الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

مجزرة الكيماوي والتهديدات الأمريكية والأمل بسقوط النظام

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:21:06:03

جلست في [سجن] عدرا لمدة شهرين، وكان هناك أسماء لنا أنا ومجموعة من السجينات قد وُضعت للمبادلة، وتم إطلاق سراحنا قبل ذلك أخذونا إلى فرع أمن الدولة في 17 تموز/ يوليو 2013 أخذونا إلى مكتب علي مملوك أنا و 22 معتقلة أخرى، وأخبرونا أن بشار الأسد قد وصله خبر عنا بأنَّنا معتقلات وتم العفو عنا وأمر بإطلاق سراحنا، وهم يريدون أن يضعوها علينا أنَّ بشار الأسد هو الذي أخرجكم وكنا نعرف أنَّ هناك مُبادلة ستتم، والنساء سمح لهن علي مملوك أن يتصلوا مع أهلهن من مكتبه، وكان في ذلك الوقت لطيفًا، وكان يرينا الوجه الحسن له في ذلك الوقت، فاتصلت البنات بأهاليهن، وأنا لم اتصل ولم أرضَ أن أتكلم مع أي أحد مع أهلي من كثر التنقل من فرع إلى فرع أصبحنا نتوقع أننا سنخرج، وبعد ذلك نجد أنفسنا في فرع جديد، مكان جديد، انتقلت من فرع المهام إلى فرع التحقيق ومن فرع التحقيق إلى عدرا رجعنا من عدرا عندما تركني القاضي، أخذوني من عدرا إلى فرع أمن الدولة لأجل المُبادلة، فصار عندي خلص أنني لا أُريد أن أؤمل أهلي، وصرت أقول حتى أصبح في الشارع لكل حادث حديث، فخرجنا ووضعونا في باص واحد وأنزلونا عند دوار كفرسوسة، هناك شعرت بأنني أصبحت حرة وكنت أنظر يمين وشمال لنصف ساعة وأنَّ لا أحد سيأخذنا، وبعد ذلك تكلمت مع عمي في سورية من موبايل أهل أحد البنات، وبعد ذلك اتصلت معي أمي على نفس الرقم كانت تبكي ولم تكن مصدقة، وأهلي لا يعرفون بعد أن تركنا القاضي وأخذونا إلى فرع أمن الدولة مرة أخرى أهلي كانوا يظنون أنني سأخرج، فقد دخلوا أهلي في مود (في تفكير) أنَّ هذه اختفت وغير معروف وضعها، وكنت قد خرجت أنا متحمسةً للثورة وللشغل من أول لحظة تركوني بها، وأخي اتصل بي في نفس الوقت وقال لي: حضري نفسك ستخرجين تهريب وقلت له: لا يمكن، فشرت عينهم (خسئوا)، وقلت له: هل تريد الجوية (المخابرات الجوية) أن تكسر رأسي لأخرج من سورية، وجاءت صديقتي التي أخذت أولادي من الفرقة الرابعة جاءت أخذتني من دوار كفرسوسة، وبيت جدي الذين خرجوا من داريا أصبحوا في الجديدة، ولا أريد أن أذهب إلى أماكن فيها حواجز ولم يكن معي أوراق، وأخذتني وبقيت في دمشق وجاءت صديقاتها اللواتي غالبيتهم رفاق رزان وقت السهرة  ليسمعوا مني، وأنا كنت أضحك وأتكلم وماذا حدث في السجن؟ ويقولون لي: شكلك ليس شكل أحد قد خرج من المعتقل بعد سبعة أشهر، كنت قد خرجت بهمة كنت متفائلةً، وأشعر بأنَّ النظام قريباً سيسقط وكان في ذلك الوقت "الجيش الحر" قد سيطر على أغلب المدن السورية، والنظام أموره تتدهور أكثر، وأنا كنت أدعي في المعتقل أن يا رب لا تضطرني أخرج من دمشق وأن أبقى وأنَّني أول ما أخرج النظام سيسقط، وكان لدي هذا الأمل بشكل غير طبيعي.

