واقع الاعتقال والتعذيب في سجون نظام الأسد
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:27:15:17
فرع التحقيق لا يوجد فيه تعذيب وقد نستغرب هذا، لأن من تعرض للتعذيب يتعرض له في الفرع الأول، أما الفرع الثاني فيه تعذيب من نوع آخر وهو التعذيب بالمكوث بالزنزانة وظروف الاعتقال وليس بالضرب، والزنزانة بكل معنى الكلمة هي مترين بمترين تحت الأرض ولا يوجد سوى فتحة صغيرة جدًا، لا نرى لا ضوءًا ولا غيره الممر كان ضيقًا جدًا، وهي عبارة عن زنازين بجانب بعضها وأبواب كثيرة وروائح تعج، وكنا نجلس في هذه الزنزانة مترين بمترين كانوا ثلاث زنازين للنساء والباقي للرجال.
كنا نجلس في هذه الزنزانة أحيانا 18 امرأة وغدًا أحضروا مزيدًا لنُصبح 19 وأحيانا وصلنا إلى العدد 20 و 21 وهذه الزنزانة نفسها كانوا يُجلسون فيها الرجال 24 و25 رجلًا، وهو تعذيب من نوع آخر، وطبعًا أنت تجلس في مكان لا تستطيع الجلوس أصلًا إما أن تقف أو تجلس وحتى حالة التسييف (النوم على الكتف الأيمن أو الأيسر) في النوم إذا أردنا النوم فهي ورديات، وهناك من يقف وهناك من ينام والوضع كان سيئًا جدًا والتسييف بأن يستلقوا بجانب بعضهم البعض على جانب واحد بحيث يتسع لأكثر عدد وطبعًا لا نستطيع مد أرجلنا، وكل هذا الشيء في تفصيل ولا يمكن أن نُبدل ثيابنا طوال الوقت بنفس الملابس كل فترة الاعتقال، هذه تفاصيل صغيرة، هناك من يعتقد أن المعتقل هو فقط ضرب وتعذيب، أنا شخصيًا شعرت بأن الضرب والتعذيب ربما ليس سهلًا بالتأكيد، ولكنه شيء صغير مقارنةً بما يحصل بباقي زوايا المعتقلات.
يمكث الشخص سبعة أشهر بمكان بدون اغتسال أو أن يُبدل ثيابه ومن دون نوم ولا تستطيع الجلوس بمكان مزدحم جدًا مع ناس لا تعرفهم ربما يكون منهم مخبرين، وحتى في هذا المكان الصغير جدًُا لا تستطيع أن تنفس عن نفسك وتتحدث، يعني أنا انتبه إلى هذه الجزئية لم أكن أتوقعها في المعتقل كنت أتوقع التعذيب مثلما قلت لأن كل الذين هم خارج المعتقل يظنون أن الاعتقال هو فقط ضرب وتعذيب وتشبيح لا أحد يتكلم كثيرًا عن هذه الجزئيات عن الحياة اليومية كيف تمر بها؟ وكيف يصاب بالقمل؟ الثياب تمتلئ بالقمل، وأكثر من ذلك بالنسبة للنساء العادة الشهرية لا يوجد فوط يعني تخيل عشرين امرأة وكل شهر وحين يُصادف أكثر من امرأة في نفس الوقت فعلًا الدم في الزنزانة يسيل.
وأصبحت أعرف لماذا يموت المعتقلون في المعتقل؟ ليس فقط من التعذيب ربما فترة التعذيب أنت تكون إنسانًا تُحاول تُكافح لتصمد في وجه اللحظة التي تأتيك فيها الضربة، وحتى أكثر من ذلك التعذيب الواحد يشعر بأول ثلاث وأربع ضربات ثم يتخدر جسمه ولا يعود يشعر بشيء.
