الاستقبال مرتين في صيدنايا: الإيداع في الزنزانة والتعذيب والإعدامات
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:56:16
وصلنا إلى سجن صيدنايا [العسكري]، وسياسته أن كل المعتقلين الجدد القادمين يتحولون إلى الزنزانات من أسبوعين إلى 5 أو 6 شهور، وبعد ذلك يُنقلون إلى المهاجع. والمقارنة في سجن صيدنايا مخيفة جدًا، فمقارنة سجن صيدنايا مع زنزانات صيدنايا أو مهاجع صيدنايا مع زنزانات صيدنايا، تشبه مقارنة سجن صيدنايا مع سجن في دول أوروبية، وكمن يقارن المهاجع مع سجن دولة أوربية، وهذا هو الفارق، ومهما كانت مهاجع صيدنايا مرعبة فإن الزنزانات مرعبة أضعافًا مضاعفة.
سجن صيدنايا تأسس عام 1986، ويُقال إنه تأسس بدعم من تشاوتشيسكو (نيكولاي تشاوتشيسكو – المحرر) رئيس رومانيا، والسجن موجود على مكان مرتفع، على تلة كاشفة من أربع جهات مفتوحة، ومكان السجن بارد جدًا، وبالإضافة إلى أن صيدنايا هي منطقة باردة وهذا الشيء معروف في سورية فإن مكان السجن أبرد من صيدنايا البلد، وهو على تلة مرتفعة ومكشوفة من أربع جهات، ويبدو أن هذا كان سبب اختيار مكان السجن.
في نهاية عام 2011 أخرج النظام كل الذين كانوا معتقلين والذين بقوا في سجن صيدنايا بعد استعصاء صيدنايا في عام 2008، كل القيادات الإسلامية والتيارات الإسلامية وغير الإسلامية والليبرالية الموجودة التي بقيت في السجن، أفرج عنها في نهاية عام 2011 أو في أيلول/ سبتمبر من عام 2011، وقرر تحويل السجن إلى سجن لمعاقبة الثورة، وقام بإفراغ السجن حتى من الأسرّة، وفي الأصل كان قد قام بتدعيم المهاجع بجدران معدنية؛ لأنه في استعصاء عام 2008 حطّم المعتقلون الجدران وفتحوا المهاجع على بعضها، فقام النظام بترميم هذه الجدران وجعلها فولاذية، وأيضًا سرية التأديب التي جاءت بعد الاستعصاء، والتي جاءت من سجن تدمر بقيادة طلعت محفوض الذي اغتيل في شهر أيار/ مايو من عام 2013 (اغتيل طلعت محفوض في 7 أيار/ مايو 2013 في كمين للجيش الحر – المحرر)، أحضر هذه السرية وعزّز صلاحياتها بعد الإفراج عن المعتقلين في نهاية عام 2011، وأعطاهم صلاحيات كاملة بتأديب معتقلي الثورة.
طبعًا الشرائح التي كانوا يحضرونها إلى صيدنايا نوعان هما: الفصائل أو المسلحون، والشريحة الثانية هم قادة الحراك وحتى قادة الحراك السلمي، وكان يُقال عنهم أحيانًا إنهم مثيرو الشغب، أي أن قادة الحراك وقادة التنسيقيات هؤلاء كلهم في وزن واحد بالنسبة للنظام مع المسلحين، بل هم أخطر، وهؤلاء كانوا دائمًا يُستهدفون بأحكام عالية تصل إلى الإعدام، وهؤلاء هم الذين أُحضروا إلى سجن صيدنايا، وماعدا ذلك هم مسلحون بسيطون أو متظاهرون كانت تستهدفهم محاكم الإرهاب أو المحاكم المدنية العادية، بينما كل قادة الحراك والتنسيقيات المعروفة وكل المسلحين وكل المنشقين أُحضروا إلى صيدنايا إلى القسم الأحمر بالذات. بعض الحالات كانت تنتقل إلى سجن صيدنايا الأبيض وهي حالات قليلة، وسجن صيدنايا الأبيض هو بناء مستطيل تقريبًا ملاصق أو بنفس الرقعة الجغرافية لسجن صيدنايا ويبعد عنه حوالي 50 إلى 100 متر، وهو على نفس التلة، وكان يُحبس فيه -وما يزال- العناصر العسكريون المرتكبون للمخالفات مثل السرقة والفرار، أي كل شيء ما عدا الانشقاق كانوا يُحبسون فيه، ويُستخدمون لأعمال السخرة في السجن الأحمر.
العملية التي كانت بين صيدنايا الأحمر وصيدنايا الأبيض كما نسميهما (...)، وسُمي صيدنايا الأحمر؛ لأن لون البناء أحمر أو أقرب إلى الحمرة، وصيدنايا الأبيض لأنه مدهون بطينة (بطلاء) بيضاء خشنة أو البخ الخشن الذي تُدهن به واجهات الأبنية ومنه الأحمر والأبيض. عمليًا المقاربة هي نفس مقاربة سجن تدمر: العسكري للسياسيين وسجن تدمر العسكري للمخالفات العسكرية، والسجنان كانا بجانب بعضهما في الثمانينات، وكان يُحبس في سجن تدمر السياسي كل المعتقلين السياسيين الإسلاميين وغير الإسلاميين، وسجن تدمر العسكري للمخالفات العسكرية كان ملاصقًا له وكان يُعتقل فيه الفرارية (الفارون من الجيش) و[متعاطو] المخدرات في الجيش والذين يرتكبون الشذوذ الجنسي، كل هؤلاء كانوا يُسجنون في سجن تدمر الثاني، وكانوا يُستخدمون أيضًا لأعمال السخرة -كانوا يسمونها في ذلك الوقت بلدية- للسجن الذي فيه السياسيين، وأيضًا كانوا يُستخدمون في عمليات القمع والتعذيب للمعتقلين السياسيين، ونفس تلك العملية كانت تحصل في سجن صيدنايا، لدينا سجنان: أحدهما للسياسيين، والآخر للمخالفات العسكرية، وهذا يخدم ذاك.
المخالفات العسكرية [مثلًا]: شخص عسكري انضم للجيش، ولكنه سرق أو تعاطى أو لديه تهمة بشذوذ جنسي، فكانوا يضعونه في السجن الأبيض ولا يضعونه في السجن الأحمر، ونفس هؤلاء الأشخاص يأخذونهم إلى السجن الأحمر حتى يقوموا بتوزيع الطعام ويشطفون، وأحيانًا يستخدمونهم لجمع الجثث، وأحيانًا يساعدونهم بتعذيب الناس، أي نفس فكرة [سجن] تدمر، وهي من عقلية واحدة في ذلك الوقت ولم تتغير، فسجن صيدنايا الأحمر استُخدم لمعاقبة الثورة وسجن تدمر الصحراوي استُخدم لمعاقبة تمرد الإخوان (جماعة الإخوان المسلمين – المحرر)، وأيضًا وبحجته معاقبة أي حراك سياسي مناهض للأسد في ذلك الوقت، أي أنها نفس الذهنية.
عندما جئنا [إلى سجن صيدنايا] وبعد أن دخلنا وبعد حفلة الاستقبال وبعد أن حشرونا [في الزنزانة]، دخل السجان ومرّ عبر الممر، وكانت هذه الدفعة 27 أو 28 شخصًا، وتوزعوا على 3 زنزانات في كل واحدة 9 أشخاص، وكانوا قادمين من الأمن العسكري وقادمين من [سجن] القابون، أي كانوا قد جمعوهم في سجن القابون من الأمن العسكري ومن الأمن السياسي ومن أمن الدولة، وكلهم كانوا معتقلي ثورة، وكلهم كانوا مظاهرات. مثلًا: جماعة اللاذقية كانوا مظاهرات، ولكنهم أصبحوا يجلبون الديناميت الذي يُستعمل في صيد السمك والذي يفجّرون به السمك ويستخدمونه في صدّ تقدم الجيش (جيش النظام) باتجاه الرمل، فأمسكوا بهم.
