الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

ضرب وإهانة وإذلال.. أساليب التعذيب في معتقلات نظام الأسد

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:24:34:18

مضى كما قلت لك يوم الأحد ويوم الاثنين، ويوم الثلاثاء طوال اليوم لم يحدث أي شيء، إلى أن صار وقت صلاة المغرب -تقريبًا- يعني نحن لا نعرف الوقت فإذا سألت السجان: متى الوقت؟ يقول لك: الساعة 05:00 بشكل دائم، وطبعًا أنت يعني في ظروف اعتقال ليست مريحة [بل هي] سيئة جدًّا وبطانيات طبعًا لا يوجد، فأنت تنام على الأرض، والحمام هو عبارة عن فقط بطانية [موجودة على الأرض] ولا أعرف يعني ما السبب الذي جعلهم في داخل الحمام يلقون مثلًا حوالي 10 بطانيات وعليها ماء، وأكيد يعني أجلك -أعزك الله- عليها مثلًا بول أو كذا، فتعطي رائحة يعني نتنة جدًّا في الغرفة، لماذا لم يختاروا أمرًا آخر؟ يعني أبسط شيء يعني طبعًا هكذا طبيعتنا يعني همج يعني الذي [أحضر هذا] البرميل [متفجر] ووضع فيه هكذا ليقتل به الناس، فأكيد هذا من وسائل التعذيب التي ستنتج عنه.

 المهم أننا قعدنا يوم الثلاثاء وفي وقت صلاة المغرب، وأنا كنت أصلي المغرب فجاء العسكري، طبعًا إلى ذلك الوقت كنت تجد عسكريًّا أو أحدًا بفروع المخابرات يعني مازالت توجد عنده نوازع خير، هذا قبل أن ينشق أو يتم قتله؛ واحد من اثنين (خياران لا ثالث لهما) هذا الكلام في الـ 2011 فمازال هناك أشخاص موجودون لم يكونوا أشرارًا، ويوجد أشخاص مازال عندهم شيء من الخير، حتى بعد ذلك صار الكل مجرمين يعني مجرمون بالكامل.

 فرن الجرس وجاء العسكري إلينا [وقال:] فلان، فخرجت أنا ورحت، وهذا كان يوم الاثنين لا عفوًا أنا أخطأت يوم الاثنين وليس يوم الثلاثاء، ثاني يوم مساء فرحت أنا، ودخلت طبعًا مطمشًا (معصوب العينين) وكذا، ويداك إلى الخلف وما إلى هنالك، وأنت ذاهب ولا ترى، فقط هناك شخص يمسكك ويدفعك ويبرمك هكذا برمًا(يجعلك تلتف) إلى اليمين واليسار وكذا، فأدخلني إلى محل ووضعني به، فأحسست أنني وصلت إلى باب غرفة، فعندما وقفت على باب الغرفة قال له: هل أحضرته؟ قال: نعم جاء، فذلك الشخص قاعد يقرأ مقاطع من خطب لي بحرفيتها، يعني تمامًا هذه التي قلت فيها أن الإعلام السوري إعلام فاجر، وأنه يعني كلمات كثيرة جدًّا مثل ذلك بحرفيتها كان يقرؤها، فقال -طبعًا وقف وجاء إلي وقال: هل تعرف لمن هذه الخطابات العظيمة؟ فأنا لم أجب، طبعًا هو بدأ يفرغ الحقد الموجود عنده بكل ما أوتي من قوة يعني من لؤم يعني ضربًا وإهانة وشتائم وكذا يعني كان شيئًا ليس طبيعيًّا يعني عمل لي حفلة (تعذيب) حوالي نصف ساعة، وقال لهم: خذوه إنه يعني مثل يعني اكتشفت لاحقًا وكنت أظن أن هذا هو التحقيق وسألني عن أشياء كثيرة وملفات كثيرة جدًّا جدًّا لها علاقة بالتمويل ولها علاقة بالإغاثة ولها علاقة بالتظاهر ولها علاقة وأكثر شيء طبعًا كان ملتئمًا(منزعجًا) من خطب الجمعة لؤمًا شديدًا جدًّا، ويوم حمزة الخطيب ويوم يعني يذكر أحداثًا بعينها وعن أمور كنت قد تكلمت بها، طبعًا رحت أنا إلى الزنزانة مثلًا بعد نصف ساعة أو ساعة لا أذكر يعني مثلًا مدة الوقت، فدخلت إلى الزنزانة وكانوا يرمونك على الأرض رميًا ويذهبون، فأنا هؤلاء الشباب الموجودون معي -ولماذا أقول لك ذلك؟- يعني رغم الظروف التي هم فيها وكم هي ظروف سيئة، ففورًا يوجد واحد -ولا يوجد غير واحد- كان قد خبأ منشفة فراح وبللها بالماء وجلبها ووضعها على رجلي؛ صار يضعها على رجلي ويبللها بماء بارد ويضعها على رجلي قال لي: لكي لا تتورم رجلاك فيجب أن نبردهم لك فورًا، وفعلًا لم تتورما يومها، يعني أنا لا أعرف يعني لم أكن قد تعرضت لموقف كهذا سابقًا لكنهم قالوا لي: لو لم يعمل هكذا، لكانت كل رجل صارت هالقد [متورمة بشكل كبير] فعندهم خبرة، فبردوا لي رجلي وكذا وقعدوا هكذا.

