الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

واقع الغوطة الشرقية إثر دخول جيش النظام ثم انسحابه عام 2012

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:28:21

نحن دخلنا العام 2012 في الغوطة بالثورة أمام واقع دخول الجيش، واختلفت طريقة تعامل النظام مع الغوطة حيث انتقل من الطريقة الأمنية [المتبعة] في عام 2011 إلى دخول الجيش وإقامة الحواجز، وطبعاً دخوله كان همجيًا، وقوبل بمقاومة بحدود الإمكانيات المتوفرة عند كتائب الجيش الحر التي كانت ببدايات تكوينها في الغوطة. في النهاية أمام الدبابة وأمام العتاد الثقيل، دخل [الجيش] الغوطة، وفي مختلف المدن والبلدات احتلّ الساحات الرئيسة ووضع متاريس ثابتة واعتلى الأبنية العالية وكانيضع فيها قناصة ويضع فيها "الدوشكا"، وهي لها مسلسل سوف نتحدث عنه. وبدأ أهالي الغوطة يشاهدون الكتابات الاستفزازية التي تكون أحياناً ذات طبيعة طائفية، ويشاهدون كتابة "لا إله إلا بشار" وكلمة "يا حسين" ورسمة سيف الإمام علي (علي بن أبي طالب) ذو الفقار، وكأنه كان [الأمر] متعمدًا. وأصبح هناك شعور لدى أهالي الغوطة بأن هؤلاء ليسوا جيشًا، بل عصابة طائفية يفرضون شكل الصراع الطائفي، ويستحيل أن يكون هذا مؤسسة بلد اسمها مؤسسة الجيش، وأتت لتتعامل في منطقة كما يُقال فقدت الدولة السيطرة عليها، بل هذا أتى يتعامل بعقلية العصابة الطائفية، وطبعاً هذا كان له ردود فعل في الوعي الجمعي عند الناس.

في فترة وجود الجيش وعندما صار أمرًا واقعًا، بدأنا نرى حوادث التشبيح و"الزعرنة"، و[كان] يتمّ إيقاف الناس على حاجز ومعهم لوائح، [ويفرزون] المطلوبين وغير المطلوبين، وكان يحدث ابتزاز مالي أحيانًا، يعني مثلاً يحتجزون 20 شابًا من الصباح حتى المساء، وفي المساء نعلم بأنهم تركوهم، ثم بعد ذلك نعلم بأنه تم ترك هؤلاء الأشخاص بسبب حديث بعض الوجهاء عنهم أو الاضطرار للابتزاز المالي، وهكذا كان تعامل الجيش.

في فترة وجوده الأمر الطبيعي أن كوادر الثورة التي كانت تنشط عام 2011 سواء في المظاهرات أو العمل الإغاثي أو الطبي، كلنا اختفينا وأصبحنا تحت الأرض، وبدأنا نتنقل ما بين الغوطة وما بين دمشق، ونحاول التخفي في بيوت للمعارف بحيث لا نجلس في مكان واحد أكثر من يوم أو يومين وننتقل لمكان ثاني، طبعاً هذا كان حال كل الكوادر التي كانت تعمل في الثورة منذ اليوم الأول، والذين باتوا معروفين بأن هؤلاء هم الذين يقومون بالحراك، ونستطيع اعتبارهم محليًا قادة الحراك.

طبعاً هذا [الأمر] خلق نمط حياة جديدًا، وفي الوقت نفسه عندما أُقيمت الحواجز والمتاريس والقبضة (...)، وأصبح الجيش يمارس مهمات القبضة الأمنية وقبضة العصابات والتشبيح، في المناطق العميقة في الغوطة مثلاً كانت الكتائب تهاجم نقاط الجيش التي كانت موجودة وثكناته التي كانت هي عبارة عن نقاط تجميع الشبيحة، وكان أحياناً رغم وجود الحواجز تجد فجأة بأن هناك حملة للدخول لبلدة أو حي والمحاصرة والقيام بحملة اعتقالات، وهذا الكلام بدأت الغوطة تعيشه. الجميع كان يلبس البدلة العسكرية، ثم عرفنا بعد ذلك أنه حتى الذي يلبس البدلة العسكرية هم تابعون للمخابرات الجوية، بينما كان الجيش يقوم بحملات اعتقالات أكثر على حواجزه، وكان يمارس فيها الابتزاز، يعني يحتجز أحدهم من الصباح للمساء وبعدها يتركه مقابل مبلغ مالي.

