأن أحد الناشطين قال عبارة: لقد هبت رياح التغيير. وهذه اختصرت باعتقادي في ذلك الوقت عقداً من الزمن سوف يأتي، وملمحه الأساسي هي محاولات التغيير ورياح التغيير في المنطقة.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/03/05

الموضوع الرئیس

صدى الربيع العربي في سورية

كود الشهادة

SMI/OH/129-37/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

3/2011

updatedAt

2024/07/26

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-محافظة دمشقمحافظة ريف دمشق-سجن دمشق المركزي (سجن عدرا)محافظة دمشق-الحريقة

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

سجن عدرا / دمشق المركزي

سجن عدرا / دمشق المركزي

المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر

المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر

حركة العدالة والبناء

حركة العدالة والبناء

الشهادات المرتبطة