يعني أنا شخصيًا بالتعذيب أشعر في أول مرة مرحلة، ثم بعد ذلك الإنسان يتخدر ولا تشعر بالضرب، ولكن موضوع أنه لا يوجد تعذيب ولا يوجد أحد يضربك وأنت حاليًا عدت لوعيك الكامل وليس عندما تكون في حالة الطوارئ وجسمك يُحاول أن يُدافع لا أنت هنا عدت واسترخيت وأنت تتلقى لا تعرف كيف تتلقى هذه الحياة كيف ستتقبل هذه الحياة الجديدة التي هي في هذه الزنزانة الصغيرة التي أنت ليس لك فيها ولا حتى 20 سم؟ وأنت تعيش عليها وهذه المساحة التي أُعطيت لك.
إضافة للعنف النفسي وطبعًا الآن بدأت أفهم لماذا الناس - أنا اشعر بأن المعتقلين في الداخل قسم منهم يموتون خاصة - يموتون بسبب الأمراض وبسبب غيره أكثر من الموت بسبب التعذيب الذي يتعذبونه أتخيل القلائل جدًا من مات تحت التعذيب الجسدي وأظن أن أغلب الذين ماتوا هم ماتوا بسبب هذه الظروف لأن الجسم وطوال الوقت الذي يقضيه في هذه الظروف أنت تستسلم وتيأس وتكتئب، وكل هذا يجعل الإنسان يصبح فقط ينتظر الموت، والناس المعتقلون يعذبونهم، فقط النساء لا يعذبونهم في فرع التحقيق، ولكن المعتقلون يُعذبون وتكون الجروح مفتوحةً على بعضها البعض، فتصير التهابات، وكل يوم كان الشبيحة يفتحون باب الزنازين ويقولون: ماذا عندكم من "فطايس" (موتى) أخرجوهم يومياً كان يوجد معتقلون يخرجون من داخل السجون من زنازين الشباب قد استُشهدوا، وعندما نخرج إلى الحمامات نراهم قد مددوهم على الأرض في الممرات جميعها حتى أنك عندما تذهب، وطبعًا لا يوجد حمام داخل الزنزانة يفتحون لنا باب الزنزانة خلال 24 ساعة ثلاث مرات وكل مرة خمس دقائق لجميعنا حتى نقضي حاجتنا ونعود.
حتى الشخص بشكل يومي وهو يقضي حاجته فيمشي على جثث الناس الموجودة على الأراضي، يعني كانت ثورات كثيرة مثل ليبيا لا مثيل للنظام السوري لا أحد يُزاود علينا مثل هذا النظام لا يوجد في كل الكرة الأرضية بهذا القرن، وهكذا وضع لا أتخيل يُوجد.
فأنت كل يوم ترى شيئًا، وتخيل على مدار سبعة أشهر أنت لا تنتظر أحدًا ليعذبك، ولكنك تعيش هذه الحالة بشكل يومي، وأنا بيني وبين نفسي أُريد رفع معنويات نفسي، وأعرف أن الإنسان أول ما يبدأ تنخفض معنوياته ويدخل في مزاج الاكتئاب فهو قد انتهى، وأنا كنت أقول: إنني هذه المرة هي مرحلة تحدي، تحدي بيني وبين النظام لأن النظام كل هدفه من الاعتقال ليس فقط حجز حريات الناس وكثير من الناس معتقلون معنا في المعتقل ليس لهم علاقة لا بثورة ولا بأي شيء هي جد غسيل دماغ، الاعتقال بالنسبة للنظام مرحلة غسيل دماغ للناس الموجودة في الداخل فقط، وحتى يغسل لهم دماغهم وحينما يخرجون يخرجون إما "دواعش" أو ناس تذهب إلى العنف والقتل أو مجانين أو مؤيدين، والكثير من يخرج بهذا الشكل، ولكن ليس أسر حريةٍ بالنهاية، وماذا يريد بكل هذه الأعداد وقد جمعهم عنده؟
كان واضحًا جدًا وأصبحت أُركز جدًا على تفاصيل في الداخل قلت لنفسي إنني قد وجدت وأخذت أُرضي نفسي بهذا الكلام، وأنه ربما يدفع بعض الناس كالصحفيين ملايين الأجانب ليستطيعوا أن يدخلوا ويجلسوا وينقلوا ما يحصل حقيقةً داخل السجون السورية والله احضرني ربما وضعني حتى أستطيع أن أسمع وأرى، ومن ثم تخرجي وتتحدثي بكل هذه التفاصيل للناس خارجًا وحقيقةً هذا الذي حصل، وحتى النساء المعتقلات أخذتُ أجلس معهن وأسمع قصصهن بالتفصيل، ولا أُخفيك أنه في داخل الاعتقال يكون هناك الكثير من الكذب، وليس كل النساء المعتقلات هن نساء ثوريات، وحتى كنت أتأكد من القصص بحيث أن أسأل واحدةً عن أخرى بحيث أُحاول لأن أتأكد من المواضيع كم هي صحيحة أم لا.
