ظروف الإقامة في المعتقل وتحقيق ما قبل الإفراج
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:27:36:04
طبعًا نحن حكينا أننا دخلنا إلى هذا المعتقل، وأنا بدأت أصف هذا المعتقل كيف هو، والذي هو عبارة عن شيء ليس طبيعيًّا؛ أن يكون موجودًا 100 شخص في مساحة كهذه، ولهم مرحاض واحد وهذا المرحاض ليس فقط لقضاء الحاجة، وإنما أيضًا هذا المرحاض للشرب يعني أنت إذا فكرت أن تشرب ماء أو تريد أن تقضي حاجتك تحتاج وقتًا، وإضافة إلى ذلك أنه عند الساعة 12:00 ليلًا كانت تُقطع المياه -ويوجد عندنا مثل يقوله أهل الأرياف: "الغنم الغابّة" يعني التي هي عطشة عطشًا شديدًا- فيصير الناس في حالة عطش شديد، فالناس فوق بعضها فقط تريد أن تشرب، والماء كانوا يعبئونه هكذا في أوعية ويوزعونها على الناس، وكل واحد يشرب منها ويعطي الذي بعده، وعند الساعة الـ 12:00 لا يبق ماء إلى الساعة الـ 04:00 فالناس تموت من العطش ولا يبقى ماء أبدًا.
طبعًا الطعام يأتي في بيدونات (أوعية) كبيرة عبارة عن مثلًا مرقًا أصفر ولا تعرف ما هو، فقط مرق أصفر هكذا لا يوجد فيه أي شيء، أو مرق مثلًا أحمر وكذا، وكل واحد أظافره طويلة جدًّا، فلا توجد قصاصة (أداة لقص) الأظافر، ولا توجد مواد تنظيف، ولا يوجد أي شيء لتغسل يديك أو تليف (تنظف) كذا، [فيعطونك] خبزًا ويعطونك قصعة يضعون فيها مرقًا أصفر، فيجب أن يصير تبلل (الخبز بالمرق) وتأكل أو أي شيء، أو يدخلون مثلًا مربى يعني أنت تعرفه أنه مربى لأن فيه طعمًا حلوًا وليس حامضًا، يعني فقط هكذا، ولا تستطيع أن تعرف ما هو، يعني أكل لا يمكن أن يقدم لأغنام وليس لبشر مثلًا ليوضع للناس الموجودين.
حالة مثلما أقول لك يعني حالة أنت تتمنى فيها أن اليوم ينتهي أو أن الحياة تنتهي أو أي شيء ينتهي، يعني الوضع الذي أنت موجود به وضع عذاب، يعني هم قد وضعوك في محل لتُعذب، يعني لست في محل وأنت منزعج من شيء، أنت قد وضعوك في مكان الناس فيه فوق بعضهم، وكيف فوق بعضهم؟ يعني بعد أن ينام الناس يظل 30 شخصًا فوقهم -30 شخصًا يظلون موجودين فوقهم- حسنًا هؤلاء الـ 30 أين يدعسون؟ يعني أنت عادي جدًّا أن يكون إنسان نائم وهذا داعس عليه ويغفى! [وهذا أمر] عادي! وأنت في النهار ممنوع أن تنام يعني في النهار يصير هناك القليل من عدم الاتزان عندما يصير هناك تبديل وذهاب وإياب، لكن لا يصير هناك فراغ، حسنًا وفوق هذا كله مثلًا يأتي عسكري لا أدري ماذا صار لعقله، ويقول لكم مثلًا: اخلعوا ملابسكم وقفوا وراء بعضكم وارفعوا أيدكم، واقتربوا من الحائط، هل تصدق؟؟ وأنت في هذه المسألة أنت لست ذاهبًا إلى التحقيق أو إلى العقوبة يعني هذه ليست عقوبة، فأنت فقط هذه الساعات التي تقضيها في المهجع، هل تصدق أن هذه العقوبة أحيانًا تظل مثلًا من الـ 02:00 ظهرًا إلى الـ 12:00 ليلًا!! وأنت في هذه الحالة، وبعد ذلك يقول لك: أنزل يديك واذهب للنوم، يعني وفي هذه الساعات الـ 10 أنت لا تشرب ولا تدخل الحمام ولا تجرؤ أن تتحرك نهائيًّا، وإذا واحد تحرك يخرج المهجع كله وينهالون بالضرب، طبعًا عدا مثلًا عن الشتائم والسباب على الطالعة وعالنازلة [في كل وقت]، وهذا كله وأنت لم تكن تُعاقب فهذه إقامة وهذه شروط الإقامة فقط، أنك أنت تُعامل بهذا الشكل وبهذا الوضع الذي لم يكن مفجعًا [فحسب بل] وضع لا تعرف كيف تصفه، فأنت موجود بهذا الشكل فأنت تتمنى [أن يوجد] أي شيء ينهي النهار وينهي الحياة وينهي أي شيء!!
