بين العيش تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي وسلطة نظام الأسد
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:22:24:09
الجزء الأهم من هذه النقلة من فلسطين إلى سورية كان التكيف مع نظام الأسد، [فهناك] طفل متكيف مع الاحتلال الإسرائيلي، والمفروض أن ينتقل إلى مكان لا يوجد فيه احتلال إسرائيلي، والمفروض أن يكون هناك جانب إيجابي [وجانب له علاقة بالجانب الإنساني]، [وحقيقة حين تنظر إلى هذا الأساس] تجد كم هو منهك أن تكون طفلًا تعيش في [سلطة حافظ الأسد] [أو في] منظومة الأمن ومنظومة آل الأسد بشكل كامل …
في نابلس القصص واضحة ودقيقة [كثيرًا]، فنحن قسمان [نحن] الفلسطينيون و[القسم الثاني هو] الإسرائيلي الغريب الذي يتكلم لغة مختلفة وأشكالهم مختلفة [ولباسهم مختلف]، [والذي عندما] تأتي سيارة الجيش ونحن [واحدة من] وظائفنا كأطفال حين نلعب في الخارج نخرج [أن] نكون [كاميرات] الإنذار المبكر ودورية إسرائيل [ونحن نبدأ نصرخ: إسرائيلي، دورية، وننشر الخبر بهذا المعنى] وهناك اختلاف وغريب [شيء مفهوم بمعنى يوجد احتلال، يوجد غريب، توجد] وهذه المنظومة الواضحة [كثيرًا] والحدود والفواصل واضحة.
في سورية لم يكن بالنسبة لي واضح [هذا الشيء]، ولم يكن هناك فنحن كفلسطينيين لا يوجد خوف أن تشتم الإسرائيليين، [فتأخذ أريحيتك ولا توجد أية حواجز] ولا يوجد شيء [يجب أن نقوله عن الإسرائيلي، وشيء لا يجب أن نقوله] يقال ولا يقال [ولا يوجد شيء يُقال أمام فلان أو في البيت وشيء لا يُقال]، ولكن في سورية الوضع [كان] مختلفًا، أذكر مثلاً كان معرض دمشق الدولي وأختي ووالدتي وجدتي -[يعني] عائلتي [كلهم]- ذهبوا إلى المعرض وكان شكلًا من أشكال [أن] الطفل يبهره أن يرى شيئًا جديدًا والخروج إلى دمشق كان شيئًا كبيرًا، وهذا [الازدحام و] التجمع والمعرض وهذا [هو] شيء من الأشياء التي لا ترى فيها إسرائيليًّا [فلا تخاف]، وهنا [فنحن هنا نجتمع بشكل عادي، وانظر إلى أنه] يوجد ناس كثيرون، ولكن بالنسبة لي الأشخاص الذي يرتدي [لباسًا عسكريًّا فهو] غير مريح [وأي شخص يرتدي لباسًا عسكريًّا فهو غير مريح] وفي فلسطين هذا [لم يكن] منظرًا يوميًّا، فهم يأتون إلى نابلس ولكن هو حدث غير دائم، ولكن [أنا] أينما ذهبت إلى الشارع في سورية [سواءً كنت ذاهبًا إلى المدرسة أو ألعب مع الأولاد أو ذاهبًا إلى المعرض] هناك الشخص الذي يرتدي [لباسًا عسكريًّا، هذا دائمًا موجود] بينما هناك هي حالة غير دائمة كل فترة من الممكن أن يأتوا أو تحتك بهم أما هنا [فالاحتكاك دائم ]؛ في المدرسة والناس كلها ترتدي [لباسًا مموهًا] والدنيا كلها [ترتدي لباسًا عسكريًّا، وهذا كان بالنسبة لي مزعجًا].. [فهناك كنت] أتعلم ماذا أقول وما هي الأشياء التي لا تقال، أما هنا لا يوجد شيء واضح، فهناك معادلة واضحة [وثنائية الحد] الفلسطيني والإسرائيلي [فمن السهل كثيرًا أن يتعلمها الطفل، أما]، هنا لم يكن سهلًا؛ فلماذا لا يتم الحديث عن أبي أمام شخص آخر سوري؟ [فالآخر سوري وليس إسرائيليًّا أو محتلًّا فلماذا لا أستطيع أن أتكلم؟] ولماذا أقول للأطفال الذين مثلي هو في الجزائر؟ ولماذا هذا الهمس؟ ولماذا حين تأتي والدة فلان أو علان [فلان آخر] وآتين من صيدنايا [أو عندما يكون هناك خبر أو كذا] يتكلَّمون [بشكل سري]، وقد يدخلون إلى المطبخ [بشكل واضح جدًّا ويغلقون الباب خلفهم ليتكلموا].