والنظام يعمل غسيل دماغ للناس ومثلًا امرأتان يأتي بهما بنفس التهمة تمامًا واحدة يخرجها بعد شهرين وأخرى تبقى سنة أو سنتين لأن النظام بالنهاية يترك الأخرى التي بقيت في السجن تعيش أن رفيقتك تكلمت بشيء عليك حتى نفدت (خرجت) نفسها، وتكون تلك لم تفعل شيئًا، وهذا النظام لا تتخيل كم كان يستخدم هذا في السجون يعني يترك البعض ويُخرج البعض فيرمي البلاء بين الناس ببعضهم.
وأنا أثناء التعذيب كثيرًا ما كان يقول لي: أنت تجلسين هنا - وقد استخدم هذا مع كل النساء وتأكدت من كل النساء أثناء تعذيبهن في اللحظة التي هو يضرب فيها واللحظة التي أنت فيها متألم يقول لك: أنت تجلس هنا تتعذب - وهذا الذي اسمه فلان الذي هو ناشط في الثورة مثلًا أحد أسماء الناشطين بالثورة أصبح الآن في أوروبا ويجلس بالنعيم، وأنت قد رماك بهذا الشكل.
عدد النساء اللاتي شتمن الثورة داخل السجون يفوق التسعين بالمئة، واللواتي خرجن مؤيدات لأنهن كن يصدقن رأي النظام بهذا الشكل ويعتبرن أنفسهن ضحايا الثائرين، والناشطون الذين باعوهن وأصبحن في السجون، وهؤلاء في أوروبا وقد عملوا لجوء ويعيشون حياتهم، وبالنهاية شعبنا ليس لديه الوعي السياسي الكافي، شعبٌ بسيط ويمكن الضحك عليه بكلمتين وخصوصًا في لحظة أنت مُجرد من كل شيء، وأنت في زنزانة حجمها صغير وتتعذب، وطبيعي أن تصدق روايات النظام.
وهناك رواية دائمًا للجميع ما أن تدخل إلى فرع التحقيق جميعهم يقولون: بشار الأسد سوف يُصدر عفوًا قريبًا ادعو أن يكون العفو يشملكم، وتخيل أنك تعيش كل فترة الاعتقال وأنت تدعي لسيادته، وتخيل هكذا تدعو النساء لسيادته حتى يعفوَ عنها، يعني حتى هذا الوضع يُحولونك باللاشعور من شخصٍ ثائر ضد النظام إلى شخصٍ لا شعور فيه، وأنت تُريد أن تخلص من هذا الوضع يُحولوك إلى شخص أنت باللاشعور تُصبح مُؤيدًا لأن سيادته الآن هو سيُصدر وجميعهم يقولون نفس القصة.