وأمي كانت تُريدني أن أخرج إلى لبنان وبحجة أولادي تريدني أن أخرج، وأنا كنت عنيدةً ولا أريد، وفي الآخر أرسلت لي أولادي بعد أسبوع، وبعد أسبوع ذهبت إلى المخابرات الجوية لأسأل عن زوجي وهم حين رأوني في المخابرات الجوية انصعقوا أنَّك قد خرجت من أسبوع من عندنا وتعودين لنا، وأسأل عنه، وقالوا لي: اذهبي إلى القيمرية ومدري شو، رحت كمان عالقيمرية وهناك قدمت طلبًا من أجله، وأنا أعرف أنه لن يكون هناك نتيجة، ولكن شعرت أنَّني يجب أن أفعل شيئًا، لمن هم في المعتقل وحين علمت أمي أنَّني ذهبت إلى الجوية في القيمرية، هنا قررت أن تُرسل لي أولادي لأجبر على البقاء معهم في المنزل، متل خلص إنه.. بكل معنى الكلمة حبستني في الغرفة حتى إنه خلص ممنوع أطلع حتى يجدوا حلاً ويخرجوني من سورية، ورجعت فوراً تابعت مع الولدين الذين سيسافران إلى أمريكا، وهناك جمعية أيتام في داريا أرسلوا مبلغًا واستلمته من المزة ربما كان حماسًا أو تهورًا، ولكن لم أكن أُراعِ أي شيء وشعرت أنَّي أعمل كأني في داريا وليس في دمشق المليئة بعناصر الأمن والأفرع.

كنت طالعة بحماس لدرجة أنني شعرت بشيء داخلي يقول لي لا خلص النظام سيسقط، لم أكن أفكر بأي شيء إلَّا نحن سنبقى بثورتنا ونضالنا حتى يسقط النظام، وقررت أن أجلس عند صديقتي أنا وأولادي، وبعد ذلك استأجرت منزلًا في المزة وقلت: سأبقى في دمشق، ولم أكن أفكر بالخروج من سورية.

حين رآني (الأطفال) جمدوا لم يكن لقاءً أخذوني بالأحضان، والأطفال كانوا مصعوقين وأنا أحضنهم وأقبلهم وهم جامدين وصامتين وبحياتي لم أبتعد عنهم هذه الفترة أكثر شيء تركتهم فيه يوماً لكن سبع شهور حتى كلمة ماما بقوا فترة حتى قالوها واعتادوا عليها، وخصوصاً الصغير كان عمره سنتين وسبعة شهور، تركته سبعة شهور طبعاً سينسى، وبقي فترة حمزة الصغير حتى عاد واقترب مني، وقال لي: ماما وكثيرًا ما يخطئون يقولون لي تاتا (جدتي) بدل ماما، ولكن بعد أسبوع عادوا ولكن بقوا أسبوعًا جمدانين لا يقتربون مني وأنا كنت أمًا بالنهاية مهما كنت ثائرةً، وحين أصبحوا في حضني أصبحت مرتاحةً جدًا مع أني كنت كل الفترة الماضية، أحيانا ألوم نفسي لم أكن أفكر بهم، وكنت أُريد أن أدخل إلى الغوطة، وأني سأدخلهم معي، وكانت رزان تقول لي: مستحيل أدعك تدخليهم إلى الغوطة، وكنت دائماً أُفكر في الثورة والمصلحة العامة أكثر من الأمور الشخصية، ولكن أبقى أمًا، وكنت سعيدةً جدًا بوجودهم معي، وكان ينقصني أن يخرج زوجي ونعود مع بعضنا وهي أحلام اليقظة، ومثلما يقولون لابد للثائر أن يكون لديه عرق جنون، وموضوع الجنون يجب أن يكون موجودًا في كل إنسان ثائر حتى يستمر، وأشعر أنَّ لدي هذا الجنون ونحن كثائرين لو لم يكن لدينا هذا الشيء لما ثرنا على النظام مع التفاوت الكبير بالقوى، لكن أحلامك تسبقك وتسبق عقلك وطموحك، ولم أكن نادمةً أننا خرجنا وفعلنا كل هذا. 

