تنظيم الحراك الثوري والاعتقال في الأمن العسكري
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:35:18:23
تأسيس تنسيقية مدينة الباب كانت في شهر |أيار/ مايو تقريبًا، وأحد الأصدقاء المعارف؛ وهو كان أستاذًا في مدينة دمشق، وخلال زيارته لمدينة الباب؛ وطبعًا الحراك بدأ في جميع المناطق السورية بدأ بازدياد، وأصبحت وتيرة المظاهرات أكثر، فتطلب الأمر تنسيقًا أكبر تنسيق لتنظيم المظاهرات وتنظيم الحراك السلمي، والرجل عرض علينا أن يتم تشكيل شيء اسمه "تنسيقيات" ومهمتها تنسيق العمل السلمي وتنسيق المظاهرات والحراك والخروج بشكل منظم أكثر مما كان عليه سابقًا، وطبعًا أنا وافقت مباشرة بحكم أنه عندي مقومات لهذا الموضوع، يعني عندي إنترنت مفتوح دائمًا، ومكان عملي وأنا كنت أعمل في الاتصالات في نفس المجال، ويمكن أن يكون فيه فائدة أكبر، هو عرض علي وعلى شخص آخر، وقال لي: أنت وباري - وهو أحد الشباب في مدينة الباب؛ باري عبد اللطيف- فتم الاتفاق على هذا الموضوع ولكن نحن أكدنا عليه وهو أكد علينا بنفس الوقت أن يكون الموضوع سريًا جدًا، يعني في بداية الثورة كان موضوع الإعلام فيه إعدام مباشرة، وفعلًا أعطانا رابط الصفحة وتم تشكيل الصفحة وكلمة السر واسم المستخدم واسمها كان "تنسيقية مدينة الباب"، وبدأنا ننزل الأخبار على الصفحة، وكان التنسيق على أرض الواقع بوتيرة أقل، لأن الناس خائفة من بعضها بسبب الأشياء المتراكمة عندنا، ولا أحد يأمن طرفًا آخر بشكل مباشر، يعني يخاف ويقول هذا والده موظف أو والده حزبي من حزب البعث أو عمه، يعني حتى الآن لا يزال يوجد خوف لدى الناس من بعضهم ونحن باشرنا بنشر الأخبار أخبار المظاهرات والأعداد للمظاهرات على صفحة "تنسيقية مدينة الباب" وطبعًا نحن اتفقنا أن يكون الموضوع سريًا جدًا، ولكن للأسف بعد فترة يعني هو لن يبقى هناك شيء سري في النهاية، وخاصة أنك في ثورة ومرحلة حراك سلمي، فأصبح يأتي الناس إلي ويعطونني مقاطع فيديو حتى أنزلها على الصفحة أو أخبارًا أو الأمور المتعلقة بالمظاهرات، وفي أحد الأيام -عملنا لشهر أو شهرين أو أكثر- جاءني شخص لا أعرفه أبدًا وقال لي: لدي كرت ذاكرة حتى أعطيه لك، فسألته: لماذا، فقال إنهم أخبروني أنك أنت تنزل الأخبار، وأنا منذ ذلك الوقت انتابني شعور بالخوف، يعني إذا هذا الشخص كشف هويتي فهذا يعني أنني أصبحت في خطر، وخاصة أنني لا أزال في عملي. ومنذ ذلك الوقت وبعد فترة بسيطة أبلغت الشباب أنني سوف أعتذر عن النشر على الصفحة حاليًا فقط لفترة معينة حتى لا أثير الشبهات حولي، وخاصة أن الناس بدأوا يتناقلون بين بعضهم أنه إذا كان لديك أي مقطع فاذهب إلى أسامة نعوس حتى ينشره، وأنا منذ ذلك الوقت قصرت في موضوع تنزيل المقاطع والأخبار على الصفحة.
