الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

البناء العلمي والأفكار المؤثرة في حياة الشاهد

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:20:53:04

لا بد أن أشير هنا إلى الفائدة الكبرى التي حققناها من لقاءاتنا مع السجناء الذين أفرج عنهم عام 1992 وكنا نتمنى أن هذه الفائدة لو عمت المجتمع ولم تكن مقصورة إلا على عدد محدود أقول: ربما نحن استفدنا من لقاءاتنا بهم بسبب فضولنا وتوقنا إلى المعرفة وأن تتجمع لدينا جرعة وعي إضافية من خلال معرفة ماذا جرى وكيف جرى ولماذا جرى؟ وكيف يمكن تجاوز المأساة في الوقت الذي فيه بقية المجتمع لم تتح له هذه الفرصة؟ لأن نظام الإجرام في سورية كان من القمع الشديد بحيث هؤلاء السجناء بعد أن أفرج عنهم من السجن لم ينخرطوا عمليًا في الحياة السياسية كما كانوا قبل اعتقالهم كما أن شظف العيش وانصرافهم إلى الحياة وبناء وتكوين مستقبلهم من جديد ومعظمهم خرج وقد تجاوزت أعمارهم الأربعين أو 45 وعليه أن يشرع بحياة جديدة ويتزوج وينجب أطفالًا ويؤسس لمشروع اقتصادي حتى لو كان بسيطًا من جديد، كل هذا تسبب في عدم معرفة الناس لتفاصيل مهمة جدًا كما أنه بسبب سياسة القمع التي مارسها النظام هؤلاء الذين أُفرج عنهم لم ينخرطوا في الحياة الاجتماعية والحياة السياسية ولم ينقلوا التجربة المرة التي عانوها طيلة 15 سنة في السجون السورية لم ينقلوها إلى الناس، بالإضافة إلى تأثير العامل النفسي بسبب طول مدة السجن في ظروف أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها ظروف غير إنسانية إن لم تكن وحشية. الحقيقة كان شيئًا لا يصدق. 

الذين نجوا من مجزرة [سجن] تدمر بالإضافة إلى الأهوال التي تعرضوا لها داخل السجن كلها كان لها تأثيرها الكبير، ولكن أحمد الله سبحانه وتعالى على لقائنا بهم وخصوصًا لأشخاص معينين كان لديهم القدرة على إدراك ما حصل يعني ربما بسبب وجود معظمهم داخل سورية حاليًا ليس مناسبًا أن تُذكر أي أسماء، ولكن الحقيقة أقول على صعيدنا الشخصي استفدنا كثيرًا من تجربتهم الطيبة وهذا كان أحد أهم العوامل التي ساعدتنا في اتخاذ القرار باتجاه الذهاب إلى المزيد من البحث والدراسة وإعادة النظر في ميراثنا الفكري.

