فساد النظام وانفصال بشار الأسد عن الواقع
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:08:14:10
في هذه الأثناء، عندما تمّ تكليفي برئاسة الحكومة تكلّم معي بشار من أجل موضوع شركة "سيريتل" و"إم تي إن" (شركتي الاتصالات الخلوية العاملة في سورية)، والموضوع ليس جديداً عليّ، ونحن ناقشناه في اللجنة الاقتصادية، ولكن بعد أن تمّ تكليفي برئاسة الحكومة تكلّم معي بشار بشكل مباشر حول هذا الموضوع، وطلب مني أن أوافق على هذا الأمر، والأمر الذي طلبه هو نقل عقود "سيرياتل" و"إم تي إن" من عقود استثمار إلى عقود إيجار. وفي نظام الاستثمار، فإن حصة الدولة من هذه العقود كانت 51 بالمائة، وحصة المشغّلين رامي مخلوف وميقاتي 49 بالمائة؛ وبالتالي في عام 2016، تعود ملكيتها بالكامل للدولة، عندما تنقضي 20 سنة. وفوجئت بأن بشار يطلب مني أن نحوّلها إلى عقود إيجار، وعقود الإيجار تعني تملّكاً، ولا يوجد حصة للدولة، وأن الدولة الآن بحاجة للسيولة المادية، وهاتان الشركتان لهما أموال، وبدل أن يسحبوها من البنوك سيدفعون لنا 500 مليون دولار ونصف. وطبعاً، هم لن يدفعوا بالدولار وإنما سيدفعون بالليرة السورية. فأولاً: الحكومة بحاجة الأموال والسيولة. وثانياً: تحلّ مشكلة. والمسألة الثالثة: أننا لا نعطي المشغّل الثالث الذي رسا على دولة خليجية.
وبالفعل، أنا شكّلت لجنتين: لجنة برئاسة وزير المالية، ولجنة برئاسة وزير الاتصالات. واستمعت للّجان التي درست هذا الموضوع، ووجدت أن هناك فارقاً كبيراً جداً ما بين حديث وزارة الاتصالات ووزارة المالية؛ حيث إن وزارة الاتصالات كانت مندفعة بشكل كبير جداً باتجاه إنجاز هذا الاتفاق، وتحويله إلى عقود إيجار. ووزارة المالية واللجان التي تشكّلت فيها كانت تقول: إن ذلك فيه خسارة مباشرة للدولة بمليارات الدولارات، يعني أكثر من 5 مليار دولار.
وضع الدولار داخل سورية كان متذبذباً، وكان هناك تضخّم، بمعنى أن سعر الدولار ارتفع من عام 2011، إلى عام 2012، وفي منتصف عام 2012، أصبح كل دولار يساوي 70-73 ليرة سورية. وبشكل طبيعي في ظلّ الأوضاع الحالية والعقوبات، سيرتفع الدولار بشكل أكبر؛ ولذلك نحن حسبنا "درسنا" هذا الموضوع، بأنه سيكون هناك خسارة كبيرة جداً، وبشار كان يضغط عليّ في هذا الموضوع، وأنا كنت أماطل في هذه المسألة، وخرجت من سورية، ولم أنجز هذه العقود التي طلبها بشار بالنسبة لشركة "سيرياتل" و"إم تي إن". وفيما بعد، الحكومة التي جاءت بعدي أنجزت هذه العقود، وحوّلتها إلى عقود إيجار. للأسف الشديد، كان فيها خسارة كبيرة جداً للدولة، فما بين عام 2012 ونهاية عام 2013 ،كانت قيمة 500 مليون دولار تساوي 35 مليار ليرة سورية، بينما نتيجة ارتفاع سعر الدولار وصل حتى 450 أو 500، بمعنى أنها عادت إلى حدود 100 مليون دولار (قيمة الاتفاق أو توقيع العقود)، وكان فيها خسارة هائلة جداً للدولة، ولكن الشيء المهم الذي أردت أن أذكره في هذا الموضوع هو: أن بشار عندما تكلم معي في هذا الموضوع، وكنا لوحدنا، كنت أفكر وهو يتكلّم معي أننا في منتصف عام 2012، والدماء تسيل في كل مكان، بمعنى أن وضع سورية مأساويّ، وبشار يفكر في النقود، ويفكر بالعام 2016، فكان لديه ثقة زائدة بأنه مستمرّ وباقٍ في الحكم، ويفترض أن هذه الشركات بعد 4 سنوات ستعود ملكيتها إليه. وهي ليست لرامي مخلوف، وإنما لبشار، وتعود ملكيتها لبشار؛ وبالتالي الأموال التي تعود من أرباح هذه الشركات، تذهب لبشار، ولا تنعكس على خزينة الدولة.