أحداث جسر الشغور أصبحنا نراها على التلفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وطبعًا في هذه الفترة نحن في سورية كان "الفيسبوك" ممنوع عندنا، ومواقعه محظورة في سورية، وأعتقد في هذه الفترة أصدر النظام قرارًا بإزالة الحظر عنه، وطبعًا نحن كنا ندخل إلى "فيسبوك" عبر كاسر البروكسي، ولكن بشكل عام كان محظورًا، وخلال هذه الفترة طبعًا الأخبار تتناقلها وسائل الإعلام ويوجد عدة قنوات تتكلم باسم المعارضة على التلفزيون، فأصبحنا نرى ما يحصل في جسر الشغور، وطبعًا هي في النهاية ثورة شعب وكانت ثورة سلمية، ولكن أحيانًا كان يفرض عليك الدفاع عن نفسك بطريقة معينة نتيجة استخدام السلطة للقوة ضد المتظاهرين، وهذا الأمر حصل في جسر الشغور، ورأينا بأعيننا عندما حصل الصدام بين المتظاهرين وبين أهالي جسر الشغور واعتدى الأمن العسكري في تلك الفترة على أهالي جسر الشغور وسقط شهداء من أهالي الجسر فدافع أهالي الجسر عن أنفسهم، وبنفس الوقت قتلوا الكثير من عناصر الأمن دفاعًا عن النفس، وأنت اليوم في مظاهرة سلمية، وتم استخدام السلاح ضدك وملاحقتك فحصل تبادل إطلاق نار من الطرفين، وبعد فترة تحررت جسر الشغور من الأمن، وطبعًا هرب الأمن بعد أن حصل صدام بينه وبين الأهالي والمدينة كلها انتفضت فهرب الأمن من جسر الشغور وأصبحت جسر الشغور تحت سيطرة الناس، ولم يكن يوجد شيء في ذلك الوقت اسمه مجالس محلية، وإنما تحت سيطرة الأهالي فقط، ولم تستمر الفترة أكثر من أسبوع، وفي الأسبوع الثاني اقتحمها النظام عن طريق الجيش، اقتحم المدينة ونكّل بأهلها، وطبعًا معظم أهلها هربوا لأن النظام جاء حتى ينتقم من الأهالي والنظام هو كان صاحب إعطاء الأوامر لعناصر الأمن العسكرية بإطلاق النار على المتظاهرين حتى تحصل ردة فعل ويُقتل عناصر من الأمن العسكري، حتى يكون مبررًا أمام المجتمع الدولي للنظام بالممارسات العنيفة التي سوف يستخدمها، وبإطلاقه النار على المتظاهرين، واقتحم المدينة بالدبابات يعني جيش واقتحم البلد، وفي البداية كان يوجد قصف وسقط الكثير من الشهداء في مدينة الجسر وطبعًا من الأشخاص الذين بقوا، ومعظم الأشخاص هربوا لأنهم يعرفون إجرام النظام، وسابقًا النظام نكل بجسر الشغور في الثمانينات وروى لي أحد الأشخاص من مدينة الجسر أنه على أيام الإخوان المسلمين كانوا يخرجون الشباب ويأمرونهم بالوقوف بجانب الجدار ويطلقون عليهم النار من قبل سرايا الصراع بقيادة رفعت الأسد، وكانوا يقتلون الشباب بدون أية مشكلة يعني يجمعون الشباب من المنازل، ويطلقون عليهم الرصاص مباشرة؛ إعدام ميداني بدون محاكمات وبدون قضاء وبدون أي إجراء آخر، وهذا ما حصل في الجسر.
طبعًا النظام حاول أن يستغل الموضوع لصالحه، فالتقى مع أشخاص وأذكر أن أحد الأشخاص الذين التقى معهم وعرفنا فيما بعد أنه لديه نسبة من الاختلال العقلي، وبدأ يقول نحن قتلنا ونحن قتلنا العناصر بالسلاح وخطفناهم، وطبعًا كل هذا الكلام مفبرك، وتبين فيما بعد أنه مختل عقليًا وأهالي جسر الشغور كلهم يعرفونه، ولكن الشخص الذي يعتقله النظام كان يجبره أن يتكلم كلامًا كما يريده النظام على الإعلام.
