هيئة تحرير الشام
في 28 يوليو/تموز 2016 أعلن قائد تنظيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني وبحضور قيادات من التنظيم إلغاء تنظيم جبهة النصرة وفك الارتباط مع القاعدة، وتشكيل كيان جديد بمسمى “جبهة فتح الشام” دون تبعيته “للقاعدة”، التي يتفهم قادتها ضرورات فك الارتباط” بحسب الجولاني الذي أضاف إن فك الارتباط “جاء تلبية لرغبة أهل الشام في درء ذرائع المجتمع الدولي” بحسب تعبيره، وشدد الجولاني على القول إن الجبهة الجديدة “لن تكون لها صلات مع أي أطراف خارجية” وعلى الرغم من إعلان فك الارتباط بتنظيم القاعدة، إلا أن العلاقة التنظيمية استمرت بشكل سري، كما سرَّب ذلك قياديو التنظيم أنفسهم، وكان ذلك في أثناء غيبة الظواهري التي امتدّت قرابة سنتين وعشرة أشهر بالتوافق مع نائب الظواهري في سوريا ولكن دون موافقة قسم من قادة جبهة النصرة الأكثر ارتباطاً بتنظيم القاعدة والرافضين لبراغماتية الجولاني، ولذلك أعلنوا استقالتهم، وكان أبرزهم من رؤوس التيار الجهادي الأردني: سامي العريدي، وإياد الطوباسي، وبلال خريسات، وغيرهم. حين عاد الظواهري إلى التواصل مع فرعه بعد غياب طويل، لم يكن راضياً عن فك الارتباط "الشكلي" وطلب من جبهة فتح الشام العدول عنه إلا في حال تَحَقَّقَ اندماجٌ شاملٌ للفصائل في "حكومة إسلامية"، ما دفع بالجولاني إلى إتمام فك ارتباطه بالقاعدة حين أعلن عن حل “جبهة فتح الشام” لصالح بنية حركية أطلق عليها مسمى “هيئة تحرير الشام” التي تشكلت بتاريخ 28 يناير 2017 إثر اندماج عدد من الفصائل العاملة في الشمال السوري نهاية كانون الثاني 2017، في مقدمتهم: جبهة فتح الشام حركة نور الدين الزنكي جيش أحرار الشام جبهة أنصار الدين جيش المهاجرين والأنصار لواء الحق كما انضم للتشكيل الجديد عدد من شيوخ ودعاة “السلفية الجهادية” كــ: عبد الرزاق المهدي، وأبو الحارث المصري، وأبو يوسف الحموي، وعبد الله المحيسني، وأبو الطاهر الحموي, ومصلح العلياني قافم الأمر المرونة الملحوظة لخطاب (هتش)، ثم التدخل التركي في إدلب، الذي تعتبره الأدبيات الجهادية تعاوناً مع جيش "مرتد"؛ ما زاد من انقسامات (هتش) الداخلية، وأثبت للتيار القاعدي انحراف الجولاني، ما دافع الظواهري إلى إفشاء تَفَكُّك تنظيمه إلى العلن، في كلمة يحمل عنوانها نبرة تهديد مبهم: "سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة" (4 أكتوبر 2017م)، رفض فيها "فك ارتباط" الفرع السوري بالقاعدة، معتبراً ذلك عقداً شرعياً يحرم نكثه، وأن البيعة ملزمة وباقية. قرر المنشقون عن الجولاني تنظيم أنفسهم والتجهُّز لإعلان فرع جديد لتنظيم القاعدة في سوريا. كانت أولى مظاهر هذا المشروع، ظهور مسمى "جماعة أنصار الفرقان" على مواقع الإنترنت على إثر التدخل التركي؛ فيما بدا جسَّ نبضٍ قبل الإعلان الرسمي لعودة القاعدة، وهو ما دفع الجولاني إلى تحذيرهم باعتبار إعلانهم سيهدد تماسك تنظيمه الداخلي ويُقوِّض شرعيته الدينية. وفي أثناء ذلك ظهرت مبادرة من مُنَظِّري التيار السلفي الجهادي المقيمين في الأردن (أبرزهم: أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني) للمصالحة بين الجولاني وتيار القاعدة انتهت بالرفض المشترك. غير أن إصرار تيار القاعدة على إعلان الفرع الجديد، ومحاولة الجولاني إعادة التكيُّف بما يناسب المرحلة في ضوء التدخل التركي، وتَصَوُّره أن في إمكانه فرض نفسه سلطةَ أمرٍ واقع في إدلب، وشريكاً في الحل مستقبلاً، كل ذلك دفع الجولاني إلى شنِّ حملة على تيار المنشقين ورموزه الأردنيين واعتقالهم؛ وهو ما أتاح له التخلُّص من معظم العناصر الأردنية الموالية للقاعدة وقعت الحملة الأمنية التي شنتها “هيئة تحرير الشام” فجر 29 نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧ وقد اعتقلت بها “سامي العريدي” إلى جانب عدد من قيادات القاعدة الكبار في سوريا، أبرزهم “أبو جليبيب” ونائب الظواهري “أبو القسام السوري”، مبررة الحملة بأن هذه الشخصيات “كانت تسعى لتقويض كيان الهيئة ونشر الفتن والإشاعات” حسبما قالت، ومثيرة موجة من الانتقادات والاختلال داخلها، وفي الوسط الجهادي عامّة. وبعد أقل من يوم واحد من اعتقال أبرز قادة فرعه الجديد في سوريا، وعلى غير المألوف منه، نشر الظواهري كلمة صوتية بعنوان تهديدي آخر: "فلنقاتلهم بنياناً مرصوصاً"، بنبرة لا تخلو من الغضب والتوتر تجاه فك الارتباط واعتقال قيادات القاعدة متهماً الجولاني بأنه اعتقل النساء وتعسَّف مع الأطفال؛ وقد هاجم بكلمته الهيئة، وفك الارتباط من ناحيته تماما بإعلانه وجود فرع للقاعدة في سوريا، دون مزيد من التفاصيل، ومُوجِّهاً رسالته إلى أنصاره في سوريا بالتجهُّز لأوامر قيادة القاعدة التي لن تتركهم. وفي وقت لاحق ظهر على قنوات الفصائل المقربة من “القاعدة” في سوريا بيان مشترك بعنوان “أنقذوا فسطاط المسلمين” تحت اسم تنظيم جديد هو “حراس الدين”، حراسة شعلة القاعدة, والذي جمع تحت لوائه عدة كتائب صغيرة من المقاتلين الأجانب ومقاتلي وشخصيات القاعدة السابقين، أبرزهم “أبو الهمام الشامي” العسكري السابق للنصرة, والذي يقال إنه أمير التنظيم، برفقة “أبي جليبيب” الذي قتل لاحقا في درعا بظروف غامضة, و”أبو خديجة الأردني” و”سامي العريدي” و”أبو القسام خالد العاروري”، نائب أبي مصعب الزرقاوي الذي كان معتقلا في إيران، وانضم إليهم مؤخرا أبو اليقظان المصري, الشرعي العسكري في تحرير الشام سابقا، ليتشكل هناك خطر جديد على هيئة تحرير الشام يحمل بعدا ايديولوجيا، ويتمثل بالتنظيم الوليد ”حراس الدين” المنبثق عن تنظيم القاعدة الأم, الذي يشكل نواته الصلبة فلول “جند الأقصى” ويتزعمه القيادة العسكرية والشرعية المؤسسة في “جبهة النصرة”، والذين لهم تجارب كبيرة في التنظيم المتماهي مع التيار الجهادي العالمي