[كنا نسمع] أن شخصًا منهم يُدعى يعرب، وآخر لا أعلم ماذا، وكنا نسمع بعد ذلك أن فلاناً الذي كان يشبّح هنا "فطس" (قُتل) في مكان ما، ولكنهم في النهاية جيش وبدلة ويقوم بهذا الدور.

حواجز الجيش التي كانت منتشرة في البلدات أصبحت تتعرض للمقاومة السرية والإرباك، ففجأة نسمع صوت إطلاق نار، طلقتان أو ثلاث أو أربع وخمس باتجاه حاجز كنوع من الإرباك، وهذه الحالات من يقوم بها هم جماعة الجيش الحر الكامنين تحت الأرض، وكان رد الجيش في وقتها همجيًا جدًا، فعلى سبيل المثال إذا تعرّض حاجز لإطلاق نار يبدؤون باستخدام"الدوشكا" الموجودة على سطح البناء والرشاشات وما إلى ذلك على مدى ساعة أو ساعتين تمشيطًا عشوائيًا في مختلف الاتجاهات، وكانت تحدث إصابات بين الناس الجالسين في بيوتهم بسبب دخول طلقات النظام إلى البيوت. كان الشعور فيوقتها بأن البلد تحت الاحتلال، و[أنها] ممارسات جيش احتلال همجي.

جيش النظام، وتحت ضربات مراكزه وثكناته التي كانت موجودة في الغوطة، وتحت ضربات الإرباك التي كانت تتعرض لها حواجزه ضمن البلدات والمدن التابعة للغوطة، ومع بدايات صيف عام 2012 انسحب من الغوطة. وفي وقتها نستطيع اعتبار أن أغلب مدن وبلدات الغوطة تحررت من الجيش، ولكن طبعاً قبل خروجه خرّب كل الممتلكات العامة، فهو كان يجلس في مقر البلدية والمجمعات الإدارية وإذا [وُجدت] مدارس أبنيتها كبيرة، كل هذه الأماكن كان يتمركز فيها، وقبل خروجه خرّب كل شيء خلفه، لدرجة أنني أذكر أنه يوم خروج الجيش ذهبنا للمجمع الإداري التابع لمدينة كفربطنا، وكانوا قد حرقوا السجل العدلي وأضابير البلدية. تشعر حينها أنه لو كان هذا الجيش هو جيش دولة كان سيحمل معه هذه الملفات ليحمي مصالح المواطنين، ولو كانوا حسب روايتهم بأنهم ذاهبون لمحاربة الإرهاب، وحتى لو اضطُررت للانسحاب هل تقوم بتخريب هذه الأمور وتنسحب؟ هذه [الممارسات] كانت تفيدنا، وهذه الممارسات التي مارسها الجيش أثناء وجوده في الغوطة ساهمت في إنضاج الوعي الجمعي، أي من كان يصدق قصة المندسين والمؤامرة وما رآه بعينه أكد له أن الموضوع ليس كذلك.