 مر هذا اليوم، وثاني يوم رجعوا وأخذوني في نفس التوقيت يوم الثلاثاء، لكن كان يومها يعني يوم الثلاثاء الدامي، يعني كان يومها قد قتلوا ابن أحمد حسون؛ الشخص الذي قُتل بظروف يعني إلى الآن لم تظهر الحقيقة تمامًا ما هي؟ وهل النظام قتله أم كيف قُتل لا أذكر، فكانوا قد قتلوه، وكان العزاء بابنه، فهو مشغل على أحمد حسون ويستمع إليه وبعد قليل يطفئه ويستمع إلى البوطي ولا يحكي معي، يعني هنا نوع من الإرهاب النفسي [وقال لي:] أنت لا تعرف أن تكون مثل هؤلاء وكذا؟ وبعدها بدأت الحفلة يعني حفلة استمرت لأكثر من 4 أو 5 ساعات يعني أنا طبعًا مثلًا هذه الحفلة لم أحك فيها أية كلمة، لكن هذا الكلام مثلما قال لي الشاب الدوماني[المعتقل معه] يعني قوة وشجاعة لا والله، والله لا أعرف كيف لم أتكلم؟! يعني أنا وضعت في ذهني أنني لا أريد أن أحكي، يعني الله سبحانه وتعالى من أين أعطاني هذه القوة لكي لا أتكلم لا أعرف، يعني يوجد أشخاص من الممكن أن يقولوا لك: ما هذا الكلام؟ أقسم بالله أنا لا أعرف من أين جاءتني هذه القوة، يعني أقول لك: إنني أتحمل، فأنا من الناس الذين يعرفون أنفسهم بأنني أتحمل إذا تعرضت لظروف صعبة أتحمل لكن مثلًا أحيانًا أنت تأتيك ضربة مثلًا بحزام الدبابة -الذي أنا أعرفه بما أنني خادم دبابات- وهو ثخين كثيرًا على ظهرك ويشهد الله لو نزل على ظهر فيل لنزل في أرضه وأنت لا تتكلم! وبينما يسألك سؤالًا فتقول له: لا أعرف أو لا ليس كذلك، يعني تخيل أنه في آخر الأمر يعني هذا الضابط الذي يحقق معي يعني فقد صوابه، يعني اتبع معي كل الأساليب، وأنا لم أتكلم يعني كل أساليب التعذيب يعني أنا أذكرها أو لا أذكرها والله لا أعرف يعني لا يوجد أحد لا يعرف ما هي أساليب التعذيب، فالمشكلة أنه فيلم رعب تريد أن تحكيه وأنهم ماذا عملوا معك، وكل أساليب التعذيب اتبعها معي وما تكلمت! هل معنى ذلك أنني أقول هذا الكلام مفتخرًا؟ أنا أقول هذا الكلام وأنه ما هذه القوة التي وضعها الله عز وجل فيّ؟! لا أعرف، والله يشهد أنني لم أحك أي حرف ولم أذكر خبرًا عن أي إنسان، [فيسألني:] ألا تعرف فلانًا؟ فأقول: لا، لا أعرفه، ولا أعرف ولا أعرف عن كل شيء (سؤال).