 والعامل الثاني الذي ساعدنا حقيقة هو ظهور مفكرين إسلاميين كبار وسطيين طرحوا فكر الاعتدال وبدؤوا يناقشونه من خلال الكتب وأيضًا البعض منهم كانوا قد دخلوا مرحلة الاعتكاف لسنوات ثم عادوا ومن أمثال ذلك: الأستاذ الشيخ جودت سعيد وأنا أظن أنه كان من أكثر الشخصيات التي أثرت علينا إيجابيًا إذ أنه كان من أوائل من أقنعنا هو والشيخ محمود مشوح بفكرة الديمقراطية. والشيخ جودت سعيد كان لديه أربع أو خمس طروحات ملفتة للانتباه، وأعتقد أنه لو وصلت إلى الناس في تلك الفترة بشكل واضح ولم تكن على نطاق محدود فربما كانت نتائجه سوف تكون أكبر بكثير ومن بين هذه النتائج أنه لا للعمل العنفي مطلقًا، وأنا أزعم أنني كنت شديد التأثر بهذا الفكر، ولكن هذه الفكرة السلمية التي تمنع على الإنسان المسلم أن يحمل السلاح ولكنه في الوقت نفسه لا تسمح له أبدًا أن يسكت عن الحق، ويجب ملاحظة صعوبة المسألة إذ أنه كما تعلم فإن المواجهة العلنية المباشرة في عالم الأفكار وأن تقول رأيك بمنتهى الوضوح والصراحة هذا أمر ليس بالشأن السهل، وأحيانًا صاحبه يتعرض للأذى من قبل الأنظمة الاستبدادية والاستكبار أكثر بكثير من الشخص الذي يمارس فعل العنف، ولكنه يمارسه سرًا لأن من يمارس العنف سرًا لديه أمل ألا يُكتشف، أما من يتخذ قرارًا بأن يواجه الأنظمة المستبدة علنًا وفي عالم الأفكار وبوضوح تام وبالطريقة السلمية فهذا يعرض نفسه للاستهداف والضغط منذ اليوم الأول؛ لذلك نجم من طروحات جودت عندنا فكرتان بالغتا الأهمية، الفكرة الأولى: أنه إذا أردنا أن نبدأ في حل مشكلات العالم الإسلامي فأول ما ينبغي أن نفكر به أن نضع السلاح جانبًا. وثانيًا- لا للعمل السري مطلقًا وأن ما لدينا من أفكار علنية هو خير بكثير من الأفكار السرية وأن الأفكار السرية سوف ندان بها يومًا ما، كما أن الأفكار السرية لن نستطيع مناقشتها تحت الشمس، كل عمل سري طروحاته الفكرية لن يتم نقدها أو حتى التعرض لها أو مناقشتها ولا يمكن إجراء تغييرات أو تعديلات عليها وأنت تفترض صحتها من صحة قائلها وليس من صحة جوهرها وهذه نقطة بالغة الأهمية.

وأما النقطة الثالثة التي كان ينقلها إلينا الأستاذ جودت وهي فكرة أن الخيار الأمثل في العالم العربي في وطننا السوري في العالم الإسلامي هو الخيار الديمقراطي لأن الديمقراطية هي أفضل ما قدمته البشرية وما قدمته العقول البشرية لهذه البشرية خلال 300 سنة الأخيرة، والحقيقة فكرة بالغة الأهمية وقد تكون مفاجئة للكثير من الإسلاميين، أيضًا نقطة رابعة كان يركز عليها كثيرًا وهذه بالذات يختلف فيها الشيخ عن كثير من تلاميذه، الشيخ كان يتبنى وجهة نظر أننا واقعون في أزمة كبرى في العالم الإسلامي وعلينا أن نبحث عن حل وقبل إيجاد الحل لابد أن نشخص المشكلة، وعندما نشخص المشكلة تشخيصًا صحيحًا فإننا نكون قد وصلنا إلى نصف العلاج وعندما نباشر هذا العلاج فإن هذا العلاج هو وجهة نظرنا الحالية التي نعتقد أنها الصواب في الوقت الحالي وليس بالضرورة أن تكون صحيحة مطلقًا وليس بالضرورة ألا نكتشف فيما بعد أنه كان هناك تشخيص أدق ومعالجة أفضل. وأنا برأيي هذه النقطة بالذات تجعله يختلف عن الكثير من تلاميذه المباشرين الكبار الذين اشتركوا معه في فكرة جوهرية أنه هناك مشكلة حقيقة في العالم الإسلامي، ولكن الحل الذي بدأ يضع أسسه جودت سعيد هم اعتقدوا أنها هي الحقيقة المطلقة وأنه قد وصلهم من المعرفة والعلم ما لا يمكن نقاشه وبالتالي أصبح يوجد نوع من أنواع التعالي على الآخرين وهذه واحدة من أكبر المشكلات التي حصلت فيما بعد.