والنظام عنده أساليب غير طبيعية لغسيل دماغ الناس الموجودة في الداخل، وإحدى البنات اللواتي كانوا معي في المعتقل أخوها قد استُشهد من جوبر، وهي طبيبة عيون وهي من عائلات الشام المرتبة من عائلة الحمصي خرجت من المعتقل وأصبحت مع "داعش" تزوجت شخصًا مغربيًا، يعني النظام هذه سياسته فقط في السجن، وهي أن يخرب الناس في الداخل.
وكنت حذرة جدًا وبقيت كل فترة المعتقل كلها لم أدعي ولا مرة أنه يا رب الفرج، أشعر بأن الفرج ليس في هكذا وضع ليس مهم كثيرًا أن تخرج أو لا، المهم أن تخرج بعقلك، وهذا كان الأهم بصراحة، وكنت دائمًا أقول: يا رب الثبات، وما أهمية أن تخرج بعد شهر وأنت مبادئ ثلاثين سنة عشت عليها تتغير وتنقلب وتخرج شخصًا ثانيًا، فلا أهمية لخروجك دعك في السجن أشرف، وهذه وجهة نظري، والثبات عندي هو أن أبقى أُحافظ على عقلي وعلى نفسي وعلى مبادئي وعلى كل ما أُؤمن به، هو أهم بالنسبة لي في تلك اللحظة بكثير من الإفراج، فكنت في تحدٍ دائم وأن هذا النظام يعمل ليُغيرنا، فنحن بماذا نستطيع التحدي؟ كل هذه الظروف القاسية لتخرجي من هذه الأزمة منتصرةً، وليس من الضروري أن تخرج من السجن، المهم أن تخرج ولم يتغير فيك شيء، وكنت أقول إني داخلةٌ في تحد، وسبحان الله أنا كإنسانة مؤمنة، الجانب الإيماني كثيرًا ما يجعل الإنسان يصبر في أماكن ما ويتحمل. مثلًا أتكلم بأمر: أنا أولادي لم أعد أذكر وجوههم باعتبار أن هذه أحد الأشياء التي رب العالمين أنعم فيها علينا، وفي النهاية أنا أم وأحن حتى لا يظلون يأتون على بالي وأبقى أبكي ولا أعرف كيف؟ عندما أُحاول أن أتذكرهم لا أستطيع تذكر شكل وجوههم لهذه الدرجة ربما بسبب الصدمات التي حصلت أو الفترة، ولكن أحسست بأنني قد تجاوزت موضوع الحنين وهذه الأمور، وهناك نساء تُصاب بالجنون، وهناك امرأة اعتُقلت في منتصف الشارع، أولادها أعمارهم سنتين وثلاث سنوات في منتصف الشارع أخذوها وتركوا أولادها ولا تعرف شيئًا عنهم تلك المرأة أخذت تهستر (تهلوس) ولم تعد طبيعية.
فالنظام ذكي جدًا في هذه الأمور، وكيف يُوقع بيننا؟ أحضر لنا مثلًا أحد الأشياء المضحكة، اعتقلوا امرأة علوية، والذي حصل أننا تسلينا بها لفترة وهم قد نقموا عليها أكثر، قصتها كبيرة لا علاقة لها لا بثورة ولا معارضة، وكأن قصتها تهريب آثار ومثل هذا شيء يتعلق بالأموال، فكنا كلما تكلمنا عن حافظ الأسد وبشار الأسد تقول شيئًا (تدافع عنهما)، وكنا نُسكتها أنت تدافعين عنهم وأنت قد جلبوك إلى هنا، لماذا تدافعين بهذا القدر عنهم، وذات مرة ضربناها وتخيل أنت تعيش في هذه الغرفة الصغيرة وبالنهاية يجب أن تحتمل واحدةً تمدح فيهم، وأيضًا ذات مرة كنت أتحدث مع امرأة من درعا ونتكلم عن حافظ الأسد وبشار الأسد، فتأتي هي، وتقول: لا أسمح لكم أن تحكوا على الأب الخالد فتقوم المرأة الدرعاوية وتضربها ضربًا مبرحًا وأخذت تشتكي علينا، وكلما سنحت لها فرصة تشتكي علينا وتقول لهم فلانة قالت: هكذا، وصارت مثل المخبرة علينا، ولكن اكتشفت أن النظام لا يهمه كثيرًا، وعلى فكرة المخبرين الذين كان النظام يستخدمهم واللواتي هن معتقلات أساسًا ثم يُحولهم مخبرين لصالحه هؤلاء لا يخرجون، وكنت أحزن لأجلهم، وأقول لهم: أنتم قد خسرتم كل شيء وأنتم تحولتم إلى أداة يستخدمها النظام، وهو لم يكن يُخرجهم، وجميعهم لم يخرجوا كل الذين كانوا يعملون مع النظام على أساس مخبرين عن البنات في المعتقل على أساس أنهم ينقلون له أخبارهم لم يكن يُخرجهم من المعتقل.