بعد خروج الجيش عادت الكوادر للأرض وظهرت، ولم يعد هناك عمل سري، وأصبح لدينا شعور بأننا تحررنا وأصبحنا قادرين على العمل، طبعاً أنا أتكلم محليًا، بينما كان مجتمع الغوطة في هذا الوقت غير معزول لا عن التطورات  التي تحصل في سورية بمعنى الحراك الثوري على امتداد سورية، ولا عن تطورات الربيع العربي [حيث] كانت تجربة تونس ومصر وبداية ما بعد السقوط وكيف يخوضون مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة التي ثاروا عليها، ومصر كان لها (أصدرت) الإعلان الدستوري والإخوان (الإخوان المسلمين) والانتخابات، هذا في مصر، وكانت في تونس أحداث الجمعية التأسيسية وتوازع السلطات، وكنا نحن في ذلك الوقت نشعر بأن الجيش قد خرج، وكذلك أخبار الحراك الثوري الذي يتنامى، وخروج المناطق في سورية عن سيطرة النظام، أي أننا أصبحنا قريبين من الشيء الذي سبقتنا إليه مصر وتونس، فكان لابد من أن نبحث عن الهوية وهوية الوطن الذي نريد الدخول إليه.

نحن كنا قد قلنا في حديث سابق أنه إذا كان عنوان عام 2011 في الوعي الجمعي للمجتمع والحراك المجتمعي، كان عنوانه فيها والفرز فيه على أساس "ثورجي/ عوايني" أو" ثورجي/ منحبكجي"، وهذا كان الخط الفاصل: [هل] أنت مع الثورة أم ضد الثورة؟ [بينما] في العام 2012 أصبح الفرز متقدمًا أكثر، فأنت عندما تبحث عن هوية ما بعد سقوط وما بعد تغيير هذه الأنظمة بدأنا نرى الفرز بين "إسلامي/ علماني"، وعلى سبيل المثال بدأت مثلاً في النقاشات العامة سواء داخل المجتمع أو المؤسسات الوليدة الصغيرة التي كانت تتشكل، بدأنا نسمع الشيء الذي كنا نتحدث عنه منذ بداية الثورة: حرية وديمقراطية وتداول سلطة وفصل سلطات، وبدأنا نسمع بمصطلحات جديدة على وقع الربيع العربي مثل تجربة مصر، بدأنا نسمع "الدولة الإسلامية"،وبدأت تخرج هذه الأصوات، وأحياناً الاعتراض على مصطلحات، فبمجرد أن تقول "ديمقراطية"، [يكون الرد:] يا أخي الديمقراطية حكم الأغلبية بينما الحاكمية لله، وبدأنا بصراع المصطلحات، ونحن أصبحنا حتى في نقاشاتنا نتجنب هذه المصطلحات الاستفزازية. [كنا نقول:] يا أخي أليس من حقنا كلنا أن يكون لدينا حرية التعبير؟ [فيجيب:] تمامًا، [ونقول:] إذًا فلننسَ كلمة "ديمقراطية"، ونبقي على كلمة "حرية التعبير"، أليس من حقنا أن ننتخب مثلاً إدارة المؤسسة؟ من حقنا أن ننتخبقادتنا و[أن] يكونوا بإرادتنا؟ حسناً هذا هو الانتخاب. وهنا بدأ الحراك [والنقاش] بمعنى: شورى أم ديمقراطية، دولة مدنية أمإسلامية، حدودنا هي الوطن السوري أم نرجع لأحلام دولة الخلافة الإسلامية، وبدأنا نرى بذور هذه الأفكار.

أنا أراها أمرًا طبيعيًا في ذلك الحين، لماذا؟ لأن المجتمع كان مغيبًا، والآن فلتخرج كل الأفكار، ومن حق الجميع أن يطرح فكرته على الأرض، ولكن ليس من حق أحد إقصاء أحد، وهنا كانت الإشكالية التي توجد أحياناً.