 جودت كان لديه الشعار القرآني عندما يطرح أفكاره فيقول: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. بمعنى أن أفكاري وطروحاتي أطرحها أمام الناس وعلى الناس أن يفكروا فيها وإذا كانت حقيقية أصلية قابلة للحياة فسوف يتقبلها المجتمع ويأخذها واذا كانت أفكار سيئة غير قابلة للحياة فسوف يلفظها المجتمع كما يلفظ السيل الزبد، وكان لديه فكرة جميلة وكان يقول: أنا أقول وأنت تقول وللناس عقول، دع الناس تفكر بما سوف نقول وتختار الخيار الأمثل، وأنا ظني أن المرجعية الفكرية لهذا الموضوع هو قول أبي حنيفة -رحمه الله- وهو قول رائع جدًا لم يأخذ حقه من الشهرة "إن قولنا هذا رأي فمن جاءنا بخير منه قبلناه"، وأنا أزعم أن هذه الجملة من أروع الجمل التي تعبر عن الحياه الديمقراطية: "إن قولنا هذا رأي فمن جاءنا بخير منه قبلناه". وأنا أظن أن جملة أبي حنيفة أميز من جملة الإمام الشافعي -رحمه الله- التي يقول فيها "إن رأيي صحيح يحتمل الخطأ وأن رأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، يعني الجملة الأولى أكثر ديمقراطية من الثانية والجملة الثانية يوجد فيها نوع من الاعتداد بالنفس أكثر، والشاهد في القصة أن تأثير جودت سعيد علي على الأقل بشكل شخصي بالإضافة إلى المجموعة التي بدأنا نفكر في تشكيلها وكان من بينهم في ذلك الوقت في عام 1992 أخونا يوسف الديب ورياض درار وأحمد رمح و إسماعيل الصالح ومحمد الهزاع ثم كان معنا من المجموعة بعد ذلك عام 1995 علي العبد الله وأيضا المهندس -رحمه الله- الأستاذ طلعت شخلها يعني كنا نشكل مجموعة من سبعة أو ثمانية أشخاص أخذت على عاتقها أن تهتم بمثل هذه القضايا الثقافية، وأيضًا أفادنا كثيرًا تعرفنا على الشيخ محمود مشوح -رحمه الله- مفتي الميادين بالرغم من أنه ظاهريًا كان يبدو كشخصية شرعية مشيخية ولكنه للأمانة كان رجلًا عالمًا مدركًا للأبعاد السياسية وكانت لديه جملة شهيرة جدًا يقول: إنكم سوف تدفعون من أجل الديمقراطية ثمنًا أغلى بكثير من كل الأثمان التي دفعتها المجموعات المتشددة والمتطرفة وأن أنظمة الاستبداد لا يمكن أن تغفل عن نشر مثل هكذا أفكار ديموقراطية أو أن تقبل أن تقوموا أنتم بخلوعة (زعزعة) المجتمع من خلال دفع هذا المجتمع باتجاه عالم الأفكار.

هناك تقسيم لمالك بن نبي -رحمه الله- يقسم الأمور إلى أقسام: عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأفكار، فالأنظمة المستبدة تريد منك أن تعيش في عالم الأشياء وتهتم في بيتك وسيارتك وشظف عيشك والقضايا الحياتية، ولكن أن تهتم في الشأن العام والشأن السياسي فهذا ما لا ينبغي أن يحصل أبدًا وأيضًا اقصى ما يمكن أن يُسمح به هو أن تدخل في عالم الأشخاص وأن تعتقد أن صحة فكرة ما ناجمة عن الشخص الذي قالها وليس عن صحتها بحد ذاتها هذا شيء بالغ الأهمية.