حسنًا وأيضًا هل تصدق أنه ضمن هذه الظروف أن تصير أمور غير طبيعية يعني مثلًا: الناس قاعدون، فيقوم واحد ويقول لك: أنت ألست من كان يخطب الجمعة وكذا؟ [فأهمس له:] اسكت، [هل هذا وقت السؤال] نعم كنت أخطب الجمعة، وأنت واقف وقد صار لك يومان أو 3 لم تكن نائمًا وتتطوطح [وتتقلب] [فيقول لي:] قل لنا أية كلمة لتفيد فيها الناس الموجودة، وكيف سأحكي! فقد يأتي العسكري ويرانا، وإذا رأى أحدًا يحكي فالكل سيُعاقبون؛ الـ 100 سيُعاقبون، -كلهم سيعاقبون الـ 100 يعني- طبعًا أنت تخرج وتأكل [ويُجلسونك في] دولاب (أسلوب تعذيب في السجون) والـ 100 يقفون ويظلون واقفين 10 ساعات هكذا وملتصقين ببعضهم وأيديهم إلى الأعلى.
وطبعًا أنت المركز يعني المنفذ [الوحيد] الذي يدخل منه الأكسجين الوحيد هو الباب؛ فالباب فيه شراقة، والشراقة هي عبارة عن مرآة الحلاقة هكذا مثلًا 15 سم بـ 10 سم [هذا هو حجمها]، وهذه التي يدخل منها الأكسجين، وإذا انزعج العسكري يغلقها عليك ويصير الناس في الداخل يكادون يختنقون، يعني يصير معهم اختلال، يعني أنا أحيانًا يقولون لك: إن فلانًا دخل إلى المعتقل يا أخي وخرج ميتًا، وكيف خرج ميتًا؟ وهذا السؤال غلط مليون %، فيجب أن تسأله عكس [ذلك]؛ فلان دخل إلى المعتقل كيف خرج حيًّا؟! يعني هكذا السؤال يجب أن يصير: كيف خرج حيًّا؟ والله هكذا يجب أن يصير، وليس كيف خرج ميتًا؟ بل كيف خرج حيًّا؟ فمستحيل هذا يخرج -لولا قدرة رب العالمين- أن يخرج أحد من هذه الظروف حيًّا.
فأنت من الأشياء الجميلة [التي قد تحدث لك]؛ يعني مثلما أقول لك هناك أشياء يعني تخيل أن شيئًا كهذا يصير في هذه الظروف التي هي يعني كالموت أن واحدًا يقول لك: احك لنا شيئًا ما. لكن أنا ماذا سأحكي؟! وماذا لو دخل العسكري؟ [فيقول لي:] أعطنا أي درس. فأنت تقعد تتحدث مع 100 شخص وأنت تحكي همسًا وهم يسمعونك وهم مسرورون، وشخص قاعد ويجعل أذنه على الشراقة من أجل إن جاء العسكري يؤشر لك في يده لتسكت، ويأتي العسكري فيجدنا ساكتين فيكيف علينا [فيُسر منا] ولا يعاقبنا، وأنت تعطيهم درسًا وتحكي لهم وتستفيض في الشرح وتعطي درسًا كاملًا، حسنًا انتهينا من الدرس، وأنا من عادتي أنني لا أحب أن أطيل الخطب أو الكلام فأتحدث ربع ساعة أو ثلث ساعة لا أكثر، [فيقولون لي]: احك لنا المزيد. وأنا لم يعد يخرج معي [الكلام] أو لا أريد أن أحكي، [فيقولون:] بلى سوف تحكي لنا المزيد، حسنًا بدل أن نحكي، دعنا نعمل مسابقة ثقافية، أتصدق هذا الكلام؟ وأنت في هذا الوضع الذين هم 100 شخص لا يستطيعون التنفس ولا يجدون أكسجين (هواء) ولا أكلًا! [وبالنسبة] للأكل فلا يوجد شيء اسمه أكل، وكل واحد أظافره طويلة جدًّا وشعره ومنظره وتظن أن هؤلاء [يعيشون] حياة الأدغال وأمر مخيف يعني مرعب، كحال هؤلاء الذين كنت تراهم في برامج الأطفال وواحد منهم يكونون قد نسوه، يعني شعره طويل وأظافره، ومنظره عجيب هكذا الناس فالزفر والوخم(انعدام النظافة) وكذا، وهذا إذا حُصر يحتاج ساعتين ليذهب إلى المرحاض، ويقعد ليعمل مسابقة ثقافية! فلان مثلًا: مهندس زراعي يطرح سؤالًا ويجيب عنه فلان، وفي جو يعني كأنك قاعد في مركز ثقافي، [والناس هناك] من أجمل ما يكون، فلا