الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

زيارة البوسنة وقرار الخروج من سورية

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:14:02:18

جاء سفري إلى البوسنة، ووصلنا في وقت متأخر ليلًا، وفي اليوم الثاني صباحًا باكرا يجب أن نذهب إلى سربرنيتسا الشهيرة حتى نلتقي مع أمهات سربرنيتسا اللواتي لا يزلن على قيد الحياة، ونزور النصب التذكاري، ويوجد الكثير من البرد والتعب وكلها جبال والطريق جدًا متعب، وذهبنا "كعائلات من أجل الحرية" إلى "الآي سي أم بي ICMP" (اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين) وعندما وصلنا إلى النصب التذكاري كان يوجد عدد كبير من القبور، ومكتوبة أسماء الجميع وتاريخ حصول المجزرة، وكان يوجد دهشة وأنا أتأمل القبور، وكنت أفكر أنه أنا عندي فقط حلم، [وهو] أن نصل إلى هذا المكان في سورية، وأنا أريد قبرًا لباسل، وأريد قبرًا لكل الأشخاص الذين أحبهم [من] الذين ماتوا، إذا لم أرَ قبرًا فلن أصدق، لدرجة أنني كنت أناقش رفاق باسل أنه [صحيح] أنني لبست الأسود وأقمت العزاء ولكنني لا أصدق، واتفقنا أن نشتري قبرًا في مكان افتراضي حتى يكون لباسل، ولم نفعل هذا الأمر، لأنه غير مُجد بالنسبة لي.

وأنا كنت فقط أحلم أن أصل إلى هذا المكان، أنا التي في هذا الوضع أريد قبرًا، وأنا الذي أعرفه أن النظام يتخلص من الجثث، ورفاقي الباقون في الحركة كان برأيهم لماذا أحضرونا إلى هنا لأن نحن لدينا معتقلين وسوف يخرجون، يعني كانوا منفصلين عن الواقع تمامًا. وعندما جلسنا مع الأمهات وتكلمْن عن تجربتهن كيف حصلت، وهنَّ عندما جمعن الرجال والأولاد في ذاك اليوم، هنّ أيضًا ظننَّ أنهم اعتُقلوا، يعني هنّ كنّ يبحثن عنهم، وطبعًا التجربة كانت جدًا ملهمة، وجلسنا كثيرًا وتكلمنا معهن وتمت دعوتنا إلى منزل إحدى الأشخاص [النساء] على الغداء، وهي التي كانت تدير القصة، كانت مسافرة، فنائبتها كانت تتحدث وكانت تقول: إنها بسبب كثرة سفرها و[لأنها] تزور العالم كانوا يسألونها عن دراستها، وماذا تعملين؟ فقالت: أنا فلاحة، أنا أمية، وأنا كنت أضحك، وأقول لهم أنا "فيلسوفة" وأنا كل رجال عائلتي اختفوا، فوجدت نفسي لوحدي، فكان يجب أن أتعلم كيف أبحث وكيف أعمل وكيف أعرف كيف أتكلم وأؤثر.

طبعًا هم دعوا بيل كلينتون إلى افتتاح النصب التذكاري وأنّبوه، وكان قد ألقى كلمة، وظن أنه سعيد وقالوا له: لو كان لديك موقف أخلاقي لما أصبح أولادنا في القبور، وكانت المجازر تحصل على عيون العالم كله و[كذلك] الأمم المتحدة.

بعدها ذهبنا إلى مدينة ثانية اسمها توزلا، وأيضًا حصلت فيها مجزرة ولكنها أصغر من سربرنيتسا، [وهو] مكان يوجد [فيه] شيء اسمه أمهات توزلا، أيضًا تكلمْن عن تجربتهنّ، والقصة كانت جدًا ملهمة، ورأينا أشخاصًا ناجين من المجزرة كيف استطاعوا الهروب، ورأينا أشخاصًا صوروا ما حصل، أشياء حقيقية [رأيناها]، ودخلنا إلى مكان هو كان مركزًا يحتجزون فيه الناس قبل أن يقتلوهم، والذي تحول إلى متحف فيما بعد، ويوجد فيه صور للناس وصور للمجزرة وصور النصب التذكاري، ويوجد شيء جدّا ثقيل على القلب، ولكننا بحاجة أن نتعلم منه، وبحاجة أن نذكّر أنفسنا دائمًا أنه ليس نحن فقط هكذا حصل معنا، وليس مهم العدد الأقل أو العدد الأكبر أو سنين أقل أو سنين أكثر، والمهم أنه يوجد صراع ويوجد أسًى وتوجد معاناة عاشتها الكثير من الشعوب، وكل ما يمكننا أن نفعله عدا التعاطف والتضامن كل ما يمكننا أن نفعله هو أن نتعلم من تجارب غيرنا، ولاحقًا نتعلم [من] تجاربنا.