وأنا كنت في السجن أحسست أنني موجودة أولًا أني اعترفت للنظام بأنني ضد النظام السوري، وأنا تياري سلمي فهذا الشيء ما عندي مشكلة أن أحكيه داخل الزنزانة، وفي الزنزانة أخذت أتحدث عن كل أفكاري بكل أريحية ولا أخشى شيئًا ولا أُخفي شيئًا، فكنا نحكي داخل هذه الزنزانة، أعطيتهم (لبقية المعتقلات) دورات عن العدالة الانتقالية وعن اللاعنف وعن كل شيء، وذات مرة وصلهم الكلام بأني أعمل دروس توعية في الزنزانة توعية سياسية فوضعوني بالمنفردة لكن كنت سعيدةً فيها.
هذه الفترة كلها في فرع التحقيق امتدت لأربعة أشهر، ومن ثم خرجت إلى سجن عدرا، وكل هذه القصص كانت تحصل بفرع التحقيق هذه الأشياء، وأيضا في عدرا هناك الكثير من القصص في عدرا، ولكن بفرع التحقيق لا يوجد تعذيب، وهذه أحد الأشياء التي أتفاجأ بها كثيرًا أنه ممنوع للسجان أن يلمس السجينة، ومثلًا كان عندما يُريد أن يأخذنا وطبعًا يُحققون معنا فقط سؤال وجواب، ولم يعد هناك تعذيب، كانوا يجعلوننا نُمسك طرف الخيط، وهو يمسك طرفًا ونحن طرف لأننا معصوبي الأعين، وكانوا يقولون لنا سوقوهم كالأنعام، ولا يقولوا اغتصبونا، يعني كان ممنوع على أي سجان أن يلمس واحدة لمسًا تحت طائلة التعذيب، وكانوا يُعذبون إذا لمسوها وكلها كاميرات في الممرات.
وذات مرة امرأة أُغمي عليها لم يجرؤ السجانون أن يشدوها (يساندوها) لأنهم سيتعاقبون، وجعلونا نحن نُخرجها إلى الممر ليعرفوا قصتها، وهذه إحدى المرات التي إلى الآن لا أفهمها لماذا أنتم عذبتمونا بالفرع الذي بجانبكم؟ ولماذا هنا صار ممنوعًا لمس المرأة؟، يُوجد الكثير من القوانين الصارمة بفرع التحقيق بالذات فيما يخص النساء والضرب، حتى الضرب لا يضربون، طبعًا هذا فقط للنساء، أما الرجال كانوا كل يوم تعذيب كل يوم نسمع أصوات صراخهم بالتعذيب، وحتى في موضوع الحمامات وحتى هذه أنا اعتبرها سياسةً من سياسات النظام يعني يقتلونك ثم يُظهرون أنفسهم غير ذلك، وطبعاً يكفي ظروف الاعتقال لوحدها تكفي والمعتقلون فيها بغض النظر عن موضوع أنهم لا يضربوننا.