ترى أحدًا منهم سيئًا، و95% منهم محترمون وأكابر (شرفاء) وشيء على كيف كيفك [وناس يعجبونك كثيرًا] يعني تاجر المخدرات أو السارق أو كذا يكون قاعدًا في الحمام الثاني فهو مميز لأنه ليس له علاقة بالثورة فجرمه خفيف، فيجعلونه ينام في الحمام، ويقعد في راحة، تخيل أن 6 أشخاص نائمون في الحمام معنى ذلك أنهم مرتاحون! تخيل يعني لأي درجة! مثلًا: الحمام عرضه متر أو متر وربع مثلًا تقريبًا وطوله حوالي المترين وأن هؤلاء الأشخاص يعني مميزون ويستطيعون أن يناموا ويستيقظوا كما يريدون، مثلًا: ينام 3 ويقوم 3 يقفون وكذا، تخيل كم يعني مثلًا معنى ذلك [مدى صعوبة تلك] الظروف! ومسابقة ثقافية وكذا وحكي، فيأتي مثلًا: وينزع عليك مزاجك [يعكر لك صفوك] بعقوبة ما أو أمر ما، لكن أنت عندما تحكي...، طبعًا أنا توخيت أن أتحدث عن الصبر ومعظم هذه الحالات وعن الرضا وبدأت بقص بسورة الكهف هكذا ألهمني ربنا سبحانه وتعالى أن أبدأ بسورة الكهف وأشرحها وأشرح القصص الموجودة في سورة الكهف، وقصة سيدنا موسى عليه السلام معروفة مع الخضر، وأن كل شيء من الله عز وجل حتى لو كان ظاهره شرًا، فممكن أن تكون فيه حكمة، وهي كان لها دور كبير جدًّا في التخفيف عن النفوس، وقصة صاحب الجنتين وقصة ذي القرنين، ومعروفة القصص الموجودة في سورة الكهف، فكل نهار أعطيهم حوالي ثلث ساعة وبظروف اعتقال لا يعلم بها إلا الله عز وجل، وبعد مثلًا هذا الموضوع تخيل وأنا لا أصدق أن هذا الكلام كان يصير في السجن، لكن أحيانًا ربما يصير هكذا القليل من الذكر لرب العالمين، طبعًا الناس كلهم يصلون داخل السجن، يعني فعلًا تستغرب، يعني الكل محافظون على صلاتهم، ويمكن أن تقول: لأنهم مسجونون. لا، فهؤلاء الناس من الواضح أنهم متدينون، مثلًا: أن تصير[ويطلبوا] مسابقة ثقافية!
كان معنا طبيب أنا أذكره والشاب محترم جدًا وله شأن وهو اتجاهه يعني لا ديني نوعًا ما، ولا أقول: إنه لا سمح الله ملحد أو شيء [كهذا] لا، لكن [هذا الشاب] لم يكن متدينًا، وحتى إنه لا يصلي، فيقعد يحضر الدرس [ويستمع] بشغف ويسمع، وعندما يسألني [أحد] مثلًا: ما هو الدعاء الفلاني الذي قلته أنت أثناء الدرس فيقوله له هو مباشرة، فاكتشفت بعد ذلك أنه لا يصلي، وكان من أصدقائي المقربين جدًّا كثيرًا، وتصير أحاديث كثيرة بيني وبينه، طبعًا هذا الكلام كله تخيل أنه كان يصير في هذه الظروف التي أنت قاعد فيها، وأنه عندما ينام الأشخاص 70 واحدًا، يوجد 30 يدعسون عليهم يعني هذه أنا الآن أرويها ولو لم أرها بعيني لانتابني الشك أن كلامًا كهذا كيف كان يصير؟ نعم كان يصير.
وأنا بقيت أسبوعًا كاملًا لم أنم، حتى إنني مرضت فترة طويلة بعد أن خرجت من السجن بسبب قلة النوم، وأنك أنت منهك ولم تبق عندك قوة، ومع ذلك في هذه الظروف أنت تصير كل هذه الأشياء تخيل يعني أن تصير كل هذه الأمور؛ يصير هناك درس وتصير هناك مواساة وكذا، طبعًا لا يخلو من وجود يعني 3 أو 4 متعبين، أو إنسان آت بالخطأ وليس له علاقة بالثورة، أو ناس مجرمون أو ما شابه ذلك، ونحن قعدنا في المعتقل فترة لم أعد أذكر أشياء ثانية لها علاقة بالمعتقل، فالعقوبات مستمرة بشكل دائم والذل والإهانة وكل هذه الأشياء موجودة.