 وهو يعرف أنني أنا أعرف البلد يعني عدم المؤاخذة أنا كنت خطيب جمعة في البلد، فأنا مثلًا أي فرح أحضره، وأي طلاق أحضره وأي زواج أحضره وأي شيء يعني أي شيء أنا موجود فيها وأعرفها وأعرف تفاصيلًا، يعني أنت تعرف قيمة من يعمل في مجال الدعوة في الأرياف وفي دمشق وفي كل سورية، فسورية بلد متدين فأنت عندك حضور بكل مكان؛ بالإصلاح والزواج، والحمد لله أنا كنت قد نذرت حياتي لهذا الأمر والحمد لله يعني لا درهم ولا دينار أنا كان عملي في التدريس ومن هناك راتبي، وأشتغل بعض الأعمال التي هي هكذا خفيفة بشكل جانبي لأؤمن رزقي والحمد لله، فمجال الدعوة هو مجال ليس له علاقة بالارتزاق، فتنال احترام الناس من قبله، وأنت عملك إن شاء الله نسأل الله أن يجعله لوجه الله تعالى.

 فهو يعرف أنك أنت تعرف كل شيء في البلد، كل شيء ولا تحكي! وتصمم ألا تحكي! يعني آخر شيء عندما انتهى يعني صارت الساعة بعد 12:00 في الليل وهو تعب وأنا تعبت، يعني أنا لم أتعب فقط، أنا لم تعد عندي طاقة يعني فرطت [خارت قواي] يعني أنني أتوسل إليك يا رب يعني الموت أشد راحة لي من أن أظل في هذا الوضع، وليس هناك شيء تتخيله من أساليب التعذيب لم يتم استخدامه.