كان واضحًا في تلك الفترة الكثير من التمثيليات، كان النظام مثلًا يعرض على التلفزيون وهو يصور من كاميرا ثابتة، يصور أشخاصًا يقومون بإطلاق النار على عناصر الأمن والجيش والشرطة، وطبعًا الكاميرا ثابتة، وهل من المعقول أنك تقوم بالتصوير من كاميرا ثابتة لمدة ربع ساعة أو عشر دقائق ولا تستطيع أن تلقي القبض عليهم؟! وطبعًا هم ملثمون حتى لا يُكشَفوا وهم في النهاية عناصر من النظام كانوا مكلفين بهذه المهام ويصورهم النظام على أنهم إرهابيون، يعني يحاول أن يعطي صورة للعالم أنه لا يوجد ثورة ولا يوجد مظاهرات وإنما هم مجرد أشخاص مسلحين وإرهابيين ويقتلون الدولة ويعتدون على الناس وعلى أملاك الدولة، وهذا ما حصل في الجسر واقتحمها الجيش وهرب الناس منها إلى المخيمات منذ تلك الفترة ونكّل بأهلها فيما بعد ولم يعد فيها أي حراك لفترة معينة.
في منتصف شهر حزيران/ يونيو كنت في محلي وأنا أجلس على الإنترنت لفترات طويلة، وكنت أشاهد الأخبار على صفحات التواصل الاجتماعي وأشاهد مقاطع الفيديو التي يتم رفعها، وأحد المقاطع التي رأيتها كانت في درعا، الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد وكان يوجد 100 عسكري ويهتفون لسورية وبشار [الأسد] وكانوا يستعدون لاقتحام إحدى القرى التابعة لمدينة درعا، وهذا المقطع رأيته وحتى إنه كان اسم المقطع قوات ماهر الأسد، والمقطع الثاني الذي تابعته قبل يوم من اعتقالي هو لهذا الشخص الذي تبين أنه مختل عقليًا حيث أجروا معه لقاء في جسر الشغور، وشاهدت مقاطع كثيرة وفي اليوم الثاني تقريبًا أعتقد كان يوم السبت أو الأحد كنت جالسًا في المحل، وإذ توقفت سيارة في الخارج ونزل منها مسلحون وهم عناصر من الأمن العسكري، ونزل قائد المفرزة أبو أيمن وهو قائد مفرزة الأمن العسكري في مدينة الباب، ودخل إلي مع عناصر يحملون السلاح وقال لي: رجاء بدون شوشرة (جلبة) تفضل معنا، فقلت له: حسنًا ولكن لماذا، فقال: بدون شوشرة، وأخذ الكمبيوترات وسألني عن هاتفي الشخصي فأخذه وهو كان هاتفًا عاديًا بدون كاميرا، مجرد هاتف عادي للاتصال، وهو لم يصدق وقال إنه يوجد معي هاتف ثان، وسألني عن كروت الذاكرة أو الفلاشات، ومباشرة أخذوني بالسيارة، وفي الخارج كان يوجد تقريبًا 10 سيارات وهي شكلت رعبًا للناس الذين حولي والجيران، قبل محلي بعشرين متر وبعده بعشرين متر يعني طوقوا المنطقة حتى لا أهرب، ثم ساقوني إلى مفرزة الأمن العسكري في مدينة الباب، فسألتهم: لماذا أنا هنا؟ وهذا الكلام في مكتبه فقال: لا يوجد شيء وخلال نصف ساعة سوف نفتش الكمبيوترات، فسألته: ما هو جرمي، فقال: لا يوجد شيء وأنت أدرى ما هو جرمك، وفي هذه الأثناء كان يدخل ويخرج العناصر ويسألونني بعض الأسئلة، وأنا طبعًا جلست على كرسي بدون قيود فكان يظن العناصر أنني ضيف في الأمن العسكري، وبعض العناصر كانوا يعرفونني بحكم أن الأمن العسكري كان يراقب محلات الاتصالات فكانوا يأخذون من عندنا تقارير شهرية بأسماء الأشخاص الذين بعتهم الخطوط مع صورة الشخص الذي يشتري الخط، وهذا الشيء حتى يضيقوا على الشعب ويراقبوا كل الناس عن طريق هواتفهم، فبعض العناصر كانوا يعرفونني ولا يعتقدون أنني معتقل وفجأة أبو أيمن قائد المفرزة اتصل على فرع الأمن العسكري بحلب، وتغير كلامه معي قليلًا وقال لي: ماذا فعلت؟ فقلت له: لم أفعل شيئًا، ثم فتح الكمبيوتر وقال إن التقرير لدينا أنك خرجت مظاهرتين، ولكن نحن لا نرسلك إلى حلب من أجل مظاهرتين، وقال: الآن تحدثت مع الفرع واسمك قد جاء من الشام (دمشق) وهم يريدونك في حلب، وأنا مضطر أن آخذك إلى حلب، فقلت له: خذني لا يوجد عندي مشكلة. وخلال نصف ساعة استعد وارتدى ثيابه العسكرية ونادى على عنصر وأخذ السلاح معه وأخذني بسيارته الشخصية أو السيارة التابعة للفرع، لكن كانت تكسي أذكر إلى الآن، وأخذ الكمبيوترات معنا وتوجهنا إلى محافظة حلب، وصلنا إلى فرع الأمن العسكري في حلب، وأنا منذ أن دخلت إلى فرع الأمن العسكري عرفت أن قصتي طويلة وليس الموضوع فقط نصف ساعة، فنزلنا إلى طابق أو طابقين تحت الأرض وأخذوا مني الكمبيوترات ثم أخذوني إلى غرفة التفييش، وأنت هنا مضطر أن تخلع ملابسك، وطبعًا طلبها مني بلهجة وكلمات بذيئة حتى أخلع ثيابي، فخلعت ثيابي وبقيت أرتدي ما يستر عورتي ثم بلهجة بذيئة جدًا وكلمات بذيئة، قال لي يجب أن أكون عاريًا تمامًا، ففعلت ذلك وصورني، وطبعًا يجب أن أقوم بحركتي أمان وأنا عارٍ تمامًا، وهي يعتبرونها خطوة تفتيشية حتى لا أخفي شيئًا بين أحشائي مثل آلة حادة، وبعدها قال لي: خذ البطانيات، ونادى على عسكري وأخذني إلى السجن، وطبعًا الزنزانة منفردة وفي داخلها حمام، وهي بالكاد تتسع إلى شخص أو شخصين، وبقيت في المنفردة تقريبًا ساعة ثم أخذني أحد العساكر طبعًا مع كلمات بذيئة، وربط لي عيوني (ووضع عصبة على عيوني) حتى لا أرى، وقيد يدي إلى الخلف وأخذني إلى المحقق، ثم سألني المحقق عن اسمي بلهجة وكلمات سيئة جدًا وقال لي: يا حيوان أنت تخرج ضد الدولة وأنت كذا وكذا، فقلت له: أنا لم أخرج وأنا ذهبت إلى العمرة وعلى جواز السفر يظهر لديكم متى خرجت ومتى عدت، وأنا بقيت لمدة شهر في السعودية من أجل العمرة ثم عدت.
وأثناء التحقيق معي جاء شخص وتحدث معه فذهب وجلس مكانه محقق ثانٍ، والمحقق الثاني كانت نبرته أخف من الأول، يعني أنا اطمأننت قليلًا من المحقق الثاني، وبدأ يتكلم معي بلهجة جيدة، وبدون كلمات سيئة، يعني بشدة ولكن بدون كلمات سيئة، وبدأ يسألني وقلت له نفس الكلام فقال لي: هل هذا كلامك النهائي؟ فقلت له: نعم، فقال لي اذهب الآن وسوف تبقى في السجن، ولن أخرجك من السجن، فأعادوني إلى المنفردة، وبعد قليل جاء وقت العشاء وطبعًا المنفردة كانت مقرفة جدًا، ثم فتحوا طاقة صغيرة أسفل الباب ورمى منها العسكري رغيف الخبز وحبة بطاطا، والقليل من الملح يرشه على الأرض أو يضعه على رغيف الخبز. وأنا في اليوم الأول كانت نفسيتي جدًا محبطة، وطبعًا كنت أعيش حياة مدنية وجئت إلى السجن ويقدمون لي البطاطا ورغيف الخبز اليابس، فلم أستطع أن آكل في المرة الأولى، وكنت أشرب الماء من صنبور التواليت وأيضا قاومت في اليوم الأول يعني لم آكل ولم أشرب، ولكن في اليوم الثاني الجوع يجبر الإنسان وعليك أن تعيش وتتأقلم مع الواقع.