وكذلك يوجد شخص من سكان حلب، ولكنه من إدلب وتهمته أنه وضع كاميرا لرصد تفجير [ساحة] سعد الله الجابري، وهذا أيضًا أمسكوا به، وهو من شباب الثورة ومن شباب جامعة حلب، ولكنه مع بدء العمل المسلح عمل مع نواة أساسية أسست مع أحد الألوية "أحرار الشام" ("حركة أحرار الشام الإسلامية" – المحرر)، وإحدى المجموعات التي انضمت إلى "أحرار الشام" في حلب وهي مجموعة أساسية - نسيت اسمها - هو كان ضمنها، وهذا الكلام كان في وقت مبكر جدًا، واسمه الدكتور أشرف الخطيب، وهو من خيرة شباب البلد علمًا وثقافة وذكاء، وأنا لم أشاهد ولم تر عيني أحدًا بذكائه أبدًا، وهذا الكلام مهم جدًا.
ولا تزال قناعتي هذه بعد 9 سنوات من الثورة والحرب بأن المجتمع السوري الثائر في الأصل لم يكن مؤدلجًا ولم يتربّ تربية مؤدلجة، وعندما جاءت الأدلجة هو لم يتربّ عليها، وإنما أخذ قطوفًا منها بدافع الانتماء الطبيعي للبيئة المحافظة، وتبنى هذه الأفكار ولكنه لم يتربّ عليها، فحتى أبناء الفصائل هم في النهاية أبناء هذا المجتمع أكثر من أن يكونوا تربية هذه الفصائل.
وهذا الشخص كان بهذا الشكل، وقد تعلم عدة أمور، ولكنه ابن الثورة في النهاية، وكانوا قد أخبروه عن "القاعدة" (تنظيم القاعدة – المحرر) في العراق كم هي متقدمة تقنيًا وعسكريًا، وكان يحدّثنا، ولكنه في النهاية ابن الثورة. وهو من الأشخاص الذين قالوا لي (...)، وكان قد اعتُقل بعدي بقليل، وأنا اجتمعت معه في صيدنايا، ولكنه كان معتقلًا بعدي بشهرين، وأخبرني عن وجود شيء يدعمه شباب الخليج وهي مبادرة اسمها: "نصرة أهل الشام"، وعمليًا هي "جبهة النصرة" بعد ذلك، وأن هؤلاء الشباب قد تجمعوا من الخليج ومن العراق وجاؤوا حتى ينصروا أهل الشام، وحتى إنني لم آخذها بمعنى أن هؤلاء إرهابيون، بل أخذتها بمعنى ثانٍ: إنه تضامن مع ثورة الشام وثورة سورية، ولم أحملها على محمل أن هؤلاء إرهابيون أو أنهم يريدون تنظيم "قاعدة" أو غيره. وحتى بعد ذلك عندما قال لي: "هؤلاء لهم علاقة بالقاعدة"، أخذتها من منطلق المصلحة، فإذا كان هذا يخدم مصلحتنا في حربنا مع النظام (...)، وأنا لم أكن أتوقع أن تسوء الأمور إلى هذه الدرجة.
وهذا أحد الشباب مثلًا، وهذا الحديث في شهر أيلول/ سبتمبر 2012. طبعًا "جبهة النصرة" كانت قد قامت بعمليات، فنحن اعتقلنا في 2 آذار/ مارس 2012، والنصرة قامت بعمليات في صيف عام 2012 حتى في دمشق، ولكن أين نحن؟ نحن منذ 2 آذار/ مارس معتقلون، فمن أين لنا أن نعرف بالنصرة؟ وهو معتقل في صيف عام 2012.
هنا بدأت أيام صيدنايا (سجن صيدنايا العسكري – المحرر)، في هذه الأيام المعتقلون بشكل عام في صيدنايا كلهم إما أنهم كانوا قد عُرضوا على المحكمة الميدانية (المحكمة الميدانية العسكرية – المحرر) وأحضروهم بعدها لانتظار تنفيذ الحكم أو قضاء محكومية في سجن صيدنايا، أو أن المحكمة الميدانية لم يعد لديها وقت حتى تحاكمهم فوضعتهم إيداعًا في صيدنايا وعندما يصبح لديها الوقت تأخذهم من صيدنايا وتحاكمهم ثم تعيدهم إلى صيدنايا، هذان هما النوعان. النوع الأول: حيث عُرضت على المحكمة الميدانية وقاموا بسوقي بعد ذلك إلى صيدنايا، وفي المحكمة الميدانية لا يقول لك ما هو الحكم، والمحكمة الميدانية هي عبارة عن 3 أو 4 دقائق.
ذهبنا إلى صيدنايا وجلسنا هناك في الزنزانة، وفي الزنزانة كنا نحن أولاد الدعوة، وجاء شخصان آخران: أحدهما من اللاذقية والآخر من إدلب [اسمه] أشرف، والشاب الثاني اسمه أبو جميل حسينو، أحمد حسينو أبو جميل، هذان كانا معنا أيضًا.
نحن عندما خرجنا من الأمن العسكري وقبل إخراجنا، كانوا يضربوننا وسمعناهم يقولون: "أنتم ذاهبون إلى الموت" (السجانون طبعًا)، وقبل ذلك الشخص [المسؤول عن] الأمانات قال: "أنتم سوف تخرجون"، كي يُهدئ من روعنا، نفس الفكرة حصلت مع الذين جاؤوا من أمن الدولة (فرع أمن الدولة – المحرر) باتجاه عدرا (سجن عدرا – المحرر)؛ أخذوهم إلى سجن عدرا وجعلوهم يمكثون فترة ثم أخذوهم إلى صيدنايا، وأيضًا في الباص كان عناصر الأمن يضربونهم، ويقولون لهم: "أنتم ذاهبون إلى الإعدام"، وعندما وصلوا إلى سجن عدرا قال لهم رئيس سجن عدرا وهو عميد: "لا تردوا عليهم، أنتم سوف تبقون فترة قصيرة وبعد ذلك ستخرجون"، وبعد ذلك أخذوهم إلى صيدنايا.
في الأمن السياسي مثلًا: أشرف - رحمه الله - [قالوا له]: "أنت ستُعدم"، وبعد ذلك هناك من قال له: "هذا الكلام غير صحيح"، وهم من مسؤولي السجن أنفسهم. وعندما ذهب إلى المحكمة الميدانية سمعهم بينما كان يقف عند الباب يقولون: "كيف سوف نعدم طبيبًا؟"، بمعنى أنه طبيب وعلى هذا المستوى فهل من المعقول (...)، بل يجب إيجاد حل حتى لا نعدمه، وكأنهم كانوا يُسمعونه أنه سيُعدم. وهذه المعلومات كلها كنا في الزنزانة نكذّبها، ونصدق الرواية الأسلم لنا؛ لأن السجين دائمًا كان يصدق الشيء الجيد له ويرفض تصديق الأمور التي هي غير صحيحة.