فهناك أجواء حتى مع الاحتلال لا [نعيشها] ولا نعرفها، ولماذا يجب أن تنتبه ويجب أن [تبقى دائمًا منتبهًا] تنتبه، وحين يأتي الإسرائيلي كنا ننتبه ونصرخ ونذهب إلى البيت وممكن أن نرمي حجرًا وهذا هو الفعل الطبيعي، أما في سورية كان صعبًا التأقلم بين سلطة الاحتلال وسلطة الاستبداد والأمن، وتلك (سلطة الاحتلال) كانت بالنسبة لي أسهل …
في وقتها كان هناك شيء غير مفهوم هناك شيء غريب و شيء يجعلني خائف دومًا، [ففي] فلسطين ونابلس [كنا نشعل النار مثلًا] فحين نرى الآلية العسكرية للإسرائيلي أخاف، ولكن في سورية [كنت] خائفًا دومًا ومرتبكًا، وجزء من ارتباكي [أنه كان] هناك شخصية أخرى غير نهيل بن الحاج بكر فهناك شخص آخر وهي مازن بن احمد درويش [فهذا الجو العام كان مربكًا]، والناس التي دائمًا [تبدو] خائفة [ومتوترة]، وتلقائية الطفل [بدأنا نفقدها] في سورية؛ ممنوع لا يوجد شيء تلقائي و[لا يوجد شيء] عفوي، وبالنسبة لي أكثر شيء إشكالي أنَّ سيد الحاج بكر [أحيانًا] أتكلَّم شيئًا لا يحبه، أو لا أنتهي من [أكل] صحني، وهو رجل [كان] ميسورًا [جدًّا]، وكان [أيضًا] رجلًا متدينًا، و[أذكر أنه] في العيد [حقيقة] كان يوزع [أكياسًا كبيرة من] السكر والرز، ولا يمكن [لأحد منا] أن يقوم أحد عن الطاولة [حرفيًّا إذا كان] يوجد حبة رز [في صحنه] وكان شخصية لها تأثير كبير، واليوم فعلًا أحس أن جزءًا من التوازن لمازن هو الحياة بين الحاج بكر وبين أحمد درويش، فجدي شخص أثر بي كثيرًا، -سيدي كما نقول في نابلس-.
ومرة أخرى هو رجل تقليدي وميسور ومتدين [وحاج]، ولكن لديه رؤية -للدين وللحياة- عظيمة، ونابلس بلد محافظ وجدي محافظ وحاج، وواحدة من الأشياء التي يكرهها ألا يصلي [حاضرًا] في الجامع الـ 5 صلوات، ومع ذلك فلديه 6 بنات [ولم تكن أية] واحدة منهن محجبة في البيت، ووالدتي -ابنته الكبيرة- أرسلها إلى القاهرة [نهاية الخمسينات] لتدرس في الجامعة، والعائلة قاطعته [وأخوه الكبير حاربه وحلف ألا يدخل بيته]، وكان هذا الموضوع للعائلة حدثًا كبيرًا؛ أن يرسل ابنته لوحدها إلى القاهرة من أجل أن تدرس في الجامعة [وفهمنا أنه درسها في الثانوية، لكن يجعلها تسافر لوحدها!].
وجدي يتعامل بطريقة هادئة جدًّا، و[وكانت تحدثني جدتي أنها في الواجهة، ونساء العائلة تتحدث معها بهذا الموضوع]، وحين كانت تأتي وتشكو له وأن [عليك] ألا تفعلها والناس ستأكل [اسمنا و] سمعتنا (ستذهب مكانتنا بين الناس)، [وفلانة حدثتني عن كذا] وفلان قال كذا.. فكان يقول: لماذا يزعلون [هم غاضبون] مني أنا، وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال: "اطلبوا العلم ولو في الصين"، فأنا أرسلتها إلى القاهرة، [والله لو تكن هناك جامعة إلا في الصين لأرسلتها].