 فشغل مرة أخرى على حسون وجاء إلي، طبعًا أنا أنكر وأنني أنا ضد الثورة ومع النظام وكنت أحكي هذا الكلام كله؛ أنني أنا مع النظام وضد الثورة ولست مع هذا الكلام وهذا الحكي، وهذا كله افتراءات وكله كذا ومن قال لكم هذا الكلام هو كاذب، وهذا المخبر الذي عندكم -وهم يقولون له مندوبًا- كذاب وإلى آخره والكلام ليس صحيحًا، وفلان كاتب عنا كذبًا وكنت كله أنكره، وأنني أنا شخص معكم ومنكم وفيكم، وكل معتقل هكذا طبعًا كان يحكي يعني ليس الموضوع ردة يعني، وأنك أنت في هذه الظروف تفضل ألا تحكي يعني إن كنت شجاعًا لا تتكلم!! فالمهم هو آخر شيء بعث لي وطبعًا هي عادتهم أنهم [يبعثون لك] شخصًا منهم، [يخبرك] أن هذا الشخص يريد أن يقضي عليك وستذهب فيها (ستُسجن) يعني سنين وأيامًا، ولا أحد سيعرف أين رحت ولا أحد يجرؤ أن يطالب بك، وتعرف بلدنا، وهذا الرجل لا يخاف الله وكذا، هكذا بعث لي شخصًا، وطبعًا أنا مطمش(معصوب العينين) ولا أرى شيئًا أبدًا، [فأخبرني:] أنك أنت فقط [اعترف بـ] كذا وكذا وتوجد عندك عدة أسئلة، فقط أجبنا عنهم، ونحن مباشرة ننتهي، ولا عليك وأنا أظبطه [أجعله يقتنع] وأنا أمون (يفعل ما أطلب منه احترامًا) عليه وأنا كذا وهكذا إلى آخره، فأنا لم أكن عارفًا أنه واقف إلى جانبه شخص آخر فقلت له: أنا لا أعرف شيئًا نهائيًّا، وهذا الكلام الذي تقوله لي أنا لا أعرف عنه شيئًا، [وأعاد الكلام] مرتين و3 فهجم ثلاثتهم علي يعني فقدوا أعصابهم ثلاثتهم، فأنا أحسست وقتها بالنصر، فربنا سبحانه وتعالى ودعوني أتحدث عن أمور إيمانية ربما تهم البعض والبعض لا تهمهم، فالله سبحانه وتعالى وكما يُقال: في كل جلال جمال، فالله عز وجل يعطيك أمورًا أحيانًا بأصعب الظروف لكي يعينك، وأنا صدقًا أحسست وقتها أنني انتصرت عليهم لا بقوتي ولا برباطة جأشي ولا بتحملي الجسدي ولا بشيء، وربما هناك أشخاص يقعدون ويتفاخرون والله أنا لم أتكلم أي كلمة أبدًا ولم أذكر شيئًا عن أي إنسان له علاقة بالثورة بحرف صغير أم كبير وما اعترفت بشيء إطلاقًا، وهذا الشيء ليس بقوتي ولا بصبري ولا بتحملي وإنما هناك شيء لا أعرف [ما هو]، وهناك قوة الله عز وجل قد وضعها بي وقتها حتى أتحمل كل هذا الشيء الذي صار معي، وبعد ذلك في آخر الأمر انفلت فلتة علي [أشبعني ضربًا] وكذا، هو طبعًا وأنا لم أكن أرى شيئًا، فهو كان يحكي ويوجد شخص آخر يسجل، فجاء ووضعني هكذا، يعني حتى آخر الأمر يعني عندما فقد أعصابه فقام وجلب حذاءه وضربني به على رأسي يعني آخر الأمر لم يعد يحتمل يعني جُن جنونه فآخر الأمر جاء ووضع أوراقًا أمامي قال: عليك أن توقع ولاك (فأنا) فأنا كان عليّ أن أوقع، فرفع لي الطماشة (عصابة العين)، فقلت له أنا يعني بكل برود وتخيل أنا يعني سأموت يعني الملابس التي ألبسها صارت دمًا كلها، يعني أنا سوف أموت بين يديك وأجيب بكل برود، ومن أين جاءني هذا البرود لا أعرف من أين جاءني، قلت له: يعني اقرأ لي ما كُتب، [فقال لي:] تريد أن تقرأ! وغير ذلك، وهو يعني أنني كنت أجعله يُجن أكثر وأكثر، فأنا وقعت طبعًا أنا لم يعد في إمكاني أن أقف على الأرض يعني فقط وقعت وقلت له: [هل يمكنني أن] أقرأ ما هو مكتوب فجُن جنونه ونزل علي (ليضربني) يعني أنا في لحظة واحدة فقط فقدت السيطرة فيها على نفسي، فضربني ضربة وفي واحدة من الضربات أنا وقفت يعني كيف يمكنني أن أشرح لك؛ يعني أحسست بأن روحي خرجت مني فعندما وقفت أنا، قاموا وهجموا علي، وأنا خفت أن ينقلني إلى الكهرباء فرجعت يعني يظل الضرب أهون من أن يضعك على الكهرباء، يعني لا أراك الله كل هذه الأشياء.

 لا يمكن أن يكون في التاريخ أحد مثل المعتقل يعني لا أعرف إن كان مناسبًا للشخص أن يحكي عن الأشياء التي يعذبون بها الشخص أو غير مناسب، يعني هناك أشياء والذي تقرأه أنت في القوقعة (رواية للكاتب السوري مصطفى خليفة) فليست هذه الحقيقة بل هذا جزء من الحقيقة، وأقسم بالله أنني رأيت أشياء بأم عيني يعني من غير الممكن أن تتخيلها في الخيال، ففي الخيال لا يمكن أن تصدقها يعني.