في هذا الوقت كنا نتداول تلك القصص وننكرها، ودائمًا السجين في الزنزانة أي همس أو نَفَس يحمله على قصة أن هناك عفوًا أو فرجًا، وجاءت فترة لم يعودوا ينادوننا: "يا أولاد الشرشوحة" وغير ذلك، وأصبحوا ينادوننا: "يا عرصات"، وتوقعنا أنه سوف يأتي عفو؛ فقد تحسنت المعاملة مع أنها أيضًا كانت كلمة سوقية، لدرجة أنه عندما لا يقول لك الكلمة الأسوأ، ويقول كلمة أحسن منها بقليل أو أخف منها بقليل، فأنت تظن أنه يوجد انفراج وإفراج وكذا.
في زنزانات صيدنايا كانوا يحشرون [المعتقلين]، والزنزانة كانت مساحتها مترين مربع مقسمة إلى ثلثين وثلث، لنقل أنه كان حوالي المتر أو أقل من متر(75سم) مساحة التواليت (المرحاض) داخل الزنزانة، ويقسمها إلى ثلثين وثلث، فالثلث للمعيشة أي متر وربع للمعيشة و75سم للتواليت، وهذا الجدار يقسمهما ولا يوجد باب بينهما، وكانوا يضعون في الزنزانة 9 أشخاص، ويتناوبون في النوم والاستيقاظ، وبعض الأشخاص يعيشون في التواليت، وكانت هناك زنزانات مجاورة، وزنزانتنا كان لها ثقب على عكس الكثير من الزنزانات، وكنا من خلاله نستطيع رؤية وجوه السجانين ونتعرف على وجوههم، وحتى الآن وجوههم لا ننساها ونستطيع التعرف عليها، وهو بزاوية محددة، ولو كان في النصف لا تستطيع رؤية الشخص إلا إذا كان بعيدًا، ولكنه بزاوية محددة ويعطيك مدى، في زاوية من الباب ويعطيك مدى حتى ترى كل المهجع.
ومن بين الأمور التي كنا نراها أو التي رأيناها أن هناك زنزانات كانت مرفهة، وعرفنا ذلك من تقاطع المعلومات مع السجناء أن هناك زنزانة أو زنزانتين (...)، أي كل الطعام يُوزع بنفس الطريقة والكمية ما عدا زنزانتين كانت تأتيهما قصعة كبيرة ويكون فيها طعام أكثر، وعرفنا من خلال التقاطع، وعندما خرجنا إلى المهاجع اجتمعنا مع باقي الزنزانات، وعرفنا أن بعض الزنزانات كان فيها ضباط كبار، وفي بعض الزنزانات عرفنا أنه في إحدى الزنزانات كان موجودًا - بتقاطع معلومات شبه مؤكدة - إلى فترة معينة حسين الهرموش، وعرفنا أيضًا أنه في بعض الزنزانات يوجد أشخاص مثله أي من وزنه ثم لم يظهر أثرهم بعد ذلك، وفي بعض الزنزانات -نحن لسنا متأكدين- ولكن دار حديث حول وجود أبي مصعب السوري فيها، وكانت هناك عناية بهؤلاء الأشخاص إلى حد معين، وهذا كان تقاطع معلومات بين المساجين.
عندما كنا نراقب ذلك خمّنا أن هناك ضابطًا للنظام هو متحفظ عليه ومهتم به، وعندما كنا نذهب إلى الزيارة أو المعالجة كان يدور الحديث حول قصة هذه الزنزانة، وبعد ذلك عندما اجتمعنا في المهجع مع بعض الشباب الذين كانت زنزانتهم قريبة، ويبدو أنهم كانوا يقاطعون ما يسمعونه، وأنهم قد سمعوا أن السجانين يقولون مرة: "حسين" ومرة (...)، وقالوا: "إن هناك احتمالًا كبيرًا بأن يكون حسين الهرموش في هذه الزنزانة"، ويوجد شخص نقل عن شخص آخر أنهم رأوه بأعينهم عندما أحضروه، أي يبدو أن هناك زنزانة لها ثقب ثان فرأوه عندما أحضروه، وكان هذا الكلام في أول عام 2013.
عندما جئنا نحن مرّت فترة خفّت فيها دفعات [المعتقلين] التي تأتي إلى السجن، في أول شهر جئنا ثم لم يعد يأتي أحد، وبعدها بدأت تأتي دفعات دفعات، وفي بداية عام 2013 رحّلوا كمية كبيرة من السجن إلى السجون المدنية؛ لأن السجن اكتظ بأعداد كبيرة، وأخذوا يسحبون عشوائيًا من كل مهجع ومن كل زنزانة عددًا ويرسلونهم إلى سجن عدرا، ولكنه بمثابة إيداع لصالح سجن صيدنايا، وطبعًا الأسماء التي كان يأخذونها غالبًا هي أسماء غير محكومة بالإعدام- هذا توقع وليس معلومة- غالبًا هي غير محكومة بالإعدام، كانوا يأخذونها إلى هناك، وبعد ذلك بفترة يبدو أنه كانت هناك سياسة للتخفيف من أعداد المعتقلين في السجن بنقل جزء، والحالة الثانية هي البدء بتنفيذ أحكام الإعدام في السجن.
في بداية عام 2013 صدرت أحكام إعدام، وعندما كنا في الزنزانات كان [العساكر] يأتون بعد الظهر وينادون على اسم من زنزانة معينة ويأخذونه، والطريقة التي ينادونه بها خبيثة جدًا، فيقولون له- وكان هذا الأمر خارج أيام الزيارات- ويسألونه: "هل تزور؟" أي هل تأتيك زيارات؟ وهذا المصطلح معروف في صيدنايا: هل أنت تزور؟، ويقول: "لا"، ويقولون له: "أحضرنا لك زيارة جميلة جدًا، والآن سوف ترى أشخاصًا لم ترهم أبدًا وأشخاصًا تشتاق لهم كثيرًا"، ويأخذونه بطريقة ليست وحشية جدًا؛ فنعرف أن هناك شيئًا خلف هذا الموضوع.
عندما ذهبنا إلى المهاجع أصبح هذا الأمر أكثر وضوحًا بالنسبة لنا، فهم كانوا يجمعون المعتقلين في مهجع مقابل مهجعنا، ونحن كنا في الطابق الأول في الجناح ألف يمين؛ [لأن السجن على شكل إشارة] "المرسيدس" وكل فردة (طرف) من فردات (أطراف) المرسيدس له جناحان، وكل طابق له جناحان؛ جناح يمين وجناح يسار، وطرف اسمه ألف، وطرف اسمه باء، وطرف اسمه جيم، في الطرف ألف كنا في اليميني في الطابق الأول، والمهجع الأول في الطابق الأول في الطرف الألف هو مهجع للتجميع، وكل جناح فيه 10 مهاجع، وتوجد أجنحة فيها 8 مهاجع، وباقي المهاجع هي غرف خدمات، ففي الطابق الأول في المهجع الأول، يجمعون الناس الذين حُكم عليهم بالإعدام. وعندما كنا هناك لم نكن نعرف أنهم يأخذونهم إلى الإعدام، فالسجين دائمًا يمنّي نفسه ويقول: "سوف نخرج"، ويبقى حتى آخر لحظة وهو يقول: "إن النظام لن يفعل كما فعل في الثمانينات"، بينما المنطق يقول: "يا جماعة، كل هذه المعارك الطاحنة التي تحصل، ألن يفعل كما فعل في الثمانينات؟!"، فأصوات المعارك التي نسمعها في الخارج كانت مرعبة وكذلك الانفجارات، والنظام سيفعل مثلها وأكثر.