[هذه الأفكار كانت موجودة] أكثر لدى [الشقّ] المدني لأن الذين كانوا يحملون السلاح أغلبهم كانوا في تلك المرحلة، مرحلة الكتيبة المحلية ذات الطابع المناطقي وأن أهالي هذه البلدة أسّسوا هذه الكتيبة، وأهالي (...). كانت [تلك الأفكار] من عموم الشباب الذين تسيطر عليهم فكرة المقاومة وروح الفزعة وإسقاط النظام، ولكن ليس لديهم الرؤية السياسية لما بعد، وهذه الأفكار بدأت تُطرح بين النخب، وأنا سأذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأعود للعام 2011، وأذكر في ذلك العام كانت قناة الوصال التي يظهر فيها العرعور (عدنان العرعور)، كان له برنامج يوم الخميس يتكلم به وثاني يوم تجد المظاهرات (...)، وكانت هناك اتصالات من مختلف المناطق، وأنا كنت أظن أن هذه الاتصالات في جزء منها نوع مما سميناه "المناطقية الإيجابية"، أي أن كل منطقة تُظهر أنه "نحن لدينا حراك ولسنا متأخرين"، وكان نوعًا من الفخر أن أبناء منطقة يستطيعون تحريك الشارع، وفيما بعد ينقلون صورة هذا الحراك حتى على الإعلام، بمعنى ليس فقط المظاهرات الكبرى التي تكلمتم عنها في المدينة الفلانية أو المدينة الفلانية، بل ونحن أيضًا ساهمنا.

فكان هناك اتصالات من منطقتنا مع هذا البرنامج، وحدثت عدة مداخلات، وأنا سمعتها من ناشطين من أكثر من منطقة في الغوطة أنه عندما تكلمنا لدعم أسر المعتقلين والشهداء كانوا يصلوننا بحازم (حازم العرعور) الذي كان أول ما يسأل عنه إذا كان لديكم شيخ سلفي دعوه يتكلم معي. فهذا الكلام شكّل لدينا هاجسًا أنه: لماذا؟ وكان الكلام المعلن الذي نسمعه: ثورة ووطن وحرية، وحتى ما يتكلم به العرعور في وقتها، ولكن الكلام الذي هو تحت البث كان بهذا المنحى.

عام 2012 وبعد أن انسحب جيش النظام، وبدأ يصبح العمل الثوري واضحًا، وبدأ يتمأسس، فمثلاً فريق العمل في هذه البلدة،بدأ يأخذ المنحى التخصصي، وبدأنا نشاهد أنه تخصصت مجموعة منهم في العمل الإغاثي ومجموعة في الإعلام والتنسيقية،ومجموعة في حراك الشارع، والمجموعة الرابعة مثلًا بالعمل الطبي، والمجموعة الخامسة استهواها التسلح وذهبت باتجاه [الحراك] المسلح. وبهذا الشكل بدأت تتكون قطاعات عمل الثورة التخصصية، وهي خرجت في الأساس من كل الناس الذين كانوا منذ البدايات وعملوا في المظاهرات وعملوا في [الحراك] السلمي والذين كانت نيتهم الاعتصام في دمشق وإسقاط النظام للدخول بعدها في المرحلة الانتقالية، [بمعنى] الآلية السلمية التي مرت بها تونس ومصر، ولكن عندما بدأت القصص تنحرف باتجاه القبضة الأمنية فالقبضة العسكرية فالقمع فالقتل (...). وعندما خرج النظام من المنطقة حرمها من كل الخدمات، مثل الماء والكهرباء والاتصالات، وحتى المدارس خرّبوها قبل خروجهم. ونحن بعد خروج الجيش، [وجد] طلابنا الذين يدخلون المدارس كي يتعلموا المقاعد محروقة والوسائل التعليمية مخربة والزجاج مكسورًا، وبعد خروج الجيش عاشت الغوطة أجواء الحرب مثل قصف الهاون، وبدأ [النظام] باستخدام الطيران ضد الغوطة عام 2012 بعد خروجه منها، وكان الطيران يستهدف بشكل عشوائي وبالدرجة الأولى المشافي القائمة والساحات والأسواق، كان نوعًا من إحداث أضرار وخسائر كبيرة سواء بالبشر أو بالمرافق الخدمية.