مر اليوم الأول واليوم الثاني، ومن أسفل الباب كان يوجد مجال للنظر خارجه وكنت أرى أنهم يحضرون أشخاصًا ويأخذونهم ومعظمهم من جسر الشغور، يعني أرى كيف يسجنون الشخص وبعد عدة ساعات يفتح له الطاقة السفلية حتى يبصم على الضبط. وطبعًا يبصم بدون أقوال وهم الذين يكتبون الضبط ويجعلون الشخص يبصم عليه، وبعد عدة ساعات يقولون للشخص جهز أغراضك حتى تخرج، وطبعًا كانت العادة أن يتم أخذ المعتقل إلى الأمن الجنائي، وأنا هكذا كنت أتأمل، يعني أن أذهب إلى الأمن الجنائي وأخرج بعد عدة أيام من السجن بكفالة أو شيء معين، ولكن كان يأتي الأشخاص إلى السجن ويخرجون، وأنا باقٍ في المنفردة ولا أحد يسأل عني أبدًا، وفقط يأتون صباحًا ويقدمون الطعام ويأتون مساء ويقدمون الطعام، يعني في الصباح بيضة وفي المساء حبة بطاطا ورغيف خبز أو القليل من البرغل، وطبعًا الذي يوزع الطعام هو عسكري مجند فأحيانًا يعطيك رغيفي خبز أو القليل من الملح و أحيانًا يعطيك حبتي بطاطا، والكثير منهم كان يسألني هل تحتاج إلى شيء، وفي أحد المرات قلت لأحدهم إنني أريد علبة ماء حتى لا أشرب من صنبور التواليت فأحضر لي علبة ماء، فأصبحت أملأها من التواليت وأشرب الماء.
بقيت على هذه الحالة لأيام عديدة، وكل الأشخاص الذين يأتون إلى السجن يخرجون إلا أنا لا أحد يسأل عني، وطبعًا الجو الذي تعيشه في المنفردة لا يوصف وهي عبارة عن عقوبة أقسى بعشرات المرات من العقوبة الجسدية، ومجرد عزلك عن البشر ووضعك في مكان معين فيه رطوبة وفيه تواليت وفيه ظلمة ولا يوجد ضوء ولا يوجد كهرباء ولا يوجد شيء والطعام سيء وأنت لوحدك يعني أفكارك تذهب يمينًا ويسارًا وشرقًا وغربًا، يعني أنا أصبحت أفكر أنه ماذا فعلت وقد يكون أحد الأشخاص قد كتب بحقي تقريرًا -معروفة عندنا في سورية التقارير وأي شخص يكتب بك تقريرًا فهذا سوف يؤدي لاعتقالك- فبدأت أتساءل من الذي كتب التقرير واتهمني اتهامًا باطلًا أو اتهمني بأشياء لم أفعلها، يعني هكذا بدأت أفكر، يعني أنت تصل إلى مرحلة تنهار فيها نفسيًا في المنفردة في المعتقل وتحاول أن تلهي نفسك بأشياء أنت تخترعها، فبدأت أحرك جسمي وأقوم بالرياضة وأقفز قليلًا، يعني بدأت أحس أن جسدي متعب كثيرًا، وأذكر أنني رأيت نملة تمشي وأنا أراقبها، فأخذت حبة خبز صغيرة وانا أراقبها وتذهب وتعود وأنا أراقبها، وفجأة تذكرت أن المحقق عندما أدخلوني إلى المعتقل قال لي: إذا لم تعترف سوف أتركك في السجن وسوف يتم نسيانك، وفعلًا هذا ليس غريبًا علينا والكثير من الأشخاص نسوهم في الأفرع الأمنية 10 سنوات و20 سنة والجميع يعرف قصة "القوقعة" حيث سُجن كاتبها 15 سنة أو 20 سنة بتهمة [الانتماء لـ] الإخوان المسلمين وهو مسيحي، فلا يوجد شيء غريب عن الأفرع الأمنية، وأنا تذكرت ثم فكرت كثيرًا ثم صليت ركعتين استخارة ونويت أن أتصرف بشيء.