الحمامات مثلًا كانوا يسمحون لنا أن تقضي حاجتنا بشكل طبيعي ونعود، لكن الرجال كان ممنوعًا كانوا يفتحون الباب على الرجال ويعدون إلى الثلاثة، ويجب أن يكونوا قد قضوا حاجتهم وعادوا، وعندما ندخل بعدهم بعد أن يكون الرجال قد دخلوا تجد في نفس الحمام قد دخل أربعة أو خمسة يعني وضع الرجال كارثي، وأنا بعد الذي عشته عندما رأيت في فرع التحقيق كيف يتعاملون مع الرجال؟ والتعذيب كل يوم وأصوات التعذيب للرجال وصريخهم بدأت أشعر أنه لو اعتقلوا مئة امرأة ولا يعتقلون رجلًا لأن التعذيب غير طبيعي عليهم.
يعني أنا شخصيًا هناك الكثير من الأشياء لم أفهمها عن النظام حاولت كثيرًا أن أجد لها تفسيرات كثيرة، ولكن لم أجدًا لها تفسير عندي، ولكن بدأت أشعر بعدها أن سياسة النظام أن يكون غير مفهوم ويُوهم لك أنك لا تفهمه بأنه على أي أساس يعمل، حتى هذه بدأت أُحسها ليست عشوائيةً بل سياسة حتى يكون بالنسبة لك شيئًا غامضًا ولا تعرف ما المعيار الذي هو يسير عليه؟
كانت تهمتي التي خرجت بها من فرع المهام تحريض السوريين والتخفيف من هيبة الدولة وزرع الفتنة بين السوريين والتخفيف من هيبة الدولة يعني هذه كانت تهمتي الأساسية التي خرجت بها.
طبعًا حصلت الكثير من الأمور وهناك أشياء تضحك في فرع التحقيق، ونحن نعيش أربعة شهور فيتأقلم الشخص على هذه الحياة التي يعيشها، كنا نقوم بالطرق على الحيط (الجدار) على المعتقلين، نطرق الجدار عليهم وأصبح عندنا لغة بالضرب ونحكي مع بعضنا من خلال الطرق على الحيطان (الجدران) وأحيانًا نطرق وكأننا نطرق على الدربكة على الحيط فيردون الطرق في الزنزانة، كنا نقوم بذلك لأجل تسلية بطريقة ما، وأنا كنت أحفر على الحائط دائمًا، في أي زنزانة أدخل عليها، كانوا يُبدلون لنا الزنزانة، فأحفر على الحيطان "حرية" وغيرها، وكنت أكتب حديثًا للرسول: "يا غلام احفظ الله يحفظك"، وكنت أحبه جداً "وأنه لو اجتمعت أهل الأرض على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء" .....
فكنت دائمًا أقول لنفسي: يجب أن أكتبه لأنه يحتاج لوقت طويل في الكتابة كنت أكتبه ببذرة الزيتون، ثم أقول لنفسي ربما يأتي أحد ما بعدي ربما قد يئس، يقرأ شيئًا ثم يعود ويتفاءل، يعني أُحاول أن أعمل أي شيء وأنه مازلنا موجودين حتى ولو كنا داخل هذا القفص لكننا قادرون أن نحكي وأن نعمل.