عام 2012 بعد خروج النظام كانت المداخل الرئيسية على الغوطة، والطرق الرئيسة على حدود الغوطة التي يوجد فيها جيش النظام والأمن، دائماً لديهم لوائح المطلوبين، وكان الموظفون وطلاب الجامعات أو بعض التجار الذين يأخذون ويجلبون المواد، هؤلاء كانوا يسلكون الطرق الرئيسة، بينما الناشطون كانوا يتجنبون كل هذه الطرقات وكانوا يسلكون الطرق الفرعية من الحارات الصغيرة عند المتحلق حتى يستطيعوا الدخول إلى الشام (دمشق) أو العودة منها، وكذلك حارات المليحة، وكل منطقة حسب ما فيها، وكان هناك تجنّب [للطرق الرئيسة].

هنا بدأ الحرمان من الخدمات وتخريب المرافق الخدمية، ثم التضييق على دخول المواد، وبدأنا نسمع أن فلانًا وفلانة من الموظفين وهو عائد من وظيفته كان قد جلب معه ربطتين من الخبز ومنعوه من إلا من إدخال ربطة واحدة، ومثلًا كيلوين بندورة ممنوع تمرير سوى كيلو، وعلى هذا الشكل. عندما نقول حرم [النظام] الغوطة من الخدمات، أهم خدمة حرمها منها أن الطحين الذي كان يُوزّع على الأفران القائمة لم يعد يدخل إلى الغوطة، وبدأت موجة ارتفاع الأسعار وشحّ المواد تموينية.

الغوطة كان فيها مستودعات سواء لتجار أو لمعامل أغذية، وبدأت [مواد] هذه المستودعات تُضخّ في السوق، ويصبح هناك استهلاك وارتفاع بالأسعار، وبدأنا ببوادر الحصار، فحتى عام 2012 لم يكن هناك إطباق [حصار] مطلق، ولكن بدأ منع دخول المواد الغذائية والدواء، فنحن على سبيل المثال إذا أردنا القليل من الدواء خسرنا شهداء [منهم] أحد الشباب الذي كانت مهمته فقط قطع أوتوستراد المتحلق من طرف دمشق باتجاه الغوطة عين ترما ليحمل معه كيس الدواء الذي هو عبارة عن القليل من المضادات الحيوية والمسكنات، كان هذا الشاب رحمه الله باستمرار يأتي ويذهب [على أساس] أن "كرته غير محروق" عند النظام (غير مطلوب)، ويتنقل بحرية داخل المدينة، وعندما يأتي بالدواء يأتي من هنا، وأصابه القناص. ولم يكتف النظام بمسك الطرق الرئيسة، بل بدأ بالتضييق على الطرق الفرعية سواء بالقناصة أو بوجوده المباشر على كل حدود الغوطة.