وحكيت هذه الأشياء لأنه يبدو أن رب العالمين [كان] يبعثها لنا حتى لا نختل، طبعًا هناك ناس كثيرون يموتون، يعني يموت نتيجة الضغط النفسي الذي يصير عليه، يعني كيف ولماذا أنا مثلًا أعرف أنه ضغط نفسي؟ يعني هذه [قد شاهدناها] مشاهدة يعني يفصل -ونحن نقول [كلمة] يفصل عن الشخص الذي لم يعد قادرًا أن يتحكم بتصرفاته ولم يعد يعرف ماذا يحكي- يعني كأنه يهستر؛ تصيبه حالة من الجنون ويصير يحكي كلامًا ليس مفهومًا، ويصير يحكي أمورًا [ نتيجة] التعب ومن قلة النوم ومن الضغط النفسي لا تعرف، ويكون قاعدًا وتارة يبكي وتارة يضحك، ويصير يحكي كلامًا يعني هو لا يمكن أن يحكيه إنسان عاقل، وبعد ذلك يموت يعني بعد عدة أيام يموت!! وإن مات أنت لا تجرؤ أن تقول له: إن فلانًا مات، فيحملونه ويلقونه على جانب [المهجع]، أنت تخيل من شدة الشقاء والتعب الذي يوجد فيه الناس، أنه ربما وجود هذا الميت يجعل بعض الناس وليس بعض الناس، بل كل الناس يستغلون وجوده أنه ميت بجانبهم ومن شدة التعب ينامون عليه! لأن هذا وسادة يعني ينام عليه حتى لا يأخذه!
فتصور نفسك أنت في هذه الحالة؛ أنك أنت نائم على شخص ميت ولا يحركك يعني ضميرك أو قلبك أو شيء، لا، أنت أصلًا لا تشعر بشيء! فهناك شخص ميت وأنت لا تشعر أنه ميت! حسنًا أنا نعست فغفوت فقلبت عليه هكذا، واستيقظت فوجدت نفسي نائمًا على شخص ميت، فأقوم حزينًا ومقهورًا وكذا، لكن يوجد نوع من الرضا في نفسي أنني نلت قسطًا يعادل نصف ساعة من النوم بعد 3 أو 4 أيام من عدم النوم، ولماذا الشخص يفصل [يهذي]؟ من قلة النوم ومن التعب ومن الإهانة ومن الظروف النفسية التي يعيشها، ومن الضغط النفسي أو يموت [أحد] ولا تجرؤ أن تقول لهم: إن فلانًا ميت، وبعد ذلك عندما يجيئون يخبرهم عريف المهجع أنه يوجد واحد قد مات، وبعد أن يقول لك: لعنه الله، ولا رده الله، ولعن الله أباه وتضرب أنت وهو (يشتمك مع الميت) وكذا وإن شاء الله كلكم تلحقون به، واسحبوه إلى الخارج، فيسحبه اثنان ويلقيانه في الخارج، ويبقى في الخارج يومًا أو يومين ملقًى! وهذا أمر عادي ولا توجد أية مشكلة، وإذا لم تخرج رائحة أو شيء ما، فليست عندهم أية مشكلة، وبعدها يأخذونه وانتهى الأمر، وهنا مثلًا: يوجد رقم 105 و102 و97 مات وانتهى الأمر، وهذه الحالة يعني صارت في أمن الدولة، لكن الذي نسمع عنه أنها كانت تصير كثيرًا في المخابرات الجوية وفي الأمن العسكري، أما أنا فمسؤول عن أن أحكي عما رأيته في أمن الدولة، وقد يكون أمن الدولة رغم كل هذا القهر الذي أحكي لك إياه قد يكون أخف (أقل شدة ) من محلات(أماكن) ثانية!