وأنا لا أظن أن المآسي ستنتهي في هذا الكوكب، وأكيد أنا الآن عمري 40 سنة وأنا أعمل على نفسي كثيرًا حتى لا أعيش في أوهام أنني أستطيع إنقاذ الكوكب، ولا أحد بإمكانه إنقاذ الكوكب، ولكن كل شخص في مكانه يمكنه أن يفعل شيئًا.

"الاي سي أم بي ICMP" هي اللجنة الدولية لشؤون المفقودين التي هي تأسست مع حرب البلقان، وهي منظمة حكومية دولية جنسيتها أمريكية، ولكن مكتبهم الأساسي ومختبراتهم في لاهاي، وهي اللجنة الوحيدة في العالم التي تعمل فقط بالمفقودين، سواء يبحثون عنهم إذا كانوا أحياء أو أموات، فهم لديهم كل الاستطاعة في موضوع نبش القبور الجماعية، وحفظ الأدلة وفحوصات الـ DNA وموضوع الكشف عن المصير، وهم اشتغلوا تقريبًا في دول غرب البلقان وبعدد من دول أمريكا اللاتينية وفي العراق حاليًا، وفي سورية أيضًا بدأوا منذ عدة سنوات، وهم حتى الآن وجدوا 70% من المفقودين في الدول التي اشتغلوا بها.

طبعًا الصليب الأحمر الدولي يقوم بهذا العمل، ويقوم أيضًا بالكثير من الأعمال.

الأمر الثاني: كانت جدًا مفيدة حتى نتعلم، أولًا: نتعلم نحن كعائلات كيف نستطيع أن نضبط أمورنا وننظم أنفسنا، أهم شيء بالنسبة لي هو كمية هذا الصبر والتحمل وطول البال، والقضايا الكبيرة لا يمكنك حلها خلال ساعة أو حتى سنة، ويجب أن تدفع الكثير من الثمن وتأخذ الكثير من طاقتك وجهدك. والمهم الذي استطاع تحقيقه هؤلاء الناس الذين أصبحوا قدوة هم في النهاية أوصلوا المجرمين إلى المحاكمة، وهم في النهاية استطاعوا ترميم المجتمع بعد الحرب الأهلية التي حصلت فيه، وكان أغلبهم من النساء وفقدن كل رجالهن، ووجدْن أنفسهنّ لوحدهنّ، ويجب أن يفعلْن كل شيء لوحدهن واستطعْن أن يجذبْن كل الأنظار. 

المسار القانوني ليس هم من أطلعونا عليه، لأنه لاحقًا ذهبنا إلى لاهاي وزرنا المحكمة الجنائية الدولية، وزرنا محكمة يوغسلافيا الخاصة، ولكن هناك نحن اطلعنا على المسار، ولكن تجميع هؤلاء النساء لكل المعلومات عن رجالهن، والتعاون مع جهات دولية مختصة للوصول إلى الأدلة والجثث هو الذي أسس المحاكمة. والمحاكمة تحتاج إلى أدلة أساسًا، وهذه هي القاعدة الرئيسية التي هي لا يمكن لأحد أن يفعلها إلا العائلات والضحايا، وطبعًا يحتاجون إلى دعم من أشخاص مختصين حتى يتم القيام بهذا الشيء. وفي وقتها نحن أيضًا ذهبنا إلى مختبرات "الاي سي إم بي" في سراييفو، ورأينا المخابر التي يحللون فيها العينات، وفي وقتها كانت مؤذية للعائلات، وأنا في وقتها قلت لهم: إن هذا الشيء لا يجب على العائلات حضوره، يعني كيف عظمة من هنا وشيء من هناك! وأخذنا تدريبات عن كيفية أخذ عينات الـ DNA (درجات القرابة)، وحسب [فيما] إذا [كان] الشخص الذي تأخذ منه العينة من اللعاب هو أساسًا على قيد الحياة أو مُتوفًى، لأنه إذا كان على قيد الحياة فأنت تأخذ عينات من اللعاب، وإذا كان ميتًا يجب تُضطر أن تفتح قبرًا جديدًا وتأخذ عظامًا جديدة، و[تعلمنا] ما هي أكثر العظام التي تكون في DNA فيها، وكل هذه التفاصيل الجدًا العلمية التي هي أساسًا تشكل تروما (صدمة) لدى شخص ما، أولًا: شخص ليس حقوقي وقانوني مثل باقي السيدات في الحركة، وهو ليس مضطرًا أن يدخل في كل هذه الأزمات، وثانيًا: هم أشخاص لا يزالون ينتظرون، وبرأيهم أنهم لا يزالون على قيد الحياة، وسوف يعودون، فكانت الصدمة النفسية جدًا صعبة، عدا أنها كانت مرهقة. 