الزيارات كانت في يوم الأحد والثلاثاء، وفي يوم الاثنين والأربعاء والخميس كانوا يأخذون أشخاصًا إلى الإعدام ونادرًا يوم الجمعة، وإذا أخذوا شخصًا يوم الجمعة لا ينفذون به حتى يوم السبت. وكيف يأخذونهم؟ بعد العصر، وليس من كل مهجع، بل من المهجع الذي يأتي اسم الشخص فيه، وكانت تأتي قوائم من دمشق مصادقةً من بشار الأسد، وبمجرد أن يصادق بشار الأسد على الحكم (...)، وهذه المعلومة [توصلت إليها] من خلال متابعتي لهذا الملف -بعد أن خرجت- وتخصصي فيه ومعرفتي للمسار، ولكن قبل ذلك لم أكن أعرف. وعندما يصدر رئيس المحكمة الميدانية أو القاضي حكم الإعدام لا يخبر السجين به، ويذهب الحكم إلى بشار الأسد، وبشار الأسد يصادق على حكم الإعدام، وبمجرد أن صادق فإنه خلال يوم أو يومين ترتفع القوائم إلى المحكمة الميدانية التي صادق عليها بشار الأسد، وتتشكل لجنة لتنفيذ الحكم فيها رئيس المحكمة وفيها رجل دين وفيها (...)، وتخرج ما تسمى بسرية الإعدام التي تأتي من القابون (سجن الشرطة العسكرية في القابون – المحرر)، وينفذون الأحكام في السجن الأبيض.
الآلية هي أننا نكون جالسين، وإذا كان هناك معتقل في مهجعنا قد جاء اسمه في القوائم ينادونه، وعندما ينادونه كنا نظن أنه سوف يذهب إلى السجن المدني، فكنا نبارك له، ونتمنى الذهاب معه، ونحزن على أنفسنا أن لماذا لا ينادون علينا؟ وكنا نتفق معه على شيفرة (رمز سري)، وكان ذلك مع الجميع فيما إذا نادوا على أحد منا، ونقول: "يا أخي، إذا نادى عليك أحد، فهذا رقمي، تكلم مع أهلي من السجن المدني". وفي إحدى المرات شخص من الكسوة قلنا له: "تكلم مع أهلنا، وعندما تذهب إلى مهجع التجميع اصرخ وتكلم بعبارة معينة؛ حتى نعرف أنك أصبحت في هذا المهجع"، وصرخ صوتًا وتأكدنا أنه أصبح في هذا المهجع، وهذا من الأشخاص الذين أخذوهم يوم الخميس وبقي الجمعة وفي يوم السبت نُفذ [حكم الإعدام] فيه.
كانوا نادرًا ما يأخذون أشخاصًا يوم الخميس وليس يوم الجمعة؛ لأن بعد يوم الخميس يأتي يوم عطلة، وهم يأخذونه بعد الظهر ويقومون بتجميعهم في هذا المهجع، وعندما يجمعونهم أحيانًا تكون أعدادهم كبيرة، وفي إحدى المرات وصل العدد إلى 300 شخص، ونحن استطعنا عدّهم من خلال الأسماء التي يتفقدونها، ووصل العدد إلى 300 شخص، والمهجع لا يتسع لـ 300 فقد كانت مساحته 40 مترًا، وكنا نسمعهم يقولون: "تسطح فوقه"، ويجمعونهم فوق بعضهم على ثلاث طبقات. وفي الصباح أو في منتصف الليل عند الساعة 1:00 ليلًا يعذبونهم تعذيبًا شديدًا ووحشيًا أثناء إخراجهم، وكنا نظن أنهم يسلمونهم أماناتهم؛ لأننا كنا نسمع السجانين يقولون لهم: "وقّع"، وأنهم يوقعون على شيء، فنحن لا نعرف وكنا نظن أنهم يسلمونهم أماناتهم، فاتضح أنهم أخذوهم ليوقعوا على شيء لا يرونه؛ لأنهم يذهبون وهم "مطمشون" (معصوبو الأعين – المحرر)، ثم يعيدونهم [إلى المهجع]، وبعد قليل تأتي سيارات فانات (عربات للنقل)، وعلى اعتبار أننا في الطابق الأول فإن مدخل البناء أمامنا ونحن نسمع، وكانت تأتي سيارات ويأخذونهم على دفعات تحت الضرب طبعًا.
وفي إحدى المرات قال لهم ضابط (...)، وكان أمامهم ضباط حتى لا يتمردوا، وأحيانًا كانوا يعطونهم رسائل أمان، ومن رسائل الأمان كان الضرب بحدّ ذاته، ففي المنطق البشري إذا كنت سوف أُعدمك فلا يجب أن أعذبك، وأنا تلقائيًا أعرف أنهم لو كانوا يريدون إعدامي لن يعذبوني، وحتمًا يقومون بحفلة وداع حتى أذهب إلى سجن ثان، وهذا هو المنطق، وهم يعذبون كرسالة أمان. وبعد ذلك يقول لهم [الضابط]: "من يريد الذهاب إلى الحمام فليذهب الآن؛ لأن مشواركم سوف يكون بعيدًا"، وطبعًا هم يقولون لهم: "اذهبوا إلى الحمام"، ويشددون عليهم حتى عندما يشنقونهم لا تنحل المثانة ويتبولوا على الجلاد. وفي إحدى المرات سمعتهم يقولون لهم: "هيا بسرعة يا بني آدمين، فنحن ذاهبون إلى سجن مدني".
كل هذه الرسائل كانت تزداد عندما يكون العدد كبيرًا، كانوا يعطونهم هذه الرسائل حتى لا يتمرد أحد، وفي هذه اللحظة يكون جماعة السجن خائفين ومستنفرين، وكانوا يأخذونهم على دفعات، والذي كنا نراه ونستغربه أنه في الساعة الواحدة أو الثانية تأتي عشرات السيارات وتقوم بالتحميل، ونحن هكذا كنا نظن، وكانت سيارة خلف سيارة خلف سيارة، واكتشفنا بعدها أنها سيارة واحدة أو سيارتان، بل هي سيارة واحدة تأتي وتقوم بتحميل المساجين وتأخذهم إلى الأبيض (السجن الأبيض – المحرر) مسير 50 أو 100 متر، ثم تعود وتأتي، فأنت لا يخطر على بالك أنها سيارة واحدة، لأنها تذهب وتعود بشكل سريع فأنت تظن أنها عشرات السيارات، وهم أيضًا كانوا يقولون: "إنها مسافة بعيدة"، فنحن كنا نظن أنها سيارات كثيرة، ولكن هي السيارة نفسها تقوم بتحميل المعتقلين إلى السجن الأبيض وتعدمهم، وهكذا حتى الساعة 3:00 صباحًا يكونون قد نقلوهم جميعًا، وعند صلاة الفجر يبدأ تنفيذ الأحكام.
هذا الشيء تأكدت منه بعد ذلك، ولكن كيف عرفت به؟ ذهبت إلى الجوية (فرع التحقيق في المخابرات الجوية – المحرر)، وبقيت هناك 5 شهور، من آخر نيسان/ أبريل عام 2013 حتى منتصف شهر أيلول/ سبتمبر، فعندما عدنا ونحن في الجوية عرفنا بقصة الكيماوي (مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في 21 آب/ أغسطس 2013 – المحرر)، وكان هناك كلام كثير بأن المجتمع الدولي سيقوم بعمل ضد النظام، والنظام كان خائفًا، وفعلًا نحن لمسنا خوف العناصر في السجن ووصلتنا أخبار من السجّان بأن السفن الأمريكية أصبحت تقريبًا في المياه الإقليمية، وأن النظام أيامه قليلة.