وأنا لم أمكث طويلًا بالمناسبة يعني 15 يومًا يعني فقط كل هذه الأحداث التي أحكيها لك، تخيل أنني أنا [بقيت فقط] 15 يومًا، طبعًا لو بقيت يومًا آخر لكنت قد متّ قولًا واحدًا يعني، أنا لم تعد عندي طاقة جسدية فأنا لم أكن أنام ولم أكن آكل، ولا أقدر أن أمد يدي إلى الأكل يعني حتى بعد أن خرجت من السجن بقيت يعني حوالي 40 يومًا يعني عفوًا [سامحوني لأنني سأذكر هذه] القصة لكنني لم أكن أعرف كيف الإنسان يمارس الأمر الطبيعي بالخروج إلى الحمام فلا أقدر ولا أعرفها ولم تعد تُضبط معي نفسيًّا يعني نفسيًّا وعلى ما يبدو هناك شيء نفسي يكون مرتبطًا بك، فأنا بدون أكل كل هذه الفترة، فلم تعد تُضبط معي هذه القصة حتى صرت يعني تعالجت وكذا من الموضوع وبقيت فترة حتى رجع الأمر طبيعيًّا، فلا أعرف كيفيته، أو ليس معناه أنني لا أعرفه يعني شيء وكأنه قد سُحب منك، فأنت موجود في ظروف وأقول لك: السؤال دائمًا الذي يجب أن يُسأل: كيف يخرج الإنسان حيًّا من المعتقل، هكذا يجب أن يكون سؤالنا الذي نركز عليه؛ كيف يخرج الإنسان حيًّا من المعتقل؟؟
وهذا الذي نراه في قيصر وهذه الصور التي نراها، هذا شيء الناس قد عاشوه، وهذا أمر طبيعي أن ترى ناسًا بهذا الشكل، وأقول لك: هناك من يهستر (يصبح معه هياج شديد) ويزول العقل ويُجن، وبعد ذلك يموت من الضغط النفسي والجسدي ومن قلة النوم ومن التعب.
طبعًا أنا خلال هذه الفترة استُدعيت بعد... لا أذكر أي يوم مثلًا: الاثنين ونحن جئنا السبت، فالاثنين نادوني إلى التحقيق، دعني أتذكر فقط شيئًا أن التحقيق [هل كان] مرتين كان يعني مرة من المرات أدخلوني إلى لجنة وهذا أول تحقيق [وكان] يوم الاثنين فأدخلوني إلى لجنة، فدخلت إلى اللجنة وأنا مطمش(معصوب العينين) وكذا، وهذه اللجنة [كانت] بدون تعذيب، وكان واضحًا أنهم ضباط -الذين يحكون- وأخذوا وأعطوا [وتحدثوا إلي] معي بالحكي وكذا وهكذا إلى آخره، يعني سألوني أسئلة كثيرة وكذا وطبعًا لم يقترب أحد مني ولم يمد أحد يده علي، وهم ضباط فلم يكن هناك عناصر أو كذا ولا يوجد محققون، فقط ضابطان أو 3 سألوني كثيرًا وكذا حوالي نصف ساعة، وبعدها قالوا لي: اذهب يعني لم يسبني أو يشتمني، يعني دون لم يكونوا [ساقطين] مثل التحقيق الأول يعني هنا أيضًا أركز على نقطة أنني كأنني هذا الكلام أنا أعدته 4 مرات تحقيق نفسه؛ يعني أعيد نفس لكلام كأنه سُجل في مخي فأنا أتصوره وأخرجه، وبنيت رواية وصرت هذه الرواية أعيدها 4 صفحات وهم يكتبونها، دائمًا أعيد الرواية نفسها وأكتب الرواية نفسها وهم يكتبونها، نفس الرواية تمامًا عن كل الأسئلة، فهناك 5 ملفات أساسية موضوعة عني كذا وكذا فكل ملف بم أجيب عنه؟ أجيب نفس الشيء أنا مستمر والعقوبات [مستمرة] والتعذيب يعني الذي قلناه جزء منها وليس كل الذي كان يصير.
يوم الثلاثاء تحديدًا هذا أمر يعني أنا لا أعرف أنني أحسست أن الموضوع أشبه بالخيال في كثير من التفاصيل التي أرويها وكلما تذكرتها أحس وكأنني حلقت لعالم ثان.