طبعًا في اليوم الذي قبله وأنا في المعتقل كنت أسمع أصوات عساكر يشاهدون التلفزيون ويصفقون يعني كان يصلني الصوت بشكل ضعيف وكأنهم يشاهدون خطاب شخص مهم ويصفقون وكانوا سعيدين، وفي هذه الأثناء أنا قررت أن أطلب المحقق ولكنني لا أريد طرق الباب حتى أنادي على العسكري، لأنه سوف يرد عليك بألفاظ سيئة، سيقول: ماذا تريد يا حيوان؟ وأنا أتجنب أن أكون في هذا الموقف، وأعتقد أنه أثناء تقديم الطعام قلت له: هل يمكنك أن ترسل لي المسؤول هنا، فقال لي: حسنًا، وبعد قليل جاء وفتح الطاقة العلوية وسألني: خيرًا؟ فقلت له: أريد المحقق، فسألني لماذا، فقلت له: هو قال إذا أردت أن تعترف بشيء أرسل لي خبرًا، فقال: وهل أنت تريد أن تعترف بشيء؟ فقلت له: نعم أريد أن أعترف، فقال: بماذا تريد أن تعترف، فقلت له: أريد أن أعترف أنني خرجت مظاهرات، فضحك هذا العسكري وأنا ضحكت، وذهب ثم عاد إلي وقال إنه ليس هنا، وبعد نصف ساعة سوف يأتي، وفعلًا انتظرت ربع ساعة وأنا أقول في نفسي إن الموضوع سوف يتم حله إن شاء الله، وفعلًا جاء العسكري بعد قليل، وربط عيوني وأخذني، وطبعًا أمشي في ممر طويل وأنا لا أرى أين أمشي ثم دخلت إلى المكتب فسألني المحقق: ماذا يا أسامة ماذا استجد معك؟ فقلت له: يا سيدي أريد أن أعترف، فقال: بماذا تريد أن تعترف فقلت له، بأنني خرجت مظاهرات، فقال لي: انتظر وقبل أن تعترف، أقسم ثلاث يمينات، قال: أقسم بالله أقسم بالله أقسم بالله أقسم بالله البارحة السيد الرئيس بشار الأسد أصدر عفوًا عن كامل المعتقلين (عفوًا عامًا) وحتى لو أنك حملت سلاحًا فإن العفو شملك إلا إذا ارتكبت جريمة بالسلاح أو اعتديت على أحد، فقلت له: الله يبشرك بالخير، وطبعًا أنت في معتقل ويجب أن تتكلم بكلمات، يعني من غير المسموح أن تتكلم كلمات ضد السلطة، فقال وماذا تريد أن تعترف، فقلت له أريد أن أقول إنني خرجت مظاهرات، فقال: كلا لا أريد هذه، وقال: أريد أن أعرف ماذا كنت تعمل غير ذلك، فقال هل كنت تفبرك المقاطع وترسلها إلى "الجزيرة" وتدبلج مقاطع كاذبة وترسلها إلى "الجزيرة"؟ أريد هذا، فقلت له: أنا لا أعرف كيف أدبلج مقاطع ولا أعرف كيف أشتغل عليها، وبعد قليل قال لي: اكشف عن عيونك واجلس، وأنا لا أعرف إذا هذا الرجل ميت أو على قيد الحياة ولكن له في قلبي احترام حتى الآن، ثم تكلم معي بطريقة جيدة وطبعًا هذا نفس المحقق الذي يتكلم معي سابقًا بطريقة جيدة، وبدأ ينصحني وقال لي: يا أسامة أنت شخص جيد وسمعتك جيدة ونحن سألنا عنك، وكل التقارير عنك جيدة ولماذا تخرج بالمظاهرات، وأنا لا يوجد عندي جواب، وقال إن والدك رجل كبير ووالدتك كبيرة ويجب أن تعيش معهم، وطبعًا هم يعرفون كل شيء عني عن طريق المخبرين، وقال لي إن صفحتك بيضاء ولا يوجد عليك أي شيء وسمعتك جيدة، وأنا اطمأننت له، وقال: لماذا تخرج مظاهرات؟ فقلت له: أنا منذ 12 سنة تخرجت من جامعة حلب ولم يوظفوني حتى الآن، والناس يقولون إنه اخرج مظاهرات وقد يتم توظيفك، وهكذا كان جوابي وقلت له: بالنسبة لأخي؛ وطبعًا أخي كان مطلوبًا ويخرج في مظاهرات وهو أخي الكبير محمد علي، فقال لي: وماذا تريد من أخوك فقلت له: أنا يمكنني أن أتكلم معه، وأحضره، وطبعًا أنا أقول هذا الكلام حتى يتم إغلاق الضبط بطريقة جيدة حتى أستطيع أن أخرج من المعتقل، لأنه أصبح دائمًا في عقلي أن: معتقل ومخابرات عند النظام وأمن عسكري ويمكن أن أبقى عشر سنوات ولا أحد يعرف مكانك ويمكن أن تتم تصفيتك، يعني الهواجس التي تدور في بال الشخص مخيفة جدًا وطبعًا لم يكن يوجد عقوبات ولم يضربني أحد ولكن فقط إهانات كلامية ولم يعذبني أحد تعذيبًا جسديًا، ولكن طريقة المعاملة كانت سيئة وهذا الشيء له سبب والأشخاص الذين اعتقلوا بعدي تعرضوا للإهانات والضرب والكثير من الأمور، وبعضهم في النهاية تمت تصفيتهم في المعتقلات، وظهرت صور بعضهم في قيصر (ملفات قيصر لصور أشخاص قُتلوا تحت التعذيب- المحرر) عندما تم تهريب الصور، بعض المعتقلين من مدينة الباب. ونحن المرحلة التي كنا فيها هي مرحلة حساسة وفي محافظة حلب لم يكن يوجد مظاهرات، واستطاعوا إخماد كل المظاهرات، ومدينة الباب هي الوحيدة التي تخرج مظاهرات، فكانوا يحاولون التعامل معنا بطريقة لينة حتى لا نخرج مظاهرات ولا يريدون تأجيج الوضع، يعني إذا اليوم أرادوا أن يعتقلوا أشخاصًا، فإنه في الأسبوع القادم سوف يشارك عدد أكبر بالمظاهرات، فكانوا يراعون هذا الموضوع، ثم قال لي: اذهب، فسألته: هل سوف أخرج؟ فقال لي: غدًا إن شاء الله واليوم لا يوجد خروج، وهذا الكلام الساعة 9:00 ليلًا تقريبًا، وفعلًا ذهبت ولم أنم في تلك الليلة وأنتظر الصباح بفارغ الصبر، وبدأ الوقت يمضي وبدأت أسمع أذان الصبح بشكل خفيف، وفي النهاية أعتقد أنني نمت نصف ساعة بسبب الإرهاق والتعب، وفي الصباح كنت أنتظر، ثم طرقوا الباب وقالوا: خذ بطانياتك وامش معنا.
عندما أخذني العسكري إلى المحقق مشينا في ممر طويل ثم توقفنا في الخارج أنا والعسكري، ثم طرق العسكري الباب وقال: احترامي يا سيدي، قال له: أتيت بالمعتقل، فقال له: أدخله، فدخلت إلى الغرفة وإذ موجود ضابط والجميع يحترمه ويضربون له التحية يجلس خلف المكتب، فتذكرت أنه هو نفس الشخص الذي عندما كنا جالسين في الأمن العسكري قبل شهر كان هو الذي يضيفنا القهوة ونحن لم نعره أي اعتبار، وكنا نتحدث بكل شيء أمامه وإذ هو ضابط، يعني هكذا كان تفكير النظام ونحن تفكيرنا مختلف، وفعلًا وقفت أمامه وسألني عدة أسئلة، وقال أنت لديك عندنا كمبيوترات، فقلت له: نعم، فأرسل العسكري حتى يحضرها ثم أمر العسكري أن يأخذني إلى رئيس المركز ولا أذكر اسمه، وأنا أعرف نائبه واسمه العميد كفاح ولكنني لا أذكر اسم رئيس الفرع، فجلست مع مدير مكتب رئيس الفرع وأثناء جلوسي جاء أبو أيمن رئيس مفرزة الباب فرآني وسلم علي وجلس وقال لي: خيرًا يا أسامة هل تم إخراجك؟ فقلت له: إن شاء الله، فسألني: ولكن لماذا أنت هنا، فقلت له: إن رئيس الفرع يريدني، وطبعًا جلس أبو أيمن ومدير المكتب، وبدأوا يتحدثون، وبعد ربع ساعة، ناداني رئيس مكتبه وأمر العسكري أن يأخذني فأخذاني إلى مكتب رئيس الفرع، وطبعًا مكتب فخم والرهبة والخوف الذي ينتابك عندما تدخل إلى فرع أمن ورئيس فرع كان كبيرًا وشديدًا جدًا، وأيضًا تصرفاتهم تعطيك خوفًا أكثر، يعني العسكري وقف أمام الباب حتى يفتح باب رئيس الفرع، يعني وضع يده