وعندما عدنا إلى صيدنايا (أعيد الشاهد إلى سجن صيدنايا للمرة الثانية بعد إحالته إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية بين نيسان/ أبريل – أيلول/ سبتمبر 2013 – المحرر)، كانت سياسة السجن في صيدنايا هي أنك إذا صرت على ملاك السجن فإنك تُوضع في الزنزانات، وبعدها تخرج إلى المهاجع، وهذا المهجع الذي خرجتَ إليه بناسه وأهله وسكانه وأولاد قضيتك بشكل أساسي أنت لا تنفصل عنهم، حتى لو انتقلوا إلى مهجع ثان فسوف تذهب معهم، يعني حتى لو بُدّل المكان، وكان يُفترض بعد 5 أشهر أن يعيدوني إلى المهجع الذي يوجد فيه رفاقي الذين كنت معهم في الزنزانات، ولا يعيدوني إلى الزنزانة؛ لأنني مكثت في الزنزانة، وهم منظمون جدًا بالمناسبة، فلا يعيدونني إلى الزنزانة؛ لأنني قضيت هذه الفترة، وإنما أذهب إلى المهجع مباشرة ويقولون عن اسمها (اسم فترة غيابي عن السجن – المحرر): "مهمة"، على أساس أنني كنت بمهمة، إما مستشفى أو فرع، وأنا كنت في الفرع، فيأخذونني إلى المهجع (عند عودة الشاهد إلى صيدنايا للمرة الثانية أعيد إلى الزنزانة لمدة شهر ثم نُقل إلى المهاجع على عكس ما هو مفترض – المحرر).
وأذكر أنني عندما وصلت مع مجموعة أحضروها إلى السجن، أحضرونا من القابون، أي من الفرع إلى القابون، وفي القابون كان هناك أشخاص في الأفرع مثلي، وأشخاص كانوا في المستشفى، وأشخاص كانوا في أماكن أخرى، أخذونا إلى صيدنايا، وفي صيدنايا عند الباب توجد حفلة (حفلة استقبال – المحرر) خفيفة قليلًا وليست قوية؛ لأننا تعرضنا لها سابقًا. وكان هناك سجان مجرم يُقال إنه نائب طلعت محفوض، قال لي وهو يتذكرني: "ولاك فقير (كنية الشاهد – المحرر) ماذا صار في دمشق؟"، فقلت له: "أنا لم أكن موجودًا في دمشق"، قال: "أين كنت؟"، فقلت له: "كنت في الجوية"، قال: "نعم، ماذا يحصل في دمشق؟"، فقلت له: "لا أعرف"، وطبعًا كنت أعرف كل شيء، قال: "وكيف لا تعرف؟"، وأنا عندما كنت في القابون اجتمعت مع شاب من اللاذقية اعتُقل حديثًا، وقال لي: "إن الوضع في الخارج كارثي، والسيطرة 80% للشباب (أي للثوار – المحرر)، والنظام ارتكب مجزرة الكيماوي، والمجتمع الدولي قد جُن جنونه، والضربة العسكرية القوية يمكن أن تحصل في أي لحظة على النظام"، وأخبرني كل هذه التفاصيل. سألني هذا العنصر وقال: "ألا تعرف شيئًا؟"، فقلت له: "لا أعرف شيئًا"، قال للسجانين: "أنزلوه إلى الزنزانة حتى ينسى"، فأنزلوني إلى الزنزانات وجردوني من ثيابي بشكل عار تمامًا على باب الزنزانة، وصفعوني عدة مرات، بعد ذلك أدخلوني، فوجدت 3 أشخاص؛ شخص من ريف حمص من ريف القصير، والآخر من اللاذقية، والآخر من إدلب.
هؤلاء الثلاثة اكتشفت بعد ذلك أو بعد أن جلست معهم، وكما تعلمين أن المعتقل عندما يدخل إلى المهجع أو الزنزانة ويكون جديدًا فإن الذين يجلس معهم يسألونه: "أين كنت؟ وما هو أصلك؟ وما هو فصلك؟ وما هي قضيتك؟ وماذا سمعت في الخارج؟"، هذه هي الأسئلة التي كانوا يسألونها، "وما هي الأخبار من المكان الذي أتيت منه؟"، وبعد هذا الحديث الذي أصبح روتينيًا بأن يسألوك: "ما هو أصلك وفصلك وقضيتك؟"، سألتهم: "[ما قصتكم] أنتم؟"، قالوا لي، وهم ثلاثة، وكان أحدهم موجودًا في السجن الأبيض واثنان كانا في السجن الأحمر، ولكن الأول الذي كان في السجن الأبيض كانت لديه محاكمة استكمال محاكمات في القضاء العسكري وليس في [المحكمة] الميدانية، بل في القضاء العسكري العادي، وكان يُحاكم في حمص، وهو من إدلب، فكانوا قد أخذوه إلى المحكمة وأعادوه، ولم يعيدوه إلى السجن الأبيض وإنما إلى الزنزانات "حتى ينسى"، وقال لي: "أعادوني إلى هنا كي لا أتذكر؛ لأن الوضع في الخارج كذا وكذا"، أي ما سبق وذكرته بأن هناك كيماوي ووو. والثاني الذي كان من ريف حمص، وكان أيضًا في سجن صيدنايا الأحمر، وكانت لديه نزلة (مراجعة) إلى المستشفى، فلم يعيدوه إلى مهجعه وإنما أعادوه إلى الزنزانة لنفس السبب. الثالث كان من اللاذقية من المدينة طبعًا وهو سني، وكانت عنده محاكمات في القضاء العسكري العادي أيضًا في اللاذقية، وكان أيضًا من نزلاء السجن الأحمر، ولكنها ليست محكمة ميدانية، وكان يذهب إلى اللاذقية إلى القضاء العسكري ويعود، ليس إرهابًا ولا [محكمة] ميدانية.
وهؤلاء الأشخاص الثلاثة كانوا يذهبون ويعودون، والمعتقل الذي كان من اللاذقية كان قادرًا على أن يرى أهله هناك، فكانوا يعطونه ثيابًا، وكان يرتدي الثياب فوق بعضها حتى لا تُصادر منه في سجن صيدنايا، ويأتي وقد جمع قطعتين أو أربع قطع؛ بنتكورين (سروالين قصيرين) وكنزتين، وهو أعطاني بنتكورًا وكنزة فسترت بهما جسدي، ليست كنزة وإنما "تي شيرت" رقيق جدًا وبنتكور رقيق جدًا، وكانت درجة حرارة الزنزانة صفرًا تقريبًا في أحسن الأحوال، وكانت تدلف ماء (يتسرب الماء إليها)، ولم يكن فيها شيء، لا توجد بطانية ولا أي شيء آخر. بقيت في هذه الزنزانة مع هؤلاء الشباب شهرًا كاملًا على البلاط، ننام ونستيقظ على البلاط، وكنا نلتصق ببعضنا حتى نتدفأ، وكانت [الزنزانة] تدلف، وأحيانًا يكون دور الشخص عند (...)، أو لنقل إنه بسبب الدلف كان نصف الزنزانة دائمًا يتجمع فيها الماء، فيكون طرف الشخص عند الماء بالإضافة إلى هذا البرد.
كان الشاب الحمصي - مع احترامنا لجميع الناس - بدويًا وجلفًا قليلًا، ووجهه عظم أي ناشف (غير ودود)، وكان الشباب قبل أن آتي قد اختاروه رئيسًا للزنزانة، وطبعًا في صيدنايا السجانون هم الذين يختارون رؤساء الزنزانات (الشاويشية)، ولكنهم أحيانًا يعطون فرصة للسجناء ويقولون: "من منكم سيكون رئيسًا؟"، فيقولون: "فلان"، وهذه حالة نادرة. والأمر الثاني أنه في سجن صيدنايا لا يجب أن تشعر بأنك رئيس بأي شيء، حتى على نفسك، بمعنى أنك حتى لو كنت رئيسًا على نفسك لا يجب على هذا اللقب أن يخرج عليك، وهو لقب "رئيس" أو "شاويش"، ودائمًا أنت اسمك - عذرًا منكم على هذه الكلمة - "عرصة الزنزانة" أو "عرصة المهجع"، هكذا بهذا الشكل، ولا يجب أن يُقال عنك "رئيس مهجع" أبدًا أبدًا أو "رئيس زنزانة".