يوم الثلاثاء صاحوا لي: تعال، فخرجت وأوقفوني على الجانب فطمشني (عصب لي عينيّ) مثل العادة وكبل يدي إلى الوراء وكذا، وساقني عسكري وكان واضحًا أنه يعني سيئًا كثيرًا، يعني مثل العادة لكن هناك من يكون منهم مشغول باله في شيء، فيعني لا يمارس عليك أصناف لؤمه على الطريق، فهذا كان متفضيًا [متفرغًا] لي يعني وكذا وعلى أساس [وتدعي أنك] لا ترى وكذا وارفع رجلك الإضراب وهو لا يقول لك: ارفع رجلك يعني يقولها لك مع أبشع العبارات يعني لا يسب أمك وأباك وكذا وهذا السباب يعني الذي هو معتاد، فيسبك بسباب يعني على أهلك وعلى دينك وعلى كل شيء يعني كانت بشعة جدًّا جدًّا لا يمكن أن تتخيل أن هناك إنسانًا يتلفظ بهذه الألفاظ.. وشيء طبيعي يعني من بداية دخولك يقولون لك: أنت العرعور (عدنان العرعور) وأنتم السلفية وأنتم وهذا من بداية دخولك يعني علمًا بأنني كشخص يعني طبعًا على العين والرأس كل الناس(مع احترامي لهم)، لكن أنا لم أتابع [العرعور ولا حتى] 5 دقائق العرعور فلم تكن عندي هواية يعني أنا اتجاهي لم يكن اتجاهًا لليمين أو لليسار أو كذا لكن أنا لا يجذبني هذا الصنف مثلًا من الناس، ولا أقول عنه: إنه جيد أو سيئ ولا أقيمه، لكن أنا لست من هذا النوع الذي يمشي بطريق كهذا مثلًا أو أحب هذه الخطابات، فأنت مباشرة يعني تلاحظ اللؤم الطائفي الموجود بشكل يعني ليس واضحًا [فحسب] يعني فاقع (واضح جدًّا) يعني هو الأساس وهو الذي يلون الجلسات كلها، فأنت حتى خلال هذه الجلسة مع هؤلاء الضباط يعني وأسئلتهم وكذا، كان ذلك ظاهرًا، فأنا أعرف يعني كاختصاص فأنا يعني أجيبهم على هواهم طبعًا هم دائمًا يريدون أنني أنا معهم ومع النظام ومع كذا ومع هذه الأشياء، وهكذا يجب أن تقول، فأنا أخذني هذا الشخص، يعني هذه القصة مثلما قلت لك: إلى الآن عندما أذكرها تدمع عيني وقت إللي بشكرها فأخذني هذا الشخص وساعدني على المشي هكذا إلى أن دخلنا وصرنا أمام مكتب، يعني عندما فتحوا [الباب] -والجو كان تشرين- لكن حابسة الدنيا (الجو خانق) هكذا فأحسست أن هذا المكتب الذي دخلت عليه مريح، دخلنا إلى الداخل، فسمعت صوتًا، لكن هذا الصوت مختلف عن الآخرين تمامًا، قال له: طبعًا أقدر يعني أنه لا توجد عندي خبرة [كبيرة] باللهجات قوية لكن هو في لهجته يخلط الحكي، يعني لا يحكي بلهجته الأساسية، لكن أقدر أنه هو مثلًا من الدير أو من درعا يعني لهجته لم أعرفها بالضبط ما هي، لأنه يحكي مثلًا يحكي قليلًا بالقاف ويحكي قليلًا مثل أهل دمشق مثلًا لكن اللكنة الأساسية تأتي، فاللكنة لم أعرفها بالتحديد ما هي، يعني فقال [للعسكري]: اخرج إلى الخارج، -وأنا واقف عند الباب- وأغلق الباب ورائي فأغلقه وقفل الباب وأنا بقيت في الداخل، فوقف إلى جانبي -هو واقف بجانبي- فأنا خفت يعني أنت تتوقع عندما تدخل إلى المحقق أنه فورًا سيبدأ [بضربك] بعنف شديد، يعني فأنا خفت، فقال لي هكذا حرفيًّا: شيخ وتخاف؟! هكذا لكن لهجته يعني فيها حنان كبير جدًّا تخيل يعني! قلت له: نعم، يعني والله الذي يرى ما رأيته سيخاف من الهواء، قال لي: حسنًا لا تهتم، عفوًا قبل أن يخرج العسكري قال له: فك له يديه (قيوده)، وهذه أول مرة تصير معي، فيداك وراء ظهرك أو كذا فقال له: فك له قيوده، وأنا قلت له: يعني لم أعد أحتمل أن يدي للوراء فاعتقدت أنه سيربطهما لي من الأمام، فقال له: اتركه واذهب وأنا أقيده أو شيئًا كهذا. يعني العسكري لم يصدق، طبعًا هو أقفل الباب وبقينا لوحدنا، فقال لي وأول مرة يصير هذا الكلام: ارفع عن وجهك. فرفعتها عن وجهي، وقال لي: اقعد، فاعتقدت أنه يريدني أن أقعد على الأرض، فقعدت على الأرض وأنا جاث، قال لي: اقعد على الكنبة، يعني هذا الكلام أول مرة يصير -يعني لا أعرف إذا كان غير مناسب وقت التصوير- لكن أنت في التحقيق دائمًا تقعد جاثيًا -قعدة الأسير- ويداك وراء رأسك هكذا كل فترة التحقيق 4 أو 5 ساعات هكذا تظل قاعدًا وظهرك منتصب هكذا وتقعد على ركبتيك وهذا تحقيق من غير عذاب يعني هكذا [يكون] التحقيق مع كل من يحقق معك.