في هذه الفترة عام 2012 وبعد خروج النظام، بدأت كتائب الجيش الحر، وبدأنا نرى سيلًا من إعلان كتائب الجيش الحر في مختلف أرجاء سورية، والغوطة لم تكن استثناءً من هذا الكلام، وبدأنا نسمع بالكتيبة الفلانية، ودائمًا كانت السمة في ذلك الوقت أنك تجد أغلب الكتائب هي بأسماء الصحابة أو أبطال تاريخيين، إلخ. وفي ذلك الوقت بدأنا نرى ظاهرة: فمثلاً يأتي أحد ويقول: أنا آت إلى الغوطة من دمشق واسمي أبو فلان، [مثلًا] أبو أحمد، ونحن نريد أن ندعم عمل الثورة في الغوطة، ونريد أن ندعم من يشكّلون كتيبة لديكم وليتهم يسمونها بالاسم الفلاني، وأذكر في إحدى المرات التقيت بشخص من هؤلاء، وقلت له: إصرارك على الاسم الفلاني لماذا؟ في النهاية في الكتيبة التي أُنشئت في البلد كان الشباب محتارين، وكانت موضة ودارجة، وكل شخص يقترح اسم أحد من الصحابة أو أبطال التاريخ العربي الإسلامي، وأحياناً يمكن أن يقترحوا أسماء لا يعرفون سيرتها، فهم شباب بسيطون، وكنا أحياناً نتكلم معهم ونستشيرهم، وقلنا لهم: دعونا نضع أسماء محلية، مثلاً نحن لدينا أسماء أبطال الاستقلال في الغوطة وجميعنا قرأنا في التاريخ عن ثورة حسن الخراط مثلًا التي كانت في الغوطة، فلماذا لا تكون كتيبة من كتائب الغوطة باسم حسن الخراط. وهنا بدأ دخول موجة العودة إلى التاريخ وفكرة المشروع الإسلامي، [فيقولون:] هل أنت ضد المشروع الإسلامي؟ [وأجيب:] يا أخي نحن لسنا ضد المشروع الإسلامي، ولكن نحن نتكلم بالأمر الذي له علاقة بواقعنا، وكنا نرى موجة تعاطف عالمي مع الثورة السورية، وكان الواسم في 2011-2012 انخراط بعض الشرائح من غير طوائف الإسلام السني في الثورة، وأصبحنا نسمع أن منتهى الأطرش تعطي تصريحات مع الثورة وتشارك في بعض الحراك، وأصبحنا نسمع بأسماء بعض المعارضة مثل ميشيل (ميشيل كيلو) أو جورج (جورج صبرة). ونحن كان يهمنا أن تكون الهوية الوطنية الجامعة [حاضرة]، صحيح أن العمود الفقري للثورة إذا أردنا أن نتكلم حسب [التقسيم] الطائفي هو في المناطق السنية لأن هذه المناطق التي فيها الخزان البشري وفيها الظلم الكبير وشعور الظلم الموجود عند الناس، ولكن [الثورة] لم تخرج بالهوية الطائفية.

فبهذا الموضوع شكّل لدينا حساسية [عالية]، وأنا أحد الأشخاص الذين يحرصون على أن نحافظ على العنوان الوطني لثورتنا،ولا يمنع هذا [العنوان] هوية أي مكوّن، ولا ينتقص من دوائر تكويني أنا مثلاً كمسلم سني والآخر كمسلم سني، ولكن فيالنهاية إذا أحصيت 100 مسلم سني فأيضاً هناك في [الرقم] 101 و102 مسلم غير سني من طوائف ثانية، ويمكن أن تجد شخصًا مسيحيًا، أليس هو ابن البلد أم أنه ليس ابن البلد؟ لذلك دعونا نحافظ على العنوان، ونعود لروح سورية في عهد الاستقلال حيث كان فيها برلمان، فالعام 2012 فعلًا كان غنيًا بالنقاشات الاجتماعية حول شكل سورية القادمة، وطبعًا كان هنا كمن يطرح الرؤية الإسلامية للخلافة من المحيط إلى المحيط، وهناك من يطرح الدولة الفلانية بالمرجعية الإسلامية.

هناك مثال قريب علينا في التاريخ وهو من 40 أو 50  أو 60 عامًا: سورية الخمسينات وسورية الاستقلال التي كان بها الجميع، وكنت ترى في مجلس نوابها الشيوعي والإخوان المسلمين والقومي والبورجوازي ووو، هذا هو المجتمع السوري حيث كنت ترى المسلم والمسيحي (...). وكنا نستحضر أحياناً بعض الأمثلة مثل فارس الخوري الشخصية الوطنية، وأنا بالنسبة لي كنت أخوض هذه النقاشات، فإذا فارس الخوري عندما أتى الاحتلال الفرنسي إلى سورية، ودائمًا قوى التدخل تأتي تحت العناوين الطائفية، ولا يستخدم [ورقة] الطائفية سوى قوى الاستبداد وقوى الاحتلال التي جاءت تحتل سورية بحجة إنقاذ مسيحيي الشرق، وفي وقتها كان هناك خطاب مشهور جدًا لفارس الخوري في الجامع الأموي [يقول فيه بما معناه] أنه إذا أتى الاحتلال ليحمي المسيحيين فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أي إذا أنت أتيت لتحميني لأني مسيحي فإذًا أنا مسلم.