وهذا الشاب الحمصي كان تعامله خشنًا ووجهه (...)، مع أنني لم أكن أرى وجهه كثيرًا في الزنزانة؛ لأنه لا توجد إضاءة في الزنزانة، ولكن يتسرب ضوء من طرف الممر من النيونة (المصباح) في طرف الممر فأرى ملامح وجهه أحيانًا وشكل وجهه، كان وجهه صلبًا وناشفًا و" لا يضحك للرغيف السخن" وكلامه فظًا. وفي يوم من الأيام أو بعد عدة أيام، قال لي: "ما هي تهمتك بالضبط؟ أنت متهم بأنك رئيس تنسيقية"، فقلت له: "نعم"، فقال لي: "أنت إعدام"، قلت له: "أنا إعدام!"، فقال لي: "طبعًا كل رؤساء التنسيقيات إعدام، هذا الأمر معروف"، قلت له: "حسنًا". وهنا تأكدت أنني إعدام؛ فاتخذت قرارًا بأن أجهز نفسي للموت، وفي أي لحظة سوف ينادونني، والذي جاء بهذا الكلام هو أنني تأكدت هنا بأن الشاب الإدلبي الذي كان في السجن الأبيض قال: "إن المعتقلين الذين يأخذونهم في الليل كانوا يأتون بهم إلينا، وتُنفذ أحكام الإعدام بهم، وعندنا غرفة لتنفيذ أحكام الإعدام، ويُعدم الناس في الليل. كما أن التواصل في السجن الأبيض مع السجانين أسهل من الأحمر"، حيث يمكنهم أن يفهموا [ما يحدث] ويمكنهم التحدث، حتى لو كان هناك ضرب أحيانًا، ولكنهم يستطيعون التحدث مع السجان، فوضعهم أفضل من السجن الأحمر.
وطبعًا هذا [المعتقل] كان من إدلب وعسكري وهو مع الثورة ولا يريد أن ينشق، ولكن لأنه من إدلب اعتُقل بالشبهة، ووضعوه في السجن الأبيض، وكان يقول لنا إن هذا الكلام هو متأكد منه، وإن أحكام الإعدام تُنفذ في السجن الأبيض، وكانوا يحضرونهم في الليل. وقال لي: "ألا تشعرون بحركة في الليل؟ هذه الحركة تحدث عندنا، وهي سيارة واحدة وليست أكثر من سيارة، وهذه السيارة تحضر الناس على دفعات، وتنفذ فيهم أحكام الإعدام"، فقلت له: "من هم الأشخاص الذين يُعدمون؟"، قال لي: "إنهم عسكريون على مستوى قادة فصائل وقادة تنسيقيات، وأحيانًا يكونون عسكريين بشكل عام أو منشقين وقادة تنسيقيات".
نحن في الثورة على الأقل في حراك دمشق لم يكن هناك شيء اسمه رئيس تنسيقية، ولا في مجلس قيادة الثورة كان هناك توصيف اسمه رئيس مجلس قيادة الثورة، ولكن النظام اخترع هذا التوصيف حتى يُسهل على نفسه عملية تصنيف الثوار، أن هذا رئيس وهذا أقل منه، وهذه كانت تهمة ألفوها عليّ وصنفوني على أساسها. قال لي: "كل الحالات التي هي إما مسلحون أو رؤساء تنسيقيات سُحبوا بعد الظهر، وذهبوا في الليل إلى السجن الأبيض وأُعدموا"، وأضاف: "هذا الأمر أصبح ثابتًا بالنسبة لنا بأن رؤساء التنسيقيات إلى الإعدام". وأنا هنا قعدت في الزنزانة، وكان هناك بعض الأشخاص في سجن القابون يقولون: "لا، الأشخاص الموجودون في التنسيقيات يخرجونهم لأنهم غير مسلحين"، ولكن هذا الكلام لم يُثبت؛ لأن الذي ثبت فعلًا الآن أن الأساسيين حتى في الحراك السلمي أُعدموا، أمثال يحيى الشربجي وأنس الشغري الذي غالبًا أُعدم؛ لأنه اختفى ولا يوجد أي خبر عنه، ويحيى تأكد [خبر إعدامه] ونبيل (نبيل شربجي – المحرر) تأكد أيضًا، وكل هؤلاء سلميون ولا يعرفون السلاح أبدًا، وكذلك باسل خرطبيل، وكل هؤلاء سلميون وهم أساسيون في الحراك.
وعندما قال لي هذا الشخص: "هذا ما سيحدث لك"، وقالها بكل ثقة وبدون أن يهتز له جفن، قلت له: "حسنًا"، وطبعًا هناك الشخص يصبح قلبه قاسيًا، فقلت له: حسنًا وشكرًا"، وقلت في نفسي: "يجب أن أجهّز نفسي"، واعتصمت في التواليت (المرحاض) في الزنزانة وجلست فيها، وجهزت نفسي، وبدأت أدعو وأتذكر أهلي، وكنت أحاول أن أوجه لهم رسائل بمخيلتي، وهذه التجربة لا يفهمها إلا المتصوفون، وكنت أقوم بها في الأمن السياسي في الاعتقال الأول وكانت تصل الرسائل، وكنت أقوم بمناجاة وتخاطر.
القصة أنه في الاعتقال الأول كانت هناك أمور في حساب "الإيميل" و"الهارد ديسك" الذي عندي، ولم أكن قد أمّنتهم -أقصد في اعتصام الداخلية (حدث اعتصام وزارة الداخلية في 16 آذار/ مارس 2011 – المحرر) - ووضعوني في زنزانة الأمن السياسي، ولم أعرف كيف لي أن أخبر زوجتي حتى تغير "باسوورد الإيميل" (كلمة السر – المحرر)، وهذا الإيميل خاص لا أحد يعرفه حتى زوجتي، ولم أعرف كيف أقول لها أنه توجد "هاردات" مخبأة في مكان ما وأريد منها تغيير مكانها فيما لو دوهم المنزل، ولا أعرف ماذا أفعل؛ فأصبحت وأنا بين جدران الزنزانة في الأمن السياسي أناجي ربي وأقول: "يا رب أريد أن توصل لها هذه الرسالة"، فوجدت لاحقًا أن كل الرسائل قد وصلت لها بدون مبالغة، وقالت لي إنه قد خطر على بالها (...). وقد كان هناك "إيميل" بيني وبين أنس العبدة ولا أحد يعرفه، وأنا قبل الثورة كنت أتواصل معه من خلاله، ربما كان اسمي (اسمي المستعار فيه – المحرر) محسن المصري، وفي يوم من الأيام يبدو أنني كنت أجلس وأعمل وظهر على "الجيميل" أو "الهوتميل" – لا أذكر- محسن المصري، وكنت أريد وضع كلمة السر، ويبدو أن زوجتي كانت بجانبي ومستندة على الكنبة ويبدو أنها رأتني وأنا أكتبها، وعلى الرغم من كونها كلمة صعبة، ولكنني لا أعرف كيف حفظتها! وقالت لي: "دخلت إلى الحساب وغيّرت كلمة السر"، فقلت لها: "وكيف عرفت؟"، قالت: "أنا تذكرتها منذ زمن"، وقلت لها: "كيف تتذكرينها فهي كلمة صعبة؟!"، ثم سألتها عن "الهاردات" حيث بحثت عنها فلم أجدها، قلت لها: "أين الهاردات التي كانت هنا مخبأة في البيت؟"، فقالت: "لقد نقلتها إلى خارج المنزل"، ويوجد أيضًا ثلاثة أمور أخرى لم أتوقع أن زوجتي تستطيع فعلها؛ لأنني لم أخبر أحدًا عنها.