 فوقعت آخر شيء، وهم الآن سوف يأخذونني يعني أنا لم يعد بإمكاني أن أقف، فسحبوني هكذا سحبًا، وقال لي: عند الساعة 04:00 سوف أرجعك إلي، وابق هكذا عنيدًا، فأخرجوني هكذا يعني مثل شيء هكذا كبطانية تريد أن تنشرها (تعلقها لكي تجف) ومثل أي شيء (لا قيمة له)، فسحبوني هكذا وفتحوا الباب وألقوني إلقاء على الأرض، وهنا الآن أنا كنت منتهيًا على الآخر (أكاد أموت)، طبعًا نفس الشباب تجمعوا علي وكل أساليب العلاج التي كانت من مسح ومن كذا [وتبريد] رجليك، كيف إذا مثلًا كنت قادمًا متعبًا وأمك أمسكتك ماذا ستعمل لك؟ كيف والدتك ستعتني بك؟ يا سيدي ممكن أن أقول: إنهم كانوا مثل ذلك وأكثر تمامًا، أنهم رغم آلامهم لأنه كان هناك ناس تُعذب قبل قليل، فجاؤوا ووضعوني وكذا ومسحوا لي وأبدًا على الـ 24 (بشكل كامل) وظبطوا [حسّنوا] لي أموري وغير ذلك، وقالوا: قم واستحم وقم وغسل إلى آخره، فقلت لواحد: سوف يرجعونني بعد قليل إليهم، فقال لي: وقعت -[فعندهم] خبرة ما شاء الله-، قلت له: نعم وقعت، قال لي: لن يرجعوك لا تخف، فأنا ارتحت يعني إذا كنت مثلًا لن أرجع يعني صار شيئًا أشد راحة لي، يعني أنني رجعت إلى هذا المعتقل فلا بأس يعني إلى الزنزانة هي نصف مصيبة، فاستمر هذا الحال في يوم الأربعاء والخميس والجمعة لم ينادوني أبدًا، ولم يقولوا لي شيئًا نهائيًّا، فأنا اعتقدت أنهم يعني انتهوا مني، فيوم السبت جاؤوا ونادوا على أسماء فنادوا على اسمي، فأنا توقعت أنه يعني الإفراج بما أنني أنا لم أتكلم وكذا وهؤلاء الجماعة اقتنعوا أنه هكذا، فلا أعرف هكذا أسألك مرة ثانية أنه هل من المناسب أن يروي الواحد بعض الأشياء التي رآها بأم عينه؟

 دعني أحكي لك قصة لم تحدث معي أنا تحديدًا، بل حصلت أمامي في داخل المعتقل، كنا قاعدين في يوم من الأيام، ففُتح الباب فجلبوا ولدًا عمره 14 أو 15 سنة فأمسكوا الولد هكذا وألقوه إلقاء بيننا، فأنت من شدة الضغط النفسي الموجود عليك والتعب الجسدي والضيق الجسدي الذي تعيشه، فالناس قاعدون فوق بعضهم، يعني دخل واحد، لكن يعني كلنا راعَنا أن هذا الولد صغير، فهذا الولد لماذا اختارني وجاء واقترب وقعد إلى جانبي يعني هناك سبب، فجاء وقعد إلى جانبي، والولد طبعًا منظره -وهو يلبس بنطال جينز- فالبنطال الجينز هنا عند ركبه ممزق وعليه دم يسيل، وهنا أكواعه كلها يسيل منها الدم وملابسه ممزقة، فقعد بجانبي ورغم كل ما هو عليه يعني هذا الولد هكذا لا أدري ماذا أمسك في يده وقعد يلوح لي بشيء ليجعلني أتنفس، طبعًا أنت تحتاج فقط أوكسجين هناك، فنظرت إليه وقلت له: ما اسمك؟ ولماذا جئت وقعدت بجانبي أنت؟ يعني ما السبب؟ يعني أسأله أنا محبة واستفسارًا،  قال لي: والله ذكرتني بأبي هكذا -يسر الله له- فأنت شكلك يشبه أبي، فجئت لأقعد بجانبك، فهو يحتاج [حنانًا] يعني هو طفل عمره 15 سنة يعني هذا ولد (صغير)، فأنا قعدت وصرت أحكي معه وكذا، فقلت له: حسنًا أنت يعني عفوًا لو سألتك: أنت لماذا هنا يا عمي، ما هي قصتك وقل لي: كيف جلبوك قال لي: أنا صف تاسع وقتها ومعي ابن خالتي -صدق أو لا تصدق- صف خامس، يا أخي صدق أو لا تصدقني يعني كنت أنا ومعي ابن خالتي في الصف الخامس، [قلت له:] كيف أحضروكم؟ [فقال:] كانت قد خرجت مظاهرة، وهم في وادي بردى يعني من عين الفيجة مثلًا أو لا أذكر من أي بلد تحديدًا، وهم بجانب الفرقة الرابعة، قال: الفرقة الرابعة فهم كانوا هاربين قرب الجبل فدخلوا خطأ ووصلوا إلى الفرقة الرابعة، فعرفوا أنهم من المتظاهرين، فما كان منهم إلا أن ربطوهم بسيارة، تخيل ربطوه بسيارة وسحبوه على الزفت، [لنفترض أن] هذا الولد -يا أخي- كذاب حسنًا، لكن يديه مجروحتان هكذا من هنا ويسيل الدم منهما، ورجليه من هنا وممزق [بنطال] الجينز، -فلم يكن بنطالًا عاديًّا-، فكان ممزقًا ويوجد قيح ودم ينزل منه، طبعًا هذا الولد لم يتركوه عندنا كثيرًا، تركوه يومًا وجاؤوا بعد ذلك وأخذوه، وإلى أين أخذوه؟ لا أعرف.