تقريبًا في نفس الفترة نحن بدأ يتشكل لدينا موضوع أستانا "مسار أستانا" ونحن طلبنا الحضور، ولكن رُفض حضورنا، ولم نحصل على فيز، وأيضًا كتبنا رسالة [مفادها] أن 3 دول هي المسؤولة عن الصراع مع أطراف الصراع أنفسهم، وهم الذين بيدهم الحل في أستانا بينما نحن سواء كضحايا أو عائلات أو خبراء نحن تم استثناؤنا حتى الآن من هذه العملية.

ولكن أي مكان يتم فيه مناقشة هذا الملف نحن يجب أن نكون موجودين، ويجب أن نرى فورًا ماذا يحصل ونعطي رأينا على الأقل، يعني على الأقل للأمانة الأخلاقية والعاطفية والأدبية نحن يجب أن نقول ماذا نريد، ونحن لا نقول أنه -نحن الـ 5 أو الـ 6 أو الـ 7- ماذا نريد، ولكن نحن نقول: إن العائلات التي مثلنا ماذا تريد؟ ونتكلم بلسان وجع مشترك.

نحن تم استثناؤنا تمامًا من القصة، وكان يوجد شيء مخيف، يعني أصبح [مسار] أستانا موازيًا لجنيف، والحقيقة أصبح أستانا فيما بعد أهم من جنيف.

في وقتها كانت أولوياتنا هي أن نبقى نلفت النظر للقضية حول العالم، وثانيًا: نحاول أن نكسب سوريين ينضمون إلينا، ولكن كنا نحاول كثيرًا، يعني الذين يمكنهم الانضمام لنا ليس فقط أقاربهم مختفين عند النظام، وإنما أيضًا عند باقي الأطراف لذلك نجحنا فيما بعد.

لم تكن هذه [نقطة] خلافنا أنهم [مختفون] عند باقي الأطراف، ولكن [الخلاف] أن يكونوا موالاة، وكان يوجد ترحيب أنه لا يوجد مشكلة بانضمام الموالاة لنا، ولكن الخطاب كان من المستحيل أن تنضم الموالاة، لذلك عندما نجحنا بانضمام امرأة يعني معارضة، ولكن زوجها مفقود عند "داعش" وأنا لا أعرف إذا [كان] يمكنني أن أذكر أسماء، لأنني خرجت من الحركة الآن، وأنا لا أستطيع أن أذكر أسماء بدون أن أراجعهم، ولكن حتى هذا اليوم لم تنجح الحركة باستقطاب حتى ليس رأيًا عامًا مخالفًا تمامًا ولكن رأيًا مختلفًا قليلًا، وليس فقط مخالفًا وإنما مختلفًا، وهذا كان مكان خلافات كثيرة.

بعد كل هذا السفر الذي جاءني [إلى] الرياض وجنيف والبوسنة، أنا عدت إلى سورية، وهنا أصبحنا في وقت الكريسماس، وفي اليوم الثاني جاءني اتصال من أمن الدولة فرع الخطيب الساعة الـ 1:00 ليلًا، وقال: أنا في مؤتمر الرياض دافعت عن المعارضة المسلحة، وأنا في جنيف طالبت بإنشاء محكمة دولية لسورية، وهذا الحديث على الهاتف الساعة الـ 1:00 ليلًا فقلت لهم: هذه إهانة لتاريخي حتى منكم كنظام، أنني أدافع عن المعارضة المسلحة، وأنا لا أعرف لماذا الجميع تعاطى مع القصة بغباء بما فيهم أنتم. وأنا لا أعرف كيف وصلهم الخبر من مؤتمر الرياض!