قال لي: اقعد فقعدت، يعني النغم غير النغم ( حالة مختلفة عما مر عليه)، شيء مختلف تمامًا! يعني الآن هو قاعد وبعيد عني حوالي 3 م في مكتب فخم يعني قاعد وحوالي 3 أمتار بعيد عني فقال لي: أتريد شيئًا قبل أن نبدأ؟ يعني إلى الآن أنا مذهول لأنه [سألني]: هل تريد شيئًا؟ قلت له: ماذا تقصد؟ قال لي: هل تريد شيئًا يعني تشرب أو كذا قلت له: نعم أنا عطش قال: حسنًا، فقام وملأ لي كأس ماء بارد وكأنه يعرف أنني أحب الماء البارد جدًّا، فسقاني كأس ماء من أطيب ما يكون يعني، فشربت كأس الماء [قال لي] وخذ منديلًا كذا وامسح -ولم يكن منظري منظر [شخص يستخدم] منديلًا، فأنا كنت كنت ألبس ملابس لكن كله أسود بأسود (متسخ) ومنديل ماذا؟! هيا سنبدأ وبدأ يسألني الأسئلة التي كانوا يسألونني إياها عادة، وهي مكتوبة أمامه وهو يصيغ صياغة ثانية، هذه كانت جلسة التحقيق الرابعة وهو يصيغ صياغة ثانية يعني أو ليست جلسة عفوًا هذه كانت رابع مرة أكتب فيها نفس التقرير أنا عن نفسي وأُسأل نفس الأسئلة وهو يكتب فأقول له: كذا وكذا فيقول لي: نعم صحيح، أنت لا تعرف أي أحد من المتظاهرين، صحيح أنت لا تعرف، وأنت كنت لا ترضى أن تخرج لكي [لا يؤذيك] المتظاهرون وكذا وكذا وأنت مع النظام وأنت لا أعرف ماذا وكذا ويكتب ويكتب الكلمات التي يقولها تمامًا وأنت في يوم من الأيام قلت: أنت... وأذكر في مرة من المرات ذكرت نهاد الغادري على أن هذا الشخص ليس لنا علاقة به مثلًا أو كذا، أو رفعت الأسد أنه والله رفعت الأسد يدعي أنه معارض قال لي: لا، أنت لم تذكر رفعت الأسد هكذا بالحرف، قال لي: أنت لم تذكر رفعت الأسد لا، متى ذكرته وكتبها، فالأشياء التي أنا ذكرتها كان قد كتبها في تقريري وكنت أظن أنها لا تضرني فمحاها هو طبعًا وأنا أساسًا لست ذاكرًا اسم أحد من المتظاهرين نهائيًّا، وهو نقح الشهادة 100% وبكل هدوء ولطف فقعدت عنده نصف أو ثلاث أرباع الساعة -لا أذكر بالضبط- وبكل أريحية وفي جو من أحلى ما يكون وكنت قاعدًا قعدة مريحة وأحكي مع شخص وهو يدون ويكتب.
بعد أن انتهى، قال: لماذا لا تنظر إلي؟ انظر إلي، فنظرت إليه وقال: ماذا ترى أمامك؟ يعني أتصدق هذا الكلام؟ وأن هذا حصل! هذا الرجل لا أعرف ماذا حصل له وهل استُشهد أم انشق لا أعلم ماذا حصل له، قلت له: وجه ابن حلال، -هكذا بالحرف- فقال لي: أدامك الله، حسنًا قل لي إذا شاء الله وأكرمك وخرجت، ماذا ستهديني؟ وماذا ستجلب لي؟ وماذا سآخذ منك؟ وماذا سأكسب منك؟ هكذا بالحرف قلت له: والله الذي تريده أنت، يعني كل شيء يصبح رخيصًا أمام أولاد الحلال مثلك، لكن أنا أعدك -وأنا لا أفهم عليه يعني- قلت له: أنا أعدك أنني إن شاء الله في اليوم الذي سأخرج به حتمًا لن أنام الليل، فقبل أن أصلي الصبح سوف أصلي ركعتين وأدعو لك، فقال لي: يا سلام لا يوجد أجمل من هذا. لكن أنا لا أريدك أن تدعو لي لوحدي، بل أن تدعو لأمي ولأبي، هل تصدق هذا الكلام؟! يعني أنا كلما أحكي وكلما أتذكر هذه القصة يعني أقول هذا، يعني كيف جاء في تلك اللحظة زمن هذا؟ وأنت مُقفل [عليك] الباب عليك وواحد يعني أنه يوجد شيء غريب يعني تمامًا يعني أنت من غير الممكن أن يحصل هذا، يعني أنت فقط خفف عني قليلًا لكي أصدق! يعني خفف قليلًا هذه الأشياء التي تقولها لي وادع لي وغير ذلك، فقال لي: اليوم الثلاثاء واللواء في بيروت ولا أدري أين لا أذكر، فهو قال لي عبارة كهذه قال لي: غدًا إن شاء الله سيأتي، وأنا اليوم أرفع الملف على مكتبه يعني هو مثل مسودة أو اقتراح أو شيء ما، يعني هو على ما يبدو أن هذا أنا آخر الأمر أنا أريد... يعني آخر شيء عنده، فهو سوف يكتب التقرير وسيكتب اقتراحه وماذا وجد، فاللواء حتمًا لن يقرأ كل [التقارير عن] هؤلاء المعتقلين والله 4 صفحات، وهذا مَن؟ وذاك مَن؟ فهو سيقرأ هذه الحاشية التي توضع آخر الأمر، قال لي: واللواء سوف يوقع على إخلاء سبيلك من غير أن تُحال إلى محكمة حسنًا؟ قلت له: حسنًا! قال لي: أنت إن شاء الله تعالى إما غدًا الأربعاء مساء يخرجونك أو تخرج يوم الخميس لكن لا تحك شيئًا نهائيًّا عما حصل، والآن أنا يعني شاعر بالذنب أنني أحكي لكنني لا أتوقع أن هذا الرجل سيكون مازال [موجودًا في عمله] فهو إما منشق قولًا واحدًا أو أنه استُشهد، فمن المستحيل أن يكون ما زال إلى الآن، يعني هذا الكلام صار له إلى الآن يعني تقريبًا 9 سنين ونيف، وبعد أشهر يصير له 10 سنين، قال لي: لا تحك نهائيًّا وتروح إلى المهجع وكأنهم حققوا معك وسألك أحد، وانتظر فرج رب العالمين، وأنا لا أقتنع بهذا الكلام وماذا يصير؟! قلت له: حسنًا، قال لي: هل تريد شيئًا قبل أن تروح؟ قلت لهم: سلم الله يديك، يعني لكنهم يعاقبوننا كثيرًا يعني قال لي: إذا جاء المساعد ليعاقبكم قل له: أنا المحقق قال لي: أنه لا أحد يقترب مني ولا تعاقبوني وأنا مُعفى من العقوبة، طبعًا قلت لهم هذا الكلام ولم يستجيبوا له يعني قالوا: أنت والمحقق (شتموني وشتموا المحقق) وقل له: أنا مريض وكذا لاحقًا يعني قال: هل تريد شيئًا غيره؟ قلت له: والله أنا في اليوم الذي دخلت به إلى السجن كنت أحجز موعدًا لابنتي لتُجرى لها عملية، وليس عندهم خبر في البيت عن موعد العملية، فإذا أعطيتك رقم هاتف فقط دع أحدًا يخبرهم قال لي: لا احذر هكذا تكون قد قضيت علي وعليك، يعني هذا الأمر من غير الممكن أن يصير أبدًا ولا يعني ذلك أنه لا خير فيّ، لكن أنا لا أقدر أن أقوم بهذا الموضوع وهذا الموضوع سيقضي علي، فكل شيء دار [بيننا هو سري] يعني أشعر بالذنب لأنني أحكي لكن لا أعرف... مستحيل أن يكون لكنني أحكي هذا بأريحية، لأن هذا الإنسان من المستحيل أن يكون مازال موجودًا إلى الآن يعني.
[قال لي:] كل شيء دار في هذه الغرفة [يبقى بيننا] فوقفت أنا، فقال لي: البس، فلبست الطماشة على أذني وعلى رأسي وكُبلت ورجع هو لمحله وكأنه لم يحدث شيء، وكان قد فتح الباب، فرن للعسكري فجاء العسكري وأخذني، لكن العسكري أحس أن هناك شيئًا ليس طبيعيًّا لأنني عندما خرجت قال لي: تدعي أنك لا ترى!! لأنني كيف يعني خرجت من عنده مرتاحًا هذه الراحة! فأخذني وأنا رجعت يعني مسرورًا وفرحًا ومبسوط يعني كثيرًا لأن الفرج قد اقترب.
طبعًا كانت أيامًا قاسية كثيرًا كثيرًا التي جاءت بعد هذا التحقيق، يعني صارت العقوبات شديدة جدًّا جدًّا جدًّا وما عاد أحد مثل يعني ما مثل تقول وتضاعفت [العقوبات] علينا في داخل السجن، وصار أمرًا يعني لا يُطاق يعني لدرجة أنه صار هناك ضغط نفسي وجسدي [كبير] علينا.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/02/10
الموضوع الرئیس
أساليب التعذيب في معتقلات الأسدالاعتقال في أمن الدولةكود الشهادة
SMI/OH/113-12/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2011
updatedAt
2024/09/25
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-كفرسوسةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
إدارة المخابرات الجوية
فرع التحقيق في أمن الدولة 285