الفكرة مثلاً أنه في الثورة السورية الكبرى، ونحن هذه الأمثلة كنا نتحدث بها كثيراً في النقاشات المجتمعية، ففي الثورة السورية الكبرى لم يكن عندهم حرج بأن يسمّوا قائد الثورة السورية الكبرى هو الدرزي سلطان باشا الأطرش لأنه يوجد هوية وطنية جامعة. ونحن كنا أبناء الرأي [القائل إنه] يجب أن نحافظ على هذه الهوية الوطنية الجامعة، وأي طرح باتجاه المشاريع الإسلامية هو يخدم أجندة النظام لأن بثينة شعبان منذ الشهر الأول بالثورة، وكذلك بشار الأسد في خطابه، لم يتحدثا إلا عن الطائفية، وسلوكهم على الأرض لم يتكلم سوى عن الطائفية، وطريقة المجازر المرتكبة في بانياس أو حمص لا تحمل إلا العنوان الطائفي، بمعنى أن النظام الآن بدأ يسعى لتقسيم البلد طائفيًا. حسناً نحن يجب أن نحافظ على هويتنا الوطنية، نحن لا تحمينا إلا هويتنا الوطنية، والعالم لا يمكن أن يقف معنا إذا لبسنا الثوب الذي أراد أن يلبسنا إياه النظام والذي هو ثوب التطرف السني، فهذا الكلام أولاً ليس هو لوننا، وثانياً نحن [بتلك الطريقة] نقدم خدمة مجانية للنظام [ويكون بذلك قد] سحبنا إلى الملعب والمربع الذي يريده هو. والذي يؤكد هذا الكلام أن النظام في عام 2011 و2012  [استهدف] الناشطين السلميين، وإذا ذكرنا منهم مشعل التمو الذي تم اغتياله وقاشوش حماة تم قتله وقلع حنجرته (تبيّن لاحقًا أن عبد الرحمن فرهود الملقب بـ "قاشوش حماة" ليس صاحب الجثة – المحرر) وغياث مطر صاحب مظاهرة الوردة مقابل الجيش تم قتله تحت التعذيب، وفي المقابل الذين كنا نسمع عنهم والذين كان يقول عنهم جميل حسن أو علي مملوك هؤلاء الضباع المجنزرة، والذين هم سجناء صيدنايا، والنظام نفسه كان قد اعتقلهم بتهمة القاعدة والإرهاب في العراق، يطلقهم (يطلق سراحهم)، وعندما يقول سأطلق الضباع المجنزرة، فهذه الضباع أطلقها ليس لتفتك بقواته، بل أطلقها لتفتك بالثورة. وهنا أنا كنت أحد الأشخاص [الذين قالوا إنه] يجب أن نعي هذا الموضوع، وهؤلاء طبعاً بعد ذلك، ويوجد أسماء كثيرة منهم، وإذا عدنا الآن لتاريخ الفصائل التي تبنّت المشروع الإسلامي وخاضت صراعات كبيرة داخل الثورة، ستجد أنهم هؤلاء الضباع الذين أطلقهم النظام.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/12

الموضوع الرئیس

حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2012

كود الشهادة

SMI/OH/52-16/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2012

updatedAt

2024/12/06

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة ريف دمشق-كفر بطنا

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

سجن صيدنايا العسكري

سجن صيدنايا العسكري

إدارة المخابرات الجوية

إدارة المخابرات الجوية

الجيش العربي السوري - نظام

الجيش العربي السوري - نظام

تنظيم القاعدة

تنظيم القاعدة

الجيش السوري الحر

الجيش السوري الحر

قناة وصال

قناة وصال

الشهادات المرتبطة