وهو شخص متدين وملتزم جدًّا، ولديه فهم للدين وهذا الرجل ليس خريج جامعات [ولا مدارس]، ولا [يتكلم] لغات، وهو منفتح ورائع، و[اليوم] أنا أحزن حين أرى شبابًا جامعيين كيف يفكرون، وأقارنهم مع منطق الحاج بكر.
جدتي بنت جنين المحافظة، وهي خط الهجوم الأول في المحيط الاجتماعي، [فالحاج بكر يمكن ألا يقولونها لهم (عدم رضاهم عن سفر ابنته) في وجهه] والحاجة نازك هي [الدرع الذي] يصبون عليه كل قصصهم، وهي الغريبة فليست بنت نابلس [وإنما من جنين] وهنا المحبة الزائدة (تظهر)، وينزل كل الكلام عليها! وهي تقول له: البنات كبرن ويجب أن يتحجبن، هو يقول لها: لا إكراه في الدين، وهي تقول له: يا حاج الناس وأنزل أنا [مع البنت] إلى السوق، والناس أسمع كلامًا من الناس، وأنت اسم ومعروف، [والعاملون عندك كلهم يتحدثون عنك، فقال لها: "أنا أحب إلي أن تروح عين (يذهب بصرها) من عيوني وإحداهن تتحجب، لكن إياك أن تضغطي عليهن"].
هو كان له تأثير وهذه السنوات الـ 6 كان لها تأثير كبير علي، وهي الفترة التي بالنسبة لي كانت فترة السلام الداخلي، وأيضًا بشكل خاص الطفل المدلل للغاية وجدتي إلى أن تُوفيت لم تتعامل معي على أنني الحفيد ولم تتعامل معي إلَّا أنني ابنها، وكان هذا [الأمر] إشكالًّا حتى مع والدتي ومع والدي، فكانت هناك حرب شعواء دائمة وأنا مدلل كثيرًا، والأولاد كبروا ولم يعودوا محتاجين [لنا]، وجدي لم يحمل أي ولد من أولاده -وهو طفل- فأنا أول طفل يحمله بين يديه ويأخذه معه إلى الجامع، وإلى مكان العمل.
وأنا حين يأتي أولاد خالاتي والذين كانوا في عمان والخليج ويأتون في الصيف، فأنا الطفل المكروه بسبب الدلال، وهذا الذي يمسك بيد الحاج بكر ويمشي معه والبقية يمشون وراءه، فكانت [توجد] هذه الحالة من الطمأنينة والحب ووالدتي التي تُدَرس في خان الشيح في الأونروا وتركض للعمل والتربية، [ليكون هناك] دخل فهي تريد أن تصرف على الأب الهارب والمختفي، وهي في الجبهة الديمقراطية، وحالة سورية والهلع الدائم من الأمن ومتى يأتون ويدخلون.
وأذكر مرة من المرات خال والدتي مهندس بترول وكان في السعودية وكان في أرامكو وتجنس من الستينات، وأتى هو وكان قد أحضر لجدتي هدية ثمينة فكانت تقول لا أستطيع وضعها هنا ومن الممكن أن الأمن سيكسرها [فكانت تضعها فقط عندما يأتي ضيوف ثم تعود لتخبئها]، وكان ممنوعًا أي شيء ثمين.
وهناك حالة أخرى مختلفة والأهم والذي هو غير مفهوم بالنسبة لي أن هناك في نابلس احتلال إسرائيلي وهؤلاء الآخر [الغرباء المحتلون] والذين لا يتكلمون مثلنا [ولا يلبسون مثلنا] ولا يأكلون مثلنا، وهم شيء مختلف كثيرًا، وفي سورية لا أقدر تمييزهم وهذا كان مرهقًا للغاية..
كنت صغيرًا في تلك الفترة، والذي أذكره أنني كنت في الحميدية أنا وجدتي ووالدتي، وفجأة أصبح هناك زحام، وفجأة [صار هناك] شيء مختلف وفزع وهلع، وكان خوف والدتي على جدتي لأنَّها محجبة فاختبأنا في محل من المحلات ودخلنا وراء البضاعة، وجلسنا به قرابة ساعة أو ساعتين.