وجلسنا في المزة حتى حصلت ضربة الكيماوي (مجزرة الكيماوي في الغوطة)، وكنت أبحث على مدارس لأولادي وليس لدي أدنى فكرة للخروج من سورية، وصارت ضربة الكيماوي وكنت أسكن في المزة وهي قريبة جدًا إلى المعضمية، وحين حصلت ضربة الكيماوي الساعة 4 صباحاً استيقظنا على رعب كبير والأولاد أخذوا يبكون، وكان الضرب قويًا جدًا لدرجة، وكنا جد قريبين من المعضمية والجو تلوث وأغلقت النوافذ لأنَّه دخلت روائح مزعجة من الخارج، وفتحنا التلفزيون ورأينا المناظر في دوما والجثث كان الوضع رهيبًا وبقدر ما كنا حزينين على ما حصل في دوما وكم الأطفال التي ماتت في دوما على قدر ما كنا نشعر بأنَّ أطفال دوما سيقلبون الكفة، و[باراك] أوباما يضرب الأسد ويُسقط النظام، وهذا الشيء شعرت به وخيبة الأمل كانت في تغيير القرار، وهي أكبر خيبة أعيشها في حياتي وعشت أسبوعًا في دمشق رأيت كيف أن الشبيحة اضطربوا، وكانوا ينقلون معداتهم وكانوا يستخدمون  المدارس كمراكز اعتقال ويُفرغون السجون، حالة رهيبة انكسرت شوكتهم في دمشق، والناس في دمشق كانت لا تجرؤ أن تقول شيئًا أصبحت تتكلم، وأركب مع سائق التكسي يقول: تم الأمر، وسقط النظام أسبوع فقط ويسقط، والناس رأت النصر بعيونها مع أنَّهم يعرفون أنَّ القصف الأمريكي حين يحصل أكيد سيتأثر المدنيون والنظام سيتوحش عليهم، ولكن الناس كانوا لا يهمهم أياً ما أصابهم المهم أن ننتهي منه، حتى لو أننا سنموت المهم أن نتخلص منه، ولأول مرة أشعر بأنَّنا انتصرنا وأن الثورة انتهت بعد سنتين ونصف عذاب على يد أطفال دوما، وهم السبب الذي سيُخلصنا من النظام رغم الألم الكبير، ولكن الأمل كبير وأنا شعرت أن أيام الأسد الأخيرة فشعرت بأنه غير صحيح أن يبقى الأولاد في دمشق لأن الأمور سوف تضطرب وأرسلت أولادي إلى لبنان وسلّمت البيت الذي كنت قد استأجرته، وقررت أن أبقى في دمشق حتى يسقط النظام ونحتفل، وأريد أن أحضر معركة دمشق الكبرى. 

وحقيقةً جلست عند صديقتي وأخذنا مستلزمات طبية وأنَّهم حين يقصفون أخذنا استعداداتنا، وأتكلم مع رزان كل يوم، وتقول لي: الكونغرس قد أخذ قرارًا، واليوم سيحصل قصف، وكل يوم نحن ننتظر ونسهر لتضرب أمريكا النظام ونقوم (نستيقظ) الصبح لا يوجد شيء، ويقولون هذه الليلة، وتلك المرحلة كان لنا أمل كبير وأحب أن أتذكر تلك الأيام وكان هذا آخر شعور نعيشه لمرة أخرى شعور النصر وبعد ذلك كله من 2013 كله شعور الخيبات والخسارة. 