وكنت أقول: هل هو منفصل عن الواقع؟! بمعنى أنه بعيد، ولا يعرف ما يجري في الشارع، أو أن لديه تطمينات بأنه مستمرّ وباقٍ مهما حصل في سورية، وكان يقول لي هذا الكلام: بأن لديه تطمينات بأنه سيستمرّ في سورية، وهو باق. ولكن كان شيئاً مستغرَباً بالنسبة لي أنه بهذا الظرف والوقت هو يفكّر في موضوع جني الأموال، مع الأسف. وحتى الكلام الذي قلته للواء "ذو الهمة" أو أيمن جابر بالنسبة للعقود التي تتمّ، ويتمّ جمع الأموال وغيرها، فكنت أتفاجأ بشكل كبير جداً؛ فالبلد يعيش في هذه المرحلة وفي هذا الظرف، والناس تفكّر بجني الأموال، وكيف تخرج أموالها خارج سورية، وهذا الأمر لا ينطبق على هؤلاء الأشخاص فقط، وإنما ينطبق على كثير من المسؤولين في سورية، وخاصة الأمنيين والعسكريين ورجال الأعمال المرتبطين بالنظام، من الذين جنوا أموالاً وثروات طائلة من خلال الفساد في سورية، فلو أردت أن أتكلم عن موضوع ملف الفساد فسيكون ملفاً طويلاً جداً.
عندما كنت وزير زراعة طلب مني محمد مخلوف أن أوافق على معاملة تأجيرهم أملاك دولة، وهو قال لي: إنه يريد العمل على موضوع التطوير العمراني، وأن يبني ضاحية سكنية قريبة من ضاحية حرستا في ريف دمشق، وطلب مني أن أوافق على هذه المعاملة. والحقيقة أنها أثارت فضولي: فلماذا يريد هذه المعاملة؟ ولذلك استدعيت مدير أملاك الدولة، وطلبت منهم في وزارة الزراعة أن يبحثوا في خلفية هذا الموضوع، وكان محمد مخلوف يتكلم معي بشكل دائم، ومحمد مخلوف هو: أبو رامي (خال الرئيس)، وكان يكلمني بشكل دائم، ويلحّ عليّ بأن أوافق على المعاملة، وكان يريد إيجار 2000 دونم من أملاك الدولة، والمنطقة هناك هي منطقة عسكرية، ويوجد فيها مستودعات عسكرية؛ وبالتالي لا يمكن إقامة ضاحية سكنية، ولكنه كان قد حصّل على موافقة وزارة الدفاع؛ فأثارت فضولي بشكل كبير جداً، وأردت أن أعرف خلفية الموضوع، وبعد عدة أشهر، عرفت أن هذا المشروع ليس له، و مهمّته تمرير الموافقة في دوائر ووزارات الدولة فقط، بمعنى أنه يأخذ موافقة وزارة الزراعة ووزارة الدفاع، وحصته 4 مليارات ليرة سورية، وكان المشروع لتجار دمشقيين من أصحاب الأراضي هناك، وتمّ استملاكها من قبل وزارة الدفاع نتيجة وجود المخازن هناك (مخازن التسليح)، بالإضافة إلى أن قطعة الأرض هذه تتوسّطها أملاك دولة، وهم كانوا يريدون ضمّها معاً، والأمر بالنسبة لهم مربحاً، فالأرض مستملكة، بمعنى ليس لهم فيها شيء على الإطلاق، وهي تعود لهم، بالإضافة لذلك هم يكسبون 2000 دونم من أملاك الدولة، وتصبح ملكهم عندما تدخل ضمن قانون التطوير العقاري.
طبعاً، أنا خرجت من وزارة الزراعة، ولم أوافق على هذه المعاملة، ولم أوقّع عليها، وفيما بعد لا أعرف إذا تمت الموافقة عليها أم لا، ولكنني عرفت أن محمد مخلوف ليس له شيء فيها، وهو يأخذ حصة قدرها 4 مليارات ليرة سورية فقط إذا تمّت الموافقة على هذه المعاملة، وذكرت هذا كمثال عن الفساد الموجود، ومع الأسف، كان شيئاً مذهلاً.
لذلك عندما أسمع أن رياض حجاب انشقّ من أجل موضوع ماديّ، وأنه يأخذ 20 مليون دولار، أو يأخذ كذا، كنت أضحك بيني وبين نفسي؛ فلو كان موضوع الانشقاق من أجل المادة كان الشخص تمسّك بالكرسي والسلطة في سورية؛ لأنك لن تخرج بمبلغ 20 مليون أو 50 مليون فقط، ولكن ستخرج بمئات ملايين الدولارات، نتيجة للفساد الموجود، مع الأسف.
معلومات الشهادة
الموضوع الرئیس
حكومة رياض حجابكود الشهادة
SMI/OH/128-10/
أجرى المقابلة
عبد الرحمن الحاج ، منهل باريش
مكان المقابلة
الدوحة
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
2012
updatedAt
2024/03/18
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-ضاحية الأسدشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
رئاسة الوزراء - النظام
وزارة الدفاع - النظام
شركة سيريتل
وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي - النظام
شركة ام تي ان سوريا (MTN)