والحاجة نازك [بالنسبة لي] هي الشخصية التي من الممكن اللجوء لها في أي وقت وهي شخصية قوية [وكانت شخصيتها أقوى من الحاج بكر] وهي كائن أمومي بمعنى الكلمة، والأم في فلسطين حالة مختلفة بسبب الشتات فلها وضعية خاصة، وأول مرة أرى الحجة نازك خائفة ودمعتها تنزل بصمت وشفتاها ترتجفان، وكان هذا اليوم [بالنسبة لي] غير مفهوم، رفعت والمظليات -أسأل الله أن يهدهم وأن يكسرهم وأن يذلهم- [ومازالت هذه الحادثة] عالقة في ذهني [وعندما رجعنا كانت] خالتي ناديا ووالدتي وهكذا. وبالنسبة لي كانت أول مرة في حياتي أرى الحجة نازك بتلك الفترة …
وبعد ذلك فهمت القصة أنَّ رفعت الأسد بحركة عنجهية سلطة ومافيا وزعران (الأشخاص كثيرو المشكلات)، ولا أعلم كيف يمكن أن تُفسر وهي رسالة للمجتمع السوري كله تحت بند محاربة الإخوان فأنزلوا سرايا الدفاع والشبيبة والمظليين والمليشيات المسلحة التابعة لهم، وأزالوا الحجاب على رؤوس النساء في الشارع والسيارات، وكأنَّهم قطعان من الزعران فكان فقط مجرد إهانة وإذلال للمجتمع.
وهنا واحدة من الأشياء المربكة بالنسبة لي لأنَّه وكانت والدتي وهذه إحدى القضيتين لديها هذا الولد الذي تريد أن تستعيد أمومته وتريد أن تنشئ رابطًا بينه وبين هذا المكان الجديد وبحاجة لمغريات [ولا يوجد شيء]، فهناك منزل متواضع ودار الحاج بكر (كانت حوالي الـ 1000 متر) فلا تقارن بمنزلنا وماديًّا ليس هناك إمكانية للمقارنة، واهتمام ووقت لا يوجد، ففي دمشق يوجد سينمات (مسرح) وهذه الأشياء والمغريات ويوجد أخوك وبالإمكان أن تلعب معه، وبقينا فترة طويلة حتى استطعنا أن نجد رابطًا وصيغة هدنة، فهو [بالنسبة له] على مدى سنوات طويلة الولد الوحيد المدلل [وأحضروا له ولدًا آخر وأنه أخوك وسيهتمون به]، وتعرفين الذي يحضر حديثًا كيف الكل يقولون له حدثنا عن نابلس وعن فلسطين، ولم يعد أحد يتعاطى معه، [فبالنسبة له لم أكن مرغوبًا بي] .. فكان عدوانيًّا معي، وهو كان لديه أصدقاء ولا يريد أحدًا جديدًا، فكان كارهًا لي ولم يحبني، فأمي كانت تريد أي شيء لتجعل هذا الولد يحبني.
[فمثلًا واحدة من هذه الأشياء أنه هنا لا يوجد إسرائيلي] فلا نخاف من الإسرائيلي، ولكن هذا لم يكن حقيقيًّا، فلا توجد سيارة الجيب العسكرية المكشوفة، ولكن كل ما مرت سيارات الستيشن أو الرانج روفر تبدأ والدتي بالخوف [وتضغط على أيدينا]، وبعد ذلك أصبحت أفهم.. [فسيارة الـ 504 مخيفة، وليست الجيب الإسرائيلي التي نعرفها ونعرف شكلها] لكن هنا الستيشن مخيفة والرانج روفر مخيفة والدراجة النارية مخيفة [والذي يقف على الرصيف مخيف]، فكان بالنسبة لي هذه واحدة من الأشياء أنَّه [صحيح] لا يوجد إسرائيلي ولا احتلال ولا توجد الجيب المكشوفة، ولكن يوجد مليون سيارة تخاف منها ومليون قصة نخاف منها.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/02/11
الموضوع الرئیس
سيرة ذاتيةكود الشهادة
SMI/OH/90-02/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
مدني
المجال الزمني
عام
updatedAt
2024/07/29
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-مدينة دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
سجن صيدنايا العسكري
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى - الأونروا
الجيش الإسرائيلي