وإذ يخرج القرار الروسي بتسليم النظام للكيماوي الذي لديه، وكانت الخيبة الكبرى وحياتي انقلبت والاعتقال لم يقلب حياتي كهذا القرار الذي قلب حياتي، وشعرت أنَّ هذا القرار يُرسل رسائل للشعب السوري أننا لسنا معكم كمجتمع دولي، وأنّ هذا النظام قوي لديه داعمين في الخارج لدرجة من غير السهولة أن ننتهي منه، وكثير من الرسائل كلها خيبات، وكل يوم رسائل تشعر بأنَّك لن تستطيع أن تفعل شيئًا، وكل الذي حدث في المعتقل لم يجعلني أفقد الأمل مثل اليوم الذي خرج فيه القرار الروسي الأمريكي بعدم ضرب الأسد حتى الناس ذهبت إلى أكثر من دار إيواء لناس كانوا مهجرين من ريف دمشق، والناس كانت تكفر بمعنى الكلمة وتشعر أنَّه لا يوجد رب العالمين، وكيف الأسد بعد كل الخطوط الحمراء ينجو من مجزرة ارتكبها بحق ثلاثة آلاف مدني؟ واستخدم الكيماوي وخلال أسبوع كأنَّ شيئاً لم يكن، العالم فقدت إيمانها والشعب السوري ونحن ننحدر من ثقافة إسلامية والذي يصبرك أملك بالله وحين تفقد إيمانك وأملك بالله أنت كأنك تجرَّدت من كل شيء كان الوضع سيئاً جداً. 

وفي وقتها فكرت أنَّني سأخرج في هذا النهار فكرت أنَّ سأخرج من سورية، وأخذت قرارًا أن أخرج من سورية، وخصوصاً أنَّ النظام بعد يوم تماماً اعتقل ثلاثة نساء اللواتي خرجن معي في عملية المبادلة عاد ليعتقلهن، ومنذ خروجي من المعتقل لهذا اليوم كنت أعمل في الشام (دمشق) ولا أفكر في الاعتقال مرة أخرى ولكن في هذا الوقت بدأت أفكر في الاعتقال الثاني، أنَّني سأعُتقل مرة أخرى من أجل لا شيء، وأنَّ هناك لا جدوى من أي شيء والنظام لن يسقط وإذا اعتقلت لم أعد أنا الشخص المناضل الذي يناضل من أجل الثورة وأنَّك لا شيء، رحت فراطة بين الرجلين (بدون ثمن)، فبدأت أحسب هذا وأنت تنتقل من حالة إلى حالة وأنت تعيش الأمل حالة سقوط النظام، وفجأة ينهار ومجرد قرار يُعيدك إلى الموجة الثانية، وكانت صعبةً جدًا، وقررت أن أخرج من سورية، واتصلت مع أخي وهو بدوره اتصل مع أحدهم ليأخذني إلى يبرود لكي أخرج تهريب من هناك كان ذلك اليوم أسوأ يوم في حياتي، وكنت أمشي في شوارع دمشق وأنا أودعها وأني لن أراها جامعتي جامعة الآداب وشارع المزة، وأنا أمشي في شوارع دمشق وأودِّع وأبكي هذه الأيام لا أنساها في حياتي بقدر ما كان الأمل كبيرًا، وكنا نشعر بالنصر بقدر ما كان الإحباط في اليوم التالي وإلى الآن، منذ فترة قالوا لي أن أُصور فيديو عن مجزرة دوما فلما صورت تكلمت عن هذا، ليس الناس الذين ماتوا غير مهمين لا، ولكن  حجم فقدان الأمل عند الشعب السوري.. لذلك كانت مجزرة دوما لها أهمية كبيرة وهي نقطة تحول كبيرة في تاريخ "الثورة السورية" وهي إفلات من العقاب وبعد مجزرة الكيماوي الناس دخلت إلى التطرف وبعدها ظهرت "داعش" وبعدها تغير المسار.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/12/09

الموضوع الرئیس

الحراك في داريا

كود الشهادة

SMI/OH/118-16/

أجرى المقابلة

إبراهيم الفوال

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2013

updatedAt

2024/08/21

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة داريامحافظة دمشق-المزةمحافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري

المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

سجن عدرا / دمشق المركزي

سجن عدرا / دمشق المركزي

الشهادات المرتبطة