بالنهاية ستتأقلم مع الناس من حولك، والشيء الذي استغربته أني كنت أظن أن المعتقلات الموجودات في السجون جميعهن معتقلات سياسيات، ولكنه لم يكن كذلك، أولاً كان النظام يعتقل في تلك الفترة بشكل عشوائي ليملأ السجون بالنساء ، وهناك امرأة اعتقلوها لأنه معها قطرميز (وعاء) من المكدوس عمرها 60 سنة قالوا لها: أنت تأخذين هذا المكدوس "للجيش الحر" فاعتقلوها، وهناك بعض النساء كن يهربن سلاحًا لـ"الجيش الحر" فاعتقلوهن، وفي فرع التحقيق كناشطة سلمية كنت أنا الوحيدة والباقي جميعهن لم يكن لهن علاقة، ويوجد امرأة كانت استدراجًا، وحكت لي القصة، وقلت لها: كيف تدخلين؟ كانت قد استدرجت ضابطًا، أحد عناصر "الجيش الحر" وهو من دوما دفعها لتستدرج ضابطًا بالجوية، وقالت: بأنه قد أفتى لها شرعًا، يعني هناك الكثير من النساء قد ضحك عليهن بأشياء، وهذا الشيء كان سيئًا لنا لأنهم أخذوا يطعنون بنا وبثورتنا الشبيحة، وأن هذه ثورتكم، كان شيئًا سيئًا وجود هذه الأخطاء التي حصلت، وبالرغم من هذا أعود، وأقول: أن هؤلاء النساء المعتقلات قد أُسرت حريتهن لو مهما كانت الأسباب لا يحق للنظام بأي شكل من الأشكال أن يعتقلهن بهذه الطريقة مهما كانت خلفية اعتقالهن على أي سبب كان.
وطبعًا أصبحت هناك علاقات مع بعضهن وإحداهن كانت تعمل بموضوع الطبية مع "الجيش الحر" لكن جميعهن بصراحة لا علاقة لهن بالثورة السلمية، لم أشعر بأني وجدت أحدًا يُشبهني وهذه أحد تحديات الاعتقال أنه أنت تجلس في مكان كل من حولك لا يُفكرون مثلك غير أنك خرجت عن جو داريا وأنت لم تعد ترى داريا أنت ترى إدلب ودرعا، وترى باقي أرياف الشام (دمشق). وأكثر واحدة كنت قريبةً منها هي بنت الشام، وأحس بأنها قريبة لي ومثقفة جدًا وواعية انصعقت كثيرًا عندما خرجت وذهبت إلى "داعش" لم أكن لأُصدق الموضوع بدايةً وأشعر ما الذي جعلها تذهب إلى هناك إلى الطرف الآخر؟
وحصلت قصص كثيرة وكان هناك تعاطف يحصل من السجانين مع النساء، هناك امرأة "بنت الميداني" هناك سجان يحنو عليها وهي قد أحبته وهو أحبها فقد أحسسنا بهذا الأمر أيضًا كان دائمًا يمرر لها حلاوةً لأنها كانت ممنوعةً، حلاوة طحينية ويمرر لها قطعة خبز، حتى كتبت أنا مقالة "الحب من وراء القضبان"، ونقمت أكثر على فكرة على هذا النظام، يعني السجانين كانوا يشتمون مثلما نحن نشتم الأمريكان، هم نفس الأمر تمامًا، يلعن أبو أمريكا وأوباما الذين لم يخلصونا من هذه القصة.. هم محبوسون (مسجونون) مثلنا، نحن محبوسون داخل الزنازين الصغيرة والشبيحة كانوا محبوسين، وكان لا يحق لهم أن يخرجوا لخارج السجن يأكلون من نفس أكلنا وممنوع عليهم التلفاز، وممنوع أن يكون معهم موبايل، وهم بشكل فعلي مسجونين وأصابهم القمل مثلنا وبالأخير يعيشون في نفس هذا المكان، ولكن فقط ينامون بشكل أفضل منا، وفعلًا حقدت على هذا النظام أولًا عمل على غسل دماغهم كاملًا وأنه نحن بنظرهم نحن نقتلهم.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/11/05
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدالاعتقال خلال الثورةكود الشهادة
SMI/OH/118-12/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2012
updatedAt
2024/04/17
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة داريامحافظة ريف دمشق-سجن دمشق المركزي (سجن عدرا)شخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش
مطار المزة العسكري
سجن عدرا / دمشق المركزي