أيضًا أثر علينا في تلك الفترة ظهور مجموعة من الكتب القيمة جدًا ولعل من أهم هذه الكتب كتاب الشيخ راشد الغنوشي: الحريات العامة في الدولة الإسلامية. وأنا أزعم أنه كان من أكثر الكتب المؤثرة والتي ساهمت في تغيير البنية الفكرية لجيل كامل، ولا أزال أذكر أن هذا الكتاب كان كتابًا ممنوعًا تداوله وقمنا بتصويره وتوزيعه على مجموعة كبيرة من الشباب المثقف يعني كل من قرأ هذا الكتاب تأثر فعليًا بمحتوى هذا الكتاب من حيث ما هي الحدود المسموح فيها بالتعامل مع الأطراف الأخرى وكيف يمكن أن ننشئ مجتمعًا حرًا في عالمنا الإسلامي دون أن نتخلى عن ديننا وكيف يمكننا التعايش مع العلمانية وكيف يمكننا أن نبدأ بالتفكير جديًا في بناء مجتمع مدني. وأعتقد أنه بالنسبة إلينا لم نكن لنصل نحن إلى ما وصلنا إليه من إيماننا العميق بالديمقراطية حتى بشكلها الليبرالي لولا هذه المقدمات التي قدمتها إلينا أمثال هذه الكتب وأيضًا ينبغي ألا ننسى جهود الشيخ يوسف القرضاوي في تلك الفترة، والأهم من هذا وذاك هو جهود مفكرين إسلاميين كبيرين عزفا على هذا الوتر بشكل أكثر من رائع وهما الشيخان: الدكتور حسن الترابي والشيخ محمد الغزالي، وأنا أظن أن الشيخ محمد الغزالي كان هو صاحب التأثير الأكبر الذي أثر كثيرًا في العالم العربي والإسلامي في مثل هكذا قضايا في أواخر الثمانينات والست سنوات الأولى من التسعينات قبل وفاته -رحمه الله- على ما أذكر في آذار/ مارس 1996.

الحقيقة أنه [في] المجموعة التي شكلناها بدأنا نبحث: من أين نبدأ؟ من الأفكار أو القضايا الكبرى التي نناقش فيها؟ وكان -رحمه الله- الشيخ طلعت شخلها صديقنا في المجموعة كان بالنسبة إلينا بمثابة مدير المركز الثقافي لأنه أكثرنا تفرغًا، وكان شديد الاطلاع على الكتب وعلى كل ما ينتج من كتب حديثة وكان هو الذي يلتقط الكتب الممتازة وبما أنه في معظمها كتب ممنوعة أو تداولها محدود كنا نضطر إلى تصويرها وتوزيعها على مجموعات أكبر يعني كل كتاب نوزعه ما بين 50 و100 نسخة في دير الزور، ولم تكن لدينا أي عقدة من أي طرح كان، يعني نحن منذ البداية كنا نقرأ لبرهان غليون مثلًا و كنا نقرأ في كتب الفلسفة وكتب نقاشات تحصل ما بين التيار الإسلامي والعلماني ولم يكن لدينا حرج أبدًا أن نستمع إلى وجهة نظر مخالفة بالنسبة إلينا حتى مهما كانت قسوتها. يعني منذ البداية نحن تشكل لدينا قناعة بعدم جواز قتل المرتد لأنه لا يوجد دليل في القرآن الكريم على قتل المرتد وأن المرتد توعده الله سبحانه وتعالى بعقوبة شديدة جدًا وهي الخلود في النار، ولكن في الحياة الدنيا فأنت لا تملك أن تحجر على فكره بشيء ومن منطلق إسلامي.

لعل من أكثر المواضيع حساسية وأهمية التي نحن تعمقنا في دراستها هي السنة النبوية وأصبحنا ندرس تفصيلات ربما سوف يفاجئ البعض أننا كنا ندرسها في ذلك الوقت، يعني كنا نتجرأ على مناقشة صحة الأحاديث وخصوصًا الأحاديث السياسية ونحن نزعم أن معظم الأحاديث السياسية التي اعتمدت عليها "داعش" فيما بعد في تبرير سلطانها وتبرير جرائمها كلها كانت ضمن نطاق الأحاديث التي وضعناها نحن تحت المجهر يعني على سبيل المثال مجموعة من الأحاديث التي كنا نناقشها باستمرار مثلًا منع المرأة من العمل السياسي استنادًا إلى الحديث المنسوب إلى النبي عليه الصلاة والسلام: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". وعلماؤنا الأقدمون وضعوا حول هذا الحديث أكثر من إشارة استفهام وأيضًا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". وهذا الحديث يتعارض مباشرة مع مبدأ قرآني: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". وأيضًا: [حديث] "من بدل دينه فاقتلوه".

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/01/24

الموضوع الرئیس

سيرة ذاتية

كود الشهادة

SMI/OH/6-03/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

قبل الثورة

updatedAt

2024/04/17

المنطقة الجغرافية

محافظة دير الزور-محافظة دير الزور

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش

الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش

سجن تدمر

سجن تدمر

الشهادات المرتبطة