 هكذا كان حال المعتقلات والذي يسأل يقول لك: هل من المعقول أن يحصل هذا؟ وأن هذا [الولد] كان يغتصب ويعتدي على هذا الولد مؤكد يعني حتى أحضروه هكذا، يعني تخيل أنت، فمن العادي جدًّا عند هذا النظام المجرم أن يفعل يعني أي شيء، فعندما يأتي مثلًا ويبلل الأرض ويضع مثلًا الكهرباء في أماكن حساسة بجسم الشخص، فيعطيه نبضات كهرباء لا تميته لكنها تدعه مثلما يقولون: يعيش في عالم ثان يعني شيء مثلًا لا يُوصف أو الذي مثلًا يعلقونه من يديه بهذا الشكل ويُعلق بالسقف وتكون رجلاه ملامستين للأرض ويظل معلقًا، وكل ثقله وكل وزنه على هذه المنطقة، أو مثلًا يُقعدك قعدة أو يضعك في وضعية، وتخيل أنت إن قلت له مثلًا وأنا قلت له: إن ظهري يؤلمني، يعني من المفترض أنني أحكي مع ابن آدم يعني لم أعد أتحمل ألم ظهري وأنا معي ديسك، فقال لي: أعرف أنك عامل عملية "ديسك"، والله سوف أدعك تظل تتذكرني طول العمر من هذه القعدات، والله فعلًا بعد السجن بعام كامل أستيقظ من ألم قدمي في الليل ولا أحكي شيئًا أمام أحد، يعني ربما يعني هي مظاهر التعذيب كنت قلما أتكلم بها أمام أحد، وأنني أقوم ليلًا لأنني أتألم من رجليّ وظل هذا الكلام معي أكثر من سنة بعد أن خرجت.

 فطبعًا أنت أساليب التعذيب مثلما قلت لك يعني معروفة ومشهورة جدًّا عند هذا النظام، وربما أذكر بعض المشاهدات التي رأيتها يعني بين الفينة والأخرى، وظل الأمر على هذا الحال هكذا إلى يوم السبت، ويوم السبت جاؤوا فأنا اعتقدت أنهم يعني يريدون أن يخرجونا أو شيئًا كهذا، فيوم السبت أخذونا وأخرجوا حسب الأسماء: فلان فلان وخرجنا إلى الخارج وكذا وحلقوا لنا وإلى آخره، فالذين معي أخرجوهم، وأنا لم أعرف أنهم أخرجوهم -الذين اعتقلوهم معي أخرجوهم-، ونحن عادوا وكبلونا مرة ثانية وأخرجونا في باص، فأنا يعني من الخوف عندما وجدت عنصرًا واقفًا عند الباب، قلت له: نحن إلى أين ذاهبون؟ فقال لي: إلى القمر الصناعي -هكذا أذكر- فجعلونا نركب وخرجنا وسرنا داخل دمشق، طبعًا الستائر مغلقة وكذا، وأنت يعني لا ترى بشكل واضح، لكنك ترى الخارج وقولًا واحدًا الناس في الخارج -يعني من طبيعة الستائر على الباص وكذا- لم تكن تعرف ماذا يوجد في داخل الباص، فالباص يسير بشكل عادي بين المواصلات، لكن لا أحد يعرف ماذا يوجد داخل هذا الباص، فالناس مكبلة وملقاة في داخله، ونحن نرى الذين في الداخل ونرى الذين في الخارج، لكن الذين في الخارج لا أحد سيرانا، بسبب التفييم (الزجاج العاتم) وأنه يوجد ستائر فمثلًا يمكنك أن تحرك الستارة قليلًا فترى، وأنت تنظر أمام السائق فترى مثلًا شيئًا، لكن الذي في الخارج لا يراك، وممكن أن يرى السائق أو كذا، لكن لا يرى المعتقلين الملقين داخل الباص.