نعود إلى سجن صيدنايا حيث بدأت أتخيل نفسي أنه يُنَفذ بي حكم الإعدام رميًا بالرصاص، وكان هناك كلام بأن الإعدامات أو المقابر الجماعية تكون في جديدة عرطوز، وأن هناك جزءًا من الإعدامات تحصل في جديدة عرطوز، فتخيلت أنهم أخذوني إلى جديدة عرطوز ونفذوا بي حكم الإعدام رميًا بالرصاص، وكان هناك بعض الأمل أو الخيال (...)، وكان هناك توقع بأنه سيكون رميًا بالرصاص أو شنقًا، ولكن بكل الأحوال [تمنيت] أنه إذا كان رميًا بالرصاص ألا أموت، فقد كان هناك تعلق بالحياة، وإن كان إعدامًا ألا أختنق، وأنه بمجرد أن أُعدمت أن يرموني في القبر - هكذا كنت أسرح في خيالي – وأنني سأحاول أن أحفر وأخرج [من القبر] وأهرب، وبعد ذلك أضحك وأقول في نفسي: "كيف سأهرب؟ حتمًا سأموت". وهكذا بقيت لمدة يومين بدون أكل.
من الرسائل [التي كنت أرسلها لأهلي في مخيلتي] كان مكان إعدامي، أن "اعرفوا في يوم من الأيام أنني هنا مدفون، أنني دُفنت هنا حتى تزوروا مكاني، وأنني اُعدمت هنا وهنا كانت توجد مقبرة جماعية"، ومن الرسائل: أن يسامحوني على الأمور التي كنت أعدهم بها ولم أفعلها، ومن الرسائل: "لا يجب عليكم لوم الثورة، وابقوا مع الثورة إذا كان لا يزال أحد مع الثورة"، ومن الرسائل: "نحن لم ننكسر والنظام لم يكسرنا"، هذه هي الرسائل، ومن الرسائل للثورة: "إننا لم نفعل الشيء الذي كان يجب أن يحصل، ولم يسقط النظام"، هذه الرسائل التي أذكرها.
بعد يومين انتبه هذا [الشخص] عليّ، [وقال في نفسه]: "لماذا لا يأكل؟"، وهي كانت وجبة واحدة في النهار، فقال لي: "أنت لماذا لا تأكل؟"، قلت له: "لا أشتهي الطعام"، فسألني: "لماذا؟"، وكنت حينها أعيش فقط على الماء، فقلت له: "ألم تقل لي بأنني إعدام، فأنا أقوم بتجهيز نفسي"، وأنا طبعًا كنت قد قضيت هذا الوقت في التوبة والدعاء والصلاة لأنني أعلم أنني سوف أموت، وأخذت أسامح كل الناس وكل الأشخاص الذين أساؤوا لي في الحياة صرت أسامحهم، ومن الرسائل أنني كنت أرسل رسائل إلى الناس المنزعجين مني حتى يسامحوني. وعندما ذكرت له هذا الكلام انزعج وقال لي وهو وجهه مثل العظم: "يا رجل أنت لا تستحمل المزاح؟"، قلت له: "وهل أنت تمزح؟"، فقال: "طبعًا أنا أمزح، نحن لا أحد سيُعدم منا، وجميعنا سوف نخرج"، قلت له: "أنت الآن تمزح"، فقال: "لا، أنا أتكلم بشكل جدي. هيا تعال وكُلْ"، قلت له: "لا"، فقال: "ستأكل رغمًا عنك. أنت لا تستحمل المزاح وأنا لن أمزح معك أبدًا"، فقلت له: "ومتى كنت تمزح أساسًا؟". وأجبرني على تناول الطعام وحتى إنه جعلني آكل من حصته، وتبدد هذا الخوف، وهو كان يكذب (المقصود أنه كان يكذب في المرة الثانية)، فقد تأكدنا أن ما يقوله صحيح.
في سجن صيدنايا ألعن شيء في الحياة أن يكون الشخص رئيس زنزانة؛ لأنه دائمًا يجب أن يختار أشخاصًا يذهبون إلى الموت بالدور، وإذا لم يخترْ فإن الاختيار سوف يقع عليه وسيُقتل.
في المهاجع يدخل السجان، والهمس كان ممنوعًا في سجن صيدنايا حتى الهمس، علينا أن نبقى صامتين، يكون الناس صامتين لا يتكلمون فيدخل السجان إلى الجناح ويقول: "أسمع صوتًا، وأريد من كل مهجع خمسة مخالفين"، وهؤلاء المخالفون الخمسة يجب أن تخرجهم، و[يقول السجان]: "عرصة المهجع، أريد خمسة"، فيجيبه: "حاضر سيدي"، ويقول: "هؤلاء الخمسة أريدهم غدًا، وإذا لم تخرجهم فأنت سوف تخرج". والمهجع عندما كنا كانت مساحته 40 مترًا، وكان الحد الأقصى فيه 30 شخصًا، وسياسة مهاجع صيدنايا تختلف عن الأفرع فلا يعتمد كثيرًا على الاكتظاظ إلا في الزنزانات، أي لا يكدسون أشخاصًا إلا في الزنزانات بينما المهاجع يتركونها فارغة، وهذه الحالة بعد استعصاء سجن صيدنايا (بدأ استعصاء سجن صيدنايا في 5 تموز/ يوليو2008، واستمر نحو 9 أشهر – المحرر) انتبهوا لها.
كانوا ينظرون إلى منتصف المهجع، والمعتقلون يكونون محشورين في الزاوية والمهجع كله فارغ، ويضعون المعاقَبين في المنتصف، ويقول [السجّان] له (لرئيس المهجع – المحرر): "ضع المعاقبين في المنتصف"، ويخلعون ثيابهم ويبقون بالسليب (لباس داخلي سفلي) فقط، ويجثون وأيديهم على عيونهم بهذا الشكل، ويبدأ بضربهم حسب مزاجه؛ إما يستمر بضربهم حتى يسقط أحدهم ويموت، أو يستمر بضربهم حتى يعطبهم وتنكسر ريشة من (...) ويدميه، كما يقولون:" دمه حميمه"، وهذا دور، ورئيس المهجع يتفق مع الشباب على دور، [فيقول]: "لدينا دور، وقد حان دورك بالعقاب، فاخرج"، وطبعًا هذه الأمور كانت تحصل غالبًا عندما يتعرض النظام لخسائر في الخارج فينتقمون.
دائمًا مسؤولية [رئيس المهجع] ثقيلة، وأحيانًا [السجان] إذا كان منزعجًا يتفشش به (يصبّ عليه جام غضبه) ويركله، وكلما تكلم بكلمة يركله ويقتله، فكم من رؤساء مهاجع قد قُتلوا، ويظل يضربه حتى يميته لا مشكلة لديه.