حتى يفتح الباب وبكل هدوء شديد حتى فتح الباب ثم دخل العسكري قبل وقال احترامي يا سيدي فقال له: أحضره، فدخلت، وإذ يجلس عند رئيس الفرع خلف الطاولة وأنا أبعد عنه تقريبًا سبعة أمتار لأن المكتب طويل، فرأيت أنه يجلس عنده محمد رسول هاشم أمين شعبة الحزب في الباب، وهو يكون ابن خالي بنفس الوقت، وهو رئيس الخطة الأمنية في مدينة الباب، وتكلم معي رئيس الفرع بنبرة سيئة جدًا وطبعًا العسكري يقف بدون حراك بجانبي، وقال لي أنتم تخرجون ضد الدولة والله سوف أربيكم والله سوف أرميك في السجن وحتى إبليس لا يعرف مكانك وأدعك تموت في السجون، ثم تكلم محمد رسول هاشم وقال له: يا سيدي هو إن شاء الله لن يخرج، ثم التفت إلي وقال: ماذا؟ فقلت: نعم، كما تكلمت يعني تكلم معي لمدة ربع ساعة ثم قال لي: اذهب، وأثناء خروجي كان أبو أيمن رئيس مفرزة الأمن العسكري والآخر الذي هو ابن خالي أمين الشعبة الحزبية قالوا: نحن ذاهبون إلى الباب وسوف نأخذك معنا، وطبعًا استلمت أماناتي وأخذوني معهم بالسيارة وعلى الطريق كانوا يتحدثون وعرفت أنه في يومها خرجت مسيرة في حلب في ساحة "سعد الله" وأنا طبعًا معظم الوقت ساكت لأن حالتي النفسية متعبة جدًا، فقال لي أبو أيمن: اليوم أهل الباب بيضوها وجاؤوا بالطبول إلى المسيرة وهم الوحيدون الذين أحضروا طبل وبدأوا يدبكون في المسيرة، ثم قال: يا أسامة أنا أريد أن أنصحك، وقال: إذا كل العالم يجتمع حتى يسقط بشار الأسد فإنهم لا يستطيعون وحتى لو كانت خلفكم بريطانيا وأمريكا وإسرائيل فلن تستطيعوا إسقاطه، وقال: لو رأيت الناس اليوم يوجد خمسة ملايين في حلب خرجوا خلف سيادة الرئيس، وهذا الشعب لا يُغلَب، يعني بدأ يتكلم بنفس أسلوب النظام والمقاومة والممانعة، فقلت له: أنا لا يوجد عندي علم، وأنا لا أتكلم باستهزاء ولكن بطريقة نصف جدية، فقلت له: ليس عندي علم بذلك وأكملنا طريقنا حتى وصلنا إلى البيت. وفي البيت استقبلني والدي ووالدتي والجميع يبكي لأنهم كانوا يعتقدون أنني ذهبت ولن أعود، يعني وكأنني ولدت من جديد، زوجتي والأولاد ووالدتي، ووالدي كان مريضًا يعني كانت حالة، وهم يبكون من الفرح لأنني عدت في النهاية وهذه كانت مرحلة اعتقال جدًا سيئة، والذي عانيته في الاعتقال لم يكن 1% من الذي عاناه غيري في الاعتقال، وأنا تم سجني لفترة مؤقتة لمدة أسبوعين أو أقل وغيري تم سجنه وله سنوات في المنفردات مع تعذيب وإهانات واغتصاب ورغم ذلك كانت قاسية جدًا علي، والإجرام الذي مارسه النظام كان كبيرًا في المعتقلات، وهذا باختصار ما حصل معي في الاعتقال.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/03/24
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدالحراك في مدينة البابكود الشهادة
SMI/OH/77-11/
أجرى المقابلة
بدر طالب
مكان المقابلة
الباب
التصنيف
مدني
المجال الزمني
أيار- حزيران 2011
updatedAt
2024/06/05
المنطقة الجغرافية
محافظة حلب-مدينة حلبمحافظة إدلب-مدينة جسر الشغورمحافظة حلب-مدينة البابشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
قناة الجزيرة
فرع الأمن العسكري في حلب 290
سرايا الصراع
تنسيقية مدينة الباب وضواحيها