 ظلوا يأخذوننا هكذا، طبعًا أنا أعرف دمشق بشكل جيد فعرفت يعني المنطقة وأين يمشي الباص وكذا، فوصلنا إلى كفر سوسة وأخذونا إلى إدارة أمن الدولة في كفر سوسة، وهناك فرع اسمه 285، وعلى ما أعتقد كان مستلمه حافظ مخلوف الذي هو أخو رامي أو يعني من أقرباء بشار الأسد، نعم فأدخلونا إلى هذا الفرع إلى محل بعيد جدًّا وكذا، وهنا يعني اكتشفنا أن كل الضباع التي كانت موجودة وكل الخنزرة (الاتصاف بصفات الخنزير) وكل اللؤم والحقد واللا إنسانية وكل الإجرام الذي شاهدناه في الخطيب يعني يُعتبر يعني مريديان (ترفيهًا) أمام ما نحن قادمون إليه! والله وقتها أدخلونا فقالوا: مَن به مرض؟ فأنا يعني ادعيت أنني مريض أو هكذا وفعلًا فحصوا لي ضغطي يعني هم عندهم غباء شديد، يعني الآن أن ضغطي 18 تقريبًا، ومن الطبيعي أنك أنت هنا يكون ضغطك 18، وأنا أريد أي شيء مثلًا من أجل أنه في المستقبل يعني يريحني من أي شيء، طبعًا هذا الكلام ليست له أية فائدة، فأخذونا وعندما أدخلونا إلى المعتقل وأدخلونا إلى الزنزانة صرنا نتمنى زنزانة الخطيب!(الفرع الداخلي في أمن الدولة 251) فالزنزانة تقريبًا 5 م بـ 5 م، وعندما يعدون الأسماء 100 اسم! يعني تخيل أنت لما تعرف الزنزانة كم كانت يعني متسعة لبشر، لو قُدر أن تصور الزنزانة والله يعني ستنتج صورة لن يصدقها إنسان في العالم، حتى لو صُورت.