في هذا الشهر عندما جئت كان قد قُتل طلعت محفوض (اغتيل طلعت محفوض في 7 أيار/ مايو 2013 في كمين للجيش الحر – المحرر)، وعندما خرجت من صيدنايا وذهبت إلى الجوية (فرع التحقيق في المخابرات الجوية – المحرر)، وبعد أن ذهبت بثلاثة أسابيع قُتل، وجاء بعده "الكلب" الذي قُتل في معارك حرستا (المقصود العميد محمود معتوق الذي قُتل في 13 كانون الثاني/ يناير 2018 – المحرر)، وطبّق سياسات أقسى من الذي قبله، وأصبح القتل في سجن صيدنايا عاديًا جدًا أكثر من قبل، فسابقًا كان هناك قتل كثير، ولكن أصبح القتل عنده أكثر.
عندما جئت كان هذا موجودًا، والذي قال لي: "فقير وكذا"، اسمه أبو ضرغام وهو مساعده، وعندما جاء خرج بقصة (مقولة): "خليهم ينسوا"، وطبعًا لم ننسَ شيئًا، وحتى الزنزانات أصبحت أقسى، وأصبح الوضع فظيعًا إلى درجة أنك لست ممنوعًا من الكلام فقط، فمثلًا: شخص لديه زوائد في أنفه ونَفَسه عالٍ قليلًا كان يتعرض للضرب كثيرًا، ويقولون له: "لماذا نفسك مرتفع؟"، وإذا مرّ بجانب زنزانة وسمع صوت نفس من أنف أحد الأشخاص، فيقول: "من نَفَسه عال؟"، ويضربه حتى يدميه، ويقول له: "مدّ يدك من الشراقة السفلية، اقلبهما هكذا"، ثم يضربه على ظهر يده بـ"الأخضر الإبراهيمي" وهو أنبوب أخضر في داخله عصا من الخشب أو الحديد وتصبح ثقيلة، وبعد هذا الضرب تسقط أظافر المعتقل تلقائيًا.
كان هناك شخص اسمه أبو اسكندر، وهو سجان من طرطوس علوي، وكان يتفنن، أي إذا كان هناك شخص صوت نفسه مرتفع وآخر (...)، وفي إحدى المرات أحضروا شخصًا من سجن عدرا وهو لا يعرف الوضع وهو كبير بالعمر قليلًا، عمره تقريبًا 45-50 عامًا، وعندما كانوا يوزعون الطعام قال: "يا سيدي"، فقال له: "شو (ماذا تريد)؟"، وطبعًا في سجن صيدنايا ممنوع الطرق على الباب إذا أردت شيئًا، وإنما يجب أن تقول: "سيدي" فقط لأن الطرق على الباب أيضًا ممنوع، فقال له: "يا سيدي أنا معي [مرض] السكر، ولا أريد أن آكل الرز أريد البرغل"، فقال له: "لا تريد الرز وتريد البرغل؟ افتح يدك"، فعاقبه وبعد أن عاقبه (...)، وقد يظن الشخص أنه عندما يقول: "افتح يدك" كما يُقال في المدرسة، لا ليس كذلك هو شيء وحشي، وهي كمن يقارن القط الأهلي البيتي بالقط الوحشي، وبعد ذلك سأل: "كم هو تاريخ هذا اليوم؟"، وأنا أذكر ذلك حتى اليوم وكنت قد جئت حديثًا، وكان هذا الكلام في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وأنا في 28 أيلول/ سبتمبر خرجت من الجوية، وقال له: "كم هو تاريخ اليوم؟"، وأجابه: "2 تشرين الأول/ أكتوبر"، فقال: "في تاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر ذكّروني حتى أعطيكم الطعام"، أي ظلوا شهرًا كاملًا بدون طعام كل الزنزانة، وفي الأصل هي كلها وجبة واحدة، هي وجبة لشخص واحد في اليوم بغض النظر عن محتواها البائس يقدمونها لتسعة أشخاص، وأعتقد أن هذا الشخص استُشهد بسبب الجوع حيث ظلوا شهرًا كاملًا.
في إحدى المرات نفس هذا السجان المجرم وصديقه واسمه أبو علي، نزلوا إلى الزنزانات، وسألوا بطريقة لطيفة جدًا لأول مرة وقالوا: "شباب، من لديه ملاحظات على الأكل؟ قولوا لنا حتى نحسن الأكل"، فالتفتّ إلى الشباب وقلت لهم: "لا أحد يفتح فمه أبدًا، فهذا مقلب. لا أحد يعلق لا بشكل جيد ولا رديء، لا تعليق"، قالوا: "ربما ينبغي علينا أن نجيب"، قلت لهم: "لا، لا ينبغي علينا أن نجيب لن يعرف أننا لم نجب"، [وبالنسبة لهم اعتبروا أنه قد] قال لك: "أعطني ملاحظة" فيجب أن تعطيه لأنه إجباري، وطبعًا حتى رئيس الزنزانة الحمصي قال: "سوف أجيب"، فقلت له: "لا تجب أبدًا، فأنت لا تعرف هؤلاء غدارون"، ونحن لم نجب، وطبعًا الذي كان مصرًا على الجواب هو الشاب الإدلبي بإصرار شديد وقال: "يجب أن نقول لهم: إن الطعام فيه مشاكل وكذا وكذا"، فقلت له: "احذر احذر". المهم أن بعض الزنزانات أجابت وقالت: "سيدي، إن الطعام قليل والرز غير مطبوخ"، وكانوا يأتون بالرز وهو غير مطبوخ وقد خلطوه بقليل من الماء وعندما يسكبونه تسمع صوت الطقطقة، وأحيانًا فيه مازوت، فقال لهم: "حسنًا، شكرًا، هيا افتح يدك - هذا حال كل زنزانة ذكرت ملاحظة - هيا مدوا أيدكم واحدًا واحدًا"، وأنت عندما تسمع صوت الضربة فإن قلبك يهتز من كثرة وحشيتها، وهي ليست ضربة واحدة على اليد وإنما تقريبًا 50 ضربة، وأحيانًا عندما يمد يديه يخطفهما ويهرسهما بباب الحديد، فكل زنزانة تكلمت تعرضت للضرب الشديد، ثم وصل إلينا وأخطأ بين زنزانتنا والزنزانة التي قبلنا التي تحدثت، الزنزانة التي قبلنا تحدثت أما نحن فلم نتحدث، ولكنه لم يخترنا جميعًا- لا أعرف كيف حدث ذلك- وإنما اختار الشاب الذي كان يريد أن يقول إن الطعام عليه ملاحظات، وكأنه سمعه، فضربه بشكل شديد [وهو يقول]: "ألا يعجبك الطعام"، وهو حتمًا لم يسمع صوته، حتى ولو وضع أذنه وسمعه لن يعرف أنه هذا نفسه الذي تكلم، هناك عتمة فكيف له أن يعرف، ولكن هذا ما حدث يا سبحان الله فقد ضُرب كثيرًا.
وهذه هي اللحظات التي عشتها خلال هذا الشهر وطبعًا كانت هناك 5 شهور قبلها قضيتها فيها، وبعد ذلك انتهى الشهر تقريبًا ونادوا عليّ وأخرجوني.
(قضى الشاهد شهراً في قسم الزنازين في سجن صيدنايا العسكري بين أيلول/ سبتمبر – تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بعد عودته من فرع التحقيق في المخابرات الجوية إلى سجن صيدنايا للمرة الثانية، ثم أعيد إلى قسم المهاجع في السجن – المحرر).
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/02/17
الموضوع الرئیس
معتقلات الأسدكود الشهادة
SMI/OH/131-40/
رقم المقطع
40
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2012-2013
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-صيدناياشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
سجن صيدنايا العسكري
جبهة النصرة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
تنظيم القاعدة
فرع التحقيق في المخابرات الجوية

سجن الشرطة العسكرية في القابون

سرية التأديب والعقوبات في تدمر
المحكمة الميدانية العسكرية - نظام