أثناء وجودي في جنيف يوجد شخص لا أتذكره اقترح إنشاء محكمة خاصة في سورية، وأنا قلت لهم: ليس هذا هو وقت هذا الشيء، وأنا كنت ضد الفكرة، ولا أعرف كيف تتهمونني بأشياء لم أفعلها، وأنا اتُّهمت أنني أدافع عن النظام، وأنا مع خصومتي الشديدة للنظام، ولكن عندما يُتَّهم النظام بشيء فعله وهو لم يفعله فأنا سأقول: إنه لم يفعله. وهذا لا يعني أنني أدافع عن النظام وأنا لن أدافع عن النظام بحياتي، فجاءني تهديد بالقتل من أمن الدولة أنه أنت إذا استمريت على هذا الشكل فسوف تتم تصفيتك، ولكنها كانت مبهمة، يعني من الذي سيصفيني؟ وأنا ربطتها بقصة أن علي مملوك نفسه قرر أن يرفع مذكرة التوقيف عني، وكأنهم يريدون رفع مسؤوليتهم، وأنا أحسست أن الموضوع لم يعد مزاحًا، وأنا بكل الأحوال بدأت أحس باللاجدوى لأنني لم أعد أذهب إلى السجن، وبعدها تقريبًا بأسبوع في ليلة رأس [السنة] اتصلوا معي من السفارة الروسية حتى أذهب، وأنا ذهبت بالمكياج وفستان السهرة، فقالوا لي: إذا بقيت هكذا فإن وضعك سوف يصبح صعبًا، ونحن لا يمكننا إذا حصل شيء [أن] نتدخل لحمايتك، وإما أن توقفي نشاطك أو يجب أن تخرجي من سورية، وطبعًا أنا خرجت من السفارة الروسية، وأساسًا أمن الدولة يكون يعرف لأنها توجد سجلات وأمن على الباب، يعني يعرفون، فاتصلوا معي، وسألوني: ماذا كنت تفعلين في السفارة الروسية؟ فقلت لهم: لا يوجد شيء، وأنا ذهبت وشربت القهوة، وهم محبوسون في السفارة ولا يستطيعون الخروج، وأنا لا أعرف لماذا ذهبت!

جواز سفري كان يتم تجديده، وأنا قدمت على مستعجل، والمفروض أن ينتهي خلال يوم، ولكنه بقي لمدة أسبوعين، وأنا من فرع أمن إلى فرع أمن آخر، وعندما استلمت جوازي في تاريخ 7 كانون الأول/ يناير 2018 في عيد زواجي الـ 5 أنا تركت سورية إلى لبنان، ولم يعد بإمكاني البقاء ولا يمكنني التعرض للخطر، ولا يوجد أي ضرورة لوجودي في سورية فخرجت، وقلت: سوف أجلس لعدة شهور في لبنان، حتى أذهب إلى بريطانيا. 

جاء حفل توقيع كتابي، وكان يوجد الكثير من الناس حاضرين. 

المكان هو في مكان عام في لبنان، في مسرح زقاق، ولم يكن يوجد أي مشكلة أبدًا، وحضر الكثير من الأشخاص والمنظمات الدولية والأمم المتحدة والأصدقاء والعائلة، وكان حدثًا ممتعًا بالنسبة لي، وهنا يجب أن أقول: إنه بعد حفل توقيع كتابي يعني في اليوم الثاني كان آخر يوم أرتدي فيه الأسود، وأترك خاتمي في يدي، وأنا في اليوم الثاني أحسست أنه كفى فشلحت الأسود وخلعت خاتمي.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2022/01/18

الموضوع الرئیس

النشاط الحقوقي

كود الشهادة

SMI/OH/123-46/

أجرى المقابلة

إبراهيم الفوال

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

2017

updatedAt

2024/05/21

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

المحكمة الجنائية الدولية

المحكمة الجنائية الدولية

عائلات من أجل الحرية

عائلات من أجل الحرية

الصليب الأحمر الدولي

الصليب الأحمر الدولي

الفرع الداخلي في أمن الدولة 251 - الخطيب

الفرع الداخلي في أمن الدولة 251 - الخطيب

السفارة الروسية في دمشق

السفارة الروسية في دمشق

مركز لاهاي لملاحقة المجرمين ضد الإنسانية في سوريا 

مركز لاهاي لملاحقة المجرمين ضد الإنسانية في سوريا 

اللجنة الدولية لشؤون المفقودين

اللجنة الدولية لشؤون المفقودين

الشهادات المرتبطة