 الآن كيف كانت لا أذكر يعني مثلًا هي في داخلها هناك حمامان لكن بتوقع أنها 5 أمتار بـ5 هكذا تبدو 5 بـ 5، أو 4 ونصف بـ5، وفي الخارج مثلًا إلى جانبهم ملتصق فيهم مرحاضان، فواحد يستخدمه الـ100 شخص الموجودين كلهم الـ100 شربًا وقضاء حاجة وواحد ينام فيه 4 أو 5 قد أتوا إما [بتهمة] المخدرات أو [في قضية] سرقة أو شيئًا كهذا، يعني ليسوا ثوارًا، وهم يعرفونهم ويضعونهم في ذلك القسم ويجعلونهم ينامون في المرحاض، وأنت هل تتخيل أن النوم في هذا المرحاض هو مكافأة لـ 6 أشخاص، وأنا أريد أن أقول لك أنه كيف كانت تنام الناس، لا يوجد نوم طبعًا أنت ممنوع من النوم، لتعرف كيف كان هذا المكان يتسع ل 101 شخص -في التفقد كنا 101-، فعندما صار وقت النوم يأتي عريف السجن ومعه مساعدوه، فيبدأ الناس أول واحد وجهه إلى الحائط وينام على جنبه على سيفه هكذا ووجهه إلى الحائط، وتأتي أنت وراءه [وآخر] وراءك [وكذا] وراء وراء.. وكلهم وجوههم إلى الأمام والذي خلفه يصبح وجهه في ظهر الذي أمامه.. ، على السيف طبعاً [والكل ينامون على جانبهم] طبعًا لا يوجد تحت رأسك شيء، وماذا سيكون هناك تحت رأسك؟ حتى بطانية لا يوجد تحتك لا يوجد شيء، وعلى البلاط أنت نائم فقط هكذا يعني بحيث إنك تتخيل أن رقبتك معلقة ويجب أن تنام بهذا الشكل، حسنًا يا سلام وليت الأمر ينقضي هنا، فبعد أن يصيروا 6 أو 7 أو 10 لا أذكر كم العدد، فيأتي 1 من الموجودين ويكون قويًّا فيضع رجله ويصير يدفعهم ويضغطهم على بعضهم، والآن أنت ممكن مثلًا أن تقول مثلًا: إنني أحكي بشكل جدي! يعني لا يخطر في بالك أنني أحكي عن شيء حقيقي، فأنا لم أكن مصدقًا أنه كان يصير هذا، فيضغطهم برجله، يعني بحيث إنهم صاروا أبدًا يعني ملتصقين تمامًا، يعني كيف أنت عندما السوريون يكبسون المكدوس (طعام شعبي) وبعد ذلك يصفونهم من الماء وتصير سيدة البيت تأخذ واحدة تلو الأخرى فهكذا كان السجناء ملتصقين فوق بعضهم ويرجع ويصف مثلًا 10 ويعود ليكبسهم بحيث إنه يكسب مثلًا يعني 10 سم ليُنزل فيها شخصًا، والله بعد أن يكبسهم بهذا الشكل يظل 30 واحدًا واقفين فوقهم -داعسين عليهم- أتصدق؟!! طبعًا لماذا أنا كنت أعرف، لم أكن أقدر أن أنزل معهم، يعني مرة من المرات طبعًا الناس تتسابق [لينزلوا ويناموا]، لكن أنا لا أقدر أن أنزل يعني أنا عندما يدفع شخصًا إلى جانبي يضيق نفسي فأقف وأقول له: لا أريد، فأنا من الأصل أرفض أنني أنزل هذه النزلة فأظل مع الواقفين، فيجب أن تبقى أنت طوال الليل واقفًا، وفي النهار ممنوع أن تنام وطوال الليل واقف! وهنا أنت لا يوجد أحد يعذبك، أنت هنا فقط في المبيت فيعني قوله تعالى: "يخلد فيه مهانًا" يعني أنه قاعد فيها وهو مهان، يعني شيء [لا يوصف]، وإذا أردت أن تدخل إلى المرحاض، تحتاج بالتحديد من الوقت الذي أنت تفكر أن تدخل، تحتاج ساعتين لتصل إلى المرحاض، فـ 100 شخص يستخدمون مرحاضًا واحدًا، 100 شخص!! وهذا المرحاض ليس فقط ليقضوا حاجتهم فيه، بل ليشربوا منه يعني سواء أردت أن تشرب أو تقضي حاجة لا يوجد سوى هذا الصنبور وهذا المرحاض فقط، هذا هو فقط الموجود.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/02/10

الموضوع الرئیس

أساليب التعذيب في معتقلات الأسد

كود الشهادة

SMI/OH/113-11/

أجرى المقابلة

إبراهيم الفوال

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2011

updatedAt

2024/09/25

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-كفرسوسةمحافظة دمشق-الخطيب

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

الفرقة الرابعة دبابات (مدرعات) - نظام

الفرقة الرابعة دبابات (مدرعات) - نظام

فرع التحقيق في أمن الدولة 285

فرع التحقيق في أمن الدولة 285

الفرع الداخلي في أمن الدولة 251 - الخطيب

الفرع الداخلي في أمن الدولة 251 - الخطيب

الشهادات المرتبطة